وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0983 - خواطر إيمانية من سورة القدر - أسباب النصر .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الخطبة الأولى
 الحمد لله نحمده، ونستعين به، و نسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق و البشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

خواطر إيمانية من سورة القدر

 أيها الإخوة الكرام، خواطر إيمانية من سورة القدر، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾

[ سورة القدر ]

 أيها الإخوة الكرام، نلمح في هذه السورة إشارة إلى الوقت ليلة القدر وألف شهر، ونلمح من قوله تعالى:

 

حقيقة ليلة القدر

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة الزمر: الآية 67]

 كما قيل: إن الآية أحياناً تنثني على أختها فتفسرها، فليلة القدر الليلة هي التي تعرف الله بها، وثمة فرق كبير بين العابد والعالم.
 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( فَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ ))

 

[الترمذي وابن ماجه]

 عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ... ))

 

[الترمذي]

 لعل ليلة القدر تنقل الإنسان من عبادة إلى علم من أداء للعبادات أداء شكلياً إلى معرفة الله، والمسافة كبيرة جداً بين مرتبة العبادة وبين مرتبة العلم، فالعبد الذي يؤدي عباداته من دون فقه، ومن دون معرفة مقاومته هشة، لأدنى ضغط يخرق استقامته، لأدنى إغراء يخرجه عن منهج الله عز وجل، فليلة القدر من خلال قوله تعالى:

 

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾

[ سورة الزمر: الآية 67]

 تلك الليلة التي ينتقل فيها الإنسان من عبادة شكلية إلى معرفة لله عز وجل.
 أيها الإخوة الكرام، إن حقيقة ليلة القدر هي اتصال هذا الكائن الإنساني الصغير الضعيف الفاني المحدود بالأصل المطلق الأزلي الباقي، الذي صدر عنه هذا الوجود، وعندئذ ينطلق هذا الإنسان من حدود ذاته الصغيرة إلى رحابة الكون الكبير، ومن حدود قوته الهزيلة إلى عظمة الطاقات الكونية المخبوءة، ومن حدود عمره القصير إلى امتداد الآباد التي لا يعلمها إلا الله، هذا الاتصال فضلاً على أنه يمنح الإنسان القوة والامتداد والانطلاق فإنه يمنحه السعادة الحقيقية التي يلهث وراءها الإنسان، هي سعادة رفيعة، وفرح نفيس، وأنس بالحياة، كأنس الحبيب بحبيبه، وهو كسب لا يعدله كسب، وفقدانه خسارة لا يعدلها خسران، وعبادة إله واحد ترفع الإنسان عن العبودية لسواه، فإما أن تكون عبداً لله، وإما أن تكون عبداً لعبد لئيم، فهذا الذي عرف جانباً من عظمة ربه لا يذل لأحد، ولا يكون محسوباً على أحد، ولا يحني رأسه لغير الواحد القهار.
 أيها الإخوة الكرام،فليس هناك إلا قوة واحدة، ومعبود واحد، وعندئذ تنتفي من حياة الإنسان المصلحة والهوى ليحل محلها الشريعة والعدل.

 

تجليات ليلة القدر وآثارها

 

 أيها الإخوة الكرام، حينما يتجلى الله على المؤمن في ليلة القدر بجلباب الهيبة والعظمة والجلال، فتخضع الأعناق له، وتنكسر النفوس، وتخشع الأصوات، ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء.
وحينما يتجلى الله في صفات الجمال والكمال، وهو كمال الأسماء، وجمال الصفات، وجمال الأفعال الدال على كمال الذات، فيستنفذ حبه من قلب العبد قوة الحب كلها بحب ما عرفه من صفات جماله، ونعوت كماله، فيصبح فؤاد العبد فارغاً إلا من محبة الله، فإذا أراد منه الغير أن يحب غير الله أبى كل الإباء، فتبقى المحبة له طبعاً لا تكلفاً.
 وإذا تجلى الله على قلب هذا المؤمن في ليلة القدر بصفات الرحمة واللطف، والبر والإحسان انبعثت في نفسه قوة الرجاء، وانبسط أمله، وقوي طمعه، وسار إلى ربه، وحادي الرجاء يحدو ركاب سيره، وكلما قوي الرجاء في عطاء الله ازداد الجهد، وتضاعف السعي إلى مرضاته.
 وحينما يتجلى الله على هذا الإنسان في ليلة القدر بصفات العدل والغضب، والسخط والعقوبة انقمعت النفس الأمارة بالسوء، وضعفت قواها عن الشهوة والغضب، واللهو واللعب، والحرص عن المحرمات، وانقبضت أعنة رعوناتها، فكانت الاستقامة على أمر الله.
وإذا تجلت عظمة الله على هذا العبد ليلة القدر بالأمر والنهي، والعهد والوصية، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وشرع الشرائع، وإنزال الكتب انبعثت في العبد قوة الامتثال والتنفيذ لأوامره، والتبليغ لها، والتواصي بها، وذكرها وتذكرها، والتصديق بالخبر، والامتثال للطلب والاجتناب للنهي.
 وإذا تجلى الله على عبده في ليلة القدر بصفة السمع والبصر والعلم انبعث من العبد قوة الحياء، فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه ربه في علانيته، فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشرع، غير مهملة ولا مرسلة له تحت حكم الطبيعة.
 وإذا تجلى الله على عبده بصفات الكفاية والحسب، والقيام بمصالح العباد، وسوق أرزاقهم إليه، ودفع المصائب عنهم، ونصره لأوليائه، وحمايته لهم، ومعيته الخاصة لهم انبعث في العبد قوة التوكل عليه، والتفويض إليه، والرضا به، وفي كل ما يجريه على عبده، ويقيمه مما يرضى به.
 أيها الإخوة الكرام، جماع ذلك كله أن الله عز وجل حينما يتجلى على عبده بصفات ألوهيته تارة وبصفات ربوبيته تارة أخرى، فيوجب له شهود صفات الألوهية والمحبة الخاصة، والشوق إلى لقائه، والأنس والفرح به، والسرور بخدمته، والمنافسة في قربه، والتودد إليه بطاعته، واللهج بذكره، والفرار من الخلق إليه، يصير هو وحده همه دونما سواه، ويوجب له شهود صفات الربوبية والتوكل عليه، والافتقار إليه والاستعانة به، والذل والخضوع والانكسار، وكمال ذلك كله أن يشهد ربوبيته في ألوهيته، وألوهيته في ربوبيته، ويحمده في ملكه وعزه وفي عفوه.
 أيها الإخوة الكرام، هذا طرف مما ينبغي أن يكون للعبد مع ربه في لليلة القدر.

النتائج الإيجابية في الوصول إلى حقيقة ليلة القدر

 أيها الإخوة الكرام، إذا وصل الإنسان إلى حقيقة ليلة القدر كان رجلاً نير الذهن والقلب معاً، حاد البصر والبصر جميعاً، تتعانق فكرته وعاطفته، فلا تدري أيهما أسبق، صدق أدبه أم حسن معرفته ؟ ولا تدري أيهما أروع، خصوبة نفسه الجياشة أم فطانة عقله اللماح ؟
ولو وصل الإنسان إلى حقيقة ليلة القدر لجعلت هذه الليلة من المؤمن ذا أفق واسع، ونظر حديد، ومحاكمة سديدة، ولجعلته منغمساً في سعادة لا تقوى متع الأرض الحسية أن تصرفه عنها، ولجعلته ذا أخلاق أصيلة لا تستطيع سبائك الذهب اللامعة، ولا سياط الجلادين اللاذعة أن تقوضه.
 ولو وصل الإنسان إلى حقيقة ليلة القدر لكان كالجبل رسوخاً، وكالصخر صلابة، وكالشمس ضياءً، وكالبركان تدفقاً، وكالبحر عمقاً، وكالسماء صفاءً، وكالربيع نضارة، وكالماء عذوبة، وكالعذراء حياءً، وكالطفل وداعة.
 ولو وصل الإنسان إلى حقيقة ليلة القدر لكان إنساناً متميزاً يرى ما لا يراه الآخرون، ويشعر بما لا يشعرون، يتمتع بوعي عميق، و إدراك دقيق، له قلب كبير، وعزم متين، وإرادة صلبة أكبر من حاجاته، ورسالته أسمى من رغباته، يملك نفسه ولا تملكه، ويقود هواه ولا ينقاد له، تحكمه القيم، ويحتكم إليها من دون أن يسخرها، أو يسخر منها، سما حتى اشرأبت إليه الأعناق، وصفا حتى مالت إليه القلوب.

 

النتائج السلبية في الوصول إلى حقيقة ليلة القدر

 أيها الإخوة الكرام، الصورة المقابلة:
 وحينما يجهل الإنسان حقيقة هذا الدين العظيم، وحينما يجهل حقيقة خالق السماوات والأرض، وحينما يجهل حقيقة ليلة القدر، وينقطع الإنسان عن ربه، وينقاد إلى هوى نفسه، فعندئذ تفسد علاقته بعقله، فيعطله، أو يرفض نموه وتطوره، أو يسيء إعماله، فيسخره لأغراض رخيصة دنيئة، عندها يكون الجهل والتجهيل، والكذب والتزوير، وتفسد علاقته بنفسه، فتسفل أهدافه، وتنحط ميوله، ويبيح لنفسه أكثر الوسائل قذارة لأشد الأهداف انحطاطاً، عندها تكون أزمة الأخلاق المدمرة، التي تسبب الشقاء الإنساني، وتفسد علاقة الإنسان بأخيه، فتكون الغلبة لصاحب القوة، لا لصاحب الحق، وعندئذ تعيش الأمة أزمة حضارية تعيق تقدمها، وتقوض دعائمها.

 

من ثمار ليلة القدر

 أيها الإخوة الكرام، لعل من ثمار ليلة القدر القلب السليم الذي قال الله عز وجل:

 

 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء ]

 إنك إن فتشت عن أعجب ما خلق الله في السماء والأرض لم تجد أعجب، ولا أروع، ولا أدق، ولا أجمل من قلب الإنسان، تصلح أوتاره فيفيض رحمة وشفقة، وحباً وحناناً، ومعاني لطافاً وشعوراً رقيقاً، حتى يتجاوز في سموه الملائكة المقربين، وتفسد أوتاره فينضح قسوة ولؤماً، وسوءاً حتى يهوي إلى أسفل سافلين، حوى على دقته كُنْهِ العالم، فما أدقه وأجله ! وما أصغره وما أعظمه ! يكبر القلب، ولا نرى كبره، فيتضاءل أمامه كل كبير، ويصغر، ولا نرى صغره، فيتعاظم عليه كل حقير، اتحد شكل القلب، واختلفت معانيه، قلب كالجوهر الكريم، صفا لونه، وراق ماؤه، وقلب كالصخر، قوي متين، ينفع ولا يلمع، وقلب هواء، خف وزنه، وحال لونه، يموت القلب، ثم يحيا، ويحيا، ثم يموت، ويرتفع إلى الأوج، ويهبط إلى الحضيض، وبينما هو يسامي النجوم رفعة إذا هو يلامس القاع ضعةً، أليس أعظم بناة العالم قد امتازوا بكبر القلب، وصغر الشعور، وقوة الإرادة، ومَن وجد كل شيء، وفقد قلبه لم يجد شيئاً.

 

الإنسان الضائع الخاسر

 

 أيها الإخوة الكرام، حينما لا يعرف الإنسان ربه، ولا يقدره حق قدره يعيش عمراً تافهاً، ويذهب عمله هباءً منثوراً، قال تعالى:

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ﴾

[ سورة الفرقان: الآية 23]

 علمه لا يعمل به، وعمله لا إخلاص فيه، وماله لا ينفق منه، ولا يستمتع به في الدنيا، ولا يقدمه أمامه إلى الآخرة، وقلبه فارغ من محبة الله والشوق إليه، وبدنه معطل من طاعته وخدمة خلقه، ومحبته لا تتقيد برضى المحبوب، وامتثال أوامره، ووقته معطل عن استدراك ما فرط به، أو اغتنام بر وقربة، وفكره يجول فيما لا ينفعه، وخدمته للآخرين لا تقربه إلى الله، ولا تعود عليه بصلاح الدنيا، وخوفه ورجاءه لمن ناصيته بيد الله، وهو أسير في قبضة الله، ولا يملك لنفسه ضراً ولا موتاً، ولا حياة ولا نشورا، وأعظم إضاعتين هما إضاعة القلب وإضاعة الوقت، فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة، وإضاعة الوقت من طول الأمل، فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل، واجتمع الصلاح كله في اتباع الهدى والاستعداد للقاء، بماذا ينغمس الإنسان الغافل عن الله ؟ ينغمس بالشهوات، والصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة، فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة، وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة، وإما أن تسلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من سلمه، وإما أن تذهب مالاً بقاءه خير له من ذهابه، وإما أن تضع قدراً وجاهاً قيامه خير له من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة، وإما أن تسمح لجهة أن تصل إليك، وبعده عنك كان مغنماً كبيراً.
 أيها الإخوة الكرام، وإما أن تنسي علماً ذكره ألذ من نيل الشهوة، وإما أن تشمت عدواً، وتحزن ولياً، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول، فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق.
 أيها الإخوة الكرام، هذا طرف من حقيقة ليلة القدر، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتُّك فاتك كل شيء.
 ليلة القدر أن تعرف الله، ومن عرف الله زهد فيما سواه، ليلة القدر أن تكون عالماً محصناً بالعلم، " يا بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة ".
 " الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، فاحذر يا بني أن تكون منهم.
 هذه كلمات الإمام علي رضي الله عنه.
 أيها الإخوة الكرام، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الذي لم يطلب العلم، ولم يقترب من معاني ليلة القدر يؤثر الدنيا على الآخرة، فيخسرهما معاً.
 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ، قُلْتُ: مَا بَعَثَ إِلَيْهِ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا لِشَيْءٍ سَأَلَ عَنْهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ))

 

[ابن ماجه]

 أيها الإخوة الكرام، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
 أيها الإخوة الكرام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَانْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ ))

 

[الترمذي وأحمد]

 أيها الإخوة الكرام، نحن في شهر القرآن الكريم، نحن في شهر الإنفاق، نحن في شهر التوبة، نحن في شهر القرب، نحن في شهر الذكر، نحن في شهر الصلح مع الله، نحن في شهر القرب من الله، وبقي من هذا الشهر الكريم أيام معدودة، العشر الأول فيه الرحمة، والعشر الثاني فيه المغفرة، والعشر الثالث فيه العتق من النار.
 أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، العاقل من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والجاهل من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

 

* * *

 الخطبة الثانية
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سينا محمد عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المحن بين الحلول الموهومة والحلول الشرعية

 أيها الإخوة الكرام، تعيش الأمة ظرفاً صعباً جداً، تمر الأمة الإسلامية بمحن تلو المحن، وإذا أردنا أن نتلمس الحلول فهناك حلول مطروحة لا تعد ولا تحصى، وهناك تحليلات لا تعد ولا تحصى، وهناك تطلعات لا تعد ولا تحصى، وهناك عقد آمال على جهات عديدة لا تعد ولا تحصى، لكن الحق في وحي السماء، الحق في منهج الله، الحق في كلام خالق السماوات والأرض، التفسير الصحيح الذي في القرآن الكريم، قال تعالى:

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: الآية 33]

 ما دامت سنتك يا محمد مطبقة في حياتهم، في علاقاتهم، في بيعهم وشرائهم، في كسب أموالهم وإنفاقها، في لهوهم، في سفرهم، في حلهم، في كل علاقاتهم فهم في مأمن من عذاب الله.
 عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

 

(( بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))

 

[متفق عليه]

 لقد أنشأ الله لنا حقاً عليه.
 أيها الإخوة الكرام، أما الطرف الآخر فقد قال تعالى:

 

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[ سورة إبراهيم: الآية 46]

 هل تستطيع قوى الأرض مجتمعةً أن تنقل هذا الجبل الصغير جداً من دمشق إلى درعا ؟ الله عز وجل أثبت في قرآنه أن مكر الطرف الآخر لهوله تزول منه الجبال، وفي آية ثانية قال تعالى:

 

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾

[ سورة التوبة: الآية 32]

 هذا الدين العظيم وحي السماء إلى الأرض، نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين يهاجَم، يشوَّه، يعدّ دين القتل والإرهاب، والتخلف والعدوان:

 

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾

[ سورة التوبة: الآية 32]

 لو أن ستة آلاف مليون وقفوا على سطح الأرض، وتوجهوا نحو الشمس، ونفخوا بكل ما يستطيعون هل يطفئون ضوء الشمس، فكيف بنور الله عز وجل ؟

 

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾

[ سورة التوبة: الآية 32]

 أيها الإخوة الكرام، أعداء الحق أعداء الخير، أعداء الجمال، لا يستطيعون قهر المؤمنين الصادقين بقوتهم، ولا يستطيعون إخفاء الحقيقة بإعلامهم، دققوا في هذا الكلام: المعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، قال تعالى:

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: الآية 60]

 يعنيني من هذه الآية الكلمات الأخيرة، ترهبون به عدو الله وعدوكم، لا يمكن أن يكون عدوكم إلا عدواً لله، ولا يصح، ولا يقبل أن يكون عدوكم ولياً لله، ترهبون به عدو الله وعدوكم، المعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، والمعركة ين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، فإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ قال تعالى:

 

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

[ سورة آل عمران: الآية 120]

﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

[ سورة البقرة: الآية 249]

 أما الشاهد الأخطر: المعركة بين باطلين لا تنتهي، عندئذ النصر للأقوى، لمن يملك السلاح المتطور، والأقمار الصناعية، والإعلام المتمكن، قال تعالى:

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾

[ سورة المائدة: الآية 14]

 وإذا كانت المعركة بين باطلين لا تنتهي، فهذه الوصية أيها الإخوة الكرام، التي سوف أتلوها عليكم لسيدنا عمر رضي الله عنه يخاطب سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول: << أما بعد ؛ فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله عز وجل على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك ـ الآن دققوا، أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي، فإنها أضر عليكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، فإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم له، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، وعدتنا ليست كعدتهم، فإن استوينا بالمعصية كان لهم الفضل علينا بالقوة >>.

 

ورقة عمل للخروج من الأزمة

 أيها الإخوة الكرام، الآن إذا صح أن هناك ورقة عمل يجب أن تكون بأيدي المسلمين، ونحن في محنة ما بعدها محنة، يجب أن نعتقد اعتقاداً جازماً أن النصر من عند الله، ولمن يدفع ثمنه، ويحقق شروطه، فالتعامل مع الله لا يكون بالعواطف، ولا يكون بالتمنيات، ولكن وفق السنن التي سنها الله، قال تعالى:

 

 

﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾

[ سورة فاطر: الآية 43]

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الرعد: الآية 11]

شروط النصر:

 الشرط الأول للنصر، وهو شرط لازم غير كاف: هو الإيمان الذي يحملنا على طاعة الله، وما لم يقترن الإيمان بالاستقامة والعمل الصالح فلا قيمة له، وليس منجياً، قال تعالى:

 

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الروم: الآية 47]

 أيها الإخوة الكرام، والشرط الثاني للنصر هو شرط لازم غير كاف أيضاً، وهو الإعداد، قال تعالى:

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: الآية 60]

 فالمؤمنون بمجموعهم مأمورون بإعداد العدة ليواجهوا بها قوى البغي والعدوان، فكـلمة:

 

﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾

 تعني استنفاذ الجهد، لا بذل بعض الجهد، والقوة التي ينبغي أن يعدها المؤمنون جاءت منكرة

 

 

﴿ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

 ومن معناها في اللغة استغراق جميع أفراد النوع، يعني يجب أن نعد لهم من جميع القوى.
 أيها الإخوة الكرام، دقة في التخطيط، قوة في العدد، قوة في العدة، قوة في الإعداد والتدريب، قوة في الإمداد، قوة في الاتصالات، قوة في جمع المعلومات، قوة في تحديد الأهداف، قوة في الرمي، قوة في الإعلام، قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

[ سورة الأنفال: الآية 60]

 هذا كلام الله، قال تعالى:

 

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الروم: الآية 47]

 الإيمان شرط لازم غير كاف

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

 كلاهما شرط لازم غير كاف، فإذا آمنا بالله الإيمان الذي يحملنا على طاعته، وأعددنا العدة المتاحة بذلنا كل ما نستطيع فقد حققنا شروط النصر.

 

 

الجهاد وأنواعه:

 أيها الإخوة الكرام، الحديث عن الجهاد يقتضي الحديث عن أنواع الجهاد.
 هناك جهاد يشبه التعليم الأساسي، وهو أصل كل علم، الجهاد الأساسي: جهاد النفس والهوى، لأن المهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة.
 الجهاد الثاني: الجهاد الدعوي، الجهاد الأول جهاد النفس والهوى، وهو متاح لكل مسلم على وجه الأرض دون أن يسائله أحد.
 والجهاد الثاني: الجهاد الدعوي، وفيه آية قرآنية:

 

 

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: الآية 52]

 المسلمون يحتاجون إلى دعوة، لأنهم يجهلون أساسيات دينهم، يفهمون الدين إطاراً خارجياً، قوساً إسلامياً، زخرفةً إسلامية، فلكلوراً إسلامياً، تقاليد إسلامية، عادات إسلامية، نزعة إسلامية، ثقافة إسلامية، أرضية إسلامية، خلفية إسلامية، لكن الإسلام شيء، وهذه الذي ذكرتها شيء آخر، الإسلام منهج تفصيلي، الإسلام يقوم على الخضوع لله غاية الخضوع، ويقوم على محبته غاية المحبة، ويقوم على العمل الصالح بكل ما أوتيت من قوة، لذلك أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام على قلّتهم رفرفت راياتهم في أطراف الأرض، والمسلمون الآن على كثرتهم مهزومون، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))

 

[ أبو داود، أحمد ]

 أيها الإخوة الكرام، إذا أفلحنا ونجحنا في الجهاد الدعوي:

 

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: الآية 52]

 عرفنا أوامر الله عز وجل، عرفنا أصول العقيدة، عرفنا واجباتنا، عرفنا سر وجودنا، وغاية وجودنا، انطلقنا، تحركنا، التزمنا، إذا فعلنا كل ذلك نكون قد حققنا الجهاد الدعوي، وإذا جاهدنا أنفسنا، وحملناها على طاعة الله عز وجل نكون قد جاهدنا الجهاد الأساسي، بقي الجهاد البنائي، لازلنا في جهاد بعيد عن الجهاد القتالي، الجهاد البنائي أن نبني أمتنا، أن نطور أعمالنا، أن نستخرج ثرواتنا، أن نستصلح أراضينا، أن نوفر أعمالاً لشبابنا، أن نزوج شبابنا وشاباتنا، أن نهيئ فرص عمل، أن نهيئ تكافؤ فرص، أن نقيم العدل في مجتمعنا، هذا الجهاد البنائي، الأمة تبنى بناء، وبناء الأمة صعب جداً، ٍإذا حققنا جهاد النفس والهوى، وحققنا الجهاد البنائي، وحققنا الجهاد الدعوي ينتظر عندئذ أن ننجح في الجهاد الأخير، هو الجهاد القتالي، فلا يعقل من إنسان أمي لا يقرأ، ولا يكتب أن يبدأ بتحضير دكتوراه، شيء مضحك، نقفز من مخالفات للشرع، من تصورات فاسدة، من عقيدة فاسدة، من علاقات ظلم فيما بيننا، الأخ يظلم أخاه، الشريك يظلم شريكه، الزوج يظلم زوجته، علاقات فاسدة، على تصورات خاطئة، على تقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، نقفز من هذا المستنقع الآثم إلى الجهاد في سبيل الله ؟!! يجب أن نفلح في جهاد النفس والهوى، ويجب أن نفلح في الجهاد الدعوي، ويجب أن نفلح في الجهاد البنائي، عندئذ نكون قد قدمنا لربنا أسباب النصر.

 

الدعاء

 اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور