وضع داكن
19-04-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الندوة : 30 - التأني
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ عدنان :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أيها الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأرحب بكم في حلقة جديدة في برنامج مكارم الأخلاق ، وباسمكم أرحب بفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، أهلاً ومرحباً بكم دكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ عدنان جزاك الله خيراً .
الأستاذ عدنان :
دكتور مما شاع على الألسنة في التأني السلامة وفي العجلة الندامة ، لكن يمكن أن يكون التأني حسب رأي بعض الناس بلادة ، بحيث يكون التأني بطيئاً بطيئاً إلى أن يكون بلادة ، ويمكن في العجلة أن يكون الإنتاج إذا ما درست الأمور سلامة وخطوات سليمة ، من خلال هذا نخلص إلى أن هناك تعريفاً موضحاً للتأني والعجلة .

 

تعريف التأني و العجلة :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ عدنان من تعريفات التأني وهو من الفضائل عدم العجلة في طلب الشيء ، والتمهل في تحصيله والترفق فيه ، ولكن الأصل في هذا قوله تعالى :

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63)﴾

( سورة الفرقان)

الحقيقة أن السيرة تؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى كان كأنه ينحط من صبب ، أي مشى مسرعاً ، وسيدنا عمر تقول عنه السيدة عائشة رضي الله عنها ، رحم الله عمر ما رأيت أزهد منه ، كان إذا سار أسرع ، وإذا أطعم أشبع ، وإذا قال أسمع ، وإذا ضرب أوجع ، من سيرة النبي وسيرة أصحابه يتبين أن هؤلاء النخبة كانوا إذا ساروا أسرعوا.

 

المؤمن يُخطط لمستقبله البعيد و الفاسق يعيش لدنياه :

الآية تقول :

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63)﴾

( سورة الفرقان)

ما معنى هوناً هنا ؟ بالتأكيد ليس السير البطيء ولكن هؤلاء النخبة من البشر لا يسمحون لمشكلة في الدنيا أن تصرفهم عن هدفهم الكبير ، لا يسمحون لضائقة مادية طارئة أن تصرفهم عن رسالتهم العظيمة ، الأناس العظماء فوق آلامهم وفوق المصائب وفوق المضائق الصعبة ، لذلك المؤمن يخطط لمستقبله البعيد ، أجريت بعض الاستبيانات فوجد مع الأسف الشديد أن معظم الناس بلا هدف ، 3% من بين كل مئة لهم أهداف واضحة ، أنا أقول إما أن تخطط لهدف واضح وإما أن يُخطط لك ، إما أن تكون شيئاً مذكوراً في حياة أمتك وإما أن تكون رقماً تافهاً لا معنى له إطلاقاً ، لذلك الإنسان حينما يعرف هدفه والذي ألاحظه في بلاد الغرب أن الإنسان بلا هدف ، يجب أن يستمتع بالحياة أن يأكل وأن يشرب وأن يعتني بكل ما يمتعه ، ويمضي وقته في اللهو ، حتى إذا جاء الموت كان صفر اليدين ، أما المؤمن له هدف واضح وقد قال الله عز وجل :

﴿ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

( سورة الملك )

من عرف هدفه سعى إليه و اختار الوسائل المناسبة لتحقيقه :

حينما يكون لي هدف لا أسمح لأية مشكلة طارئة أن تصرفني عن هدفي

لذلك أنا أضرب مثلاً دقيقاً جداً لو أن شخصاً من الطلاب سافر إلى بلد غربي لينال دكتوراه ما دام هدفه واضحاً جداً جداً قد يسلك آلاف الطرائق ، هناك جزئيات تتصل بهدفه ، مثلاً يستأجر بيتاً قريب من الجامعة في هذا البيت يوفر الوقت والمال والجهد ، ويصاحب صديقاً متقناً اللغة التي يدرسها ليتعلم منه الحوار ، الآن يشتري مجلة تتصل باختصاصه ، الآن يأكل الطعام المناسب لدراسته ، حينما تتضح الأهداف تبرز الوسائل الفعالة لهذه الأهداف ، أما الإنسان حينما يضيع هدفه يتخبط في الحياة الدنيا ، إذاً :

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63)﴾

( سورة الفرقان)

يبحثون عن الحقيقة ، يبحثون عن المنهج ، يرسمون الهدف الكبير ، يختارون الوسائل ، لذلك هؤلاء لن تصرفهم عن أهدافهم مشكلة طارئة ، ولا ضيق ذات اليد ، ولا ألم ، أما الذين يعيشون بلا هدف أي شيء يقف عقبة أمامهم ، بل أي شيء آخر يصرفهم عن أهدافهم الحقيقية ، إن عظماء البشر لا يمكن لا لسبائك الذهب اللامعة ولا لسياط الجلادين اللاذعة أن تصرفهم عن أهدافهم .

من عرف غاية وجوده و حقيقة وجوده حقق الهدف من وجوده في هذه الحياة :

الأصل في هذا الموضوع : 

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63)﴾ 

( سورة الفرقان)

أي يبحثون عن حقيقة وجودهم ، عن غاية وجودهم ، يبحثون عن خالقهم الذي خلقهم ، يبحثون عن منهج ربهم ، يحاولون أن يحققوا الهدف من وجودهم: 

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾

( سورة الكهف )

والإنسان حينما يصل إلى شفير القبر ولا يعلم لماذا خلق ؛ عندئذ يحس بالخسارة الكبيرة :

 

﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾

( سورة الزمر الآية : 15 )

القرارات السريعة دائماً لا تُبنى إلا على معلومات خاطئة :

أستاذ عدنان في دورات الآن شائعة جداً اسمها البرمجة العصبية اللغوية ، في هذه الدورات لها قواعد رائعة ، هذه البرمجة أساسها أن الناجحين في الحياة كيف كان سلوكهم ؟ وكيف كانت خططهم ؟ هذه تدرس وتعدّ كقواعد ، من هذه القواعد اسمها الخارطة بخلاف الواقع ، كيف ؟ إنسان أحياناً يتسرع ويفهم الشيء على خلاف ما هو عليه ، يدفع الثمن باهظاً ، كم من شركة انفصمت عراها باتخاذ قرار متسرع بناء على معلومات غير صحيحة ؟

كم من طلاق تمّ بين زوجين وعندهم أولاد بسبب قرار متسرع بني على معلومات خاطئة ؟ هناك نكبات كبيرة ، أحياناً تنشأ حروب لسوء فهم بين معسكرين ، فذلك هذه البرمجة العصبية اللغوية قالوا فيها الخارطة خلاف الواقع كيف ؟
يروون قصة طريفة أن امرأة مجمعة أن تسافر عن طريق مطار إلى بلد آخر ، في المطار إلى أن يحين موعد الطائرة اشترت صحيفة يومية وعلبة بسكويت وطلبت فنجان قهوة وجلست في مكان استراحة المسافرين ، أمامها رجل ، هي فتحت الجريدة لتقرأ وبدأت ترشف من هذا الفنجان وتأخذ قطعة بسكويت ، إذا بيده تمتد إلى علبة البسكويت وتأخذ قطعة ، انزعجت ، لا لأنه أخذ القطعة بل لأنه لم يستأذنها ، إذا بيده تأخذ قطعة ثانية ، وثالثة ، ورابعة ، وكلما أخذ هذا الرجل قطعة ارتفع ضغطها وتألمت من هذه الوقاحة إلى أن همت أن تعنفه ، لكنها توقعت أنه يعرفها ، أزاحت الصحيفة فإذا هو لا يعرفها ، بل ابتسم في وجهها وتابع أخذه لقطع البسكويت ، النتيجة في نهاية المطاف بقيت قطعة واحدة أخذها وقسمها نصفين أخذ نصفها الأول وأعطاها النصف الثاني ، هنا بلغ غضبها أشده وكادت تشتمه وتبصق في وجهه ، لكن نادى المنادي للصعود إلى الطائرة فأغلقت الصحيفة لتضعها في محفظتها فإذا بعلبة البسكويت التي اشترتها في محفظتها هذه له وليست لها .

التفكير العلمي مهم جداً في اتخاذ القرارات :

أحياناً بين الزوجين ، بين الشريكين ، بين الأخوين ، نسيء فهم الحقيقة ، نتوتر ، نغضب ، نرغي ، نزبد ، يعلو الصوت ، والحقيقة غير صحيحة فحبذا لو طبق الناس قوله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾

(سورة الحجرات)

أخطر شيء عند المتخلف أن يتخذ قراراً متسرعاً من دون معلومات صحيحة والآية واضحة جداً :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾

(سورة الحجرات)

هذا منهج فقبل أن أتخذ القرار ، قبل أن أغضب ، قبل أن أشتم ، قبل أن أقطع ، قبل أن أطلق ، قبل أن أحلّ الشركة ، ينبغي أن يكون القرار مستنداً على أدلة علمية ، التفكير العلمي مهم جداً .

 

الموضوعية قيمة مشتركة بين العلم و الأخلاق :

أستاذ عدنان هناك قيمة مشتركة بين العلم والأخلاق هي في الوقت نفسه قيمة علمية راقية ، وفي الوقت نفسه قيمة 

أخلاقية

بل إن العلم والخلق يلتقيان بهذه القيمة إنها الموضوعية ، النبي عليه الصلاة والسلام حينما استعرض الأسرى في بدر إذا فيهم صهره وهو مشرك وجاء ليقاتله ، ماذا قال ؟ قال والله ما ذممناه صهراً ، كان صهراً ممتازاً ، لكن هذه الموضوعية تركت في نفسه أثراً مذهلاً ، أنت أخلاقي إذا كنت موضوعياً ، وأنت أخلاقي إذا كنت عالماً ، يعني إذا كنت عالماً فأنت موضوعي ، وإذا كنت أخلاقياً فأنت موضوعي ، هذه قيمة مشتركة بين العلم والأخلاق لذلك لا بد من التروي ، لا بد من الصبر ، القرآن الكريم ينطق بهذه الحقيقة قال سيدنا سليمان :

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)﴾

(سورة النمل)

هذا يحتاجه الأب قبل أن تعنف ابنك ، قبل أن تعنف ابنتك ، قبل أن يأتي الصهر ويتكلم كلاماً تسأل ابنتك ما الذي حصل ؟

التأني من مكارم الأخلاق :

أنا لا أرى من شيء يجنبنا الخطأ في الحكم كالتروي والتأني ، في التأني السلامة وفي العجلة الندامة

مثلاً لو أنك استمعت إلى إنسان يشكو إنساناً ، يمكن أن يقول كلاماً غير صحيح لا بد من أن تستمتع من الطرف الآخر والأكمل أن يجتمعا معاً أمامك ، لأنهما إن اجتمعا تسعون بالمئة من أقوالهم تلغى ، لذلك نحن حينما نكون موضوعيين المعلم أحياناً حينما يضجر ويضرب المشتكي والمشتكى عليه معاً أنا أقول كلمة قاسية جداً ارتكب بحق هذين جريمة ، لأنه ألغى العدل بينهما ، لأنه ألغى المبادئ ضرب المشتكي والمشتكى لأنه ضجر ، التروي يحتاج إلى أخلاق عالية ، يحتاج إلى اتصال بالله ، يحتاج إلى حبّ الآخرين ، يحتاج إلى أن يكون عمله متناسباً مع إيمانه ، إذاً قضية التأني من مكارم الأخلاق وقضية التأني خطيرة جداً في حياتنا .
الأستاذ عدنان :
عمر بن الخطاب سيدي لما أُمّر موضوع القضاء ، وإذا جاءك الخصم فلعل الآخر فقئت عيناه معاً .
الدكتور راتب :
نحن أمام فضيلة اسمها التأني أنا ألخصها بأنه أن تبطئ في اتخاذ القرار ، دائماً الموضوع الساخن الأولى أن نضعه حتى يبرد ، ثم تعالجه ، لو أن كل واحد منا استفزه الغضب إذا غضبت إياك أن تتخذ قراراً ، إياك قل أنا أتخذ القرار بعد أسبوع .
الأستاذ عدنان :
فإن كان الغضب لله تعالى .

من اتخذ قراراً متأنياً لا يندم على شيء قط :

الدكتور راتب :
موضوع آخر ، أنا أتحدث عن العلاقات الاجتماعية ، أما إذا غضبت قد يكون الغضب غير مبرر ، وقد تكون المعلومات غير صحيحة ، وقد يكون الشاكي قد افترى وقد بالغ ، لذلك أنت حينما تتخذ قراراً متأنياً لا يحصل شيء

أستاذ عدنان هنا وقت مناسب للحديث عن موضوع الطلاق ، ما هو المنهج الإلهي في الطلاق ؟ أو ما هو الطلاق السني النبوي ؟ لو أن خلافاً وقع بين زوجين ، الزوج يحلف على زوجته يمين طلاق ، تبقى عنده في البيت تتزين له وتأكل معه ، هذا طلاق رجعي ، في ثورة الغضب حلف هذا اليمين ، لكن بعد حين يرى أنه بالغ في غضبه ، يرى أنه محقة بعض الشيء فيما تصرفت ، الخط البياني للغضب ينزل وينزل وينزل إلى أن يجد أنه لا مبرر لهذا العمل يكفي أن يقول لها راجعتك فترجع ، يكفي أن يضع يده على يدها ، فقد راجعها حكماً .
هذا السلوك سلوك صحيح أما حينما يغضب أشد الغضب ويطردها إلى بيت أهلها ، ماذا قال الله عز وجل ؟

﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ (1)﴾

(سورة الطلاق)

الطلاق لا يحلّ مشكلة ولكن به تبدأ المشكلة :

إذا بقيت المرأة في بيت زوجها أكبر مشكلة بينها وبينه تتلاشى وتتضاءل وتنتهي ، أما إذا خرجت إلى بيت أهلها أصغر مشكلة قد تنتهي بالطلاق ، هناك من يغذيها ، خالتها ، عمتها ، أمها ، أخوتها ، أقرباؤها ، وهي لا تتصل به يحقد عليها ، لم تتصل بي لم تعبأ بي لذلك دقة هذه الآية :

﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ (1)﴾

(سورة الطلاق)

ولو أن هذه الآية لها معنى سياقي أنا أنزعها من سياقها لتكون قاعدة عامة ، لذلك بقاء المرأة في بيت زوجها يحيل أكبر مشكلة إلى أصغر مشكلة ، وخروجها من بيت زوجها إلى بيت أهلها يجعل أصغر مشكلة أكبر مشكلة وقد تنتهي بالطلاق ، إذاً لا تتسرع باتخاذ القرار ، تبصر ، لو أنها بقيت عنده في البيت شعر بحاجته إليها وشعر بمحبتها القديمة ، وشعر أنه بالغ في غضبه إذاً يتلاشى الأمر ، يمكن أن يقع الأمر مرة ثانية وله في الطلاق جولة ثانية ، وفي الثالثة تصبح طالقاً دينونة كبرى ، لذلك حتى الطلاق الذي هو فصم أقدس علاقة بين اثنين لا بد من التروي لا بد من التأني ، قال ابن عباس أيرتكب أحدكم حماقته ثم يقول يا بن عباس يا بن عباس ، هذا الذي لا يقدر نعمة الزوجة والتي لا تقدر نعمة الزوج وبشكل متسرع يسارعون إلى فصم هذه العلاقة يندمون بعد ذلك أشد الندم ، أنا أقول لأخوتي المشاهدين الطلاق لا يحل مشكلة ولكن به تبدأ المشكلة ولاسيما إذا كان هناك أطفال .

 

التأني فضيلة علينا أن نحافظ عليها :

إذاً قضية التأني فضيلة

لا تتسرع باتخاذ القرار ، أعطِ نفسك مهلة ، قل في هذا الموضوع الخطير لا بد من أن أرجئ اتخاذ القرار إلى أسبوع أو إلى أسبوعين أو إلى شهر ، الأمور تتبدى ، تتوضح ، القضية تنجلي ، يأتيك من يوضح لك ، يأتيك من ينبهك ، يأتيك من يصحح لك تفكيرك ، لذلك أنا أتمنى أن تكون هذه الفضيلة مطبقة في حياتنا ، أنا أقسم لك بالله أن عدداً كبيراً من الأسر شردت بسبب قرار متسرع ، بناء على معلومات خاطئة .
الأستاذ عدنان :
دكتور في بعض الأحيان يمكن أن يكون التأني نوعاً من أنواع البلادة ، ويمكن أن تكون العجلة فيها الفائدة ، كأن ندافع عن الوطن ، إذا ما كان الموقف موقف دفاع وهذا يستدعي السرعة والتأني لا تفيد إنها تضعف نوضح هذه الناحية .

العاقل يعيش المستقبل :

الدكتور راتب :
الحقيقة أنا حينما تكلمت في هذا الموضوع وألححت على التأني

أنا ينصرف ذهني إلى العلاقات الزوجية وعلاقات الشراكات والعلاقات الاجتماعية ، لكن حينما يغدو الأمر مصيرياً ، حينما يغدو الأمر خطراً على الوطن لا بد من سرعة اتخاذ القرار ، لكن أتمنى أن يعيش المجتمع المؤمن المستقبل ، إذا عاش المستقبل خطط للمستقبل ، وهو الذي صنع الفعل وأجبر عدوه أن يكون له ردة فعل ، أنا أتمنى أن نخطط لمستقبلنا ، أنا مرة أنبأني أحد الأخوة أنه يعمل في شركة صنع سيارات راقية جداً قال : أنا مهمتي أن أخطط لسيارة عام ألفين وعشرين وضع الوقود إلى آخره ، أنا أقول دائماً الإنسان العاقل يعيش المستقبل فنحن يجب أن نخطط لمستقبلنا ، يجب أن نعد الخطط الجاهزة ، فحينما يحين الحين نتخذ القرار بتنفيذ الخطة رقم واحد وإلا الثانية وإلا الثالثة ، أما في قضايا المصير ، قضايا الوطن ، قضايا العدوان ، لا ينفع إلا اتخاذ القرار العاجل ، وقد يكون التأخير خطراً كبيراً .

قضايا المصير ، قضايا الوطن ، قضايا العدوان ، لا ينفع معها إلا اتخاذ القرار العاجل :

أحياناً الإنسان يخسر حرباً بتأخير ردّ العدوان ، قد يخسر أحياناً منصباً بكلمة غير دقيقة يبطئ بالإجابة يخسر ، فأنا لست مع التأني مطلقاً ، أنا مع التأني في العلاقات الزوجية ، في العلاقات بين الشركاء ، في العلاقات الاجتماعية ، أما في القضايا المصيرية لابد من اتخاذ القرار السريع بل أضيف لا بد من إعداد خطط جاهزة ، وخطط مبرمجة ، وخطط متسلسلة ، وخطط عميقة ، وعندئذ أقول : إن حدث كذا أتخذ الخطة الأولى ، إن حدث كذا الثانية ، إن حدث كذا الثالثة ، هذا من لوازم الدفاع عن الوطن مثلاً لو قال الطبيب الإنسان لا بد من إجراء عملية فورية هنا لا يوجد تأني وإلا يفقد الإنسان حياته .
طبعاً شيء مألوف ومعروف ، قضايا الصحة ، قضايا الأزمات القلبية الحادة ، أحياناً إنسان يموت بسبب تقصير ، وإن كان مات بأجله ولكن بسبب تقصير ، في إنسان أحياناً يهمل في تنفيذ تعليمات الطبيب ، في الأمور الطارئة المستعجلة أنا دائماً أقول هذا : هذه القضية إسعافية ؟ إذا قال لي السائل إسعافية إذاً أتخذ القرار السريع ، في قضايا غير إسعافية في قضايا تحل على التراخي ، وفي قضايا تحل على السرعة ، إذاً طبعاً نحن حينما تحدثنا عن التأني قصدنا به الجانب الاجتماعي ، الجانب الزوجي ، العلاقات المعينة الاقتصادية ، أما في جوانب أخرى لا بد من السرعة :

﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)﴾

(سورة طه)

الأستاذ عدنان :
على كل هذا كله ينبري ضمن تفسيرك للقرآن الكريم في موضوع أن المؤمنين يسيرون على الأرض هوناً ، أي الأمور الكلية التي يعرفونها فلا يصرفهم شيء جزئي عن الكمال في مشيهم ومسيرتهم .

 

المؤمنون يسيرون على الأرض هوناً فلا يصرفهم شيء جزئي عن كمالهم :

الدكتور راتب :
قال بعض الشعراء :

كن عن همومك معرضا وكل الأمور إلى القضا
وابشر بخيــر عاجل تنسى به ما قـد مضى
فلرب أمر مسخـط لك في عواقبـــه رضا
ولربما ضاق المضيـق ولربما اتســع الفضا
اللـــه يفعل ما يشاء فلا تكـــن معترضا
الله عودك الجميـــل فقس على ما قد مضى
***

الأستاذ عدنان :
دكتور من جملة الأشياء التي أرى أن التوقف عندها مفيد موضوع الدعاء ، كثير من الناس يدعون ربهم ، ويظنون أن الدعاء يجب أن يستجاب فوراً ، على حين أن الأمر ليس من الواجب أن يكون كذلك ، وشرعنا الإسلامي وضح موضوع الدعاء ، والرسول عليه الصلاة والسلام بيّنه ، لو تطرقنا إلى هذه الناحية .

 

المؤمن يستلهم الله عز وجل في الدعاء :

الدكتور راتب :
أستاذ عدنان الآية الدقيقة جداً في الدعاء :

﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾

( سورة الفرقان الآية : 77 )

أنت متى تدعو ؟ تدعو إذا أيقنت أن الذي تدعوه موجود ، ثم أيقنت أن الذي تدعوه يسمعك ، ثم أيقنت أن الذي تدعوه قادر على أن يلبيك ، ثم أيقنت أن الذي تدعوه يحب أن يلبيك ، موجود ، ويسمعك ، ويلبيك ، ويحب أن يلبيك ، لذلك الدعاء هو العبادة ، فنحن ما علاقة الدعاء بهذا الموضوع ؟ حينما تضطر أن تتخذ قراراً ادعُ الله أن يلهمك الصواب ، ادعُ الله أن يوفقك لكشف الحقيقة ، ادعُ الله أن يلين قلوب الآخرين اتجاهك ، فالدعاء مخ العبادة لكن الدعاء دليل قطعي على الإيمان أنت لا تدعو جهة ليست موجودة ، بل لا تدعو جهة لا تسمعك ، بل لا تدعو جهة لا تقدر على إنقاذك ، بل لا تدعو جهة لا تحب أن تنقذك ، إذاً الدعاء له علاقة بموضوع التأني ؛ أنت حينما تواجه مشكلة يجب أن تتخذ قراراً أنت في حيرة لذلك المؤمن يستلهم الله عز وجل في الدعاء ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .

 

الاستخارة و الاستشارة :

سوف أضيف على الدعاء أنت مكلف أن تستشير وأن تستخير ، الاستشارة لأولي الخبرة من المؤمنين ، ومن استشار الرجال استعار عقولهم ، 

وأنت مكلف أن تستخير الله عز وجل بدعاء الاستخارة

فالاستشارة لأولي الخبرة من المؤمنين والاستخارة لله عز وجل ، فأنت حينما تأتي مشكلة لا بد من أن تتخذ القرار ، القبول أو الرفض معك الدعاء تسأل الله عز وجل أن يلهمك الصواب ، ومعك الاستخارة ، ومعك الاستشارة ، الاستشارة لأولي الخبرة من المؤمنين وتستخير الله عز وجل .
في بعض المشكلات ينفع الدعاء وتنفع الاستشارة وتنفع الاستخارة ، ولكن بشكل مفصل أو بشكل توضيحي لا بد من أن تسارع إلى الأشياء التي تقتضي فيها السرعة ، مثلاً قضايا تهدد صحتي ، تهدد أمتي ، تهدد المستقبل ، لابد من السرعة إليها والتأني في هذا الموقف لا يناسب ، بينما في أمور أخرى كطلب الرزق مثلاً يمكن أن تتأنى لأنه كما في الدعاء : اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك .
الأستاذ عدنان :
نتابع معكم الآن دكتور موضوع الإعجاز العلمي ؛ ليكون من الأشياء التي نتابعها متعرفين من خلالها على معجزات الله تعالى ، وأن نكون على طريق مكارم الأخلاق .

الموضوع العلمي :

التضحيات التي تقدمها اللقالق لصغارها :

الدكتور راتب :
الحقيقة أن التضحيات لأجل الصغار تشاهد من أبرد المناطق إلى أشد المناطق حرارة في العالم كله ، هنا غابات تايلاند، أهم مشكلة هنا لصغار اللقالق المولودة الحرارة الحارقة ، لهذه السبب تُحضر اللقالق الكبيرة المياه إلى أعشاشها بمناقيرها ، وتصب هذا الماء على صغارها التي لم تنبت أرياشها بعد .

خاتمة وتوديع :

الأستاذ عدنان :

في ختام هذا اللقاء كل الشكر لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين، وكل الشكر أيضاً للأخوة المشاهدين .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور