وضع داكن
16-04-2024
Logo
قوانين القرآن الكريم - الدرس : 27 - قانون التوحيد
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل العبادة :

 أعزائي المشاهدين ، أخوتي المؤمنين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والإنسان أيها الأخوة ، يحب التفاصيل في بعض الأحيان ، وفي أحيان أخرى يحب الكليات ، لو أردنا أن نتتبع في القرآن الكريم الكليات المتعلقة بحقيقة الدين، الآية التي تعد أصلاً في هذا الباب والتي تتحدث عن حقيقة التدين وعن حقيقة الدين هي قوله تعالى :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

( سورة الأنبياء )

 أي فحوى دعوة الأنبياء جميعاً التوحيد والعبادة ، التوحيد هو العقيدة ، والعبادة هي السلوك ، التوحيد المنطلق النظري ، والعبادة التطبيق العملي ، التوحيد هو صلب الدين ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، التوحيد ألا ترى مع الله إلهاً آخر ، والتوحيد أن ترى أن يد الله تعمل وحدها ، التوحيد أن تعتقد أنه :

 

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

( سورة هود الآية : 123 )

 التوحيد يعني أن تؤمن أنه لا إله إلا الله ، التوحيد يعني ألا ترى مع الله شريكاً ، التوحيد أن تخلص الوجهة إلى الله ، لا إله إلا أنا ، قال العلماء : نهاية العلم التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، ونهاية العلم التوحيد ونهاية العمل العبادة ، لأن الله عز وجل يقول :

 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

( سورة الذاريات )

 كأن هذه الآية التي تعد أصلاً في هذا الباب تبين أن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً هذه الفحوى لا تزيد عن توحيد وعبادة ، عن إيمان وعمل ، عن منطلق نظري وعن تطبيق عملي .

 

التنوع اللانهائي في تصنيفات البشر ما أنزل الله به من سلطان :

 ولكن أيها الأخوة ، البشر كما نعلم وكما نرى ألوان ، وأجناس ، وفئات ، وأديان أرضية وغير أرضية ، واتجاهات ، وتيارات ، وطوائف ، ومذاهب ، هذا التنوع اللانهائي في تصنيفات البشر ما أنزل الله به من سلطان ، بل إن الله عز وجل في آية يبين أن الانتماء الشكلي أو أن الانتماء التاريخي من دون التزام لا يقدم ولا يؤخر ، ولا وزن له عند الله إطلاقاً ، ولا يرقى بصاحبه بشكل قطعي ، هذه الآية تقول :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا (17)﴾

( سورة الحج )

 هؤلاء الذين ينتمون إلى الإسلام شكلياً :

 

﴿ وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ ﴾

( سورة الحج )

 جاء في بعض التفاسير أن الصابئين من خرجوا من الدين وأحدثوا ديناً جديداً ، أي يمكن أن يسموا العلمانيين :

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ ﴾

( سورة الحج )

 الآن دققوا كأن الله عز وجل يبين أنهم عند الله سواء ، لا وزن لهم ، لا فرق بين جهة وأخرى ، وبين صنف وصنف ، شردوا عن الله جميعاً ولم يطبقوا منهج الله إطلاقاً ، انتموا إلى أديانهم انتماء تعصبياً ، انتموا إلى أديانهم انتماءً مصلحياً ، انتماءً عقائدياً ، هؤلاء الذين ينتمون إلى أديان متعددة ويتعصبون لها ولا يطبقون مناهج أنبيائهم هؤلاء عند الله سواء وسيان ، ولا وزن لهم ، ولا شأن لهم ، ولا رفعة لهم ، بل إن هذا الانتماء الشكلي التعصبي سبب خلافاتهم ، بل وحروبهم ، بل وسفك دمائهم .

 

حقيقة الدين أن تؤمن بالله وباليوم الآخر :

 أيها الأخوة الكرام ، الآية تقول :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ ﴾

( سورة الحج )

 الآن ندقق :

 

﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾

( سورة الحج )

 من آمن بالله من هؤلاء جميعاً الإيمان الذي يحمله على طاعته ، و الإيمان باليوم الآخر ، الإيمان الذي يمنعه أن يؤذي مخلوقاً ، آمن بالله فاستقام على أمره ، وآمن بيوم الدين، يوم الحساب ، يوم الجزاء ، بالدينونة ، الإيمان باليوم الآخر منعه أن يؤذي نملة فما فوقها ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

 

(( دخلت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار ؛ لا هي أطعمتها وسقتها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ))

 

[ مُتَّفَقٌ عَلَيْه عن ابن عمر]

 فإذا كان التسبب في موت هرة يستحق عذاباً غليظاً في جهنم فما قولنا فيما فوق الهرة ؟
 أيها الأخوة الكرام :

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا (62)﴾

( سورة الحج )

 كأن الله يبين حقيقة الدين ، حقيقة الدين أن تؤمن بالله إيماناً يحملك على طاعته ، وأن تؤمن باليوم الآخر إيماناً يمنعك أن تؤذي مخلوقاً كائناً من كان .

 

من بنى حياته على العطاء لا خوف عليه في المستقبل و لا يحزن على الماضي :

﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾

 بنى حياته على العطاء ، كان صالحاً في بيته ، ومع أخواته، ومع أصدقائه ، ومع جيرانه ، ومع من يتعامل معهم ، وفي عمله ، وفي سفره ، وفي إقامته، وفي خلوته ، وفي جلوته ، وفي إقبال الدنيا ، وفي إدبار الدنيا ،

﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾

  هذا الذي آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً لا خوف عليهم من المستقبل ، لن يخبئ لهم المستقبل إلا الخير ، إلا السلامة ، إلا السعادة ، إلا التفوق ، إلا التقدم من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام ، فلا خوف عليهم في المستقبل ولا هم يحزنون على الماضي ، وكأن هذه العبارة التي تتكرر في القرآن الكريم كثيراً تبين أن الماضي مغطى بعدم الندم ، والمستقبل مغطى بعدم الخوف :

 

﴿ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)﴾

( سورة الحج )

الله عز وجل لا يسمح لطاغية على وجه الأرض أن يكون طاغية إلا ويوظف طغيانه لخدمة دينه :

 أيها الأخوة الكرام ، الله عز وجل في آيات أخرى يذكر هذه الأصناف مجتمعة ثم يقول :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (17)﴾

( سورة الحج )

 هو الحكم ، هو الذي يحكم على فئة منهم بالهدى أو الضلال :

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (17)﴾

( سورة الحج )

 لكن ماذا يفعل الطغاة في الأرض وعلى رأس هؤلاء الطغاة فرعون موسى ؟ قال تعالى :

 

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾

(سورة القصص )

 يستنبط أن الله عز وجل لا يسمح لطاغية على وجه الأرض أن يكون طاغية إلا ويوظف طغيانه لخدمة دينه وللمؤمنين ، من دون أن يشعر ، ومن دون أن يريد ، وبلا أجر ، وبلا ثواب .

 

ليس منا من فرق :

 أيها الأخوة ، وكما أن الطغاة يستخدمون الفتن الطائفية ، والمذهبية ، والدينية كسلاح من أجل سيطرتهم على من حولهم ، هناك أناس أيضاً يختلفون اختلافاً شيطانياً ، فالله عز وجيل يقول :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ (159)﴾

(سورة الأنعام)

 لست منهم يا محمد ، ليس منا من فرق ، وقال تعالى :

 

﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)﴾

(سورة الروم)

 أيها الأخوة ، لو أن الإنسان توجه لغير الله ماذا يجد عنده ؟ الله عز وجل يقول :

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(17)﴾

(سورة العنكبوت)

العلاقة بين المؤمنين تقوم على الحبّ و الود :

 أيها الأخوة الأحباب ، الآية التي ينبغي أن نتوج بها هذا اللقاء الطيب هي قوله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)﴾

( سورة فصلت )

 ثم يقول الله عز وجل :

 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

( سورة فصلت )

 بل إن أدق ما في القرآن الكريم في شأن العلاقة بين المؤمنين قوله تعالى :

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

( سورة مريم )

 قال علماء التفسير :" يجعل الله لهم وداً بين الله وبين عباده ، أو يجعل الله لهم وداً فيما بين أنفسهم " .
 وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .

 

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور