وضع داكن
23-04-2024
Logo
رمضان 1426 - الفوائد - الدرس : 33 - أصل الأخلاق المذمومة كلها الكبر و المهانة و الدناءة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الدين حسنُ الخُلق

 مع فائدة جديدة من فوائد ابن القيم رحمه الله تعالى يقول: << أصل الأخلاق المذمومة كلها الكبر و المهانة و الدناءة، و أصل الأخلاق المحمودة كلها الخشوع و علو الهمة >>.
إنّ الدين ـ كما قال ابن القيم نفسه ـ: " الدين هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين ".
الحقيقة أن الناس لا يتعاملون معك إلا لأخلاقك، لو أنت قمت الليل فلا أحد رآك، ولو تكلمت أنك قمت الليل سقطت قيمة هذه العبادة التي هي بينك وبين الله، أما الناس فلهم منك أخلاقك، لهم تواضعك، لهم محبتك، لهم إخلاصك، فلذلك الكبر والمهانة والدناءة يصرفان الناس عنك.
مشكلة الدعوة ما أساسها ؟ الذي يدعو إلى الله ولا يطبق منفّر، والذي يتواضع للناس ويرحمهم مقرّب، فما لم تكن الأخلاق رضية، وما لم تقتدِ برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أن تكون نموذجاً للناس.
قال سيدنا علي رضي الله عنه " << قوام الدين والدنيا أربعة رجال: عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره ".
 أنا خطر في بالي خاطر: إلى متى تتلقى ينبغي أن تلقي ؟ إلى متى تستمع ؟ ينبغي أن تستمع، ينبغي أن تحدث الناس، ينبغي أن يكون لك عمل:

﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾

[ سورة التوبة ]

الإلقاء مع التلقي، والدعوة مع التعلم

 

 الكلام دقيق، لو أن واحدًا منا سأل نفسه مساءً قبل أن ينام، أو بعد أن يستيقظ: ما العمل الذي ألقى الله به ؟ هناك أعمال لا تعد ولا تحصى مآلها إليك، مصيرها إليك، مصالح ترفع دخلك، ترفه نفسك، تعتني ببيتك، تُسر بالحياة، هذه أعمال لا وزن لها في الآخرة إطلاقاً، وزنها في الدنيا، والدليل أن الإنسان لما يتوفاه الله عز وجل كل هذا يتركه.
واللهِ مرة لا أنسى هذا الموقف من أخ صلى عندي، وكان صوته حسنًا، فكنت أطلب منه أن يؤذن قبل الخطبة، ثم توفي رحمه الله، بعد صلاة الجنازة وكان له شيخ آخر فأبّنه بالتعبير المألوف، هكذا بالضبط، قال: أخوكم أبو فلان كان مؤذناً، ترحموا عليه، فكّرتُ كلمة لم تتحمّل خمس ثوان، هو فعلاً كان مؤذنًا، وكان صوته حسنًا، ولكن كان غنياً كبيراً، عنده معامل، وعنده سيارات، وعنده نشاط، فلا يكمن أن يتحدث عن بيته وهو في النعش، على أنه بيت فخم، والله عنده ثلاث سيارات، ماذا يقول عنه ؟ فأنا استنبطت من هذا التأبين السريع أن اعمل عملاً يتحدث عنك ستين ثانية، أو دقيقتين، والله لا أنسى هذا التأبين، وترك في نفسي أثراً عميقاً جداً، فأنا قلت في نفسي: لك مليون ميزة لا يتحدث عنها، يتكلم أنك عملت عملاً صالحاً، قدمت شيئاً للأمة، تركت أثراً علمياً، تركت إخوة مؤمنين، تركت دعوة كبيرة، هذا يتكلم به، أما أن يتكلم عن بيتك وعملك ودخلك وأولادك، هذا كله كلام لا يتكلم به عند الموت.
 فلذلك أيها الإخوة الكرام، لا يمكنك أن تعيش كل عمرك تتلقّى، لا يمكن أن تعيش كل عمرك تسمع، السماع له مرحلة، أنْ تبقى دائماً تسمع لا مانع، لكن لابد مع السماع من إلقاء، مع التلقي إلقاء، لك دعوة، لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ ))

[مسلم]

 ما فكرت أبداً أن تنصح واحداً ؟ أن تعين إنسان على أن يؤمن فيستقيم، ما فكرت أن تعطي أحدًا شريطًا يسمعه ؟ ما فكرت أبداً أن تجلس مع إنسان فتحاوره في أمور الدين والآخرة ؟ هذه مشكلة، وإذا غاب عنك أن الدعوة إلى الله فرض كفاية يجب أن تعلم علم اليقين أن الدعوة إلى  الله فرض عين في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، والدليل قال تعالى:

 

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾

 

 

[ سورة يوسف: 108 ]

 فإن لم تدعُ إلى الله على بصيرة فأنت لست متبعاً لرسول الل، قال تعالى:

 

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾

 

[ سورة آل عمران: 31 ]

 أنت لست مخيراً، والدليل الآخر قال تعالى:

 

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

 

[ سورة العصر ]

خدمة الناس بإخلاص وخُلق حسن

 اخرج من ذاتك تسعد، اخرج إلى خدمة الخلق، إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين، ولكن ما دمتَ تجول حول ذاتك، وهمك فقط ذاتك، وبيتك ودخلك فقط، ولا تعبأ بأحد، فأنت في كآبة وملل، وسآمة وضجر، أما لما تخرج من ذاتك لخدمة الخلق فأنت أسعد الناس، ألا تقول وأنت تصلي على النبي : " وعلى أسعدنا محمد "، لأنه خرج من ذاته لخدمة الخلق
والله أحياناً يا أيها الإخوة الكرام، أسمع أخًا هدفه أن يعمل عملاً يقدم شيئاً إلى الأمة، والله أكبره أشد الإكبار، وأقول: إن شاء الله هذا له هدف كبير، همه الآخرين، الآن هناك تنوع، همه أن يعمل جمعية خيرية لتعليم الكبار، جمعية لتأليف قصص إسلامية للصغار، كما قالوا: سوف نواجه التحديات بروح العصر أيضاً نواجه مشكلات المسلمين بروح العصر، حل مشاكل الأمة، قدم إما أشياء مادية، أو معنوية، أو علمًا، أو دعوة إلى الله عز وجل.
أنا الآن أدعوك إلى أن تسأل نفسك هذا السؤال: أنا ماذا قدمت لله عز وجل ؟ فإذا أوقفني الله بين يديه يوم القيامة، وقال لي: ماذا فعلت من أجلي يا عبدي ؟ تفضل تكلم، والله يا رب، أنا أخذت بيتًا أربعمئة متر، هذا ليس من أجلي، هذا من أجلك، أريد شيئاً من أجلي، والله أحياناً يقدم الإنسان عملاً خالصاً لوجه الله، ولا يحب أن يذكر، هذا المخلص، هؤلاء أرجو الله أن يكونوا في أعلى عليين، ترى شخصاً حاملاً همّ الناس، حاملاً همّ المسلمين، أقول كلمة دقيقة: الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، يمكن أن تصل إلى الله من ألف طريق وطريق، وقد يكون الطريق بغير أضواء شديدة، لكن فيه عمل وإخلاص.
كان السلف الصالح إذا فتح محله التجاري يقول: نويت خدمة المسلمين، أنا أقسم لكم بالله أن كل واحد منكم بإمكانه أن يكون عمله عبادة، عمله الطبيعي الذي يرتزق منه إذا كان مشروعاً في الأصل، وأتقنته، ونصحت المسلمين ينقلب عبادة.
 الآن هناك شركة نقل، مع أنها تخسر ثمن الكرسي الفارغ إذا ركبت امرأة، وليس بجانبها امرأة ثانية الكرسي الثاني، لكن يبقى الكرسي فارغًا، هناك خمس ساعات سفر، فإذا جلس شاب جانب فتاة يتحرش بها، وهذا العمل الخير على حساب الشركة، ترى أعمالا تأخذ بالألباب، هناك فتح بيوت لإطعام الأرامل والأيتام، وتوزيع وجبات، ودفع أقساط لمعاهد شرعية، إنها أعمال جليلة، فإذا أوقفك الله بين يديه، وقال لك: يا عبدي، ماذا فعلت من أجلي ؟ أنا أرسلتك إلى الدنيا، وسخّرت لك ما في الكون، فماذا فعلت من أجلي ؟ يمكن أن تقدّم شيئا بالمال أو بالجاه أو بالعلم، قدّم شيئاً بأي عمل.

حسن الخُلُق دعوة مؤثّرة

 الشيء الثاني: بعد أن قدمت شيئاً تحب أن يلتف الناس حولك بالأخلاق العالية فقط، والله لو دخلت إلى أيّ مسجد ترى عدداً كبيراً من الإخوة الكرام الذين اصطلحوا مع الله، سبب اصطلاحهم مع الله موقف أخلاقي من مؤمن، أنا أعرف شخصًا راكب سيارة فخمة جداً، رأى شاباً راكبًا دراجة، وسلسلة الدراجة مقطوعة، صف سيارته، ويبدو أن عنده خبرة، وساعده فقط، قال له: والله خجلتني، أحب أن أزورك، أعطاه عنوانه، وبدأت العلاقة الدينية، وصار من كبار الدعاة، فالثاني الذي كان يركب دراجة طبعاً احتواه وأكرمه.
 والله مرة أخ يقول لي: كنت في بلد من بلاد الحجاز كان معارًا كأستاذ، وكان المدير قاسيًا جداً، إذا قرع الجرس لا يتحمل أن يتأخر المدرس دقيقة، قال لي: صببت كأساً من الشاي، وبعد أن صببت الكأس قرع الجرس، قال للآذن: تفضل، هذا الآذن بقي سنتين في المدرسة ما سمع سلامًا من مدرس، هو من بلد في آسيا، ولا يتكلم العربية، في اليوم الثاني قال له: أنت لماذا قدمت لي هذا الكأس من الشاي ؟ طبعاً تكلم معه بالإنكليزي، هل يقول له: أنا خفت من المدير، وخرجت بسرعة ؟ قال له: نحن أسرة واحدة، قال له: هل تسمح لي أن أقابلك ؟ قال له: تفضل، التقى معه، هل تصدقون يا أيها الإخوة الكرام أن هذا الآذن معه ماجستير في العلوم، ولكن لا يوجد عمل، وبلاده فقيرة جداً عمل آذنًا في المدرسة، قال لي: لما علمت أنه يحمل ماجستير في العلوم صعقت، وما صدقته، أحضر له موسوعة باللغة الإنكليزية، وقال له: اقرأ، ابنتي سألتني هذا السؤال هنا، قال لي: قرأ بطلاقة، وشرح، هو غير مسلم، بدأ يحاوره، قال: هل يمكن أن أحضر أصدقائي الاثني عشر، بعد شهرين أو ثلاثة كلهم أسلموا، ما هو السبب ؟ كأس شاي، فكن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، أنت لا تعرف أنك قد قدمت خدمة، فهذا الشخص أحبك، سألك سؤالا.
أقسم لكم بالله أن هناك آلاف القصص من مثل هذا، شخص التزم، واستقام، وتغير مئة وثمانين درجة، وغيّر بيته بسبب موقف أخلاقي من مسلم، كان صادقًا معه، وما ابتزه أبداً ، فأنت الآن يمكن أن تكون أكبر داعية بعملك، ما عندك لسان طليق، لا مانع، استقامتك دعوة، وأمانتك دعوة، وعفتك دعوة، وورعك دعوة، ومحبتك للناس دعوة، وخدمتك للناس دعوة، وليس شرطًا أن تتكلم، نحن الآن بحاجة إلى دعوة صامتة، لا نحتاج كلامًا، لا ينمو الإسلام إلا بالعمل.
لذلك أيها الإخوة الكرام، الذي أتمناه عليكم من خلال هذه الدروس في الفضائل أن الإنسان يبحث عن عمل يلقى الله به، وما من إنسان يعلم متى سيغادر.
تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
عش يوماً بيوم.
 كان النبيّ إذا قَامَ عَنْ فِرَاشِهِ يقول:

(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ))

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور