وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 1000 - تيسير الزواج - المعاشرة بالمعروف-
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده، ونستعين به، و نسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق و البشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، لا أزال أردد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح المتعلق بالشام، فقد ورد عنه أنه:

(( بينما أنا نائم إذا عمود هذا الدين قد سلّ من تحت رأسي، فأتبعته بصري، فإذا هو بالشام، فعليكم بالشام في آخر الزمان ))

[أحمد في المسند]

تأتي الوقائع المتجددة لتؤكد مصداقية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

الشهوات حيادية:

أيها الإخوة الكرام، من نافلة القول، ومن المسلمات أن الله عز وجل أودع في الإنسان الشهوات، وما أودع الشهوات في قلبه إلا ليرقى بها مرتين صابراً وشاكراً إلى رب الأرض والسماوات.
أيها الإخوة الكرام، الشهوة حيادية، إما أن تكون سلماً نرقى بها، أو دركات نهوي بها، لأن الإنسان مخير، فكل شهواته حيادية، قد يرقى بها وقد يسقط بها، من هذه الشهوات المتغلغلة في أعماق النفس كما قال الله عز وجل:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

[ سورة آل عمران: 14]

الحقيقة الدقيقة أنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها، وتأكدوا أيها الإخوة الكرام، أنه ليس في الإسلام حرمان إطلاقاً، لكن فيه تنظيم، وطهر، ورقي، وسمو.

انتشار الفساد في العالم بشكل خطير:

أيها الإخوة الكرام، العولمة التي أتتنا من الغرب، والتي فرضت علينا، وكنت أقول لكم دائماً: كانوا يجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون، لكنهم الآن وجدوا بالإمكان أن يجبروننا بالقوة الناعمة، المرأة، لا على أن نفعل ما يريدون، بل على أن نريد ما يريدون، وهذا الفساد العريض الذي عمّ الأرض، قال تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة الروم: 41]

أيها الإخوة الكرام، الأرقام والإحصائيات يكاد الإنسان لا يصدقها، أروج تجارة الآن تجارة الرقيق الأبيض، سبعمئة ألف امرأة كل عام تدخل تجارة الدعارة عن رضى، أو عن احتيال، أو عن إجبار، وقد عمّ الفساد الأرض، وتنادى بعض إخوتنا الكرام، وأسسوا جمعية سموها جمعية الإعفاف، وحضرت قبل يومين افتتاحها، والذي رأيته والله من الخير العميم في هذه البلدة الطيبة ما لا يصدق، هذا مصداق قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره ))

[الترمذي عن أنس]

من الأولويات تحصين الشباب بالزواج:

لذلك أيها الإخوة الكرام، هناك مشكلة في العالم الإسلامي تكاد تقع على سلم الأولويات، في الرقم الأول مشكلة الشباب، الشاب قنبلة متفجرة، فإما أن نرعاه، ونحقق طموحه وفق منهج الله، وإما سيكون الشباب أحد أسباب دمار هذه الأمة، لذلك أيها الإخوة الكرام، ما لم يفكر عقلاء الأمة، وأغنياء الأمة، وأقوياء الأمة، وعلماء الأمة بهذه الشريحة الكبيرة التي استثيرت استثارة لا حدود لها، لأن ثمة ثلاثة وعشرين مليون موقع إباحي في الإنترنت، و ثمانمئة محطة فضائية ربعها يبث الدعارة والفحش، فإن لم نحصن شبابنا فالويل لنا.
أيها الإخوة الكرام، في المنطق والعقل لا بد من سلم الأولويات، والذي رأيته في هذا اللقاء الأول ومن السخاء الذي بذله المحسنون ما لا يصدق ما لا يصدق، ذلك لأن الأمة بشبابها، ولأن مستقبل الأمة بشبابها، ولأن قوة الأمة بشبابها، ولأن مجد الأمة بشبابها، والشباب كما وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام فقال:

(( ريح الجنة في الشباب ))

[ورد في الأثر]

وما من شيء أحب إلى الله عز وجل من شاب تائب.

 

صيحة إلى عقلاء وعلماء الأمة:

أنا أصدر هذه الصيحة لأقوياء الأمة، ولعلمائها ولعقلائها، ولمفكريها، ولأولياء الأمور وللأباء والأمهات، ما لم ترع قضية الشباب فنحن في طريق الدمار.

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت أخلاقهم فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا
***

أيها الإخوة الكرام، من نافلة القول أن أوضح لكم أن الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام ليس من بيئته، وليس من ثقافته، وليس من اجتهاده، وليس من تفكيره، وليس من استنباطاته، ما قال الذي قال إلا عن وحي يوحى:

 

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾

[ سورة النجم ]

أول قضية في هذا الموضوع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه:

(( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا ))

[الترمذي عن أبي حاتم المزني]ٍ

أي إن لم تفعلوا، هل تلغى علاقة الذكر بالأنثى ؟ أبداً، الجواب: لا، ولكنها تأخذ مساراً آخر، مساراً غير شرعي، فإما أن تلبى هذه الحاجة وفق المسار الشرعي، وإما أن تلبى عند ضعاف المؤمنين بمسار غير شرعي، لذلك:

(( إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ))

وما تمنيت في حياتي أن يكون الرقم غير صحيح إلا في اجتماع عقد في إحدى الوزارات، ونطق أحد المسؤولين بأن عدد بيوت الدعارة يقترب من سبعين ألف بيت في دمشق، ألف بيت.

(( إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ))

ووصلنا إلى الفساد الكبير.

الزواج من سنة الأنبياء:

أيها الإخوة الكرام، بادئ ذي بدء الزواج من هدي الأنبياء والمرسلين، قال تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً﴾

[ سورة الرعد: 38]

وكان عليه الصلاة والسلام يقول:

((... أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ))

[ متفق عليه عن عائشة ]

هذه سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ويقول الله عز وجل:

 

﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾

[ سورة النور: 32]

أي زوجوا، من هم الأيامى ؟ الأيّم كلمة تعني أي شخص ذكرًا كان أو أنثى لا قرين له، قال تعالى:

 

﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾

[ سورة النور: 32]

ما معنى الآية الكريمة إذا وجهت إلى المجموع ؟ هي موجهة حكماً إلى من يلي أمر المجموع، الأقوياء والأمراء مسؤولون عن عقبات توضع أمام زواج الشباب، ومسؤولون أيضاً عن صوارف كثيرة تصرف الشباب عن طاعة الله عز وجل، << وإن الله يَزَع بالسلطان ما لا يَزَع بالقرآن >>.

 

أعظم عبادة المرأة إعفاف الشباب:

أيها الإخوة الكرام، ما من عبادة تعبدها الفتاة لربها أعظم من أن تعف الشباب بستر مفاتنها، لذلك هذه التي تبدي كل مفاتنها في الطريق يظن أنها بريئة، ولكن إنما تساير صرعات الأزياء الأخيرة، ولو علمت كم من الشباب فتن بها، وكم من الشباب انحرف، إما أنه انحرف فيما بينه وبين نفسه، أو انحرف بتعاطي الفاحشة، والسبب هذه التي أبدت مفاتنها.
أنا أذكر لكم قصة رواها لي بعض الإخوة الكرام، وهذه القصة من صميم الواقع، رآها في مقابلة بين شاب في بلد عربي إفريقي أدمن على اغتصاب الفتيات وقتلهن، بلغ عدد الفتيات اللواتي قتلهن ما يزيد على اثنتي عشرة فتاة، إحدى الباحثات الاجتماعيات طلبت من وزير الداخلية هناك أن يسمح لها بإنشاء لقاء على الشاشة بينها وبين هذا الشاب المجرم، هو جاهل جهلاً مطبقاً، لا يقرأ، ولا يكتب، بل لا يحفظ سورة الفاتحة، بل لا يعرف أن ينطق بالشهادة، فلما سئل عن هذه الجرائم الكثيرة التي اقترفها قال: كل هذا بسبب ما ترتديه هذه الفتيات، إذاً هناك مصطلح جديد اسمه تحرش المرأة بالرجل، لا عن طريق لسانها، بل عن طريق ثيابها، قال تعالى:

﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

[ سورة الأنفال: 73]

لذلك حينما تستر الفتاة مفاتنها عن الأجانب هي والله قديسة، وهي والله مكرمة عند الله، وهي والله تنافس الرجال دخول الجنة.
أنقل لكم ما في بعض الكتب الصحيحة من قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: من هذه يا جبريل ؟ قال: هي امرأة مات زوجها، وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهن ))

[ورد في الأثر]

إنها تنازع رسول الله دخول الجنة، لذلك إذا كان للرجال عبادة خاصة بهم كعبادة الجهاد فللنساء عبادة خاصة بهن، أنا أسميها عبادة إعفاف الشباب عن طريق الحجاب.
أيها الإخوة الكرام، يمكن أن ترقى المرأة بحجابها وستر مفاتنها عن الأجانب إلى أعلى درجات الجنة.

(( اعلمي أيتها المرأة أعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

[ورد في الأثر]

دعوة لأهل اليسار بالمساعدة في الزواج:

أيها الإخوة الكرام، وهؤلاء الميسورون يستطيعون أن يصلوا إلى أعلى درجات الجنة ببذل ما لهم لتزويج الشباب، إلى أعلى درجات الجنة، لأن هذه مشكلة كبيرة جداً من مشكلات المجتمع الإسلامي

فهذا الذي يقيم عقد قران في فندق من ذوي الخمس نجوم، ويدفع عشرات الملايين كان بإمكانه أن يزوج مئة شاب بما ينفق في ليلة واحدة، وهذه الهدايا التي تقدم في الأعراس، وفي عقود القران يمكن أن نستبدلها بمساعدات لصندوق يرعى الزواج في بلدنا، وهذه الورود التي قد تزيد على بضعة ملايين لليلة واحدة يمكن أن تفرح بها مئة فتاة خطبها شاب مؤمن وسترها.
أيها الإخوة الكرام، ما لم نغير فالله لا يغير، قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الرعد: 11]

هذه الجمعية جمعية إعفاف الشباب، والفتاة يمكن أن تكون عضداً لجمعية إعفاف الشباب بأن تستر مفاتنها عن الشباب فتسهم في إعفافهم، والأغنياء بإنفاق أموالهم بإنشاء المساكن بترويج حاجات الزواج بأسعار معتدلة، بإلغاء العقبات الكأداء التي توضع أمام الشباب، بإبعاد الشباب عن الصوارف الفاتنة إلى المعاصي والآثام يسهمون جميعاً في إعفاف الشباب.
أيها الإخوة الكرام، سيدنا عمر سأل أحد ولاته: << ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال: أقطع يده، قال: فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفّينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً >> .

ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان:

أخ كريم سألني سؤالاً مصيرياً: قال عندي معمل، والمواد الأولية ليست متوافرة، وأنا لا أربح شيئاً، وعندي ما يكفيني حتى آخر عمري، فعزمت على إغلاق المعمل، وتسريح العمال، قلت: كم من عامل عندك ؟ فقال: ثمانون عاملا، فقلت له: أنت باستمرارك ولو لم تربح تفتح ثمانين بيتاً، وهذا أكبر ربح عند الله، أنت تهيئ فرص عمل لثمانين أسرة، هذا أكبر ربح عند الله عز وجل، وجزاه الله خيراً فقد استجاب لي، وتابع العمل، وقد حلت مشكلته.
ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، أحياناً هناك أعمال يصل بها الإنسان إلى أعلى عليين، والذي لفت نظري من حضور افتتاح هذه الجمعية أن كل القائمين عليها من الشباب المثقفين الواعين الملتزمين.
وثمة خبر آخر أثلج صدري، أن عدد الجمعيات التي أسست من أربع سنوات إلى الآن يزيد على ألف جمعية من أجل خدمة المجتمع.
أيها الإخوة الكرام، يجب أن نقول بملء أفواهنا: انقضى عهد النوم، ويجب أن نقول أيضاً بملء أفواهنا: انتهى عهد الكلام، نريد الأفعال، الذي جمع في حفل واحد الرقم لا يصدق، وهذا يؤكد مصداق النبي عليه الصلاة والسلام:

(( الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة ))

[ورد في الأثر]

ماذا يمنع أن تلغي هذه الهدية، قطعة من الزجاج أو صحن، أو شيء تقدمه في عقد قران ابنتك، لو ألغيت هذا، وأديت لكل من دعوته إيصالاً لجمعية ترعى تزويج الشباب بألف ليرة، وقد فعلها بعض المؤمنين، ما الذي يمنع أن تقدم كتاباً لا أقول: مصحفاً، كل بيت فيه الآن مئة مصحف، كتاب في الفقه، كتاب في السيرة، كتاب في الحديث، بدل قطعة الزجاج الذي ليس لها محل في البيت، ماذا يمنع أن ترجو المدعوين بعدم إرسال الزهور، يكفي باقة أو باقتين، وتنفق الباقي في تزويج الشباب ما الذي يمنع ؟ إلى متى ونحن تحكمنا عادات وتقاليد بالية إلى متى ؟ إلى متى يئن الشباب والشابات، والله الذي لا إله إلا هو كلما اتصلت بي أخت تسألني على استحياء أن أبحث لها عن زوج يتقطع قلبي ألماً، من حقها أن تتزوج، من حقها أن تكون أماً، لكن الزواج أصبح قاصراً على من عنده بيت، على من يؤمن نفقات ليست معقولة.
أيها الإخوة الكرام، لا تنسوا هذا الحديث الشريف:

(( إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ))

والفساد الكبير حصل، والآن نريد أن نخفف أخطاره، نريد أن نحصن الشباب والشابات.

 

من صفات المؤمن حفظ الشهوة:

أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾

[ سورة المؤمنون ]

إذاً من صفات المؤمن أنه يحفظ شهوته من أن تساق في غير قناة الزواج، لذلك قد لا يملك بعضكم معلومات دقيقة جداً عن الفساد في الأرض، لأن الطرق الشرعية مغلقة الآن، وهناك زواج عرفي تتفق فيه فتاة مع زميلها، ويعقدان عقداً لا أصل له في الشريعة، لأن الطرق إلى الزواج مغلقة، اخترعوا عقد زواج عرفي، واخترعوا زواج ( الفرند )، والآن نحن أمام أنواع من الزواج لا يعلمها إلا الله، كلها غير شرعية، لأن الطرق الشرعية مغلقة، ما لم ندع المظاهر، ما لم ندع كلام الناس، ما لم ندع افتخارنا بأزواج بناتنا، وبدخلهم وبموقع بيتهم، وبأثاث بيتهم فلن يرضى الله عنا.
أيها الإخوة الكرام، أحد التابعين الكرام خطب ابنته الوليد بن عبد الملك الذي بنى الجامع الأموي، فاعتذر، وزوجها لأخ عنده فقير، وفي اليوم نفسه طرق بابه، في يوم خطبتها، وعقد القران طرق باب تلميذه، فقال: من الطارق ؟ قال: سعيد، فقال هذا الشاب: والله تصورت كل من حولي من اسمه سعيد، فلم يخطر على بالي أن شيخي هو الطارق، فلما فتح الباب فوجئ، دفع إليه ابنته، وقال له: هذه زوجتك يا بني.
ما لم نضع تحت أقدامنا التقاليد والعادات والخزعبلات، والتي تدعو إلى الفخر فلن تصلح أمورنا.

 

دعوة الإسلام إلى الزواج:

أيها الأخوة الكرام، يقول سيدنا عمر:<< من دعاك إلى غير الزواج فقد دعاك إلى غير الإسلام >>.
ورأى رجلاً لم يتزوج على كبر سنه فقال: << لا يدع النكاح إلا من فجور، أو من مرض >>.
أما الإنسان السوي فينبغي أن يتزوج، وأن المجتمع السوي ينبغي أن يخفف أو يزيل العقبات أمام الزواج.
هل تصدقون أيها الإخوة الكرام أن النبي عليه الصلاة والسلام ارتقى بالزواج إلى مستوى العبادة، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( وفي بضع أحدكم صدقة ))

[مسلم عن أبي ذر]

أنت إذا تزوجت، وسترت فتاة، وهي سترتك أيضاً فهذا العلم عند الله عبادة، وهو صدقة

(( وفي بضع أحدكم صدقة ))

وهل تتصورون أن المال الذي تنفقه على زوجتك هو عند الله صدقة قال: وإنك لا تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في فم امرأتك من طعام، هذا الطعام الذي تأتي به، وتأكله زوجتك هو عند الله صدقة، أي عبادة.
أيها الإخوة الكرام، ليس هناك مجال للحديث عن فقرات الزواج، هذه الموضوعات أشبعت، ولكن الحديث عن حركة من أولياء الأمور، ومن أولياء الشباب، ومن أولياء الفتيات، ومن أغنياء الأمة، ومن عقلاء الأمة، ومن مفكري الأمة، ومن خطباء الأمة للحث على تخفيف العقبات، وتسهيل المهمات، وتقديم المساعدات، لأنه ما من شفاعة أفضل عند الله من شفاعة النكاح، وقد ورد في بعض الآثار: << من مشى بتزويج رجل بامرأة كان له بكل كلمة يقولها، وبكل خطوة يخطوها عبادة سنة، قام ليلها وصام نهارها >>.
لا تلتفتوا إلى كلام الشياطين، " امشِ في جنازة ولا تمشي في زواج "، هذا كلام الشياطين، << من مشى بتزويج رجل بامرأة كان له بكل كلمة يقولها، وبكل خطوة يخطوها عبادة سنة، قام ليلها، وصام نهارها >>.
أيها الإخوة الكرام، مهما تحدثنا عن المفاسد، أنا أطمئنكم أن هذه المفاسد لا تصل إلى المؤمنين، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ﴾

[ سورة النحل: 99]

أنا أخاطب الشباب بحديث رسول الله، افتحوا الجامع الصغير، هناك مجموعة أحاديث تزيد على عشرين حديثاً تبدأ بكلمة حق، حق الوالد على ولده، حق الولد على والده، حق الزوج على زوجته، حق الزوجة على زوجها، إلى أن تصل إلى حديث إذا قرأته يقشعر جلدك حق المؤمن على الله أن يعينه إذا طلب النكاح، هذا حق شرعي للشاب، إذا سأل الله في صلاته، يا رب، هيئ لي فتاة مؤمنة تسرني إذا نظرت إليها، وتحفظني إذا غبت عنها، وتطيعني إن أمرتها، هذا شاب يستجيب لدعوة الله له، لك حق على الله، أن يعفك إذا طلبت العفاف.
أيها الإخوة الكرام، آلاف القصص التي قد لا تصدق سببها أن شاباً مؤمناً اتقى أن يعصي الله، فغض بصره عن الحرام، وهيأ الله له زوجة صالحة تسعده، ويرتاح من ضغوط كثيرة أمامها.
أيها الإخوة الكرام، بقي أن ننشر وعيًا أمام إخوتنا، مفاده أن الله إذا أمر المجموع فقال تعالى:

 

﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾

[ سورة النور: 33]

طبعاً هذا الأمر يرقى إلى مستوى الندب، وقد يصل إلى الفرض، وقد يقترب من الفرض فيكون واجباً، ذلك لأن الفساد إذا استشرى عمّ الفساد المفسد والفاسد ومن رضي بالفساد، فحينما أرسل الله الملائكة لإهلاك قرية قالوا: يا رب، إن فيها صالحاً، قال: به فابدءوا، لمَ يا رب ؟ قال: لأن وجهه لا يتمعر إذا رأى منكراً.
فلذلك لا بد من حركة المجتمع، لا بد من تخفيف العقبات، والله لقد سمعت عن بلدة في الغوطة أكبرت أهلها إكباراً لا حدود له، أن عقلاءها اجتمعوا، واتخذوا قراراً بأن أي مهر لأية فتاة لا يزيد على خاتم ذهب، وعن ساعة، فقط هذا المطلوب من الفتى، وغرفة فقط، وما لم نفعل هكذا فالطريق مسدود إلى سلامة المجتمع.

 

العولمة هي نشرُ الإباحية:

أيها الإخوة الكرام، العولمة تعني فرض الإباحية، وهناك أخبار سارة جداً، وهناك أخبار سيئة جداً، السيئة سببها أن العالم الغربي بعد أن أصبح قوياً، وبعد أن أصبح القطب الأوحد، وبعد أن أصبح يملي إرادته على كل الشعوب أراد أن ينقل إلينا إباحيته فقط، لكنني أعلم علم اليقين أن هذا منع منعاً كلياً.
قبل زمن قصير كان في بعض الفنادق حوار بين النظراء في موضوعات لا نستطيع سماعها، ولا رؤية المشاهد التي اقترفت في أثناء الحوار، من أجل تعميم الوعي الجنسي عند الشباب ذكوراً وإناثاً، وقد تنادى العلماء جزاهم الله خيراً إلى إنكار هذا، وقد استجيب لهم فوراً، ومنع، وكان الذي حصل من دون ترخيص، ومن دون إذن، ولكن سوف يلقى هؤلاء جزاءهم العادل.
أيها الإخوة الكرام، الغرب يريد أن يفرض إباحيته علينا تحت اسم العولمة، ولم أجد تعريفاً جامعاً مانعاً لكلمة العولمة سوى الحيونة، أي أن نعود بالإنسان إلى حيوانيته فقط.
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كثرة العزوف عن الزواج ورواج الطلاق وسوق الدعارة:

أيها الإخوة الكرام، ثمة إحصاء سمعنا به، والحقيقة أنه مؤلم جداً، وهو أن نصف سكان سوريا من النساء غير متزوجات، والأصل أن يكون عدد المتزوجات من النساء تسعين بالمئة أو خمسة وتسعين بالمئة من هن في سن الزواج، لكن الإحصاء الدقيق أن نصف سكان هذا البلد الطيب بدون أزواج، امرأة تعيش وحدها تنتظر من يطرق بابها ليخطبها، و سوق الزواج بائرة، وسوق الدعارة رائجة، وهذه مشكلة كبيرة:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة الروم: 41]

إخواننا الكرام، في هذه العجالة الصغيرة أريد أن أبين أن بعض الحالات التي تمّ فيها الزواج سريعاً ما ينتهي إلى الطلاق بسبب أم جاهلة، أو أب جاهل، أو بسبب حمق من الزوج، أو حمق من الزوجة، فنعمة الزواج نعمة كبيرة، والزوجة التي لا تقدر نعمة الزواج قد تعاقب بالطلاق، والزوج الذي لا يقدر نعمة الزواج يعاقب بأن هذه المرأة طلبت الخلع منه بمحض اختيارها، فالذي عنده زوجة، وعنده أولاد هذه نعمة ينبغي أن يرعاها.
وأنا والله أيها الأخوة الكرام، أقول دائماً حينما ترفع بعض الشكاوى في موضوع الخلافات الزوجية: إن الطلاق لا تحل به المشكلة، بل تبدأ به المشكلات، و لاسيما إذا كان هناك أولاد لهذين الزوجين الذين قررا الانفصال عن بعضهما.
أيها الإخوة الكرام، ما من أب أعقل ممن يحسن صورة صهره أمام ابنته، وما من أم أعقل من التي تحسن صورة الزوج أمام ابنتها، وما من أب آخر أعقل ممن يحسن صورة الزوجة أمام زوجها، وما من أم أعقل من التي تحسن صورة الزوجة أمام ابنها، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: 

(( ليس منا من فرق )) 

[ ورد في الأثر]

وهناك آلاف حالات الطلاق بسبب كيدي، والفتاة هي الضحية، والشاب هو الضحية، حينما يركب الآباء رؤوسهم، ويصروا على تطليق أولادهم أو بناتهم من أزواجهم كي يشفوا غليلاً، أو يحققوا مأرباً، هؤلاء لا يرتقون إلى مستوى الآباء الصالحين، 

(( ليس منا من فرق ))

والطلاق يهتز له عرش الرحمن.
أيها الإخوة الكرام، قد تتعلم البنت كل شيء، تدرس هندسة أحياناً، وقد لا تستخدم هذا الاختصاص إطلاقاً، لأنه متعلق بالإسمنت والبناء، وما شاكل ذلك، ولكن الأم والأب لا يعلمانها شيئاً من آداب الزواج، ومن واجبات الزوجة.
أنا سمعت عن بلد إسلامي في شرق آسيا أُعجبت به أيما إعجاب، حينما أسس مدرستين، الدراسة فيهما تستمر ستة أشهر، ولا تقتصر الدراسة على الكتب وإلقاء المحاضرات، بل على تدريبات عملية، لا يعقد عقد زواج في هذا البلد الإسلامي إلا لشاب دخل هذه المدرسة، ونجح في الامتحان، ولشابة دخلت مدرسة الإناث ونجحت في الامتحان، يُعلم الشاب مهمات الأب، وواجبات الأب، وحقوق الزوجة، وأصول المعاملة، وحسن المعاشرة، وكيف يتلافى الخطأ، وكيف لا يفرط بهذا الزواج، وتعلم الفتاة كيف ترعى حقّ زوجها، و حقّ أهله، و كيف تكون مطيعة، و كيف تسعد به، ويسعد بها.
أنا أرى أن هناك حماقات ترتكب لا حدود لها من زوج جاهل، أو زوجة شابة مغرورة، ينتهي هذا إلى الطلاق، وبالطلاق تبدأ المآسي والأحزان.

البطولة في الحفاظ على الزواج والمعاشرة بالمعروف:

أيها الإخوة الكرام، ليست البطولة أن تتزوج، والله لا أبالغ إن أكثر من ستين أو سبعين بالمئة من حالات الزواج تنشأ مشكلات بسبب الجهل، والحمق قد تودي إلى انهيار هذه الأسرة، يوجد جهل، و ما من عقد قران حضرته إلا قيل فيه على كتاب الله و سنة رسوله، فهل الزوج أو الزوجة تعلمت ما في كتاب الله، وما في سنة النبي عليه الصلاة والسلام من أحكام الزواج، قال تعالى:

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

[ سورة النساء: 19]

ومن أدق ما قاله المفسرون في هذه الآية: " ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها "، هذه المعاشرة بالمعروف.
فيا أيها الإخوة الكرام، إذا أردتم الدنيا فعليكم بالعلم، إذا أردتم بيتاً سعيداً فعليكم بالعلم، هناك خمسة وخمسون حالة تسهم في إسعاد الزوجين، هناك موضوع آخر تسعون حالة تسهم في إسعاد الزوجين، هناك سبع عشرة حالة تسبب الشقاء الزوجي، هذه قضية مشبعة دراسة وعلماً بأدلة قرآنية ونبوية وعلمية ونفسية واجتماعية وبيولوجية.
الحياة تحتاج إلى علم، الجاهل عدو نفسه، ويفعل الجاهل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.

الدعاء

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور