وضع داكن
25-04-2024
Logo
ومضات إيمانية لرمضان 1425 - الدرس : 38 - القدوة الحسنة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، في سورة الأحزاب قوله تعالى:

﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) ﴾

( سورة الأحزاب )

 إطلاقاً من هذه الآية أن في كل مجتمع أناسًا ممكّنين في الأرض، قال تعالى:

 

﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾

 

( سورة فاطر )

 إنسان قوي، إنسان غني، إنسان عالم، إنسان حاكم، هؤلاء المتميزون الممكِّنون في الأرض لهم حساب خاص، إن أحسنوا فلهم أجر مضاعف، وإن أساؤوا فعليهم عقاب مضاعف، إن أحسنوا لهم أجر مضاعف، أجرهم وأجر من قلدهم، لأن الله سبحانه وتعالى حينما قال:

 

﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾

 

( سورة الإسراء الآية: 16 )

 المترفون متبعون، المترفون في نظر الناس وفي سمعهم، المترفون معظمون لذلك

﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾
﴿ فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16) ﴾

( سورة الإسراء )

 النتيجة أن أي إنسان إذا مكنه الله في الأرض، والآية واسعة جداً، معلّم الصف إذا دخن فعليه وزر مضاعف، وزر أنه عصى الله، والطلاب الصغار يرون معلمهم، وهو قدوة لهم يدخن، فيرون التدخين من لوازم القادة، مثلاً.
 سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته، وقال: " إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايم الله لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني "، فصارت القرابة من عمر مصيبة.
الممكَّن في الأرض، أولاً: أيها الإخوة:
 نحن في الحياة المادية كلما ارتفع الإنسان عن سطح الأرض اتسعت دائرة رؤيته، أنت في بيت في أحياء ضيقة من أحياء دمشق، ولا ترى شيئاً، لكن هناك بيت في رأس جبل قاسيون، ترى الشام كلها، لو ركبت طائرة ترى تقريباً مئة كيلو متر.
 مرة ركبت طائرة فرأيت بيروت وطرابلس معاً، ارتفاع أربعين ألف قدم يتيح لك أن ترى مئة كيلو متر، والذي وصل إلى القمر رأى الأرض كلها، فهذه قاعدة، كلما ارتفعت اتسعت دائرة رؤيتك، أما في المسؤولية فكلما ارتفعت اتسعت دائرة مسؤوليتك، معلّم الصف له حساب، عنده ثلاثون طالبًا، أما المدير فعنده سبعمئة طالب، مدير التربية عنده محافظة بأكملها، الوزير عنده القطر بأكمله، فكلما ارتفع مقامك في العلم أو في المال أو في القوة ارتفعت مسؤوليتك، ثلاث مراكز قوى، في العلم أو في المال أو في القوة، الآن وأنت في هذا المكان العلي إن أحسنت فلك الأجر، وأجر من قلدك، لأنك كبير في نظر الناس، وإن أساءت فعليك الوزر مضاعف، وزر معصيتك، ووزر الجاهل الذي قلدك.
إذاً القادة أعلام الأمة الممكَّنون في الأرض، الأغنياء، الأقوياء، العلماء، لهم حساب خاص، ثوابهم مضاعف، وعقابهم مضاعف، ثوابهم مضاعف، لأنهم قدوة، ومتبعون، وعقابهم مضاعف، ولأنهم قدوة سيئة كانوا متبعون.
أيها الإخوة، الذي يتصل بهذا الدرس أن الله يقول:

 

﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 140 )

 شاءت حكمة الله أن تداول الأيام بين الناس، يأتي وقت الرومان أقوياء جداً، يأتي وقت المسلمون دانت لهم الأرض، وكان سفير بعض البلاد الإسلامية في أوربة تقبل يده من قبل السفراء هناك، الإسلام وصل إلى قمة مجده حينما وصل إلى شمال إفريقيا، وفتح أسبانيا، ووصل إلى أطراف الصين، ودانت له معظم الأرض.
الآن الدور لطرف آخر: أقويا، أغنياء، يتبجحون، يتغطرسون، مستكبرون قال تعالى:

﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾

 يعني علاقتك بالله عز وجل لا تتأثر لا بقوة المسلمين، ولا بضعفهم، نحن ولدنا في زمن ضعف المسلمين، وهذا قدرنا، وقد يأتي جيل إن شاء الله يرون قوة المسلمين، لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) ﴾

 

( سورة التوبة )

 هناك بشارة إن شاء الله، على كلٍّ دورة الحق والباطل أطول من عمر الإنسان.
لتوضيح ذلك، يأتي رمضان في أيام الصيف الحارة كل 36 سنة مرة، لو أن إنسانًا كتب له من العمر عشرة سنوات، هل يدرك رمضان في الصيف، ثم رمضان في الشتاء، دورة الصيف والشتاء أطول من عمر هذا الإنسان، لذلك قال تعالى يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام:

 

﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾

 

( سورة يونس الآية: 46 )

 يعني قد يتاح لك أن ترى مصير الظلمة، وقد لا يتاح لك، لذلك هذه الدنيا دار ابتلاء، بينما الآخرة دار جزاء، فإذا رأيت الله عز وجل يعاقب المسيئين إنه في الحقيقة يعاقب بعضهم ردعاً للباقين، وإن رأيت أنه يكافئ المحسنين هو في الحقيقة يكافئ بعضهم تشجيعاً للباقين، إنما رصيد الحساب يوم القيامة، ] وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [، يقول الله عز وجل:

 

﴿مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) ﴾

 

( سورة الأحزاب )

 والحقيقة أنّ هذا التداول في الأيام بين أهل الكفر وأهل الإيمان منه حكمة بالغة.

 

﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) ﴾

 

( سورة الأحزاب )

 امتحنوا فلم ينجحوا.

 

﴿وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً (14) ﴾

 ثم يقول الله عز وجل:

 

 

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) ﴾

 

( سورة الأحزاب )

 فهذه المحنة الشديدة جداً التي ألمت بالمسلمين من حين لآخر يعاني منها المسلمون، ونحن الآن نعاني منها، فهي امتحان للمسلمين، فإما أن يصمد، ويصبر، ويتوكل على الله، ويؤدي ما عليه من واجبات، ويسهم في تقوية الأمة، ويسهم في حمل همومها، وإما أن يسقط باليأس أو القنوط.
 أيها الإخوة الكرام، هؤلاء الذين عارضوا النبي صلى الله عليه وسلم أين هم الآن ؟ أنت حينما تذهب إلى العمرة، أو على الحج تقف أمام الصديق، وتسلم عليه، وتقف أمام عمر، وهؤلاء كانوا من أتباع النبي ، أما الذين حاربوه، وقاوموه كأبي جهل وأبي لهب أين هم الآن ؟

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾

 إخواننا الكرام، عظمة هذا الدين أنه قابل للتصديق، والمسلمون أقوياء، والمسلمون ضعفاء، سيان، دخلت إلى بيتك، بإمكانك أن تصلي، وأن تقرأ القرآن، وأن تذكر الله، وأن تربي أولادك، ودخلت إلى عملك بإمكانك أن تكون صادقاً، وأميناً، وعفيفاً، ومحسناً، ورحيماً مشيت في الطريق بإمكانك أن تغض بصرك، شاعت عقائد الكفر، بإمكانك أن تعتقد العقيدة السليمة، ولا يستطيع كائن من كان على وجه الأرض أن يكشف ماذا تعتقد، فوسائل التدين موفورة في قوة المسلمين وفي ضعفهم، والإسلام هو دين دولة، ودين أفراد، لو أن القوة ليست بيد المسلمين إطلاقاً، هو دين لكل إنسان، فلذلك هذا الدين لا تقلق عليه أبداً، إنه دين الله، اقلق ما إذا سمح الله لك، أو لم يسمح أن تكون أحد جنوده.
 أيها الإخوة الكرام، فحينما نري الله عز وجل من أنفسنا خيرا لعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا، ويعتقنا من النار، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن هذه الصفات التي جهدنا بها في رمضان، ومكننا الله منها في رمضان، وأعاننا عليها في رمضان أن نتابعها بعد رمضان.
الدعاء
 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارضى عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور