وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 1040 - تقوى الله سبيل الفرج .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى
 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

ماذا لو يتبع الإنسان هدى ربه ؟!

 أيها الإخوة الكرام، الإنسان في حياته الدنيا إن يتبع هدى ربه:

 

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾

( سورة طه )

 لا يضل عقله ولا تشقى نفسه، قال تعالى:

 

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

( سورة البقرة )

 الإنسان في حياته الدنيا إن لم يتبع معرضًا لما لا يحصى من المخاطر والمنزلقات فالحياة الدنيا خضرة نضرة، سمها في دسمه، فيها منزلقات ومتاهات، مالها يغري، ويردي، ويشقي، نسائها حبائل الشيطان، الأهل والولد مشغلة مجبنة مبخلة، الشهوات فيها مستعرة ولا سيما الآن بأبهى حللها، والفتن فيها يقظة في أجمل أثوابها.

 

أسئلة لا بد لها من إجابات

 

1- الأسئلة

 كيف يتقي الإنسان الضياع في تلك المتاهات والضلالات والشبهات ؟
 كيف يتقي الإنسان الانجذاب إلى هذه الفتن المهلكات ؟
 كيف يتقي الإنسان خطر الانغماس في تلك الشهوات ؟
 كيف يتقي الإنسان حرارةَ المزاحمة على جمع الدرهم والثروات ؟
 كيف يتقي الإنسان أن ينخرط في موجة النفاق العام التي عمت الأرض، العالم كله ينافق لوحيد القرن في عدوانه على العالم الثالث، أوربا بأكملها تنافق، وهي ذات حضارة كما تعلمون ؟
 كيف يتقي الإنسان موجة النفاق العام التي عمت الأرض ؟
 كيف يتقي الإنسان شقاء الدنيا وشقاء الآخرة.

 

2- الإجابة

 في الإجابة عن هذه الأسئلة كان موضوع هذه الخطبة.
 أيها الإخوة الكرام، الإنسان لن يتقي سخط جهة إلا إذا آمن بوجودها، وإلا إذا أيقن بما عندها من عطاء كبير أو حساب عسير، فما لم نؤمن بالله فلن نتقيه، قال تعالى:

 

 

﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة البقرة )

 متى آمنت ؟ أيّ موضوع تتبعت ؟ أي مجلس علم حضرت ؟ أي كتاب قرأت ؟ أي شريط سمعت ؟ هل كان طلب الإيمان هدفاً واضحاً مركزاً ؟
 أيها الإخوة الكرام، حينما يبني الإنسان تصوراته عن الكون والحياة والإنسان وفق ما جاءه في البيان الإلهي، وحينما ينطلق في حركته اليومية وفق التشريع الرباني يكون قد أسس بنيانه على تقوى من الله، وأسس حياته برمج حياته شكل حياته في زواجه في حرفته في تربية أولاده وفق منهج الله.
 لذلك أيها الإخوة الكرام، من هي الجهة التي ينبغي أن تطاع ؟ من هي الجهة التي ينبغي أن تعبد من بين سائر الجهات ؟ إنها الجهة الخالقة، إنها الجهة الصانعة، إنه الله رب العالمين، قال تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

( سورة البقرة )

 لعلكم تتقون شقاء الدنيا وشقاء الآخرة.
 أيها الإخوة الكرام، الله عز وجل نحن في قبضته، مصيرنا بيده، صحتنا بيده، زواجنا بيده، رزقنا بيده، أعمالنا بيده، آخرتنا بيده، مَن هم أقوى منا بيده، مَن هم أضعف منا بيده، مَن حولنا بيده، الأمراض العضالة بيده، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
 إذاً: دققوا في هذه الآية:

 

﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ ﴾

 

( سورة النحل )

 أيعقل أن تتقي خطرَ إنسانٍ، وهو في قبضة الرحمن:

 

﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ ﴾

 أيعقل أن تتقي جهة قوية، وتنسى الذي أمدها بالقوة ؟
 أيعقل أن تتقي جهة أرضية وتخشاها، وتنبطح أمامها، واللهُ الذي خلقك كرمك ومنحك الحرية ؟
 أيها الإخوة الكرام، لكن ينبغي أن نتقي الله لا لأننا في قبضته، ولا لأن مصيرنا إليه، لكنه أهل للتقوى، قال تعالى:

 

 

﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾

( سورة المدثر )

لا تقوى بغير معرفة الله

 أيها الإخوة الكرام، إذاً: لا نتقي الله إلا إذا عرفناه، وأصل الدين معرفته، وهذا الكون كله ينطق بوجوده ووحدانيته وكماله، والقرآن آياته القرآنية، والكون آياته الكونية، وأفعاله آياته التكوينية، يمكن أن نعرفه من آياته الكونية، ومن آياته القرآنية، ومن آياته التكوينية.

 

هذا جزاء من يتقي الله

 أيها الإخوة، وفضلاً عن ذلك الله عز وجل يعلمنا من خلال الدعاء، من خلال الأحداث، من خلال التربية النفسية، من خلال بعض الرؤى، يعلمنا بكل أسلوب، وفي أي مكان، وفي أي زمان، فلمَ لا نتقي الله، والله يعلمنا ؟ قال تعالى:

 

 

1 ـ التقوى والعلم:

 

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾

( سورة البقرة )

2 ـ التقوى والجنة:

 القلق جزء من حياة الإنسان، لكنه إذا عرف الله طمأنه الله على حياتيه، حياة الدنيا وحياة الآخرة، قال تعالى:

 

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

( سورة الرحمن )

3 ـ التقوى ورعاية الله:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾

( سورة الحديد )

 يتكفل الله لك بسلامة الدنيا وسلامة الآخرة، وسعادة الدنيا وسعادة الآخرة، قال تعالى:

﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾

( سورة محمد )

 ويدخلهم الجنة عرفها لهم في الدنيا.

 

4 ـ التقوى والنور:

 أيها الإخوة الكرام، التقوى فضلاً عن ذلك نور يقذفه الله في القلب بنص الآية الكريمة:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾

( سورة الحديد )

 بنص القرآن الكريم، الذي يتقي الله عز وجل، الذي يؤمن بالله، ويتقي الله عز وجل يقذف الله في قلبه النور، فيرى به الحق حقاً، والباطل باطلاً، ويرى الخير خيراً والشر شراً، لذلك من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:

(( اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ))

5 ـ التقوى والقول السديد:

 الآن: إذا كان الإنسان صادقًا مع نفسه قال قولاً سديداً، هذا مما يسرع الخطى إلى التقوى، قال تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ﴾

( سورة الأحزاب )

 ينبغي ألا نكذب، ينبغي ألا نقول ما لسنا قانعين به، قال تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

 

( سورة الأحزاب )

 القول السديد مسرع إلى الله.

 

6 ـ التقوى الصدق:

 الآن:

 

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

( سورة التوبة )

 إذا كنت في بيئة مؤمنة، في جو إيماني، مع أناس مؤمنين يخافون الله رب العالمين، إن كنت معهم فأنت في حرز حريز، قال تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

( سورة الكهف )

6 ـ التقوى والوسيلة:

 أيها الإخوة الكرام، ومن الوسائل المسرعة أن تبتغي إليه الوسيلة، ومن أبرز هذه الوسائل طلب العلم، من أبرز هذه الوسائل العمل الصالح، من أبرز هذه الوسائل صحبة المؤمنين الصالحين، قال تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾

( سورة المائدة )

آية واحدة مفتاح كلّ شيء: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً

 هذه كلها مقدمات، لكن مركز الثقل في هذه الخطبة، هو أن معاناة الناس في شتى بقاع الأرض معاناة كبيرة جداً، يعانون من الفقر، يعانون من القهر، يعانون من الضيق، من الأزمات النفسية، من التعسير، الطرق مسدودة، آية واحدة، وأنا أعني ما أقول، وأتمنى على الله أن تكون هذه الآية واضحة عندكم جميعاً، بل أن تكون منهجاً لكم، قال تعالى:

 

﴿ ِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

( سورة الطلاق )

1 ـ تمهيد للآية:

 ماذا تعني الآية ؟ تعني أن البواب كلها مغلقة، فمتى تقول أين المخرج ؟ إن رأيت الأبواب كلها مغلقة، أحياناً يطرق باب العمل فيسد في وجهه، يطرق باب الزواج فيسد في وجهه، يطرق باب شراء، يطرق باب شراء، البيت يسد في وجهه، يقول: ماذا أعمل ؟ متى يقول الإنسان: ما المخرج ؟ حينما تستحكم الحلقات، نزلت فلما استحمت حلقاتها، حينما تسد المنافذ، حينما يضيع الأمل، حينما يقع الإنسان في الإحباط، حينما يقترب من اليأس، قال تعالى:

 

﴿ ِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

( سورة الطلاق )

2 ـ معنى الآية في سياقها:

 الآية أيها الإخوة آية جامعة مانعة، لعل في سياقها هي في سورة الطلاق، من يتق الله في تطليق زوجته يجعل الله له مخرجاً إلى إرجاعها طلقها طلقة واحدة وفق السنة، بعد يومين خف غضبه، وشعر بحاجة إليها، ورأى أن الأمر لا يستدعي ذلك، بعد أيام راجعها، فعادت إليه بلا عقد، وبلا أي شيء، يكفي أن يقول لها: راجعتك فهي له، من يتق الله في تطليق زوجته يجعل الله له مخرجاً إلى إرجاعها، أما الطلاق البدعي بطلقات ثلاث، وكلما حللك شيخ حرمك عشرة، هذا طلاق بدعي، هذا الإنسان سد على نفسه الطريق، ومن يتق الله في تطليق زوجته يجعل الله له مخرجاً إلى إرجاعها، هذا المعنى السياقي.

 

3 ـ معنى الآية في عمومها:

 لكن عظمة القرآن الكريم أنك إذا نزعت آية من سياقها منهج، منهج كامل، من يتقي الله في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجاً من الشقاء الزوجي، من يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم، من يتق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من إتلاف المال وضياعه، من يتق الله في توحيده يجعل الله له مخرجاً من الشرك، من يتق الله في علاقاته المهنية يجعل الله له مخرجاً من الإحباط في عمله، آية لا تنتهي، ولكن الذي ألح عليه القسم الثاني منه، قال تعالى:

 

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾

( سورة الطلاق )

 هذا كلام خالق الأكوان، هذا كلام رب العالمين، هذا الكلام مطبق في كل زمان ومكان، رغم أنف كل الظروف، وكل الأوضاع المعيشة السيئة، وكل الأبواب المسدودة.

 

قصص من واقع الناس على قاعدة: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً

 حدثني أحد علماء دمشق قال: جاءه شاب بلا عمل ولا شهادة، ولا يملك شيئًا، واقترب من الثامنة والعشرين، ولا أمل بزواجه، ولا أمل أن يسكن في غرفة في رأس الجبل، قال له هذا العالم: اتق الله، قال: هذه الكلمة لا تعني شيئاً الآن، أين أصرفها ؟ قال: هذا الذي عندي، اتق الله، يبدو أن هذا الشاب فهم هذه الكلمة بأبعادها البعيدة، هو يعمل موظفا في محل تجاري، بدأ يعمل، وكأن المحل له، ضبط وقته بالدقائق، إن ذهب إلى الصلاة ثماني دقائق اعتنى بالزبائن عناية مذهلة، هو صدق هذا العالم، أنا سأتقي الله، لكن لا أمل، لا بيت، ولا زواج، والمعاش لا يكفي خمسة أيام، قال له: اتق الله، يقول لي هذا الأخ الكريم العالم: بعد سنتين جاءني رجل بثياب حسنة، ودعاني إلى بيته لأزوره في أرقى أحياء دمشق، قال له: من أنت ؟ نسي، لأن الواحد منا يلتقي في اليوم مع خمسين شخصاً، قال: أنا الذي جئتك قبل سنتين، وقلت لك كلمة: اتق الله أين تصرف، أنا الآن متزوج، وعندي بيت في أرقى أحياء دمشق، قال له: ما القصة ؟ قال: صاحب العمل لما رأى هذه الاستقامة، وهذا الصدق، وهذا الدوام الصارم، وهذه العناية الفائقة بالزبائن اشترى بيتًا فخمًا، ولم يخبرني، قال: كلما أراد أن يكسو هذا البيت قال لي: تعال اختر البلاط، أنا أثق بذوقك، بعدما انتهى قال له: هذا البيت لك، وابنتي رشحتها لك زوجة، اذهب، وانظر إليها.
 أيها الإخوة الكرام، والله، ثم والله، ثم والله، في أصعب الظروف، وأشد الحالات من يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، والله عندي مئات القصص، اتق الله، لأن الله عز وجل أمْرُك بيده، ما سلمك لأحد، هو الرزاق، ذو القوة المتين، اتق الله، أتقن عملك، اضبط جوارحك، اضبط لسانك، اضبط دخلك، كن ورعاً، ترفع عن الحرام، و سوف ترى من الله ما لا يصدق، هذا الكلام ليس خاصاً بهذا الشاب لا و الله، هذا الكلام لكم جميعاً، و كل شخص منا قابل لأن يقطف ثمار هذه الآية:

 

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾

( سورة الطلاق )

 أخ كريم سكن في بيت، واشترطت عليه صاحبة البيت أن يخرج متى شاءت، في أشد حالات الأزمة السكنية في الثمانينات قالت له: أريد البيت، قال لها: حاضر، أعطته مهلة شهرين، المحامي الذي سطر له التعهد بإخلاء البيت بعد شهرين بعد أن وقع قال له: أنت مجنون، أنت أصبحت في الطريق، أنت مستأجر، و لك حق سرمدي، في النظام القديم طبعاً، قال له: أنا توكلت على الله، والقصة طويلة، والله رزقه الله بيتاً ليس من المعقول أن يسكنه بدخله الذي له، لكن ترك البيت لله:

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾

[ سورة الطلاق ]

طاعة الله مآلها الفوز والعزة

 مستحيل، وأَلف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وأَلف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، مستحيل وأَلف ألف مستحيل أن تطيعه وتذل، ومستحيل وأَلف ألف مستحيل أن تعصيه وتعز، تعز إلى حين، ثم تأتي ضربة الساطور.
 أيها الإخوة الكرام، من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى، أكثر أزمة أو أشد الأزمات الآن يقول لك: لا عمل، بلا عمل، بلا بيت، لست متزوجاً، أنا أخاطب الشباب، أقسم لكم بالله، لزوال الكون أهون على الله من أن يأتي شاب، ويستقيم على أمر الله تماماً، ضبط جوارحه، ضبط لسانه، ضبط عينه، ضبط أذنه، ضبط يده، ضبط رجله، ما مشى إلا إلى طاعة ثم لا يجد من الله ما لا يصدق، هذا ليس لواحد:

 

﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

( سورة الحجرات )

 سيدنا سعد فداه النبي بأمه وأبيه، ولم يفدِ أحداً من صحابته بأمه و أبيه إلا سيدنا سعد، فعن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَدِّي رَجُلًا بَعْدَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ:

 

(( ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ))

 

[ متفق عليه ]

 كان إذا دخل سعد على النبي قال:

 

(( هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ ))

 

[ الترمذي ]

 لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قال له سيدنا عمر: << يا سعد، لا يغرنك أنه قد قيل: خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه و بينهم قرابة إلا طاعتهم له >>.
 هذه القصة قابلة لكل واحد منكم أيها الشباب، استقم، وانتظر شيئا من الله لا يكاد لا يصدق في كل الظروف، في الجفاف، في الأعوام المطيرة، في البطالة المنتشرة، في ضآلة الأعمال، في قلة الدخل، في غلاء الأسعار، هذه كلها ظروف أرضية لا تتأثر بها الآية الكريمة:

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

( سورة الطلاق )

 مما هو فيه، عندك مشكلة في العمل، مشكلة في البيت، مشكلة في الصحة، مشكلة من الجيران، مشكلة ممن هو فوقك، مشكلة ممن هو أقوى منك، مادام هناك مشكلة فاتق الله يجعل الله لك مخرجاً.

 

المكافأة الثانية الواردة في آية التقوى: الرزق

 والمكافأة الثانية:

 

 

﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾

( سورة الطلاق )

 والله مرة أخ من إخواننا توفي قريبه ( ابن عمه )، كان أستاذاً جامعياً، أتصور أن دخله كافياً، فقال لأولاده اليتامى: دَين والدكم علي، قال لي: توقعت عشرة آلاف، عشرين ألفًا، فلما سألهم قالوا: ثلاثمئة وثمانين ألفاً، قال لي: تعاهدت، فدفعتها، والله في صحن هذا المسجد قال هذا الكلام، وبكى، قال لي: والله بعد أيام نصيبي من صفقة واحدة ثلاثمئة وثمانين ألفاً، ولبضاعة كاسدة:

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾

( سورة الطلاق )

 هذه آية لكم جميعاً، هذه لكم أيها الشباب، عندك مشكلة الزواج والبيت والعمل، هذه أضخم مشكلة للشباب:

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾

( سورة الطلاق )

 هذا الشاب الجميل الذي دعته امرأة ذات منصب وجمال، امرأة العزيز، هو عبد، ومسافر، وبعيد، وشاب، عدّ العلماء عشرة أسباب تسهل له أن يلبي رغبتها، لكنه قال:

 

﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾

( سورة يوسف )

 فلما صار عزيز مصر قالت جارية في القصر: سبحان من جعل العبيد ملوكاً بطاعته:

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾

 

( سورة الطلاق )

 لذلك يقول عليه الصلاة و السلام:

 

(( إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ثم تلا هذه الآية: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ ))

 

[ أخرجه الدارمي عن أبي ذر ]

 اتق الله، استقم تماماً، اضبط لسانك تماماً، فلا غيبة، ولا نميمة، ولا بهتان، ولا محاكاة، ولا تقليد، ولا كذب، ولا تدليس، اضبط عينك، غض بصرك عن محاسن النساء حتى يهبك الله زوجة صالحة، أنا أخاطب الشباب، زوجة تسرك إن نظرت إليها، وتحفظك إذا غبت عنها، وتطيعك إن أمرتها، وهي حسنة الدنيا:

 

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

( سورة البقرة )

التقوى تجلب الرزق

 تعفف عن الحرام حتى ترزق رزقاً خلالاً طيباً، وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه.
 والله إنّ أخًا من إخواننا أقسم لي بالله أنّ دخله أصبح صفراً، عنده معمل بسيط للثريات، وليس هناك بيع إطلاقاً، أقسم إنه لا يملك ثمن ترسيم سيارته، جاءه عرض فكانت الأرباح بضعة ملايين ( الأراكيل )، بحث عني وجدني في بعض مساجد دمشق ألقي درس، فلما انتهيت قال لي: جاء الفرج، قلت: ما الفرج ؟ قال صفقة للأراكيل، قلت له: أنت ما ترى في الدخان ؟ اصفر لونه، وهذا بداية الرفض، قلت له: والله ليس هناك فتوى، الدخان حرام، وهذا النوع من التدخين ( الأراكيل ) يعادل ستة عشر سيجارة بقوة تأثيرها وأضرارها، همد، أقسم لي بالله أنه بعد عشرين يومًا جاءته صفقة ثريات والأرباح مضاعفة، وحلت مشكلته.
 أخ صاحب معمل، جاءه إنسان طلب تصنيع شيء لشيء محرم، هذا الشيء يمكن أن يباع من دون أن يعرف أنه محرم، قال له: هذه من أجل كذا، وهو محرم، قال له: أعتذر، فنشأت مشكلة كبيرة، صاحب المعمل الأب مع إنجاز الصفقة، والابن رفض، قال له: أطردك، قال: اطردني، أعمل بائع صحون في السوق، بعد هذا راعى الأب الأمر، وما اهتم، أقسم بالله جاءته صفقة أرباحها بالملايين بعد اثنين وعشرين يوماً، ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه، أنت تعامل إلها، تعامل خالق السماوات والأرض، تعامل الرزاق القدير، الغني، السميع البصير، العليم، لا تزهد بعلاقتك بالله، الآمر ضامن، ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه و دنياه، هذا أهم موضوع بالخطبة، تأمين بيت والرزق وعمل وزوجة، وهذا الكلام للشباب وللشابات أيضاً، قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

( سورة الطلاق )

 أيها الإخوة الكرام، الآن تقول لي: فلان صعب بالتعامل معه، لا يوافق، ما تركت له واسطة، لا يوافق، اسمع هذه الآية:

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾

( سورة الطلاق )

 تتيسر، اتق الله، استرضِ الله بصدقة، العباد بيده، قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
 والله هناك إنسان بدأ بمشروع فواجهته عقبة، فاوض بمبلغ فلكي يجب أن يدفعه خلاف المنهج الإلهي، رفض، ودفع نصفه صدقات لفقراء الشام، وقدم طلبًا بعد أسبوع على طابع مئة وخمسة وعشرين قرشًا، فتمّت الموافقة، يقسم بالله العظيم أنه لا يعلم كيف تمت هذه الموافقة، طلب منه مبلغ فلكي ولا أمل، فاسترضى الله بصدقة نفع بها فقراء المسلمين، ثم قدم الطب، يقسم بالله إلى الآن لا يعلم كيف تمت هذه الموافقة، هو استرضى الله فقط.
 مرة ثانية، عامل الله مباشرة ترَ شيئًا لا يكاد يصدق، ترى شيئًا يفوق حد الخيال، هذا الكلام ليس لواحد، بل لك واحد منكم، وأنا معكم، ولكل واحد في الأرض، قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾

( سورة الطلاق )

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾

( سورة الطلاق )

 دقق، قال تعالى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾

( سورة الليل )

 إله، خالق السماوات والأرض، مَن بيده كل شيء، قال تعالى:

﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ﴾

( سورة الأنعام )

 الذي يعلم سقوط ورقة زيتون يقول لك:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾

( سورة الليل )

 اطمئن، الآن يقول لي أحدهم: أنا لي جاهلية، ليس هناك مشكلة:

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً﴾

( سورة الطلاق )

 لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم جئتني تائباً غفرتها لك ولا أبالي، قال تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

( سورة الزمر )

 يغفر الذنوب جميعا.
 أيها الإخوة الكرام، إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، إذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك.

 

فليتك تحلو والحياة مريــرة  وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامـر  وبيني وبين العالمين خـراب
إذا صح من الوصل فالكل هين  وكل الذي فوق التراب تراب
***

 أيها الإخوة الكرام، إذا أحبك إنسان قوي تمشي بالعرض، فإذا كان الله يحبك، ملك الملوك، خالق السماوات والأرض يقول الله تعالى:

 

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾

( سورة التوبة )

 الله يحبك، وإذا أحبك الله اركل بقدمك كل الخلق، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك، إذا وكّل إنسان محاميًا لامعًا ينام مطمئنًا، يقول لك: يده قوية، والقضاة يخافون منه، هو محامٍ، وأنا وكلته، وقال لي: اعتبر الموضوع منتهيًا، فكيف إذا كان الله وليك، والله ولي المتقين، يتولى أمرك، أقوى أعداءك بيده، أقوى جهة بالأرض بيده، وأنت مع القوي، تصور جنديًا غرًّا، وأبوه قائد الجيش، جاء عريف، وهدده، أبوه يسحقه، والده قائد الجيش، ولو كان تاجًا ونجمة، لا يخاف منه، لأن القائد العام والده، قال تعالى:

 

﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾

( سورة الجاثية )

 قال لك إنسان قوي: أنا معك، وهذا هاتفي، بأي لحظة أخبرني، وأي إنسان أزعجك أنا أعطيه درسًا لا ينسى، لا تنام من فرحك، فإذا قال الله لك:

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾

( سورة النحل )

طريق التقوى صعب محفوف بالبلاء

 الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ لكن طريق التقوى طريق ذات كلفة فيها جهد، طريق الجنة حزن بربوة.
 إنسان يمشي على دراجة، فوجد طريقين صاعدا ونازلا، الطبيعة والدراجة وثقافته وخبرته تقول: ينزل، لكن لوحة مكتوب عليها: في هذا الطريق الهابط ينتهي بحفرة مالها من قرار، فيها وحوش كاسرة، ما أكلت منذ شهر لقمتين، ولكن الطريق مريح جداً، نازل، فيه أشجار ورياحين، لكن في النهاية سوف يؤكل، أما الطريق الصاعد فوعرٌ وغبار وأكمات، لكن ينتهي بقصر، هذه اللوحة من خمس كلمات ألا يجب أن تعكس القرار مئة وثمانين درجة، لذلك إن عمل الجنة حزن بربوة، هناك صلاة الفجر، غض بصر، إنفاق مال، ابتعاد عن الاختلاط، تكاليف كثيرة جداً، هو اسمه تكليف، أي أنه عمل يحتاج إلى كلفة، لذلك قال تعالى:

 

﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾

( سورة يوسف )

 ومشكلة العالم الإسلامي اليوم بكلمتين، قال تعالى:

 

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

( سورة آل عمران )

 قال تعالى عن الكفار:

 

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

( سورة إبراهيم )

 ومع ذلك:

 

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

( سورة آل عمران )

 طريق الإيمان يحتاج إلى بذل جهد، يحتاج إلى معاكسة الهوى، قال تعالى:

﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

( سورة النازعات )

﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

( سورة يوسف )

 قال تعالى:

 

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾

( سورة التغابن )

 ابذل كل ما تستطيع من أجل التقوى، وعلى الله الباقي.
 أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

* * *

الخطبة الثانية
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حجمك عند الله بحجم عملك الصالح

 أيها الإخوة الكرام، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، وكنت أقول لكم دائماً: الإنسان فطر على حب وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، فلا يوجد شخص من بين الستة آلاف مليون إنسان على وجه الأرض إلا وهو حريص حرصاً لا حدود له على حب وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، سلامة الوجود بالاستقامة، لكن كمال الوجود بالعمل الصالح، فحجمك عند الله بحجم عملك الصالح، قال تعالى:

 

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

( سورة الأنعام )

 واستمرار وجودك بتربية أولادك.
 والله مرة مات أحد كبار علماء الشام، والتعزية كانت في الجامع الأموي، في اليوم الثالث كنت حاضراً، قام ابنه، وألقى خطبة كأبيه تماماً، والله بكيت، قلت: إذاً لم يمت الأب أبداً، فاستمرار وجودك بتربية أولادك، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))

 

[ مسلم ]

 والدعاء الذي أكثر النبي صلى الله عليه وسلم منه: اللهم ارزقنا العفو والعافية، لأن مرضًا عضالا يجعل حياة الإنسان جحيما لا يطاق.

 

الرزق السلبي

 أريد أن أقول لك قضية: عند العلماء شيء اسمه الرزق السلبي، فما هو ؟ أن يعافيك الله من الأمراض الكلية، تحتاج إلى مليون، والدسام تكلفته أربعمئة وخمسين ألفًا، وكل عملية رقمها يهد الجبال، كان الإنسان يذهب إلى المستشفى حتى يعالج من جلطة، الآن يرى الفاتورة فتحدث معه جلطة من الفاتورة، الأدوية غالية جداً، والعمليات غالية جداً، وهناك إهمال أحياناً، فإذا عافاك الله عز وجل من أي مرض، متعك بصحتك وقوتك وسمعك وبصرك وعقلك ما أحياك فهذا رزق، وكانت هذه الحواس الوارث منك.
 والله مرة إنسان بأعلى منصب، معه شهادة دكتوراه من فرنسا، زوجته فرنسية، يسكن في المالكي، فقَدَ بصره، زاره صديقي، هو صديق صديقي، قال له: والله أتمنى أن أجلس على الرصيف أتكفف الناس ولا أملك إلا معطفا قديما، وأن يرد إلي بصري.
 والله أيها الإخوة الكرام، إذا متع اللهُ الإنسان بالصحة والعافية يشكر الله كثيراً، سيدنا علي يعد العافية بعد نعمة الهدى، الهدى أولاً، والعافية ثانياً، والكفاية ثالثاً، فعن عبْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))

 

[ الترمذي ]

 والله ما فاته من الدنيا شيء، إيمان صحيح، استقامة تامة، وعمل صالح، وصحة، وعنده رزق يكفيه.
 قال ملك لوزيره: " مَن الملك ؟ قال: أنت، قال: لا، الملك رجل لا نعرفه، ولا يعرفنا، له بيت يؤويه، وزوجة ترضيه، وزرق يكفيه، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا، وإن عرفناه جهدنا في إحراجه ".
 فكل واحد متعه الله عز وجل بالإيمان والاستقامة والعمل الصالح، ومتعه بالصحة، وعنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، ألا تحب أن تدفع زكاة صحتك لإنسان مريض لا ينام الليل من الألم ؟ المرض صعب، الفقر صعب، لكن تأكل أخشن الطعام، تلبس ثياب مهترئة، الألم ليس له حل إلا المعالجة.

 

الدعاء

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، لا تأخذنا بالسنين، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، دمر أعداءك أعداء الدين اجعل تدميرهم في تدبيرهم، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، انصر عبادك المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي شمالها وجنوبها، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور