وضع داكن
19-04-2024
Logo
ومضات إيمانية لرمضان 1425 - الدرس : 25 - العمل الصالح
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، كما ترون، يعيش المسلمون محنة صعبة جداً، والله عز وجل يقول:

﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا﴾

[ سورة التوبة: 105]

 بعد الإيمان بالله، وبعد الاستقامة على أمر الله ليس شيء أعظم عند الله من عمل صالح تتقرب به إلى الله، لو أن كل مسلم له حرفة، له اختصاص، حصل درجة علمية معينة، فأراد أن يقدم شيئاً من اختصاصه، أو من خبرته، أو مما ميزه الله عز وجل لمسلم فقير، لو أن هذه الأعمال اتسعت، طبيب بإمكانه أن يعالج مرضى فقراء، والذي عنده مخبر بإمكانه أن يحلل لمرضى فقراء، مدرس الرياضيات بإمكانه أن يعلم بعض الطلاب الفقراء، أي إنسان له حرفة وله مصلحة بإمكانه أن يقدم شيئاً، يقول الله عز وجل:

 

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) ﴾

 

[ سورة الكهف: 110]

 أي إن الإنسان لا يتألق عند الله، ولا يكون قريباً من الله عز وجل إلا إذا بذل مما أعطاه الله شيئاً.
لفت نظري في مطلع هذا الشهر الكريم أن بعض الأخوات الكريمات يصنعن الطعام، وهن فقيرات، يتقاسمن ثمن الطعام، ويصنعنه، ويقدمن الطعام لأسر فقيرة، هذه الأخت الكريمة أدت الذي عليها، لا يوجد إنسان لا يوجد عنده اختصاص، أو حرفة، أو عنده ميزة، أو عنده شيء أكرمه الله به، لو أن كل واحد منا أراد أن يقدم شيئاً مما أكرمه الله به لأخيه المؤمن لكنا في حال غير هذا الحال.
 مثلاً كم من إنسان بإمكانه أن يترجم، يوجد في كل مسجد عدد من المتخصصين باللغة الإنكليزية، لو ترجمت كتباً إسلامية إلى لغات أجنبية فهذا أفضل، كم من محامٍ في المسجد، لو أنهم اجتمعوا، وقرروا أن يأخذوا بعض الدعاوى لأناس فقراء مظلومين ؟ كم من مدرس لغة إنكليزية، كم من مدرس رياضيات، لغة عربية، لو تتبعت المهن التي يعيشها الناس لوجدت كل إنسان مسلم يتقن شيئاً، فإذا أخذ الإنسان قراراً أن يتقرب إلى الله بعمل ما فهذا أفضل.
 هذا الكلام لا يعني أن الإخوة الكرام لا يقدمون شيئاً، يقدمون شيئاً قيماً جداً، ولكنه عمل مبعثر، ليس بعمل جماعي منظم، لو اجتمع الإخوة المحامون، وقرروا أن يعاونوا المظلومين من الفقراء، لو اجتمع الإخوة الأطباء أصحاب المخابر، أصحاب الاختصاصات اللغوية مثلاً، أصحاب الصناعات المعينة، لو أن إنساناً ميسورًا كفل طالب علم، لأن هذا ذخر للأمة، الجامعة أحياناً تستقبل ألف طالب، ينجح ستة وثلاثين بالألف، فكل هذه النفقات الكبيرة من أجل ستة وثلاثين طالبًا تخرج، هم دعامات للأمة، فلو أن إنسانًا ميسورً تولى طالب علم لكان حالنا غير الذي نحن فيه.
 كنت أتمنى من قبل أن إنساناً ميسورًا يقبل طالب علم أن يعمل عنده بنصف دوام، ويحتسب عند الله نصف الدوام الآخر، يتيح له أن يتعلم، وأن يقدم له شيئاً من جهده، فنال الأجر بعضاً من أجره على جهده، وبعضاً صدقة من الله عز وجل لهذا طالب العلم، أقول: إلى متى نستمع الدروس، ونتأثر ؟ يا أخي فكرة رائعة، تكلم بها الشيخ، لفتة لطيفة، ملمح بالآية رائع، إلى متى ؟ إلى متى نتأثر، ونستمع، ونثني على المتكلم، والمسلمون كما ترون عندهم مشكلات لا تعد ولا تحصى.
والله أيها الإخوة الكرام، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، إنه متاح أمام كل واحد أن يعمل أعمالا صالحة لا تعد ولا تحصى بين أيدينا، حينما يرى الله عز وجل المدرس علم طالبًا فقيرًا، والصيدلي أعطى دواء لمريض فقير، طبعاً بتحقيق دقيق، وبمنهج، وبأصول، لا بشكل عشوائي، والمحامي دافع عن مسلم مظلوم، والذي عنده مخبر مثلاً عمل فحصًا لبعض المرضى الفقراء، أنا لا أنكر أن هؤلاء يقدمون دائماً، لكنه تقديم كيفي وعشوائي ومبعثر، أما لو تعاون كل أصحاب حرفة على حل مشكلات المسلمين لنجحنا.
 أنا سمعت من أخ كريم أنشأ مجموعة عمارات خارج دمشق، وباع البيت بكلفته فقط، والضرائب تحملها هو، لأي إنسان فقير مؤمن يريد أن يؤوي إلى بيت، هذا عمل عظيم، أن تبني بناء، وتتحمل نفقات، وتتحمل جهداً كبيراً، ثم تبيع البيت بكلفته فقط، يكاد يكون الثمن إلى النصف تقريباً، قال لي: وتحملت الضرائب.
 إنسان آخر سمعت عنه في ريف دمشق أنشأ بناء ضخماً، والبيوت كلها للإيجار لطلاب العلم، تاجر عمارة عنده آلاف الأعمال الصالحة، الطبيب المهندس، المحامي، المدرس، التاجر، الصانع، صاحب المعمل، الأعمال لا تعد ولا تحصى، لكن يجب أن نعلم أيها الإخوة أن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، وأن الله سبحانه وتعالى ربط عطاءه بالعمل الصالح، قال تعالى:

 

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً﴾

 

[ سورة النحل: 97]

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) ﴾

[ سورة الكهف: 110]

 أيها الإخوة الكرام، يقول لي أحد الإخوة: أنا متضايق، أصلّي، لكن لا أشعر بحلاوة الصلاة، أقرأ القرآن الكريم، لا أشعر بحلاوة التلاوة، ما السبب ؟ أقول له: أنت لما استقمت سلمت، لكنك لم تسعد، أما العمل الصالح فيسعد المؤمن، أنت حينما تستيقظ، وفي همك أن تخدم إنساناً تقرباً إلى الله، حينما تستيقظ، وتحرص على أن تحل مشكلة إنسان، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( َمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ))

[متفق عليه ]

 أردت من بهذا الدرس الموجز أن أبين للإخوة الكرام أنه ما لم تعطِ، ما لم تبذل، دائماً الإنسان بالاستقامة يستخدم ما النافية، أنا ما أكلت مالاً حراماً، ما تكلمت كلامًا لا يرضي الله، ما اغتبت، ما فعلت كذا، الاستقامة عمل سلبي، امتناع، لكن الجنة تحتاج إلى عمل إيجابي، ماذا قدمت ؟ ماذا قدمت بين يدي الله عز وجل ؟
واللهِ لا أعتقد أن ثمة واحدًا منا، وأنا معكم يقدر أن يحدث شيئاً في المجتمع، وأقول لكم كلمة دقيقة: إن الشيء الذي قد يجريه الله على يديك قد لا يتناسب أبداً مع طاقاتك المحدودة، ولكن يتناسب مع نواياك الطيبة، فكم من إنسان أجرى الله على يديه الخير الكثير ؟ الصحابي نعيم بن مسعود كان من زعماء غطفان، وجاء ليحارب النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو في الخيمة فكر، يخاطب نفسه هكذا، حوار ذاتي، يا نعيم، ما الذي جاء بك إلى هنا ؟ أجئت لتحارب هذا الرجل الطيب، ماذا فعل ؟ سفك دماً، أم انتهك عرضاً، أم أكل مالاً، ماذا فعل ؟ فصحا: أين عقلك يا نعيم ؟ نهض، تحرك، وانتقل إلى معسكر النبي عليه الصلاة والسلام، ودخل على النبي الكريم، النبي فوجئ، قال: من ؟ قال: نعيم، ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال: جئت مسلماً، قال: مرني ماذا أفعل ؟ قال: أنت واحد، خذل عنا، هذا الصحابي الذي بلحظة تفكير دقيقة أسلم، واستطاع أن يوقع بين قريش واليهود، هو أحد أسباب النصر في معركة الخندق.
 أنت حينما تتحرك، حينما تخرج من ذاتك، حينما تقول: يا رب، ماذا أفعل ؟ أنا أذكر لكم هذا المثل، مجند غر التحق بالخدمة الإلزامية، وهناك وحدة كبيرة جداً فرقة، وعلى رأسها لواء، وبين الجندي الغر واللواء عشرون إلى ثلاثين رتبة، وفي النظام العسكري لا يمكن لهذا الجندي أن يقابل اللواء إلا عن طريق التسلسل، ولا بشهر، من سبع نجوم إلى سبعتين، إلى ثمانٍ، إلى ثمانيتين، إلى نجمة، نجمتين، ثلاث، نجمات، تاج، أين أنت، وأين اللواء ؟ هذا الجندي الغر إذا رأى ابن اللواء يكاد يغرق، فأنقذه، بإمكانه أن يدخل إلى غرفة والده من دون أن يستأذن، ويستقبله، ويرحب به، ويجلسه إلى جانبه، ويأتيه بالضيافة، خلافاً للتقاليد العسكرية، لأنه عمل عملاً طيباً .
أنت حينما تريد أن تتألق مع الله اعمل عملاً اجعله خالصاً لوجه الله، وكل إنسان يملك شيئا، يملك خبرة، يملك مالاً، يملك علماً، يملك سلطة، أحياناً يملك شيا نادرًا أحياناً.
أتمنى أن يكون التقديم بشكل منظم، كل أصحاب حرفة يجتمعون، ماذا يمكن أن نعمل لخدمة المسلمين ؟ هذا عمل طيب، بلغني أن إنسان في ندوة شجع المترجمين، لترجمة مئات الكتب الإسلامية، اجتمع مئتا وسبعون مترجماً، وجلسوا، وترجموا عشرات الكتب للغة الأجنبية، حققوا شيئاً، فالإنسان وحده ضعيف، ابحث عن أخيك، المحامي الثاني، المحامي الثالث، كيف نحل مشكلة المظلومين.
حدثني أخ طبيب أسنان عندنا هنا، قال: جاءتني معلمة لإصلاح أسنانها، فلما سمعت بالرقم للتقويم بمبلغ كبير اعتذرت، قال: نويت أن أقوم بهذا العمل لوجه الله، هي معلمة، وحينما تبتسم تظهر أسنانها غير جيدة، أقسم لي بالله أنه خلال إصلاح أسنان هذه المعلمة عاش في جنة، لأن هذا العمل لوجه الله.
إذا كل واحد منا فكر بعمل لله، لا يبتغي منه سمعة، ولا ثناءً، ولا شكرًا، ولا تعليقًا، ولا تنويهًا بالجريدة، لوجه الله، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً (9) ﴾

 

[ سورة الإنسان: 9]

 إذا كان الإنسان يشكو من جفاف قلبه، يشكو من عدم تفاعله مع الآيات، مع الأحاديث فعليه بالعمل الصالح، ويدعم هذه الآية:

 

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾

 

[ سورة الكهف: 110]

 حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، فكلما كبر عملك كبر مقامك عند الله عز وجل، لقوله تعالى:

 

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

 

[ سورة الأحقاف: 19]

 وهذا العمل الصالح عملة الآخرة، إنسان أحياناً يكون مليونيراً، يسافر إلى بلد تستخدم عملة خاصة أخرى، وهذه العملة التي يحملها لا قيمة لها، فكل نشاطك في الدنيا ينتهي عند الموت، ولكن العملة الرائجة يوم القيامة هي الأعمال الصالحة، فلعل الله عز وجل يطلع علينا فيرى هذا التعاون، وهذه الرحمة، وهذه الشفقة، وهذا الحرص.
والله هناك طبيب من إخواننا عاهد الله إذا عاد من اختصاصه من بلاد بعيدة يحمل البورد حتى يجمع الأطباء المؤمنين الذين لم يتح لهم هذه الدراسة العليا ليعلمهم ما تعلم، أنت حينما تخرج من ذاتك تكون عند الله عظيماً.
هذا الدرس إن شاء الله قال تعالى:

 

﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾

 

[ سورة التوبة: 105]

 اعمل عملاً تبتغي به وجه الله، هذا الذي يرقى بك عند الله، هذا الذي يعود عليك من الله سكينة، تجد حلاوتها في قلبك، هذا معنى الثواب، الثواب من ثاب، أي رجع، أنت رفعت إلى الله عملاً خالصاً، الآن يعيد الله عليك من هذا العمل سكينة تسعد بها.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور