وضع داكن
24-04-2024
Logo
ومضات إيمانية لرمضان 1425 - الدرس : 47 - أدب الأنبياء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، من المسلم به أن في الإسلام عقائد وعبادات ومعاملات وآداب.
لو تتبعنا في كتاب الله الأدب الذي أدب الله به أنبياءه الكرام لوجدنا شيئاً دقيقاً، ونحن في أمسّ الحاجة إليه.
 سيدنا إبراهيم حينما جاءه الضيوف راغ إلى أهله، قالوا: راغ إلى أهله أي انسلّ خفية دون أن يقول: لهم أتحبون أن تأكلوا، الجواب القطعي: لا، الضيف يستحي أن يطلب الطعام، فإذا سألته أحرجته، وقد تحمله على أن يكذب، وقد يكون جائعاً، فالضيف لا يستأذن في تقديم الطعام له.
راغ: أي انسلّ خفية، بآيات أخرى:

﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)﴾

[ سورة هود: الآية 69]

 ما لبث أي: لم يطل تقديم الطعام طويلاً، قد يكون الضيف جائعاً، قد تطعمه الساعة السادسة مساء، ومن عادته أن يأكل الساعة الثانية ظهراً، أنت مرتاح:

 

﴿فَمَا لَبِثَ﴾

 

[ سورة هود: الآية 69]

 من آداب الطعام أن تقدم له الطعام سريعاً:

 

﴿أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)﴾

 

[ سورة هود: الآية 69]

 أي: لحم طيب، فالمؤمن كالنحلة لا يأكل إلا طيباً، ولا يطعم إلا طيباً.
 أول شيء انسل خفية، ولم يستأذن الضيف في تقديم الطعام، لأن الضيف يستحي، ثم إنه لم يغب طويلاً حتى جاءه الطعام هذا الأدب الثاني، وجاء بطعام طيب، الشيء الرابع فقربه إليهم، أحياناً بالموائد يوجد طعام طيب بعيد جداً الضيف يستحي أن يقوم، ويذهب إلى آخر المائدة ليأخذ منه قسماً، إذاً تقريب الطعام للضيف أيضاً من آداب الضيافة.
الأدب الرابع قال:

 

﴿أَلَا تَأْكُلُونَ (91)﴾

 أحياناً يأتيك، والأهل يقدمون لك طبق الفواكه، تضعه أمامه، وتجري معه حديثاً طويلاً ساعة أو ساعتين، الضيف يشتهي أن يأكل، لكن يستحيل أن يبادر فيأكل دون أن تقول له: تفضل، إذاً قال:

 

 

﴿أَلَا تَأْكُلُونَ (91﴾

 انسل خفية، ولم يستأذن الضيف، وما غاب كثيراً، جاء بالطعام سريعاً، أي: كان مستعداً، وجاء بعجل حنيذ، أي: طعام نفيس، فقربه إليهم قال:

 

 

﴿أَلَا تَأْكُلُونَ (91)﴾

 سيدنا يوسف حينما قال:

 

 

﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 33]

 مرة إنسان أظنه صالحاً، ولا أزكي على الله أحداً، وهو طبيب، قال لي: أنا لا أتأثر بالنساء إطلاقاً، عندي إرادة قوية، قلت: ما هذا هو الأدب الذي أدب الله به أنبياءَه، سيدنا يوسف قال:

 

﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 33]

 فأنت حينما تعتمد على حفظ الله لك تكون أكثر أدباً مما لو تعتمد على إرادتك القوية، وقد تنهار الإرادة، وهناك حالات كثيرة جداً إنسان يملك إرادة حقيقية، إرادة حديدية، ينهار أحياناً، ويرتكب حماقة ما بعدها حماقة:

 

﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ ﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 33]

 سيدنا يونس في بطن الحوت:

 

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾

 

[ سورة الأنبياء: الآية 87]

 يا رب، أنقذنا، لا، قال له:

 

﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)﴾

 

[ سورة الأنبياء: الآية 87]

 سبحه، ومجده، واعترف بذنبه، هذا هو الأدب.
سيدنا أيوب:

 

﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾

 

[ سورة الأنبياء: الآية 83]

 يا رب، اشفني، قال:

 

﴿وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)﴾

 

[ سورة الأنبياء: الآية 83]

 أرأيتم إلى هذا الأدب ؟
سيدنا عيسى:

 

﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾

 

[ سورة المائدة: الآية 116]

 أي: الجواب الطبيعي، لم أقل ذلك يا رب، قال:

 

﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً﴾

 

[ سورة المائدة ]

 التقى بإخوته فأثنى على الله عز وجل:

 

﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 101]

 والحقيقة يوجد في هذه الآية ملمح لطيف، قد يفهمها معظم الناس، قد جعله ملكاً، أو وزير اقتصاد، أو رئيس وزارة، وهذه مناصب تعطى لمن يحب، ولمن لا يحب، أعطى الله الملك لفرعون، وهو لا يحبه، لكن من أوجه ما قرأت في التفاسير عن هذه الكلمة أي: أعانه الله على أن مَلَك نفسه عند الشهوة، عندما دعته امرأة ذات منصب و جمال قال: إني أخاف الله رب العالمين، هذا هو الملك الحقيقي، أن تكون مسيطراً، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام لو ذهبنا نعدد فضائله وخصائصه ومزاياه لا ننتهي، لكن الله أغفلها جميعاً، فلما أثنى عليه أثنى على خلقه العظيم، لأن خلقه العظيم من كسبه، كان ضبطه لنفسه عالي المستوى، أما نحن فقد يستفزنا أحد فندخل في صراع مع أنفسنا، أبطش به ؟ أحطمه أم أدعه ؟ تدخل في صراع مرير، وقد تنتصر على نفسك، تقول: سأسامحه، هذا الإنسان ذو خلق عظيم، ولكن ليس على خلق عظيم، معنى على خلق عظيم أي: متمكن في الأعماق، يستحيل أن يخرق مبادئه وقيمه:

 

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

 

[ سورة القلم: الآية 4]

 الأنبياء جميعاً كانوا في منتهى الأدب، كانوا في منتهى الخشوع لله عز وجل، و قد تجد إنساناً لا يملك شيئاً، ومع ذلك فهو فظ غليظ، قال تعالى:

 

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 159]

 أي: يا محمد، على أنك رسول، وعلى أنك نبي، وعلى أنه يوحى إليك، وعلى أنك جاءك القرآن، وأيدتك بالمعجزات، وكنت كالبدر في جمالك، وكنت أفصح العرب، والميزات التي كانت عند النبي لا تصدق، ومع كل ذلك لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك.
كيف بإنسان لا وحي معه، ولا قرآن، ولا معجزات، ولا تأييد، ولا عصمة، ولا فصاحة، ولا جمال، ولا حكمة، ولا رحمة، وهو فظ غليظ القلب ؟ مستحيل.
أيها الإخوة، الحقيقة أجمل شيء في الإنسان الأدب، بلغه أن الأنصار وجدوا عليه في أنفسهم فسأل زعيمهم سعد بن عبادة قال: ما القضية ؟ قال: إن قومي وجدوا عليك في أنفسهم، متألمين لهذا الفيء الذي أعطيته للعرب، ولم تعطهم منه شيئًا، النبي بحكمته البالغة أراد أن يعرف هذا موقف سعد، أم هو ناقل أمين ؟ قال له: يا سعد أين أنت منهم ؟ قال: ما أنا إلا من قومي، أيضاً أنا حزين، فقال: اجمع لي قومك، جمع له الأنصار، الآن تصوروا أن النبي عليه الصلاة والسلام في أقوى مركز بعد أن انتهى من حنين، هذه آخر معركة، ودانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، وما اجتمعت الجزيرة في يوم سابق على إنسان واحد كما اجتمعت على رسول الله.
كلمته نافذة في أي مكان، و بإمكانه أن ينهي وجودَ هؤلاء الذين انتقدوه، يفعل الطغاة، إلغاء وجود كامل، جمعهم بإمكانه أن يهملهم، بإمكانه أن يهدر كرامتهم، بإمكانه أن يعاتبهم لصالحه، بإمكانه أن ينساهم، أن يهملهم، ما الذي فعله ؟
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:

(( لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ، وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ، قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي، وَمَا أَنَا، قَالَ: فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ، قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ، فقَالَ e: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ ؟ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ ؟ ـ أرأيت إلى هذا الأدب الرفيع، لم يقل: فهديتكم هداكم الله هو الأصل، بي، أنا أداة ـ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ ؟ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ؟ قَالُوا: بَلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ، قَالَ: أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ؟ قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ، وَالْفَضْلُ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ ؟ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ ؟ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَفَرَّقْنَا ))

 

 

[ أحمد، الدارمي ]

 بماذا ذكرهم ؟ بفضلهم عليه.
يا ترى هذه القصة أين مكانها في السيرة ؟ مع وفائه أم مع حكمته ؟ أم مع محبته أم مع رحمته ؟ أم مع أي قضية تصنف هذه القصة ؟
الحقيقة أن الشيء المتميز في الأنبياء هو الأدب، الأدب الرفيع.
لما التقى بإخوته سيدنا يوسف قال:

 

﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 100]

 ولكن الجب أخطر ؟ إن ذكر الجب ذكرهم بجريمتهم لئلا يحرجهم:

 

﴿مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 100]

 الآن الله عز وجل أمر النبي e أن يكون أديباً مع الطرف الآخر، مع الخصم، قال:

 

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)﴾

 

[ سورة سبأ: الآية 24]

 أنا وأنتم طرفان، والهدى إما معكم أو معنا، ما هذه الفرضية ؟ ليس القصد أن تجرحهم، ولا أن تستعلي عليهم، ولا أن تصغرهم، القصد أن تأخذ بيدهم إلى الله عز وجل.
إخوانا الكرام، كلما نما إيمانك نما أدبك، كلما قوي إيمانك اشتد أدبك مع الله أولاً، و مع العباد ثانياً، ومع الأنبياء ثالثاً.
هذا الذي يقول: يقول لك محمد، هكذا بالضبط، من محمد ؟ قصده النبي عليه الصلاة والسلام، المؤمن يقول: سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، يتكلم عن الأنبياء، وكأنهم أشخاص عاديون.
فيا أيها الإخوة الكرام، لو تتبعتم أقوال الأنبياء لوجدتم في أقوالهم أدبا رفيعا.
 الذي أتمناه عليكم حق التمني ألا تتوهموا أن هؤلاء الأنبياء لهم قصص درسناها، وأخذنا العلم بها، لا، هي لنا، إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، يوجد وهم معشعش في أذهان الناس، يا أخي، هذا نبي، من قال لك: إنك إن قلدته أصبحت نبياً ؟ أنت أقل من النبي بمليار مرة، لكنك مكلف أن تقلد النبي e، أعلى طبيب في المستشفى جراح قلب، وأقل ممرض إن أرادا أن يعطيا حقنة لمريض فلابد من التعقيم، لابد من تعقيم الإبرة، لابد من مسح مكان الإبرة بالكحول، لابد، لابد، يوجد إجراءات لابد من أن يطبقها كل من أعطى مريضاً حقنة، فإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فأنت حينما تقرأ القرآن الكريم قلد هؤلاء الأنبياء، قلد صبرهم، قلد أدبهم، سيدنا يعقوب فصبر جميل، تجد إنساناً الآن بأتفه الأسباب صرخ صراخاً في البيت، كسر أبواباً، لسبب تافه جداً، فقد ابنه، ولا يعلم أحد منا ما الألم الذي ينتاب قلب الأب حينما يفقد ابنه، قال:

 

﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾

 

[يوسف: 83]

﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾

[يوسف: 86]

 لذلك قال بعض العارفين:
و يعاب من يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
لكن يوجد استدراك، لو شكوت إلى مؤمن فكأنما شكوت إلى الله، لكنك إذا شكوت إلى كافر فكأنما اشتكيت على الله.
لا تُرِ الكافر ضعضعة ولا ضعفاً ولا تطامناً ولا خضوعاً، أره قوة:

 

﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾

 

[ سورة الشورى ]

 أيها الإخوة الكرام، ملخص هذا الدرس:

(( أدبني ربي فأحسن تأديبي ))

[السيوطي في الجامع الصغير عن ابن مسعود، والحديث فيه ضعف]

 ومن لم يؤدبه الإسلام لم ينتمِ إلى الإسلام، المزاح الفاحش، والكلام البذيء، والغمز واللمز، والكلام المغشوش، أي كلمة فيها ضمير غائب يبتسم الحاضرون، كأن موضوع عورات لا شيء فيه.
الجو الآن جو موبوء، المزاح أكثره جنسياً، وأي كلمة تشير إلى شيء بعيد جداً عن قصد المتكلم يفهم فهماً آخر، والمؤمن بريء، ولسانه نظيف، وأخلاقه عالية، غاض لبصره، ضابط للسانه، محسن لخلقه، هذا المؤمن.
المؤمن إذا لم يلفت نظرك بأخلاقه فليس بمؤمن، لابد من التمايز، لابد من كلام لطيف، قال تعالى:

 

﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 83]

 أيها الإخوة الكرام، ما أحوجنا إلى أن نتأدب بأدب الأنبياء، و كلما قرأتم في القرآن الكريم ، ومررتم على قصة لنبي كريم فدققوا في دعاء الأنبياء، وفي حوارهم مع الله عز وجل، وفي حوارهم مع إخوانهم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور