وضع داكن
28-03-2024
Logo
رمضان 1426 - الفوائد - الدرس : 25 - أقسام الزهد
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أقسام الزهد:

 أيها الأخوة الكرام، مع فائدة جديدة من فوائد ابن القيم رحمه الله تعالى، عنوانها أقسام الزهد.
الحقيقة أن أشد الناس زهداً هم الذين زهدوا في الآخرة، بينما المؤمن الذي يبدو لك أنه زاهد في الدنيا هو من أشد الناس طموحاً، طمح إلى الآخرة، طمح إلى جنة عرضها السماوات والأرض، طمح إلى الأبد، وزهد في  الدنيا، بينما أهل الدنيا يقول الله عنهم:

﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾

( سورة الإنسان)

 فالبطولة أن تضحك آخراً لا أن تضحك أولاً، من ضحك أولاً ضحك قليلاً، وبكى كثيراً، ومن ضحك آخراً بكى قليلاً، وضحك كثيراً.
 يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:

 

1ـ الزهد في الحرام وهو فرض عين على كل مسلم:

 قال تعالى:

 

 

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾

 

(سورة الأحزاب: الآية 36)

 المحرمات ليست داخلة في حسابه إطلاقاً، لا يشتهيها، ولا يتمناها، ولا يتمنى أن يكون محل من انغمس في هذه الشهوات، يقول الله عز وجل:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾

(سورة الشعراء)

 القلب السليم هو القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله، فالزهد في الحرام فرض عين على كل مسلم.

 

2ـ الزهد في الشبهات:

 الله عز وجل لحكمة بالغة جعل قضايا واضحة كالشمس، بينات، وجعل قضايا محيرة، من زاوية مباحة، ومن زاوية محرمة، هذه الشبهات، إن نظرت إليها من زاوية لا شيء فيها، ومن زاوية ثانية هي محرمة، فالشبهات هي مشكلة المشكلات، الحلال بين والحرام بين، السرقة واضحة، الزنا واضح، القتل واضح، الخمر واضح، والحلال واضح، الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والصدق، والأمانة، والعفة، الشبهات بينهما.
 سألك إنسان: تحدثت عن إنسان فاجر، يا ترى هل هناك من فائدة أن تتحدث عنه ؟ اذكر الفاجر بما فيه يحذره الناس إنْ سئلتَ عنه، جيد، لكن ما أحد سألك عنه: لو سئلت فلا مانع، لكن لمْ تسأل أنت، ماذا تفعل حينما تروّج  للفاحشة، وتكثِر من ذكرها ؟ تضعف ثقة المؤمن بالمجتمع الإسلامي، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾

( سورة النور: الآية 19 )

 الحرام حدي والحلال حدي أما الشبهات فنسيبه:
يبدو أن الحرام حدي، والحلال حدي، أما الشبهات فنسبية، هناك شبهة نسبة الحلال فيها تسعون في المئة، وهناك شبهة نسبة الحرام فيها تسعون بالمئة، فالشبهات نسبية، الشبهات بين الحلال والحرام، إما أن تكون بالوسط، وإما أن تقترب نحو الحلال، أو أن تبتعد عن الحلال.
 إنسان له مال حرام، دعاك إلى طعام، العلماء قالوا: إذا كان دخله حراماً صرفاً فلا يجوز أن تأكل عنده لقمة واحدة، أما إذا كان له راتب، وله دخل آخر لا يرضي الله فهذا حل وسط، إذا اختلط الدخلان فهناك فتوى، لكن لا تكون مرتاحاً راحة كبيرة، فالبطولة بالشبهات، لكن الشبهات يتوهم الناس أن أحداً لا يعلمها، قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ))

 

[متفق عليه عن النعمان بن بشير]

 لكن القليل يعلمها. لنأتي بمثل، قال لك إنسان: أنا بحاجة إلى شراء بيت، البيت ثمنه أربعة ملايين ليرة، معي مليونان، هل تشاركني في شراء نصف البيت وأعطيك أجرته ؟ دفعت له مليونين، وصار نصف البيت لك، هذا واضح، أنت الآن مالك النصف، ولك نصف الأجرة، لكن في ذهنك أن المليونين يجب أن تأخذهما متى شئت بالتمام والكمال، مادام الذي اشتريت البيت معه ضمِن لك المليونين، فهذه الأجرة رِبا وفائدة، أما إن لم يضمن لك المليونين فمتى تريد أن تبيع حصتك يقيّم البيت، وقد تكون سعر البيت هبط إلى ثلاثة ملايين، فلك مليون ونصف فقط، قد يكون ارتفع سعره إلى ستة ملايين، فلك ثلاثة ملايين، مادام المالك للقسم الأول يضمن لك المليونين فالأجرة ربا، من زاوية أنت مشترٍ فمالك نصف البيت، والأجرة أجرة، لا، هذه فائدة، وما دام المبلغ مضمونًا فهذه فائدة، أما المبلغ فمفتوح، قد ترتفع الأسعار، وقد تهبط، هذه شبهة.
اشترط إنسان عليك أن تعطيه مبلغاً من المال إذا اشترى من عندك هذه البضاعة، لأنه موظف، والله هذه مشكلة كبيرة، إذا دفعت له مبلغاً من المال، وأضفته على المبلغ فدفعه الذي اشترى البضاعة بسعر أعلى من سعرها فهذا حرام مئة في المئة، لكن لو أعطيت إنساناً من ربحك الخاص، وبعته بالسعر الصحيح مئة بالمئة، وأكرمته بمبلغ من عندك فلا شيء عليك.

 

إذا قويت الشبهة التحقت بالواجب وإن ضعفت مستحبة:

 أحياناً هناك شعرة بين الحلال والحرام فقط، لذلك:

 

 

(( الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ))

 

[ متفق عليه عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ]

 قال: إذا ازدادت نسبة الشبهة صار الواجب تركها، وإذا ضعفت نسبة الشبهة في الشيء أصبح المستحب تركها، والفرق كبير بين أن تتركها وجوباً وأن تتركها استحباباً وزهداً في الفضول، هذا البيت لمن ؟ لفلان، بكم اشتراه ؟ هل سيبيعه ؟ يا ترى الأرض حلال أم أنها مغتصبة ؟ الموضوع لا يعنيك إطلاقاً، يريد أن يحشر أنفه في كل موضوع، لماذا طلقها ؟ لعلها خانته، هذا زهد في الفضول، وعندنا فضول النظر، وفضول القول،  وفضول المعلومات:

 

(( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ))

 

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.

 

3 ـ زهد في الفضول وزهد فيما لا يعني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره:

 زهد في الحرام وهو فرض عين، وزهد في الشبهات، وهو بحسب مراتب الشبهة، فإن قويت التحقت بالواجب، وإن ضعفت كانت مستحبة، وزهد في الفضول، وزهد فيما لا يعني من الكلام، والنظر، والسؤال، واللقاء، وغيره
 قال تعالى:

 

 

﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾

 

( سورة المؤمنون)

 اللغو ما سوى الله، موضوعات ومماحكات، وخلافات وأخبار، وتحليل وقضايا لا تعنينا، تراه غائصاً في شؤون لا تتصل به، ولا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد، لو لم يكن ثمة دار آخرة ولا موت فلا مشكلة، املأ وقتك، ولكن مادام هناك وقت محدود، ومسؤولية، و حساب فاشتغل بما ينفعك.
وزهد في الفضول، وزهد فيما لا يعني من الكلام، والنظر، والسؤال، واللقاء، وغيره، وزهد في الناس.

 

 

4ـ زهد في الناس:

 الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس.

 

 

 

5 ـ زهد في النفس بحيث تهون عليه نفسه في الله:

 أي أن الله عز وجل قصْده ورضاه مطْلبه، فإذا وقع في موقف صعب تهون عليه نفسه، ولا تأخذه في الله لومة لائم.

 

 

6 ـ زهد جامع لهذا كله وهو الزهد فيما سوى الله:

 أي أن الله عز وجل قصْده ورضاه.

 

 

الذي يزهد في الدنيا هو أ شد الناس طموحاً على الإطلاق

 مرة ثانية، أيها الأخوة الكرام، الذي يزهد في الدنيا هو أشد الناس طموحاً على الإطلاق، ثمة إنسان طمح في الأبد، وإنسان طمح في دنيا محدودة، والمثل الذي أرويه لكم دائماً: لو أن الرقم ( واحد ) في الأرض، وأصفاراً إلى الشمس، مئة وستة وخمسون كيلو متراً أصفاراً، وكل ميليمتر صفر، هذا الرقم إذا وضع صورة، والمخرج لا نهاية فقيمة هذا الرقم صفر، الدنيا صفر، لذلك أعطاها الله لمن لا يحب، أعطى الملك لفرعون وهو لا يحبه، أعطى المال لقارون وهو لا يحبه، أعطى الملك لسيدنا سليمان وهو يحبه، أعطى المال لسيدنا ابن عوف وهو يحبه، إذاً لا تساوي عند الله جناح بعوضة:

 

 

(( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))

 

[الترمذي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ]

 الإنسان بكل حجمه ومكانته، وكل نصيبه المالي لا يعدل شيئاً، وهذا ( بيل غيت ) يملك تسعين مليار دولار، عمره دون الخمسين، شاب صاحب مايكروسوفت، هذه الثروة الطائلة منوطة بدقات قلبه، إذا توقف قلبه انتهت هذه الثروة، وتحولت إلى غيره، ومنوطة بسيولة دمه، فإذا تجمد الدم في العروق انتهت حياة الإنسان، ومنوطة بنمو خلاياه، فإذا نمت نمواً عشوائياً انتهت حياته.
 أيها الأخوة الكرام، كل مكتسبات الإنسان يخسرها في ثانية واحدة عند الموت، كلما دخلت إلى بيت في أرقى أحياء دمشق يقول لك: ثمنه ثمانون مليوناً، تعجب من التزيينات والثريات والسجاد، أين صاحب البيت ؟ في مقبرة الباب الصغير، هو الذي اختار هذا السجاد، وهذه الثريات، وهذه التزيينات، هو الذي اختارها فعلاً، وهو صاحب ذوق عال جداً، أين هو الآن ؟ البطولة أن تضحك يوم يبكي الناس حولك، هذه هي البطولة.

 

 أفضل الزهد إخفاء الزهد:

 بعض الملاحظات: لا داعي لترتدي ثياباً مرقعة، وتتصنع الزهد، وأنت لست كذلك، لأن أفضل أنواع الزهد أن تخفي الزهد، اجعله بينك وبين الله:

 

 

(( إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ ))

 

[الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ]

 تجمَّل، تنظّف، كن أنيقاً، ارتدِ ثياباً جميلة، رتّب بيتك، رتّب محلك، اظهر بمظهر لائق بمسلم، واجعل زهدك في قلبك، أما أن تجد إنسانًا قلبه يذوب محبة للدنيا ومظهره زاهد فليس هذا هو الزهد، لأن أفضل الزهد إخفاء الزهد.
أن تزهد بحظك من المال، بحظك من الجمال، بحظك من المكانة، بحظك من الذكاء، أصعب أنواع الزهد أن تزهد بحظك في الدنيا.

 

الفرق بين الزهد والورع:

 الفرق بين الزهد وبين الورع أن الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، أما الورع فهو ترك ما يخشى ضرره في الآخرة، إذا تركت الشيء لأنه يضر بآخرتك فهذا ورع، وإذا تركته لأنه لا ينفعك في الآخرة فهذا هو الزهد، هذا هو الفرق بين الزهد والورع.

 

 

فائدة جليلة:

 أحد كبار العلماء اسمه يحيى بن معاذ يقول: عجبت من ثلاث:

 

 

1ـ رجل يرائي بعمله مخلوقاً مثله ويترك أن يعمله لله:

 يتمنى رضاء إنسان، ولا يعبأ برضاء الله، يخشى أن تهتز مكانته عند إنسان، ولا يخشى أن تهتز عند الله.
قال أحد الشعراء:

 

 

فليتك تحلو والحــياة مـريرة  وليتك ترضى والأنام غضاب
و ليت الذي بينك و بـينك عامر  وبيني وبين العالمين خـراب
إذا صح منك الوصل فالكل هين و كل الذي فوق التراب تراب
***

 " عجبت من ثلاث: من رجل يرائي بعمله مخلوقاً مثله، ويترك أن يعمله لله "، مخلوق ضعيف لئيم، فانٍ، عاجز، لا يملك لك نفعاً ولا ضراً، تجهد في إرضائه، وفي الاعتذار إليه، وفي التقرب منه، وفي تلميع شخصك أمامه، وملك الملوك المطلع عليك لا تعبأ أن تكون حيث أمرك، ولا أن تفتقد حيث نهاك.

 

 

2ـ رجل يبخل بماله وربه يستقرضه فلا يقرضه:

 قال تعالى:

 

﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً﴾

( سورة البقرة: الآية 245 )

 السائل حينما يسألك يستقرضك، كأن الله يستقرضك، وأي عمل صالح يعرض عليه هو استقراض من الله لك، قال تعالى:

 

﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً﴾

( سورة البقرة: الآية 245 )

3 ـ ورجل يرغب في صحبة المخلوقين ومودتهم والله يدعوه إلى صحبته ومودته:

 يا موسى أتحب أن أكون جليسك ؟ قال: كيف ذلك يا رب ؟ قال: أما علمت أنني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني، قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً﴾

( سورة مريم )

 لك مع الله مودة، إنسان بالمرتبة العاشرة، لكنه قوي، يعطيك رقم هاتفه، تحدث الناس بهذه الحادثة مئات المرات، وتستقوي به، بينما ملك الملوك قال تعالى:

﴿إنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾

(سورة المائدة: الآية 12 )

ترك الأمر عند الله أعظم من إرتكاب النهي:

 بقيت فائدة ثانية دقيقة، هي أن الشيء الذي نهينا عنه يجب ألا نفعله، ولكن إذا فعلناه ـ لا سمح الله ولا قدر ـ أيهما أعظم عند الله أن تدع الأمر أم أن تقترف المنهي عنه ؟ يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ترك الأمر عند الله عز وجل أعظم من ارتكاب النهي لأن آدم نهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب الله عليه، وإبليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد، فلم يتب الله عليه.
هذا أول استنباط.
 الاستنباط الثاني: أن ذنب ارتكاب المنهي عنه مصدره في الغالب شهوة جامحة وحاجة ملحة، أما ذنب ترك الأمر فمصدره في الغالب الكبر والتأبي، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ويدخلها من مات على التوحيد، ويغفر الله له أخطاءه.
 ثمة زاوية ثالثة:
 أن فعل المأمور أحب إلى الله من ترك المنهي كما دلّ على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:

 

(( أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا ))

 

[متفق عليه عن ابن مسعود]

 وقوله:

 

(( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ ))

 

[الترمذي عن أبي الدرداء]

 وقوله:

 

((... وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ... ))

 

[ ابن ماجه عَنْ ثَوْبَانَ]

أرجو الله تعالى أن يعيننا جميعاً على طاعته التامة، وعلى ترك كل ما نهى عنه، ولكن لو وازنت بين ترك الأمر وزلة القدم فيما نهى الله عنه وجدتَ أنّ ترك الأمر وراءه كِبر، ووراءه زهد بما عند الله، لكن الذي نهيت عنه لعلها ساعة غلبة، أو ساعة غفلة، فالفرق بينهما واضح.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور