وضع داكن
18-04-2024
Logo
رمضان 1426 - الفوائد - الدرس : 16 - الجانب الجمالي للإنسان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع فائدة من فوائد ابن القيم رحمه الله تعالى، هذه الفائدة متعلقة بالجانب الجمالي من الإنسان.

أودع الله في الإنسان قوة إدراكية و قوة شعورية

 لقد أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، يتميز بها عن بقية المخلوقات، وأودع فيه قوة شعورية، ففي حياة الإنسان علم، وفلسفة، وفن، فالعلم ما هو كائن، والفلسفة ما ينبغي أن يكون، والفن ما هو ممتع،

الإسلام دين الفطرة

 وفي الإنسان جانب جمالي، هذه حقيقة، فإنه يحب المنظر الجميل، ويجب البيت الجميل، ويحب الثياب الجميلة، ويحب الزوجة الجميلة، هذا جانب حقيقي، والإسلام اعترف بهذا الجانب، لأنه دين الفطرة.
لقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالاً بأن يؤذن، لأنه أندى صوتاً، وهذه الأشياء الجميلة التي خلقها الله عز وجل لمن خلقها ؟ خلقها لنا.

 

الجمع بين الزينة التي سمح الله بها و السعادة الأبدية

 الموضوع الآن دقيق جداً، ماذا بين أن يجمع الإنسان الزينة التي سمح الله له في الدنيا، وبين السعادة الأبدية التي أعدت له ؟ في النهاية الجنة كلها سعادة، الجانب الجمالي في الجنة له المقام الأول،

 

 

ما هي العبادة ؟

 

 لأن أصل العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، لذلك يقول هذا العالم الجليل:
" لذة كل أحد على حسب قدره وهمته، وشرف نفسه ".
 يعني أن كل واحد منا شاء أم أبى له متعة يتمتع بها في الدنيا، فلذة كل واحد منا على قدر همته، وشرف نفسه، فقد تبدأ اللذة من تناول طعام لذيذ، وقد تنتهي بالاتصال بالجمال المطلق، وهو الله عز وجل،

أشرف الناس نفساً مَن لذّتُه في معرفة الله

 

 فأشرف الناس نفساً، وأعلاهم همة، وأرفعهم قدراً مَن لذّتُه في معرفة الله، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتودد إليه بما يحبه ويرضاه.
 عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ ))

[أخرجه البغوي في شرح السنة، وقال النووي: هذا حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح]

 إن الإنسان حينما تكون ذروةُ لذته، وذروةُ سعادته، وذروة استمتاعه في معرفة الله ومعرفة كتابه، والعمل الصالح، واللقاء مع أولياءه، فهذا إنسان في أعلى مستوى، لأنه لذتُه توافقت مع ما كلِّف به، تماماً كما لو أنّ إنسانًا مدمناً على المطالعة، فعُيّن أمين مكتبة، هذا العمل يتوافق مع هواه توافقاً تاماً، فلذة هذا الإنسان الأول في الإقبال على الله والعكوف عليه، ودون ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله.

 

الإستمتاع بالمحرمات

 أحيانا يستمتع الإنسان بأقذر عمل، وأسوأ عمل، وأحياناً يستمتع بالذات الإلهية بالإقبال عليه، والقرب منه، وقد قال بعض الناس: تنتهي لذتُهم إلى أخس الأشياء من القاذورات والفواحش في كل شيء.
الآن في العالم تواصل إعلامي، وفي العالم عرض للذات يخجل الإنسان أن يفكر فيها، لا أن يقترفها، أن يفكر فيها، لأنها تهبط به إلى مستوى أخس الحيوانات، فأنت بين أن تكون أسعد الناس بالذات الإلهية، وبين أن يكون الإنسان أخس مخلوق في لذته.
أحياناً تذهب إلى ظاهر المدينة، فتجد مئات السيارات حول ملهى، لو سألت نفسك سؤالاً دقيقاً: لماذا جاء الناس إلى هذا المكان ؟ إنهم يأكلون، ويشربون الخمر، ويستمتعون بالراقصات، والغناء، هذه هي لذتهم، وهذه اللذة يُقبِل الناس عليها أشد إقبال، إلا من عصم الله،

 

 

لذة القرب من الله

 وشهد الله أن المؤمن يتمتع بلذة عند قربه من الله، وعند خشيته له، وعند إقباله عليه ما لو وزِّعت على أهل الأرض الستة آلاف مليون لكفتهم.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ:

 

 

(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))

 

[متفق عليه]

اشكر الله أيها العفيف

 الآن لو عرض على الإنسان الخسيس الدنيء، الذي يستمتع بالقاذورات من الأقوال والأفعال ما يستمتع به الإنسان الأول الشارد لم يقبله، لذلك الذي يستمتع بالقاذورات يسخر من رواد المساجد، يقول لك: ماذا في هذا المكان ؟ ماذا يفعلون ؟ حياتهم مملة جافة، لأنه غارق في القاذورات.
ولو عرضت لذائذ الثاني على الأول لخرج من جلده نفوراً منها، فاشكر الله أيها العفيف أنْ جعل استماعك بما يرضيه.
" إن أكمل الناس لذة من جمع له بين لذة القلب والروح ولذة البدن ".
 بالمناسبة، أي شيء ممتع خلقه الله عز وجل، هذا الشيء الممتع واسع، فإذا عبّرنا عن السعادة بمئة وثمانين درجة فمسموح لك من هذا الشيء الممتع سبعون درجة، فالمؤمن يبقى في هذه السبعين، وهو في هذه السبعين موصول بالله، وهذه السبعين تفضي به إلى 360 درجة بعد الموت، فما دام في الجانب المسموح به من لذة البدن، يأكل الطعام الحلال، ويتزوج ، ويستمتع يما أحلّ الله له، ويبتعد عن أي شيء حرمه الله عليه، ما دام في هذا الحيز المسموح به فإنه يستطيع أن يجمع بين لذة البدن ولذة القلب، وأكمل الناس لذة من جمع بين لذة القلب والروح ولذة البدن، فهو يتناول لذاته المباحة.

 

ليس في الإسلام حرمان

 بالمناسبة، ما مِن لذة خلقها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها، فإنه ليس في الإسلام حرمان، بل الإسلام دين الفطرة.
 قال:
" فهو يتناول لذاته المباحة على وجه لا ينقص حظه من الدار الآخرة، ولا يقطع عليه لذائذ الدار الآخرة "
لو اقتربنا شيئا ما: أنْ تعمل بإخلاص، وتعمل عملاً متقناً، وتأخذ رزقاً حلالاً مئةً بالمئة، وتشتري به طعاماً طيباً، فتأكل أنت وأهلك وأولادك هذا الطعام الطيب، وتستطيع أن تكون في قمة الإقبال على الله والاتصال به، هذه هي شهوة الطعام والشراب.
قد تشتهي المرأة، فتتزوج امرأة صالحة مؤمنة، تسرّك إن نظرتَ إليها، وتحفظك إذا غبتَ عنها، وتطيعك إنْ أمرتها، هذه اللذة الثانية يمكن أن تنالها في أعلى مستوى، وأنت في أعلى درجة من القرب من الله، واللهُ سبحانه ما حرمك، لكن طهرك، ما حرمك، لكن كرمك.
قال تعالى:

 

 

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾

 

( سورة الأعراف الآية: 32 )

 هم في الدنيا يستمتعون مع غيرهم بالجانب المادي من اللذائذ، يستمع بها المؤمنون وفق منهج الله، وفق الحيز الذي سمح لهم به، لكن هذه اللذائذ خالصة لهم يوم القيامة.

 

(( إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر ))

 

[ رواه الطبراني في الكبير وفيه أبو مهدي سعيد بن سنان ]

 لذلك أنا حينما أدعَى إلى طعام، ويغلب على ظني أن هذا الذي دعاني إنسان مؤمن وقريب من الله أدعو له من أعماق قلبي أن يجعل الله له نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة .

 

للمؤمن جنتان

 أنت في الدنيا في أمان، وفي متعة طاهرة بريئة تقربك من الله، فإذا جاء الأجل انتقلت إلى جنة عرضها السماوات والأرض، وهؤلاء الذين سمح الله لهم أن يجمعوا بين لذة الدنيا في الجانب المباح المشروع، مع لذة الآخرة هؤلاء قمم البشر، لأن الله عز وجل حينما قال:

 

 

﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾

 

( سورة الرحمن )

ففي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، ويقول بعض العلماء: ماذا يفعل أعدائي بي ؟ إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي ؟.
 أيها الإخوة، أما الذي استمتع بالقاذورات من الأقوال والأفعال، فهؤلاء يقال لهم يوم القيامة:

( سورة الأحقاف )

لذلك أمسك مرةً سيدنا عمر تفاحة فيما أذكر، وهمَّ ليأكلها أمسك فقال: " أكلتُها ذهبتْ ، وأطعمتُها بقيتْ ".
هذا المعنى أشار إليه النبي الكريم صلى الله عليه و سلم حينما وزع شاة على مرأى من زوجته عائشة رضي الله عنها، ولم يبقَ منها إلا كتفها، يبدو أنها اشتهت أن تأكل هذا اللحم، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَا بَقِيَ مِنْهَا ؟ قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ: بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا ))

الحياة الدنيا مفعمة بالمسرات والأحزان و الآخرة بنيت على التكريم

 إخواننا الكرام، إن الحياة الدنيا مفعمة بالهموم والأحزان والمشكلات، ولا تستقيم لإنسان، فقد يحصل على زوجة صالحة، ولا يُسمح له بأولاد أبرار، الأولاد العاقون، وهم مصدر شقائه في الدنيا، أقول هذا بشكل عام للناس جميعاً، وقد يكون له دخل كبير، وفي جسمه مرض خطير، وقد تكون له سمعة طيبة، ويعاني من ضغوط في عمله، على كلٍ الحياة الدنيا مفعمة بالمسرات والأحزان، ولكن الآخرة بنيت على التكريم.

﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾

( سورة ق )

الفرق بين تمتعين

 النتيجة أن هؤلاء تمتعوا بالطيبات، وهم أهلُ الله، وهؤلاء أيضاً تمتعوا بالطيبات.

﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّك﴾

( سورة الإسراء الآية: 20 )

 هذا تمتَّعَ بكلام ربه، والأنسِ به، والإقبالِ عليه، والتقربِ إليه، فتجلى الله على قلبه، وألقى عليه السكينة، وشعر أنه أسعدُ الناس قاطبةً، وذاك تمتنع براقصة، هؤلاء تمتعوا بالطيبات، وأولئك تمتعوا بالطيبات، وافترقوا في وجه التمتع، لكن هؤلاء تمتعوا بها على وجه أذن الله به.

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾

( سورة الأعراف الآية: 32 )

 هذا الذي جعله الله جميلاً من فاكهة، أو من طعام، أو زوجة صالحة، أو ولد جميل الصورة، هذا إنما خلقه الله لعباده، وهناك جانب مسموح به، فأولئك تمتعوا على الوجه الذي أذن الله لهم فيه، فجمع لهم بين لذة الدنيا والآخرة، وهؤلاء الآخرون تمتعوا بها على الوجه الذي دعاهم إليه الهوى والشهوة، وسواء أذن لهم فيه أم لا.
 الآن دققوا:
" فانقطعت عنهم لذة الدنيا وفاتتهم لذة الآخرة "
لذلك إن أجمل كلمة أردّدها: من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً.
" فانقطعت عنهم لذة الدنيا وفاتتهم لذة الآخرة "
هذا هو الشقاء بعينه، فلا لذة الدنيا دامت لهم، ولا لذة الآخرة حصلت لهم، لذلك طريق الإيمان كله خير، هكذا صممت أن تكون مؤمناً.
 قال:
" فمن أحب اللذة ودوامها، والعيش الطيب فليجعل لذة الدنيا طريقاً إلى لذة الآخرة، بأن يستعين بها على فراغ قلبه لله "

 

التمتع المباح له وظيفة إيجابية

 إن الإنسان أحياناً في طريق الإيمان كأنك تمشي في الصحراء، من حين لآخر ترى واحة، أو نخلة وغديرًا، والإنسان أحياناً يذهب إلى نزهة، هو وأولاده وزوجته، هذه النزهة لذة مباحة، لكن لها وظيفة إيجابية، أنها تعينه على متابعة الطريق.

 

 

(( روّحوا القلوب ساعة فساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت ))

 

[ رواه الديلمي وأبو نعيم والقضاعي عن أنس ]

 في هذا الزمن الصعب، وفي ضغوط الحياة، وتعقيداتها، أحياناً تعطيك نزهة قصيرة أنت وأهلك طاقة لمتابعة السير، وقد تكون هذه النزهة أساسية في حياة الناس الآن، أحياناً تجد الأسرة تضطرب، يظهر بعض العنف في البيت، السبب أن نفوسهم ضاقت ببيت صغير وهموم كثيرة، فقد تكون نزهة قصيرة إلى مكان جميل مفيدة، وكل شيء مسموح به من طعام وشراب ومناظر جميلة، هذه النزهة تعينك على متابعة السير، فلذلك الآباء العقلاء والموفقون من حين إلى آخر يروِّحون عن أسرتهم، هذا الترويح يعين الابن على متابعة الدراسة، يعين البنت على متابعة الدراسة، يعين الزوجة على متابعة العمل، والزوج على متابعة النشاط.
إذاً فليجعل المؤمن لذة الدنيا موصلة إلى لذة الآخرة، بأن يستعين بها على فراغ قلبه لله وإرادته.

 

اللذائذ للمؤمن بحكم الاستعانة والقوة على طلب الدار الآخرة

أنا أتمنى أن يكون هناك تمايز بين لذات المؤمنين ولذات غير المؤمنين، هل يجلس المؤمن في مكان الغناء، والتفلت، ولعب النرد، ويقول: أنا واللهِ أروّح عن نفسي ؟!! هذا المكان ليس لك، هذا المكان يحول بينك وبين المتعة التي سمح الله لك بها، هذا المكان موبوء، فيجب أن يكون هناك تمايز بين لذات المؤمنين، ولذات المبعدين، يتناول المؤمن هذه اللذائذ بحكم الاستعانة والقوة على طلب الدار الآخرة، بالضبط كرحلة شاقة في الصحراء، من حين إلى آخر هناك استراحة، وتناول الطعام، ونسيم عليل، ومنظر الشجرة الجميلة، هذه الواحات لا بد منها، يجب أن تكون واقعيًّا في هذا، أنا لا أطالبك بنزهة فوق ميزانيتك، لكن أحياناً إلى مكان قريب، فيه إطلالة جميلة، أنت وأهلك، هذا يعطيك طاقة في متابعة السير، فكما تخطط للعمل يجب أن تخطط للذة طاهرة بريئة مسموح بها، تعينك على متابعة السير.

 

 

المؤمن لا يبحث عن اللذة لمجرد الشهوة

 إن الذي يبحث عن اللذة لمجرد الشهوة والهوى فهو ممن زُوِيتْ عنه لذات الدنيا والآخرة معاً.
 الآن:
" فليجعل ما نقص من لذة الدنيا زيادة في لذة الآخرة، ولا شط أنّ من أحبَّ دنياه أضرّ بآخرته "
هل يستمتع المؤمن كما يستمتع أهل الدنيا ؟ لا يستطيع ذلك، عنده قيود، عنده لوحة مكتوب عليها: حقل ألغام، فيقف عندها، ولا يرى أن هذه اللوحة تحدُّ من حريته، لكنه برى أنها ضمان لسلامته، وأعظم شيء في الفقه أن ترى أن المحرمات هي ضمان لسلامتك، وليست حداً لحريتك، هذه المحرمات لا تتألم ممن حرمها عليك، بل تشكره، لأنه أبقاك طاهراً سليماً موصولاً بالله عز وجل، فإذا استمتع المسلم بما أحل الله له يستوفيها كاملة يوم القيامة.
لذلك أيها الإخوة، المؤمن الصادق يبحث عن سعادة أبدية، وهذه ثمنها، أن تأخذ من الشهوات بالقدر الذي سمح لك، فإذا أخذت من الشهوات بالقدر الذي سمح لك عندئذٍ ترقى إلى جنة عرضها السماوات والأرض.

 

 

الله يبارك للمؤمن الصادق

 ثمّة شيء يصعب تفسيره علمياً، وهو واقع، كيف أنّ أمور البركة لم ترد في الآلات الحاسبة، فيها فقط جمع، طرح، ضرب، تقسيم، وجذر، ونسبة مئوية، وذاكرة، وكل أزرار الآلة الحاسبة ليس فيها زر البركة، لكن الله عز وجل يبارك للمؤمن الصادق، له دخل قليل ينتفع به أكثر من الدخل الكبير ممن فسق وفجر.
الآن لو أن إنسانًا منع نفسه من كل شهوة لا ترضِي الله يجعل الله له فيما أحل له متعة تفوق حد الخيال، التفسير العلمي هنا صعب، فهذا الذي غض يصره عن محارم الله يهيئ الله له زواجاً ناجحاً.
 أنا أقول للشاب أحياناً: أنت حينما تغض البصر عن محارم الله كأنك تضع في علبة ليرةً ذهبيةً عن كل غض بصر عن امرأة لا تحل لك، هذه العلبة تمتلئ وتفتح يوم زواجك، فكل شيء منعت نفسك منه قبل الزواج تلقاه هناء وراحة وسعادة بعد الزواج، كل شيء محسوب، إنه إلهٌ عادل عدلا مطلقًا.

 

 

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ﴾

 

( سورة الجاثية الآية: 21 )

 دعك من الآخرة، وتعالَ إلى الدنيا:

 

﴿سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

 

( سورة الجاثية )

لا تكن إمعة فتهلك

 بئس الإنسان الذي يستمتع بلذة محرمة تنقطع عنه في نهاية الحياة، ويفوته نعيم أهل الجنة، لذلك أيها الإخوة الحياة تحتاج إلى تأمل، وإلى قرار جريء، وإلى معرفة بالله، أما الناس الشاردون عن الله فهم إمّعة، فأيّ شيء شاع في مجتمعهم يقبلون عليه، ولو كان محرماً، لذلك  حينما تهبط مدركاتُ الإنسان يصبح مع الخط العريض في المجتمع، الآن المجتمع فيه شرائح، أكبر شريحةٍ شاردةٌ عن الله، الدليل:

 

﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾

 

( سورة الأنعام الآية: 116 )

 هؤلاء الناس الآن مع ما يعرض على الشاشة، مع الأفلام، مع المسلسلات، مع الإباحية، مع الرقص، مع الملاهي، هكذا، حتى رمضان يجعلونه شهر متع، شهر لقاءات وسفر، ومسلسلات، وأفلام، وضحك، وإطلاق بصر.
إن قضية ترك الطعام والشراب هذه يحسنها الفقير، أحياناً إذا حرمتَ إنسانًا من الطعام والشراب يكون صائمًا، هل معنى ذلك أن صيامه عبادة ؟!.

 

اللذة المباحة هي جسراً لسعادة الأبد

 أيها الإخوة، قضية اللذة حاجة أساسية في الإنسان، والشرع ما أغفلها، لكن أعطاك جانبًا مسموحًا به، هذا الجانب يمكن أن يكون جسراً إلى سعادة الأبد، لذلك ليس في الإسلام حرمان، لكن فيه تنظيم،

 

 

الخير كله في طاعة الله والشر كله في معصيته

وأقول كلمة: إن المؤمن الصادق ـ لعلي لا أبالغ ـ يستمتع بالدنيا التي سمح له بها أضعافًا مضاعفة مما يستمتع الطرف الآخر.
اجلس مع مجموعة من المؤمنين، تقول: والله كنا في التجلي، والسرور، وكأنك في جنة، وقد يكون البيت صغيرًا، والطعام خشنًا، وأحياناً ليس هناك ضيافة إلا كأس شاي، لكن تشعر نفسك بجنة، ويذهب إنسان إلى مكان كله فضة، وكله ذهب، وكله أثاث راقٍ، وثريات، وتلعن المطعم شهرًا على هذه الفاتورة ، ويخرج مسمومًا بدنُه، وقد دفع مبلغًا غير معقول، ورأى زوجة فلان، وزوجة فلان، وهذه أحلى من زوجة، ويصبح نكدًا في بيته، ويشتري شقاءه بيده، ويدفع مالا فلكيًّا، ويلعن كل ساعة فكر فيها بالذاهب إلى هذا المكان، وتنغص عليه حياته الزوجية، ويرجع بخُفَّيْ حُنَينٍ.
دخل أحدهم إلى دار قمار في أمريكا، فلعب قمار، وكانت ثروته اثنين ونصف مليون دولار، خسرها في ليلة واحدة، جاء إلى البيت فأطلق النار على زوجته وأولاده الخمسة، ثم انتحر، دار القمار تنتهي بالإنسان إلى الموت، وإلى الشقاء، لذلك هذا من فعل الشيطان.
تجد المؤمن بين إخوانه وفي جامعه، وفي بيته في راحة نفسية، في تجليات قدسية، إنه بيت ملائكي، بيت في طهارة، بيت فيه وفاء، بيت فيه رحمة.
أيها الإخوة، إن الخير كله في طاعة الله، والشر كله في معصيته، ومستحيل أن تطيعه وتخسر ، أو أن تعصيه وتربح.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور