وضع داكن
24-04-2024
Logo
رمضان 1426 - الفوائد - الدرس : 23 - أغلق باب التوفيق عن الخلق في ستة أشياء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام، من حكم العالم الجليل ابن القيم رحمه الله تعالى أنه نقل قولاً لشقيق بن إبراهيم يقول شقيق ابن إبراهيم البلخي:
" أُغلِق باب التوفيق عن الخلق في ستة أشياء"

التوفيق لا يكون إلا من الله

 بالمناسبة يوجد آية واحدة تبين أنه لا ينجح شيء في الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بتوفيق الله:

 

﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾

 

[ سورة هود: الآية 88]

 تجارة، زواج، تعليم، طبابة، أي موضوع خطر في بالك إن لم توفق من قِبل الله لا ينجح، وقد تملك كل أسباب النجاح ولا توفق، وقد تفتقر إلى معظم أسباب النجاح وتوفق، فالتوفيق ليس بالذكاء، وليس بالأخذ بالأسباب فقط، ولكن التوفيق برعاية الله عز وجل
أسباب إغلاق باب التوفيق
 يقول هذا العالم:
" أُغلِق باب التوفيق عن الخلق في ستة أشياء"
 إخواننا الكرام، المسلمون ولاسيما في هذه الأيام عندهم حيرة شديدة، ما سبب تأخرنا ؟ ما سبب ضعفنا ؟ ما سبب فرقتنا ؟ ما سبب أننا في الدرجة الدنيا في المجتمعات البشرية ؟ وهذه حقيقة مؤلمة، لكن لابد من تحليل، لذلك أي إنسان يعطيك تحليلاً دقيقاً لسبب تخلف المسلمين هذا الموضوع كأنه يعزف على وتر حساس في قلب كل واحد منا، التحليل أو التشخيص كلاهما له مؤدى واحد، لكن البديل والحل، ويوجد مصطلح جديد اسمه ورقة العمل، ماذا نفعل ؟ فهذا تحليل رائع، وجامع مانع،
 قال:

 

اشتغالهم بالنعمة عن شكرها

 

الكافر مع النعمة، المؤمن مع المنعم

 لو سألتني عن فرق دقيق دقيق بين مؤمن وكافر، الكافر مع النعمة، المؤمن مع المنعم بالضبط، لذلك الغرب تفننوا في الاستمتاع بالنعم، وتفوقوا، وقطعوا أشواطاً كبيرة جداً، كيف يستمتعون بالنعمة ؟
أحياناً نبني بناء ونجعل النوافذ صغيرة، الآن يوجد أبنية الحائط كله نافذة، وأنت مستلق في الفراش ترى البحر، يستمتعون بالنعم بشكل يفوق حد الخيال، الأكمل أن تكون مع المنعم، لا مع النعمة،

 

إذا كنت مع المنعم ترقى إلى الله

 قال: " اشتغالهم بالنعمة عن شكرها"

 

 

الغافل عن المنعم هو كالدابة

 حتى يكون المعنى واضحاً: تصور إنسانًا دعي إلى الطعام، وهو ضيف الشرف، فتفنن صاحب البيت بإكرامه بدءاً من استقباله، أرسل له ابنه ليأتي به من بيته، واستقبله بالترحاب، و بالورود، و بالعصير، و بالمقبلات، وألوان الطعام، والحلويات، والفواكه، والمشروبات، القهوة، والشاي، وهذا الضيف ضيف الشرف عينه على الطعام، وعينه على الفواكه، يأكل بنهم، ولا يلتفت لصاحب البيت، فلما أكل وشرب، وشبع، انطلق إلى الباب وغادر البيت، هذا دابة.
 صدقوا أيها الإخوة الكرام، هناك أناس في تعاملهم مع الله كالدواب، يأكل، يشرب، مزحه قاس، منتقد، ظنون، أي إنسان يُذكر أمامه يفند له أخطاءه، يتهمه، وهو بريء، أنا أقول: دابة، لا يوجد عندي كلمة أعبر بها عن تفلت إنسان، دابة فلتانة، فأن تشتغل بالنعمة، وتنسى المنعم، تدخل إلى بيتك، لك أولاد، عندك زوجة، لك دخل، لم لا تقول: يا رب، لك الحمد ؟ كم ممن لا مأوى له ؟ كم ممن لا طعام عنده ؟ كم ممن لا زوجة له ؟ لك مكانتك، بعملك يحترمونك، تدخل فيقفون لك، كم من إنسان مهان ؟ عندك أولاد يحترمونك، هذه نعمة كبيرة جداً،

 

 

بقدر ما تشكر بقدر ما ترتقي عند الله ومقومات الشكر

 والشكر أيها الإخوة الكرام، في الحقيقة علم وحال وعمل بالضبط.

 

 

علم:

 يجب أن تعلم أن كل نعمة أنت فيها هي من الله:

 

 

﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾

 

[ سورة النحل: الآية 53]

 الآن أنت برمضان، أحياناً تعطي هذه نعمة لا يعرفها معظم المحسنين، هذا المحسن بالذات الذكي كان ممكنا أن يقف بطابور طويل و معه هويته يبصم لك، ويأخذ على العيد مئتي ليرة، أنا لا أنسى أحد الإخوة الكرام عندما تبرع محسن ببيت ليكون مركز تأهيل مهني، أقيم لهذا المحسن حفل تكريم، فكل الذين تكلموا أثنوا على هذا المحسن إلا هذا الأخ، قال له: أيها الأخ الكريم، كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين من جمعيتنا، وأن تقف في صف طويل، وأن تقدم الهوية، وأن تأخذ المئتي ليرة، وأن تبصم، مع الله لا يوجد ذكي، قد تجد إنساناً بذكاء عجيب وهو فقير، يموت من الجوع، وتجد إنساناً بسيطاً وهو غني كبير، فأنت حينما تعلم أن هذه النعمة من الله هذا نوع من الشكر لا بذكائك، ولا بحنكتك، ولا بخبراتك، إنها توفيق من الله.
 أحياناً أب يقول لك: أنا ربيتهم، تعبت، يوجد آباء أذكى منك، وعنده ابن عاق، وعنده ابن جاهل، ماذا تفعل ؟
فلمجرد أن تعزو توفيقك، مكانتك، اختصاصك، دراستك الجامعية، بيتك، أن تعزو هذه النعم إلى الله فأنت على شكر، يوجد نوع من الشكر.
هذا العلم.

 

حال:

 قلبك ممتن من الله، يا رب لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً، مباركاً يا رب. أحياناً يمشي الإنسان في الطريق، كل الطريق يقول: يا رب لك الحمد.
فالآن الحالة الثانية: أن يمتلئ القلب امتناناً من الله.

 

 

عمل:

 الحالة الثالثة هي أرقى شيء: أن تقابل هذه النعم بخدمة الخلق، تنطلق لحالة لا تفرق أبداً، إنسان يجب أن تريحه، أن تطعمه، أن تكرمه، أن تدخل على قلبه الشعور بالأمن، أن تطمئنه.
أحياناً الطبيب يرغب أن يخيف المريض في أثناء الفحص على قدر ما يتأفف، يميته، هو يظن أنه إذا تأفف يصبح طبيبًا مهمًا جداً، ويربط المريض معه، لا، طمئنه، الحالة عادية جداً وبسيطة.
بقدر ما تكون قريبًا من الله تحسن للخلق، لا تخيفهم، لا تبتز أموالهم، ترحمهم، يوجد أشخاص فنانون في الابتزاز، إذا شعر أنك مضطر إلى هذه السلعة يضاعف ثمنها فوراً، كأن يكون آخر محل مفتوح، وعنده حالة إسعافية، ومضطر، ولهفان، عندي قطعة واحدة، وأخذتها غالية جدا،  لمجرد أن تقابل نعم الله بخدمة الخلق فأنت في أعلى مراتب الشكر، قال تعالى:

 

 

﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً﴾

 

[ سورة سبأ: الآية 13]

 يغلق باب التوفيق إذا اشتغلنا بالنعمة، ولم نشتغل بشكرها، النبي عليه الصلاة والسلام كانت تعظم عنده النعمة مهما دقت، أكلت، هناك إنسان لا يستطيع أن يأكل، يتغذى بالسيروم، قضيت حاجتك، هناك إنسان يحتاج من يأخذه إلى الحمام، نعمة كبيرة، عندك أولاد، هناك إنسان ما عنده أولاد، عندك زوجة، هناك إنسان ما عنده زوجة، فلذلك من علامات التوفيق أن تشتغل بشكر النعمة لا بالنعمة نفسها.

 

ورغبتهم في العلم وترك العمل

 البند الثاني الذي يمنع التوفيق

 

 

العلم أصبح نوعًا من التجارة

 ما أدخل بحساباته أبداً تطبيق ما يعلم، لكن أصبح العلم عنده هدفاً، العلم يعمل مكانة، يعمل شهادة، يعمل لقبًا، يعمل تعظيم الناس، فالعلم أصبح نوعًا من التجارة، من تعلم العلم ليصرف وجوه الناس إليه فليتجهز إلى النار، أي ينتزع إعجاب الناس.
كنت أقول دائماً: إذا أعجبك علمك فهذا من شهوة العالم، العالم له شهوة، أن يعجبه علمه، وإذا أعجبك إخوانك فهذا من إخلاص العالم،

 

 

يجب تقيس نفسك لا بقدر ما تعلم، بل بقدر ما تركت أثراً في الناس

 إذا استفاد الناس، وتأثروا، وطبقوا، وسعدوا بهذه الدعوة عندئذ تسعد، لا تسعد بما عندك، تسعد بما تمكنت من إيصاله للناس.
" ورغبتهم في العلم وترك العمل"

 

 

أخطر شيء يصيب الأمة الإسلامية انفصال العلم عن العمل

 والله حدثني أخ قال: دخل أستاذ في معهد شرعي، وألقى درساً عن التواضع، شيء لا يصدق، جاء بنصوص، جاء بآثار، جاء بقصص، شيء لا يحتمل من شدة إعجاب الطلاب بهذا الدرس، هو دخل إلى غرفة المدرسين بشعور بالاستعلاء والكبر، ما عنده نفس أن يتكلم مع أحد، ويعلمهم التواضع، وهو ليس متواضعاً، أخطر شيء في الأمة أن ينفصل العلم عن العمل، أوضح شيء طبيب يدخن، إن حدثك عن التدخين يفوق الناس جميعاً عن مضاره، وهو يدخن، معنى ذلك أن الحديث عن مضار التدخين أصبح حرفة، وهو يدخن، أخطر شيء في الأمة أن ينفصل العلم عن العمل، الصلاة في وقتها في المسجد، وقد يسهر في ناد ليلي، كيف اجتمع عنده السهر في ناد ليلي والصلاة ؟ الدين صلاة، وبالمسجد، وبوقتها، أما علاقاته المالية، علاقاته العاطفية فليس لها علاقة بالدين إطلاقاً، وأخطر شيء يصيب الأمة الإسلامية هو هذا، انفصال العلم عن العمل.

 

 

المسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة

 الذنب براق، هناك شهوة آنية، هناك شيء يدفع الإنسان إلى أن يقترف الذنب، و التوبة عنده وهْم، أنه بعد حين يحج بيت الله الحرام، و تغفر له ذنوبه، ومن يضمن أن ينتظر إلى سنة أو سنتين ؟ حركته نحو الذنب والتوبة والمعاهدة لله عز و جل فيها تباطؤ.

 

 

الاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بفعالهم

 الآن يوجد حالة دقيقة جداً، وهي منتشرة في معظم بلاد المسلمين، الاغترار بصحبة الصالحين، وترك الاقتداء بفعالهم، يجب أن يدعي فلان على عقد القران، جاء فلان، وألقى كلمة رائعة، لكنه ليس مطبقاً لشيء من دعوة فلان، يعيش على مزاجه، إذا دعا العلماء إلى عقد القران كأنها وردة يزين بها صدره، ولمن في بسلوكه اليومي لا يوجد التزام أبداً، ولا يوجد انضباط، ولا يوجد تطبيق، لكن كلما التقى بعالم يكيل له المديح أنواعاً منوعة، ويثني عليه، يا سيدي نحن تباركنا بكم، تباركت فيه، ولست مطبقاً شيئاً من كلامه ‍‍‍!!! هذه حالة موجودة.
والله مرة عقد قران في مكان في دمشق، دعي نخبة أهل البلد والخطباء، أنا أقول:سامحهم الله، أثنوا على الأسرتين الدمشقيتين المتصاهرتين العريقتين، أما عرس النساء فكان في الشيراتون، ووزعت الخمور، وجيء بالراقصات، وجيء بالصحفيين، وصوروا هذا العرس، والنساء شبه عرايا، وعرضت الصور في الصحف، لأسرتين دمشقيتين متصاهرتين عريقتين، وعلى البطاقة: الطيبون للطيبات، لمَ لمْ تكتب الخبيثون للخبيثات ؟
 يوجد شعور أنه أنا أدعو فلانًا، أدعو فلانًا، أدعو فلانًا، نصور، هناك ألبوم، نري الناس من حضر العقد، من جاء، من ألقى كلمات، لكن لا علاقة لك بالعلم إطلاقاً، ولا بالتطبيق، ولا يوجد شيء تنضبط به في البيت، هذا مرض أيضاً، أنا لذلك عقب هذه القصة صرت أدقق، أني لا ألبي دعوة عقد قران إلا إذا كان الداعي ملتزماً، وإلا يتاجر بها، فالأولى أن المتفلت لا تلبى دعوته، لأنه يتمنى أن يصعد على كتفيك.

 

 

إدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها

 الحديث عن المشاريع والعملات، والتجارة والاستيراد، تجد عشر ساعات، وهو ناس نفسه، احكِ له كلمة عن الدين تراه يريد أن ينام، ويقول: والله أرجو ألا تؤاخذني، لا يوجد عندي وقت أجلس معك جلسة أخرى، لمّا دخلت بموضوع ديني ينصرف، أما في الموضوع الدنيوي يسترسل معك بلا حدود،

 

 

وإقبال الآخرة عليهم، وهم معرضون عنها

 والله مرة كنت في بلد في أمريكا، دعاني مركز إسلامي إلى إلقاء محاضرة، دعاني أول سنة اعتذرت، الثانية، الثالثة، الرابعة وعدته أن آتيه، فالموعد الساعة التاسعة ليلاً، وبين مكان وجودي، والمكان المدعو إليه مئة وستون كيلو مترًا، وبدأ الثلج يتساقط، خطر في بالي خاطر أن أعتذر، فلما اتصلت هاتفياً، واعتذرت شعرت أن الدنيا قامت، ولم تقعد، قال لي: أربع سنوات ننتظر فلبيت الدعوى، ثم وصلت الساعة التاسعة والنصف، قال لي إنسان كلمة والله أموت ولا أنساها، قال لي: هل تعلم كم من ميل قطعته لأسمع هذه المحاضرة ؟ قلت له: كم ؟ قال لي: ستمئة ميل، ألف كيلو متر، قلت: بالشام الدين ميسور، بالمساجد يوجد دروس، يوجد خطب، يوجد كاسيتات، يوجد أشرطة، من شدة التصحر الروحي هناك قال لي: والله ألف كيلو متر، أي ستمئة ميل، قاد مركبته ليستمع لهذه المحاضرة، أنا قلت في نفسي: والله لو اعتذرت، وعلمت هذه المعلومة أموت، ولا أنسى هذا الخطأ، فنحن العلم هنا ميسور، الجوامع مفتوحة، العلماء كثر، هنا إقبال الآخرة عليهم، وهم معرضون عنها، فإقبال الدنيا إقبال الآخرة في هذه البلدة، والناس معرضون عنها.
 يوجد إنسان زاهد في الدين، لا يوجد عنده وقت، لا يرغب أن يسمع كلمة حق، وهو محاط بدعاة، وبمساجد، و بدعوة، و يوجد إنسان يقود مركبته ستمئة ميل ليستمع إلى محاضرة ساعة، من يركب مركبته ألف كيلو متر ليسمع محاضرة ساعة ؟ لأنه يوجد تصحر، فإذا كنت في بلد فيها دروس، فيها خطب، فيها دعوة إلى الله، الأمور ميسرة، يوجد أشرطة، يوجد سيديات، يوجد محاضرات، بعد ذلك لا يمكن أن تدخل إلى مكان إلا مقابل أتعاب، للمحامي أتعاب، الطبيب له عيادة، الآن تدفع مقدماً، لا يمكن أن تدخل إلى مكان إلا بمقابل، إلا في بيوت الله من دون قيد أو شرط، هكذا أراد الله عز وجل أن يكون هذا الدين مبذولا لكل البشر، فالدين موجود، و المساجد موجودة، و لا يوجد رسوم دخول، و لا يوجد تعقيدات، والناس زاهدون، ببلاد أخرى الدين مفقود، والناس يبحثون عنه.
 أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية:
" أغلق باب التوفيق عن الخلق في ستة أشياء: اشتغالهم بالنعمة عن شكرها، و رغبتهم في العلم و تركهم العمل، و المسارعة إلى الذنب و تأخير التوبة، و الاغترار بصحبة الصالحين و ترك الاقتداء بفعالهم، و إدبار الدنيا عنهم و هم يتبعونها، و إقبال الآخرة عليهم و هم معرضون عنها

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور