وضع داكن
19-04-2024
Logo
صلاح الأمة - الدرس : 05 - ثمرات العلم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس صلاح الأمة في علو الهمة، والحديث عن العلم، وفي هذا الدرس حديث عن ثمرات طلب العلم.

قيمة العلم:

 العلم أيها الإخوة قوة هائلة، وهو أعلى الرتب، يعطيك العلم طاقة لا تقدر بحدود الزمان والمكان، يكسبك العلم علواً ومنزلة، ويمهد الطريق أمامك بالرفعة في الدنيا والآخرة:

﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾

[ سورة المجادلة: 11]

صور رائعة مت مواقف علماء المسلمين مع الأمراء !!!

1 – عطاء بن أبي رباح:

 دخل سليمان بن عبد الملك الحرم، ومعه الوزراء والأمراء والحاشية، وقادة الجيش، وكان حاسر الرأس، حافي القدمين، ليس عليه إلا إزاره ورداؤه، شأنه كشأن أي حاج محرم من المسلمين، ومِن خلفه ولداه، وهما غلامان كطلعة البدر بهاء، وكأكمام الورد نضارة و طيباً، وما إن انتهى خليفة المسلمين، وأعظم ملوك الأرض من الطواف من البيت العتيق حتى مال على رجل من خاصته، وقال: مَن عالم مكة ؟ فقال: عطاء بن أبي رباح، قال: أروني عطاء هذا، فالتقى به فوجده شيخاً حبشياً أسود البشرة، مفلفل الشعر، أفطس الأنف، إذا جلس بدا كالغراب الأسود، كأنه رأسه زبيبة، مشلولاً نصفه، لا يملك من الدنيا درهماً و لا ديناراً، فقال سليمان: أأنت عطاء بن أبي رباح الذي طوق ذكرك الدنيا ؟ قال: هكذا يقولون، قال: فبمَ حصلت هذا العلم وهذا الشرف ؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي ـ أنا مستغن عنهم، وهم محتاجون إلى علمي، فإذا كان الذي يطلب العلم محتاجاً إلى ما عند الناس، والناس مستغنون عن علمه، ما حاله ؟ فقال: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي الذي انقطعت له ثلاثين عاماً، قال سليمان: لا يفتي في المناسك إلا عطاء.
 وحدث بعد اللقاء الأول أن اختلف سليمان وأبناؤه في مسألة من مسائل الحج، فقال: خذوني إلى عطاء بن أبي رباح، فأخذوه إلى عطاء، وهو في الحرم، والناس متحلقون حوله، فأراد سليمان أن يجتاز الصفوف ـ خليفة المسلمين ـ ويتقدم إليه، وهو الخليفة، فقال عطاء: يا أمير المؤمنين، خذ مكانك، أي ابقَ في مكانك، ولا تتقدم الناس، فإن الناس سبقوك إلى هذا المكان، فلما أتى دوره سأله المسألة فأجابه، فقال سليمان لأبنائه: يا أبنائي، عليكم بتقوى الله، والتفقه في الدين ".
قالوا: العالم شيخ، ولو كان حدثاً، والجاهل حدث، ولو كان شيخاً، قال: " يا أبنائي عليكم بتقوى الله، والتفقه في الدين، فوالله ما ذللت في حياتي إلا لهذا العبد ".
خليفة المسلمين أكبر ملوك الدنيا يقول: " والله ما ذللت في حياتي إلا لهذا العبد.

 

2 – أبو حنيفة النعمان:

 التقى أبو جعفر المنصور بأبي حنيفة، فقال: " يا أبا حنيفة، لو تغشيتنا، فقال أبو حنيفة: ولمَ أتغشاكم، وليس لي عندكم شيء أخافكم عليه ؟ وهل يتغشاكم إلا من خافكم على شيء ؟ ".
يقول سليمان بن عبد الملك: " فوالله ما ذللت في حياتي إلا لهذا العبد "، لأن الله يرفع من يشاء بطاعته، وإن كان عبداً حبشياً لا مال، ولا نسب، ويذل من يشاء بمعصيته، وإن كان ذا نسب وشرف.
 ثم قال سليمان لأحد ولديه: يا بني، هذا الذي رأيته يا بني، ورأيت ذلنا بين يديه هو وارث عبد الله بن عباس الصحابي الجليل الذي أوتي فهماً في القرآن الكريم، وكان موسوعة في كل العلوم، ثم أردف يقول: يا بني، تعلم العلم، فبالعلم يشرف الوضيع، وينبه الخامل، ويعلو الأرقاء إلى مراتب الملوك، لأن رتبة العلم أعلى الرتب، تعلموا العلم، فإن كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطاً سدتم ـ أصبحتم سادة ـ وإن كنتم سوقة عشتم ".

 

 

3 – الحسن البصري:

 

مع والي يزيد:

 مرة كان الحسن البصري عند والي البصرة فجاءه توجيه من يزيد، يبدو أنّ هذا التوجيه لو نفذه والي البصرة لأغضب الله، ولو لم ينفذه أغضب يزيد، ونحاه عن منصبه، كان عنده الحسن البصري، قال له: ماذا أفعل ؟ أجابه إجابة يجب أن تكون شعاراً لكل واحد منا، قال له: " إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله ".
 أيها الإخوة الكرام، حتى في هذا العصر صُنّاع القرار من يأمرهم ؟ العلماء في كل اختصاص، العلماء في العالم هم يملون على صنّاع القرار قراراتهم، فلذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.

 

مع الحجاج بن يوسف:

 الحسن البصري قام بتأدية أمانة العلم، وهي التبيين في عهد الحجاج، ويبدو أن أناساً نقلوا للحجاج ما قاله الحسن البصري، فغضب الحجاج، وأرعد، وأزبد، وقال: يا جبناء، يخاطب مَن حوله، والله لأروينكم مِن دمه، ثم أمر بقتله، وجاء بالسياف، ومدّ النطع، وطلب الحسن ليقطع رأسه في مجلسه، من هاب الله هابه كل شيء، ومن لم يهب الله أهابه الله من كل شيء، فاستدعى الحجاج الحسن، وجاء الجنود بالحسن البصري، فلما دخل إلى مجلس الحجاج الحسن البصري، ورأى السياف واقفاً، والنطع قد مد أيقن بالموت، حرك شفتيه، ولم يفهم أحد بماذا حرك شفتيه، فإذا بالحجاج يستقبله، ويقول له: أهلاً بأبي سعيد، أنت سيد العلماء، ومازال يقربه، ويقربه حتى أجلسه على سريره، واستفتاه في موضوع، وضيفه، وعطره، وودعه، صعق السياف، والحاجب، فلما خرج تبعه الحاجب، قال: يا أبا سعيد، لقد جيء بك لغير ما فُعل بك، فماذا قلت لربك ؟ قال له: قلت: يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي، اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم.

 

 

4 – مع الشيخ بدر الدين الحسني محدِّث الشام:

 والله يروي التاريخ أنه كان رجل في الشام من ألصق الناس بالشيخ بدر الدين الحسني، وقد أراد السلطان العثماني أن يدعو هذا الشيخ الجليل شيخ الشام كلها إلى استنبول لحفل، أرسل له رئيس الوزارة الصدر الأعظم على بارجة من استنبول إلى بيروت، ومن بيروت جاء بالسيارة إلى دمشق، ودخل على الشيخ، وقدم له دعوة السلطان لحضور الاحتفال، فمن شدة هيبة الشيخ قال له: أنا ما أرغب، قال: لا أرغب، انتهى الأمر، لا يوجد أحد يراجعك، فعاد إلى استنبول طبعاً بعد أسابيع، وصل إلى إنطاكية صدر أعظم رئيس وزارة حاكمة ثلث العالم أن شيخًا في الشام لا يستجيب لدعوة السلطان، خاف على منصبه، فعاد ثانية ليأخذه بالقوة، عاد خلال أسبوع آخر، ووصل إلى بيروت، وانتقل إلى الشام، ودخل على الشيخ، كان يصلي، فلما سلم من صلاته قال له: أنت جئت مرة ثانية، قال له: نسيت أقبل يدك سيدي، هذا العلم، هذا الورع، هذه التقوى، هذا حب الله عز وجل، هذا الإيمان بالآخرة، بما نلت هذا المقام ؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي.

 

 

الحياة كلها قرار واحدحاسم:

 

1 ـ مع قرار الصحابي الجليل عقبة بن عامر:

 إخواننا الكرام، عقبة بن عامر الجهني أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وأنا في الفلوات، يقول عقبة: أرعى غنيمات لي، الآن فلان عنده دكان صغير، فلان عنده بقالية، فلان عنده تجارة متواضعة، فلان عنده بيوت للإيجار، بهذا المعنى أرعى غنيمات لي، فما إن تناهى إليّ خبر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تركتها، ومضيت إليه لا ألوي على شيء، فلما لقيته قلت له: يا رسول، الله أتبايعني ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: فمن أنت ؟ قال: أنا عقبة بن عامر الجهني، قال: يا عقبة، أيهما أحب إليك أن تبايعني بيعة أعرابية أم بيعة هجرة ؟ أي تبقى في مكانك في البادية ترعى الغنيمات، وتبايعني، أو أن تهاجر، وأن تأتي إلي لتكون معي، قال: بل بيعة هجرة، وكنا اثني عشر رجلاً ممن أسلموا نقيم بعيداً عن المدينة لنرعى أغنامنا في بواديها، فقال بعضنا لبعض: لا خير فينا، والله إذا نحن لم نقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد يوم كي نتفقه في الدين، ويسمعنا مما يُنزل عليه من وحي السماء، فليمض كل يوم واحد منا إلى يثرب، وليترك غنمه لنا فنرعاها له، فقلت: اذهبوا أنتم دائماً إلى رسول الله واحداً بعد الآخر، وليترك لي الذاهب غنمه، أي كان حريصاً على غنماته، قال لهم: اذهبوا أنتم جميعاً، وأنا أبقى عند الغنيمات، لأني كنت شديد الإشفاق على غنيماتي من أن أتركها لأحد، ثم طفق أصحابي يغدو الواحد منهم بعد الآخر على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترك لي غنمه أرعاها له، فإذا جاء أخذت منه ما سمعت، وتلقيت عنه ما فقه، لكنني ما لبثت أن رجعت إلى نفسي، وقلت لها: ويحك يا نفس، من أجل غنيمات لا تسمن، ولا تغني تُفوتي عليك صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخذ عنه مشافهة من غير واسطة، ثم تخليت عن غنيماتي، ومضيت لأصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه هي المقدمة.
 أيها الإخوة، لم يكن يخطر على بال عقبة بن عامر الجهني، لم يكن يخطر على باله حين اتخذ هذا القرار كان حريصاً على غنيماته، وغنيماته ملء حياته، فآثر أن يبقى مع غنيماته، وأن يرسل أصحابه إلى النبي الكريم، للأمانة يستمع منهم يومياً إلى ما قاله النبي، لكن وجد أنه من أجل غنيمات يضيع صحبة رسول الله ؟!!
قال: لم يخطر على بال عقبة حين اتخذ هذا القرار قرار صحبة رسول الله، وترك غنيماته، لم يكن يخطر له على بال حينما اتخذ هذا القرار الحاسم والحازم أنه سيغدو بعد عقد من الزمن، أي عشر سنوات عالماً من أكابر علماء الصحابة، وقارئاً من شيوخ قرائها، وقائداً من قواد الفتح المرموقين، عالم وقارئ وقائد، ووالٍ من ولاة الإسلام المعدودين.
عقبة بن عامر الجهني ما كان يخطر على باله حينما ترك غنيماته أنه سيغدو عالماً من أكابر علماء الصحابة، و قارئاً من شيوخ قرائها، و قائداً من قواد الفتح المرموقين ووالياً من ولاة الإسلام المعدودين، ولم يكن يخطر له على بال أيضاً، وهو يتخلى عن غنيماته، ويمضي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه سيكون طليعة الجيش الذي يفتح أم الدنيا وقتها دمشق، هو الذي فتح دمشق، ويتخذ لنفسه داراً بين رياضها النضرة عند باب توما، ولم يكن يخطر له على بال أنه سيكون أحد القادة الذين سيفتحون مصر أيضاً، وأنه سيكون والياً عليها، ويتخذ لنفسه داراً في سفح جبلها المقطم، وبعدها اشترك هذا الصحابي الجليل في قيادة حملة بحرية لفتح جزيرة رودس في البحر المتوسط.

 

2 ـ مع قرار سيد غطفان نعيم بن مسعود:

 لما جاء نعيم بن مسعود سيد غطفان لمحاربة النبي العدنان في معركة الخندق فكر، أجرى حواراً ذاتياً في لحظة واحدة انقلب من عدو للحق إلى أكبر عون لرسول الله، ماذا قال ؟ قال: يا نعيم، لماذا جئت إلى هنا ؟ من أجل أن تقاتل هذا الرجل الصالح ؟ ماذا فعل ؟ سفك دماً، انتهك عرضاً، نهب مالاً ؟ لماذا تحاربه ؟ أين عقلك يا نعيم ؟ أيليق بك أن تحاربه أين عقلك ؟ فقام، وهو رئيس المعسكر، واتجه إلى معسكر النبي، ودخل على النبي عليه الصلاة والسلام، لما نظر إليه قال: نعيم ؟ قال: نعيم، قال: ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال: جئت مسلماً، وأعلن إسلامه، قال له: مرني ؟ قال له: أنت واحد ؟ قال له: مرني ؟ قال له: خذل عنا، وتسعة أعشار سبب نجاح معركة الخندق بسبب نعيم بن مسعود، لم يكن يعرفه اليهود أنه أسلم، ولا القرشيون، فشقّ صفوفهم، وأوغر صدر كل طرف على الطرف الآخر، وهذه حيلة ذكية جداً سخرها للحق.
لماذا أنت متمسك بالدنيا، متمسك بمحل صغير، بشيء بسيط، اطلب العلم، العلم يرفعك إلى أعلى عليين، العلم يرفع مقامك عند الله:

 

﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾

[ سورة الشرح ]

رتبة العلم أعلى الرتب:

 مرة التقيت بإنسان يعمل في اللحم، قصاب، قال لي: أنا وأبو الحسن الكردي رفاق في عمل واحد، قلت له: أين الثرى من الثريا، هذا شيخ القراء، أو من كبار قراء دمشق، فالعلم يرفع الإنسان إلى أعلى عليين، لذلك رتبة العلم أعلى الرتب، اطلب العلم.
سأقول لكم كلمة: أنا لا أصدق ولا للحظة واحدة أن تطلب العلم بإخلاص ثم لا يستخدمك الله في الدعوة إليه، ثم لا توفق في التأثير في الناس، اطلب العلم، وعندئذ يتولى الله أن يهبك قوة التأثير، قال تعالى:

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾

[ سورة النور: 36]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور