وضع داكن
29-03-2024
Logo
حديث الجمعة الديني - الحلقة : 3 - تفسير إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

العبادة علة وجود الإنسان في الأرض :

أيها الأخوة المشاهدون، يقول الله عز وجل في كتابه العزيز:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة الجمعة: 9-10]

بادئ ذي بدء: الله جلّ جلاله يخاطب عامة خلقه بأصول الدين، فيقول مثلاً:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 21]

العبادة علة وجودنا في الأرض:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56 ]

العبادة غاية الطاعة، وغاية الحب، تحتاج إلى علم يقيني، وتنتهي بسعادة أبدية في الدنيا والآخرة.

 

مخاطبة الله عامة الناس بأصول الدين و المؤمنين بفروع الدين :

لذلك ربنا جل جلاله يخاطب عامة الناس بأصول الدين:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾

[ سورة البقرة: 21]

لكنه يخاطب المؤمنين بفروع الدين، لأن هذا المؤمن إنسان، لكنه آمن بالله خالقاً، وآمن به رباً رحيماً، وآمن به مسيراً حكيماً، آمن بوجوده، آمن بوحدانيته، آمن بكماله، آمن بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، آمن برحمته، بعلمه، بقدرته، بغناه، بكل صفات الكمال، فلذلك الله عز وجل إذا خاطب المؤمنين خاطبهم بفروع الدين، بافعل ولا تفعل، بالمنهج الذي جعله لهم أداة لسلامتهم وسعادتهم، لأن الله عز وجل وحده يعلم أسباب سلامتنا وسعادتنا، هو الخالق العظيم، هو الخبير العليم، قال تعالى:

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر: 19 ]

عظمة هذا الدين أن فيه عبادة تعليمية تغذي عقل الإنسان بالعلم :

الإنسان أعقد آلة في الكون، هذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، لهذه الآلة البالغة التعقيد صانع حكيم

ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرص الإنسان على سلامته، وعلى سعادته، ينبغي أن يستجيب لنداء ربه، لذلك المؤمن الصادق إذا قرأ القرآن وقرأ قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[سورة الجمعة: 9]

يعلم علم اليقين بل يعلم بكل خلية من جسمه، وبكل قطرة من دمه، أنه معني بهذا الخطاب، كأن الله يخاطبك يقول: يا أيها العبد المؤمن، يا من آمنت بي، افعل أو لا تفعل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

عظمة هذا الدين أن فيه عبادة تعليمية، هذه العبادة التعليمية الإنسان يحتاج إلى أن يغذي عقله بالعلم، وإلى أن يغذي قلبه بالاتصال بالله، الإنسان يشبه ـ إن صح التعبير ـ هذا الهاتف المحمول، لا بدّ من أن يشحن، لا بدّ من أن يشحن شحنة علمية تنير له الطريق، وشحنة قلبية روحية تحفزه على السير في هذا الطريق، شحنة علمية لتزداد قناعاته، وشحنة روحية لتزداد همته، إذاً الله عز وجل أراد لنا أن نشحن كل أسبوع شحنة علمية روحية.

 

على الإنسان أن يأتي إلى صلاة الجمعة قبل أن يصعد الخطيب المنبر :

في الوقت نفسه قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

وقد ارتأى المفسرون أن ذكر الله أي الخطبة، قد يتوهم بعضهم أنه إذا أدرك صلاة الجمعة فقد أدرك الجمعة، هو أدرك الصلاة ولم يدرك ذكر الله، لأن الخطيب في هذه الخطبة سيذكر الله عز وجل، يذكر آياته القرآنية، وآياته الكونية، سيذكر آياته التكوينية، يتحدث عن رسوله، عن بعض التوجيهات، عن بعض الحلال والحرام، قد يأتي بقصة، قد يأتي بموضوع علمي، يؤكد عظمة هذا الدين، فهذا الذكر هو الدعوة إلى الله، وهذه الصلاة صلاة الجمعة كما ورد في بعض الأحاديث: " من تركها من دون عذر نكتت نكتة سوداء في قلبه"، لذلك المؤمن يحتاج إلى شحن، الحقيقة أن المؤمن يشحن خمس مرات في الصلوات الخمسة، وكل شحنة روحية تكفي إلى الفرض الثاني لكنه يشحن شحنة دسمة كل أسبوع في صلاة الجمعة لذلك قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

أيها الأخوة الكرام، مرة ثانية ذكر الله ينبغي أن تأتي قبل أن يصعد الخطيب المنبر:

((.. ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ))

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

ذكر الله عز وجل أكبر ما في الصلاة :

أيها الأخوة الأحباب:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[سورة الجمعة: 9]

المؤمن الصادق حينما يقرأ هذه الآية يشعر يقيناً أنه المعني بهذه الآيات، وكأن الله جلّ في علاه يخاطبه، كأنه يقول له: يا عبدي تعال إلى بيتي، إنّ بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوّارها هم عمّارها، فطُوبى لِعَبْد تطهّر في بيته ثمّ زارني، وحُقّ على المزور أن يُكْرم الزائر، الله عز وجل حينما يكرم زواره في بيوته بماذا يكرمهم؟ ورد في بعض الأحاديث أن الله عز وجل حينما قال:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

[ سورة العنكبوت: 45 ]

قال العلماء: ذكر الله أكبر ما في الصلاة.

 

الحكمة من أعظم عطاءات الله عز وجل وهي تكون في الصلاة :


لكن ابن عباس رضي الله عنه يرى أن ذكر الله للعبد وهو في الصلاة، وهو في بيت من بيوت الله، أكبر من ذكر العبد لربه، ذلك أن الله عز وجل إذا ذكر عبده وهو يصلي منحه الحكمة:

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

الحكمة ضالة المؤمن، أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، أنت بالحكمة تجعل الأعداء أصدقاء، من دون حكمة تجعل الأصدقاء أعداء، أنت بالحكمة تتدبر أمرك بدخل محدود، ومن دون حكمة تبدد المال الكثير، فكأن الحكمة من أعظم عطاءات الله عز وجل، إنها تكون في الصلاة:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

[ سورة العنكبوت: 45 ]

الله تعالى إذا ذكر المؤمن في الصلاة منحه الأمن و الحكمة :

إن الله سبحانه وتعالى إذا ذكر المؤمن في الصلاة منحه الحكمة، منحه الأمن:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 81-82 ]

إذاً إذا سعيت إلى ذكر الله عز وجل فالله يذكرك:

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

[ سورة البقرة: 152]

ذكر الله لك يعني أن تتمتع بنعمة الأمن، ذكر الله لك يعني أن تتمتع بنعمة الحكمة، ذكر الله لك يعني أن تتمتع بنعمة الرضا، راض عن الله، ذكر الله لك يعني أن توفق في عملك، أن تسعد في بيتك، أن تتألق في مجتمعك، ذكر الله لك شيء كبير:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

لا بدّ من وقت مخصص لذكر الله، لا بدّ من وقت تقضيه في بيت من بيوت الله، لا بدّ من ساعة تناجي بها ربك، لا بدّ من ساعة تحاسب بها نفسك، لا بدّ من عمل تقوم به في حرفة ترتزق من خلالها، فالمؤمن يوزع وقته بين حاجاته الأساسية في الدنيا والآخرة، والمؤمن ينظم وقته، إذاً :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

صلاة الجمعة شحنة روحية تمد الإنسان

براحة نفسية واتصال بالله :

لكن الله عز وجل يقول:

﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

البيع يكون خارج هذا الوقت، هذا وقت الاتصال بالله، هذا وقت ذكر الله، هذا وقت سماع الخطبة، هذا وقت الاتصال بالله، هذا وقت تشحن به شحنة روحية، لعلها تمدك بقوة على طاعة الله، تمدك براحة نفسية، تمدك بإرادة قوية، تمدك بالاتصال بالله، هذه الشحنة لا بدّ منها كل أسبوع:

(( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))

[ الترمذي عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيَّ]

أيها الأخوة الكرام، هذه الآية الكريمة تحتاج إلى دقة بالغة في الفهم، وإلى إرادة قوية في التطبيق، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور