- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠24برنامج قوانين القرآن الكريم - قناة الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون تفريج الكروب :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم : ( قانون تفريج الكروب)وما أكثرها في العالم الإسلامي .
الدنيا دار ابتلاء و امتحان :
أيها الأخوة الأحباب ، ورد في كتاب عن خُطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النص التالي :
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي ))
أيها الأخوة ، المركبة (السيارة)لماذا صُنعت ؟ صُنعت من أجل أن تسير ، ولماذا وضع فيها المكبح والمكبح في أصل وظيفته يتناقض مع السير ويوقف الحركة ؟ هذا المكبح مع أنه يتناقض مع علة صنع السيارة لكنه ضروري جداً لسلامة الركاب .
وكذلك المصائب ، نحن في دار ابتلاء ، نحن في دار امتحان ، نحن في دار فيها نوازع نحو الأرض ، واتجاهات نحو السماء ، فحينما يغفل الإنسان قد يقع في خطأ ، والخطأ ينبغي أن يُعالج من قبل رب العالمين ، وكلمة رب العالمين تعني التربية ، فالله عز وجل يقول :
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
مصائب المؤمنين مصائب دفع إلى باب الله ورفع في مقامات المؤمن :
إذاً طبيعة الحياة الدنيا فيها ابتلاء ، الإمام الشافعي سُئل : ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ تبسم وقال : لن تمكن قبل أن تبتلى ، والله عز وجل يؤكد في بعض الآيات الكريمة أن هناك مصائب تصيب المؤمنين قال تعالى :
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾
هذه مصائب المؤمنين ، مصائب دفع إلى باب الله ، ومصائب رفع في مقامات المؤمن ، هذه المصائب كلها خير ، وقد عبّر القرآن عنها وقال :
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
الباطنة هي المصائب التي تصيب المؤمنين كي تسوقهم إلى باب الله ، وتحملهم على التوبة ، وترقى بهم إلى أعلى مقام .
مصائب الأنبياء مصائب كشف و مصائب الطرف الآخر مصائب قصم :
لكن مصائب الطرف الآخر مصائب العصاة ، والمجرمين ، والفجار ، مصائب قصم ، وإن كان في هذا الإنسان بقية خير مصائب ردع ، أما مصائب الأنبياء مصائب كشفٍ.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول :
(( اللهم ما رزقتنا مما نحب ، فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب ))
هذه النصوص تؤكد حقيقة دقيقة ، هي أن الدنيا مفعمة بالمصائب ، بالأحزان ، هكذا جعلها الله بهذه الطبيعة ، كي نسعد في الآخرة ، الله عز وجل يربينا في الدنيا ويكرمنا في الآخرة .
توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء :
أيها الأخوة الأحباب ، هناك نقطة دقيقة في الموضوع أن الحظوظ ، المال حظ ، الوسامة حظ ، الذكاء حظ ، القوة حظ ، العمر المديد حظ ، أن هذه الحظوظ وزعها الله في الدنيا توزيع ابتلاء ، وسوف يوزعها في الآخرة توزيع جزاء ، قال تعالى :
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
فالمؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ))
أين هو قانون تفريج الكروب ؟ الدنيا دار ابتلاء ، وفيها مصائب ، يصيب الله بهذه المصائب عباده المؤمنين ، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( أشد الناس بلاء الأنبياء ، وأنا أشدهم بلاء ، ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل ))
شيء طبيعي جداً أن هناك مصائب في الدنيا ، لأن الله رب العالمين يأخذ بيدنا إلى بابه ، ويسوقنا إلى جنته ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( عجب ربنا من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل ))
ولكن هذا المؤمن إذا وقع في إشكال ، وقع في ألم ، في حزن ، في مصيبة ، ماذا يفعل كي ينجو منها ؟ هنا محور هذا اللقاء الطيب ، قانون تفريج الكروب .
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً :
أيها الأخوة ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
الإنسان أحياناً يرى أن الأبواب قد غُلقت كلها ، يبحث عن مخرج نجاة ، لذلك الآية تقول :
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
ولحكمة بالغةٍ بالغة تُغلق الأبواب أمام المؤمن أحياناً ، ويفتح له باب السماء ، هذا الباب فيه سعادته ، وفيه سلامته ، وفيه رقيه ، لذلك قال تعالى :
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
وأنا أعتقد أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، زوال الكون ، لأن هذه المصائب يسوقها الله عز وجل لحكمة بالغة ، إذا دخلت إلى مسجد ، ورأيت فيه آلاف مؤلفة ، اعلم علم اليقين أن معظم هؤلاء ساقهم الله إلى بابه بتدبير حكيم ، وتربية راقية ، فكانت النتيجة أنهم اصطلحوا مع ربهم ، وسلموا وسعدوا في الدنيا والآخرة .
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام :
(( عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارق ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
قانون تفريج الكروب في هذه الآية الدقيقة الجامعة المانعة .
من عظمة هذا القرآن أن كل آية إذا نُزعت من سياقها كانت قانوناً :
أيها الأخوة ، هذه الآية :
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
لها سياق لو نزعتها من سياقها لأصبحت قانوناً ، في سياق آيات الطلاق ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
أي
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في تطليق زوجته طلاقاً سُنياً صحيحاً وفق توجيهات القرآن الكريم ،
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
إلى إرجاعها ، هذا المعنى السياقي ولكن عظمة هذا القرآن أن كل آية إذا نُزعت من سياقها كانت قانوناً .
مثلاً :
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في كسب ماله يكسب المال الحلال ،
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
من إتلاف المال ،
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في اختيار زوجته ، اختارها ذات صلاح ودين ، فسعد بها ، وكانت وفية له ،
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في اختيار زوجته وفق منهج الله .
(( فعليك بذات الدين ))
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
من الشقاء الزوجي ،
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في تربية أولاده تربية إسلامية
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
من عقوقهم ،
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
بالإيمان والتوحيد
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
من الشرك .
هذه الآية صدقوا أيها الأخوة زوال الكون أهون على الله من ألا تحقق نتائج هذه الآية ، حينما تضيق :
كن عن همومك معرضا وكلِ الأمور إلى القضا
وابشر بخير عــاجل تنسى به ما قد مضى
فلربَ أمــر مسخط لك في عواقبه رضـا
* * *
ولربما ضاق المضيق ولربما اتسع الـفضا
الله يفــعل ما يشاء فلا تـــكن معترضا
الله عودك الــجميل فقس على ما قد مضى
* * *
كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع :
أيها الأخوة الأحباب ،
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
قال تعالى :
﴿ َقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
إلهنا ، وربنا ، وخالقنا ، في قرآنه ، وفي كلامه ، يبين أن مكر الطرف الآخر يزيل الجبال من مواقعها ، ومع ذلك يطمئننا ، ويقول :
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
إذاً ما ساق الله لنا مصيبة إلا لمصلحتنا ، إلا ليقربنا منه ، إلا ليجمع كلمتنا ، والله عز وجل لا يسمح لطاغية على الإطلاق أن يكون طاغية إلا وأن يوظف طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين بلا شعور ، وبلا إرادة ، وبلا أجر ، وبلا ثواب .
إذاً كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
أيها الأخوة ، الله عز وجل يعدنا فيقول :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾
إذاً نحن حينما نعبد الله عز وجل نستحق كل هذه الوعود التي يعد زوال الكون أهون على الله عز وجل من ألا تحقق ، لذلك فلنستبشر ، ولنثق بربنا ، وبهذا الدين العظيم .
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
الفائز من ربح الآخرة والجنة معاً :
أيها الأخوة الكرام ، الدنيا زائلة ، تغر ، وتضر ، وتمر ، والآخرة باقية ، فطوبى لمن ربح الآخرة ، وذاق بعض المتاعب في الدنيا. فلذلك الإنسان حينما يربح الآخرة ، ويربح جنة الله عز وجل يكون قد فاز فوزاً عظيماً .
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
أيها الأخوة الأحباب ، إلى حلقات قادمة إن شاء الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .