وضع داكن
20-04-2024
Logo
الزواج - الدرس : 16 - واجبات المرأة تجاه ديمومة الزواج .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس التاسع من دروس الزواج الإسلامي، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى الآداب التي على المرأة أن تتأدب بها، وأن تلتزم بها كي تكون سبباً في ديمومة الزواج.

مقدمات إرشادية مهمة

المقدمة الأولى: البطولة في الحفاظ على مكسب الزواج

المعنى الدقيق هو أن الوصول إلى الشيء ليس بطولةً، لكن الحفاظ عليه هو البطولة، فكم من زواجٍ عقد عقده، وبعد حينٍ فسخ، كم من زواجٍ انتهى إلى طلاق، أو إلى عداوةٍ شديدة، فالعبرة بالحفاظ على الشيء.
وذكرت لكم في درسٍ سابق أن الحق من صفاته الديمومة، وأن الباطل من صفاته الزوال، فإذا كنت مع الحق عقيدةً ومنهجاً، إذا طبقت في زواجك أوامر الحق جلَّ جلاله فإنّ هذا الزواج سيستمر، إذا طبقت في تجارتك أوامر الحق والحق من صفاته الديمومة فإنّ هذه التجارة ستزدهر، إذا طبقت في علاقاتك الاجتماعية أوامر الحق والحق من صفاته الديمومة، فإنّ فهذه العلاقات سوف تنمو وتزداد، لأنك مع تعليمات الصانع، قال تعالى: 

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

( سورة فاطر )

فنحن مع الآداب التي إذا تأدبت بها المرأة، والتزمت بها كان التزامها بهذه الآداب سبباً في ديمومة الزواج، هل هناك أجمل من أن يقول الزوج: لي مع زوجتي أربعون عاماً أو خمسون عاماً، ونحن على أتمِّ وفاق، نتعاون على تربية الأولاد، نقطف ثمار هذا التفاهم أولاداً صالحين، وهل من شيءٍ يجرح الفؤاد كأن يقول الإنسان: لم أكن مرتاحاً مع زوجتي ولا يوماً واحداً ؟
فيا أيها الإخوة، الآداب التي أمر بها الشرع المرأة المسلمة إذا التزمت بها كان التزامها بها عوناً على ديمومة الزواج، فما من زوجةٍ على وجه الأرض تودُّ أن تطلق، ولا أن ينصرف عنها زوجها، ولا أن تصبح مهملةً، لا هي زوجة، ولا هي مطلقة، لعل أكثر الأسباب تقع من طرف الزوج أو من طرف الزوجة، أي إذا عصى الزوج، أو عصت الزوجة، أو عصيا معاً، فالزواج يصبح جحيماً لا يطاق، الله جلَّ جلاله يقول مخاطباً سيدنا آدم والسيدة حواء:

 

﴿ فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾

( سورة طه )

فلم يقل فتشقيا على حسب قواعد اللُغة، قال علماء التفسير: " إن شقاء الرجل شقاءٌ حكميٌ للمرأة، وإن شقاء المرأة شقاءٌ حكميٌ للرجل، وإن شقاء الأولاد شقاءٌ حكميٌ للوالدين ".
هذه النقطة الأولى.

 

المقدمة الثانية: قبول الحكم الشرعي وإن خالفه الهوى والواقع

النقطة الثانية التي أضعها بين يدي هذه الدرس، هو أن الإنسان إذا سمع حكماً شرعياً صحيحاً اتفق عليه العلماء فلا ينبغي أن يحكِّم عقله به، كل واحد له وضع في بيته، هذا زوجته محجبة حجابًا كاملا، هذا حجاب غير كامل، هذا حجاب غير مقبول، هذه الزوجة غير محجبة، فلا تجعل وضعك حكم على ما سأقوله الآن، المؤمن يتفهم الحق أولاً، الحكم الشرعي الصحيح، ويحاول أن يقترب منه، إما بالتدريج، وإما طُفرةً واحدة بحسب الحكمة والحال، لكن لا ينبغي أن تقول: هذا غير صحيح، وليس معك حجة ولا دليل، إلا لأنك تفعل هذا الشيء، وتكره أن تكون مكشوفاً أمام الله عزَّ وجل، الآن يوجد أمامنا مزلق، إذا كان لأحدكم وضع خاص في بيته، أنا ما تدخلت في أوضاعكم الخاصة، ولكن أذكر لكم الحكم الشرعي، وما ينبغي أن نكون عليه، أما لو كان الإنسان أقلّ تطبيقًا لما سيسمع فلا ينبغي أن يقول: ليس هذا هو الشرع، فأنا آتيك بالدليل من الكتاب والسنة، ولا أملك غير هذا.
فالمؤمن دائماً خاضع للحق، أما الذي يحاول أن يُخضع الحق لمزاجه، أو لما هو عليه فهذا إنسان يغيِّر ويبدّل، ولأصل أن تخضع للحق، فإن لم تستطع أن تخضع فوراً فلك أن تقنع زوجتك بالحسنى، باللَّطف، بالإحسان، بالهدية، بالحجة، بالزجر، بالإعراض، هذا شأنك، وهذا تابعٌ لحكمتك، ولطبيعة زوجتك، أما أن تحكم على الحكم الشرعي من خلال واقعك فهذا غلط كبير، يجب أن تحكم على واقعك من خلال الحكم الشرعي، الحكم الشرعي هو الأصل، أنا أسير نحوه، ولا أطلب من هذا الحكم الشرعي أن يأتي إلي ليغطي ما أنا عليه، فالقضية أيها الإخوة دقيقة جداً.

 

الآداب التي تجب على المرأة أن تراعيها حفاظاً على العلاقة الزوجية

1– خروج المرأة بالحجاب الشرعي الكامل

هناك أفكار شائعة عند المسلمين أن الوضع هكذا، والحجاب هكذا، وهذا ليس عليه من سبيل، وهذا ليس عليه مأخذ، هذا كلام عام، وليس كلاما علميا، فالكلام العلمي هو الحكم الشرعي المؤيد بدليلٍ قطعي من الكتاب والسنَّة الصحيحة، هذا حكم الشرع، ولا يستطيع إنسان في الأرض كائناً من كان أن يأتي في الدين بشيءٍ من عنده، فمن أنت ؟ ومن أنا ؟ ومن فلان وفلان، وفلان و فلان ؟ من قال برأيه في هذا الدين فقد أخطأ ولو أصاب، لا رأي في الدين، في الدين حكم شرعي:

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 36 " )

إخواننا الكرام، أحياناً يعكس الإنسان المقولة، فيقترح شيئا ليس من الدين، ويحاول أن يأتي بالنصوص التي تدعمه، قوية كانت أو ضعيفة، واهية، مقولة أو غير مقولة، الأصل أن هذا هو رأيه في هذا الموضوع، فهو بهذا يحدث ديناً جديداً، هؤلاء سموا في علم العقيدة: أهل الرأي، أهل الرأي أحدثوا دينا جديدا، بعد أن يقرر هذا الرأي هو الآن يبحث عن الأدلة القوية أو الضعيفة والنصوص.
فنحن بالعكس، لا تنظر إلى واقعك، ولا إلى ما أنت عليه، ولا إلى ما هي عليه زوجتك، بل انظر إلى الحكم الشرعي، واحكم على وضعك من خلال الحكم الشرعي، ولا تحكم على الحكم الشرعي من خلال واقعك، فكل إنسان له قناعاته، وله ظروفه، لكن هذا هو الحكم الشرعي، فأنت حاول بحسب حكمتك، إما تدريجاً، أو طفرةً، إما إقناعاً، أو إجباراً، بحسب الحكمة التي تراها مناسبة، لكن قبل أن أبدأ ينبغي أن تعلم أن الأصل هو الحكم الشرعي، وأنك تابعٌ له.
والخطأ في المنهج خطير جداً، فلو كان عندنا ميزان، فمن الممكن أن تزن كيلوين، وتقول: ثلاثة بالخطأ، تصورت أنها ثلاثة كيلو، قلت: ثلاثة، ويمكن أن تزن اثني كيلو، وتقول: كيلو، هذا شيء يحدث، لكن هذا الخطأ في المفردات بسيط جداً، أما أكبر خطأ أن يكون في الميزان، أوقية تحت كفة الميزان، فتصبح كل الموازين غلطا، فالخطأ في الميزان أخطر مليار مرة من الخطأ في الوزن، فالخطأ في الوزن لا قيمة له، غلطة واحدة أو غلطتان أو ثلاث، ولا يوجد إنسان معصوم عن الخطأ، لكن ما هو الخطأ الخطير ؟ هو الخطأ في المنهج ؟ هو الخطأ في الميزان لا في الوزن، الخطأ في الوزن سهل جداً، إذا حصل خطأً صواب كثير، أما إذا كان الميزان كله خطأ، أو ملعوبا فيه، لو تزن فيه مليون حالة فكلها غلط.
يجب عليك دوماً أن ترتعد فرائصك، ليس من الخطأ في المفردات، ولكن من الخطأ في المنهج، الخطأ في التصور، الخطأ في الموازين، الخطأ في العقيدة، الخطأ في الأحكام، هذا هو الخطأ القاتل، أما الخطأ في المفردات فليس قاتلا، وأوضح مثل الخطأ في الميزان شيء، والخطأ في الوزن شيء آخر، بالوزن أخطأت، يمكن أن تكون الوزنة اثني كيلو، وقلت، كيلو، ويمكن أن تكون متسرعاً، أو في عجلة من أمرك، فالخطأ في الوزن لا يتكرر، لكن الخطأ في الميزان يشقى صاحبه، فهو مستمر.
أردت من هذه المقدمة، أنه إذا سمعنا الآن أحكام الشرع في حجاب المرأة، وفي خروجها، وفي اختلاطها، وفي عملها، لا يمكنك أن تحكم على الموضوع من خلال واقعك، فتظن أنك على حق، وأنت على صواب، وهذه الأحكام غير صحيحة، هذا تفكير ساذج، تفكير غير علمي، تفكير جهلي، هذا هو الحكم الصحيح، ولكن حاول أن تقرب إما تدريجاً أو طفرةً من الحكم الشرعي الصحيح.
عندما قال ربنا عزَّ وجل: 

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 33 " )

نهى الله سبحانه وتعالى عن خروج المرأة متبرجةً، طبعاً حينما أمرها أن تقرَّ في البيت ما منعها أن تخرج، لكن سمح لها أن تخرج لحاجة، أما إذا خرجت لحاجة فالخروج لا للخروج، كأن تقول: أصابني الملل، أريد الخروج، هذه عند المرأة ليست واردةً إطلاقاً، فهذا كلام ليس له معنى.

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 33 " )

ما هو التبرُّج ؟

أما إذا أردتن الخروج من البيت فلا تبرجن، ما هو التبرج ؟ يقول أحد العلماء: " التبرج أن تلقي المرأة الخمار على رأسها، ولا تشده، فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك منها ".
هناك غطاءٌ على رأسها، لكن غير مشدود سائب، هذا الغطاء السائب بدا منه قلائدها وقرطها وعنقها، هذا هو التبرج، صحيح أنّ على رأسها غطاء، لكنه غير محكم، وغير مشدود، يظهر من المرأة الزينة التي ينبغي أن تختفي، قال تعالى:

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ 

( سورة الأحزاب: آية " 33 " )

يقول أحد العلماء: " حرم الله تعالى على المرأة المسلمة أن تخرج وخمارها غير مشدودٍ على رأسها، وسُمي هذا الخروج في مثل هذه الصورة تبرج الجاهلية الأولى ".
هذا هو التبرج، أن يبدو من المرأة بعض مفاتنها.
وأمر الله سبحانه وتعالى أن تخرج النساء متحجبات، عندنا نهي عن التبرج، هذا الحكم السلبي، الحكم الإيجابي أمر الله سبحانه وتعالى النساء أن يخرجن متحجباتٍ، لقوله تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

( سورة الأحزاب )

2 – وجوب تغطية وجه المرأة وأدلة ذلك

ينقل الإمام الطبري عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية قوله: " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجةٍ أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة ".
ويقول محمد بن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عزّ وجل: ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ) فغطى وجهه ورأسه، وأبرز عينه اليسرى.
يقول عالمٌ آخر، وهو القاضي أبو السعود في قوله تعالى:

﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾

( سورة النور: آية " 31 " )

" في النهي عن إبداء صوت الحلي بعد النهي عن إبداء عينها من المبالغة في الزجر عن إبداء موضعها ما لا يخفى ".
هذا كلام دقيق جداً، كأن يكون في الأرجل خلخال، السوار في المعصم، والخلخال في الرجل، فإذا ضربت المرأة برجلها في المشي سمع صوت خلخالها، إذا كان هناك نهيٌ عن صوت الخلخال فما قولك في النهي عن الخلخال ذاته ؟ وإذا كان هناك نهيٌ عن الخلخال ذاته فما قولك بموضع الخلخال بموضع الزينة ؟ هذا ما يقوله القاضي أبو السعود: " في النهي عن إبداء صوت الحلي بعد النهي عن إبداء عينها من المبالغ في الزجر عن إبداء موضعها ما لا يخفى ".
الصوت منهي عنه، فعين الحلي الخلخال من باب أولى، فموضع الخلخال من باب أولى، فأنت منهي عن الثالثة، أي عن الصوت.
لا أحد يقول: الأستاذ شدد كثيرًا، ليس هذا تشديدا، والمؤمن لا يشد حتى، ولا يحل، هذا هو الحكم الشرعي.
الآن حكمٌ آخر، وهو أن حبر الأمة سيدنا عبد الله بن عباس يرى: " أن تغطي المرأة وجهها ورأسها ".
وهكذا قال عامة المفسرين، يقول أبو بكر الجصاص:" في هذه الآية دلالةٌ على أن المرأة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج، لئلا يطمع أهل الريب فيهن ".
هذا معنى قول الله تعالى: (وَلاَ يُبْدِنَ زِينَتَهُنَّ ).

ويقول العلامة النيسابوري. " كانت النساء في أول الإسلام على عادتهن في الجاهلية، فأمرن بلبس الأردية والملاحف، وستر الرأس والوجوه ".
ويقول القاضي البيضاوي: ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ )، أي يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة ".
روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت:

(( كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ ))

[أحمد]

وأخرج الإمام الحاكم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: <<كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام >>.
يُخْلص من هذا أن ستر الوجه من صلب الدين، وهو الحكم الشرعي الذي هو عليه علماء المسلمين، وإذا كان هناك خلافٌ في هذا، فهناك اتفاقٌ على أن المرأة الشابة فتنتها في وجهها، وينبغي أن تستر وجهها باتفاق العلماء قاطبةً.
هناك من يقول: المرأة تصلي ووجهها مكشوف، ويداها مكشوفتان، إذاً هذه عورة المرأة، الوجه ليس بعورةٍ، وكذلك اليدان، لأنهما تكشفهما في الصلاة، يقول ابن القيم في رد هذه الشبه: " هذا إنما هو في الصلاة لا في النظر، فإن العورة عورتان، عورةٌ في النظر، وعورةٌ في الصلاة، فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك، والله أعلم".

[ كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين ]

شبهة والجواب عنها

الآن هناك شبهةً مفادها أن هذا الأمر موجه إلى نساء النبي عليه الصلاة والسلام، والقاعدة الأصولية في فهم النصوص أن أي أمرٍ خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم ينسحب بشكلٍ حكميٍ على كل المؤمنين، لأن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، والنبي صلى الله عليه وسلم قدوة، فالأمر الموجه إليه ينسحب على أتباعه المؤمنين بشكل قطعي، ولا بد مِن دليل فرعي واضح على أن هذا الشيء خاصٌ بالنبي عليه الصلاة والسلام، فأي أمر عام موجه للنبي عليه الصلاة والسلام ليس فيه دليل على أن هذا الأمر خاصٌ به فالأمر عام، وعلى كل المؤمنين أن يأتمروا به.
يقول أبو بكر الجصاص في تفسير هذه الآية: 

﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾

" هذا الحكم وإن نزل خاصاً في النبي صلى الله عليه وسلَّم وأزواجه، فالمعنى عامٌ فيه، وفي غيره، إذا كنا مأمورين بإتباعه والاقتداء به، إلا ما خص الله به نبيه دون أمته ".
فالشيء الخاص بالنبي معه دليل واضح، دليل خصوصيته، لكن إذا لم يوجد دليل خصوصية فالأمر موجه للنبي عليه الصلاة والسلام وموجهٌ حكماً لكل المؤمنين، لذلك الآية: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 59 " )

لقد روى ابن أبي حاتم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما نزلت هذه الآية: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾

<<خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسيةٌ سودٌ يلبسنها >>، هذا نقل عن تفسير ابن كثير.
الآن. 

﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ ﴾ 

( سورة الأحزاب: آية " 53 " )

قال: يقول القاضي أبو السعود في تفسير هذه الآية: " أي ما ذكر من عدم الدخول بغير إذنٍ، وعدم الاستئناس للحديث عند الدخول، وسؤال المتاع من وراء حجاب أكثر تطهيراً من الخواطر الشيطانية، فإذا كان سؤال المتاع من وراء الحجاب أكثر تطهيراً من الخواطر الشيطانية فما السبب في استثناء بقية النساء ".
إذا الصحابية الجليلة أم المؤمنين إذا سألتها حاجةً فاسألها من وراء حجاب، لأن ذلك أطهر لقلبك وقلبها، فما القول في امرأةً ليست صحابيةً، وليست أم المؤمنين، ولم تلتقِ برسول الله صلى الله عليه وسلم ، المرأة التي هي زوجة رسول الله، وهي حكماً أم المؤمنين، وهي الطاهرة العفيفة الحصان قال الله عزوجل لها: 

﴿ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 53 " )

فما القول في امرأةٍ ليست صحابيةً، وليست أم المؤمنين، وليست في طهارة وعفة وإيمان الصحابيات الجليلات ؟ هذا كلام كالشمس واضح.

3 – عدم خروج المرأة متعطرة

الأدب التالي لأدب الحجاب: ألا تخرج المرأة متعطرةً، فقد أرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن طيب النساء ينبغي أن يظهر لونه، وأن يختفي ريحه، وأن طيب الرجال ينبغي أن يظهر ريحه، ويختفي لونه.
أكمل طيب للرجل ليس له لون، لكن له رائحة، أما طيب النساء ليس له رائحة، لكن له لون، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

(( طِيبُ الرِّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَطِيبُ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ ))

ونهى النبي عليه الصلاة والسلام أن تخرج المرأة وهي مستعطرة، فقد روى الإمام أبو داود في سننه عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال ـ دققوا، لا تظنوا أن موضوع العطر في الطريق شيء وهو بلوى عامة، فهذا من الكبائر، أي أن المرأة إذا خرجت مستعطرة خرجت زانية، انتبهوا، بناتكم نسائكم، يقول عليه الصلاة والسلام:

((إِذَا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ قَوْلًا شَدِيدًا ))

وفي روايةٍ عند النسائي:

(( فهي زانية ))

ويقول شارح هذا الحديث: " سماها النبي زانية مجازاً، لأنها رغَّبت الرجال في نفسها، فأقل ما يكون هذا سبباً لرؤيتها ".
فإذا شعر الرجل أن هناك رائحة عطرة يلتفت، ويتساءل: من صاحب هذا الريح العطر ؟ فأقل شيء بالمرأة المتعطرة أنها تلفت النظر إليها، الرائحة تسوق الوجه إلى النظر إلى صاحبة هذا العطر، سماها النبي زانية، طبعاً زانيةً مجازاً، لأنها رغَّبت الرجال في نفسها، فأقلّ ما يكون هذا سبباً لرؤيتها، وهي زنا العين، العين تزني وزناها النظر.
يبدو أن امرأة وقعت في خطأ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان لها ريح طيِّب، فسألها أبو هريرة فَقَالَ:
يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ، جِئْتِ مِنَ الْمَسْجِدِ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( لا تُقْبَلُ صَلاةٌ لامْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِهَذَا الْمَسْجِدِ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الْجَنَابَةِ ))

فتتطيب، وأن تأتي للمسجد هذا سوء فهم منها، ولو أنها أتت بيت الله عزَّ وجل غسلت موضع العطر خارج البيت، ممنوع في نظام الإسلام، لأن العطر يلفت النظر، والنظر يوقع في زنا العين، وهي السبب، لأنها هي التي رغَّبت في نفسها.
والنقطة الدقيقة أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما نهى الرجال عن منع النساء من الحضور في المساجد، معنى ذلك أنّ المرأة من حقها أن تأتي إلى المسجد، وبعد قليل ترون أنه يُطلَب أن يكون مكان النساء بعيدا عن الرجال، وأن يكون النساء لهم مدخل خاص، ومكان خاص فيه كل وسائل الراحة، فإذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال عن منع النساء من الحضور في المساجد، حيث يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح عن ابن عمر الذي رواه الإمام مسلم:

((لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ ))

فقد نهى كذلك المرأة إذا استعطرت عن الذهاب إلى المسجد، بالمقابل هذه التي تأتي بيت الله بأكمل ثياب، أو بأكمل حركات، دون أن يكون هناك أي شيء يلفت النظر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ))

[مسلم]

هنا تعليق لطيف: إذا منعت المرأة من الذهاب ِإلى المسجد لأنها متعطرة فكيف بالمرأة التي تذهب إلى الأسواق، وتشتري حاجاتها من الرجال الأجانب، وهي في أبهى زينة، وهي مستعطرة ؟!

4 – عدم إظهار الزينة بالصوت

ومن الآداب التي ينبغي على المرأة أن تتأدب بها حفاظاً على زواجها، وعلى سعادتها الزوجية، ألا تظهر زينتها بالصوت، قال تعالى:

﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾

( سورة النور آية " 31 " )

أحد المفسرين الأفاضل يعلِّق على هذه الآية يقول: " إنها لمعرفةٌ عميقةٌ بتركيب النفس البشرية، وانفعالاتها، واستجاباتها، فإن الخيال ليكون أحياناً أقوى في إثارة الشهوات من العيان، وكثيرون تثير شهواتهم رؤية حذاء المرأة أو ثوبها أو حليها ".
أحياناً يكون الإنسان في غرفة النوم، إذا دخل إنسان أجنبي فلا ينبغي أن يرى في هذه الغرفة ثياب امرأة، وهذا هو الأكمل، حاجات المرأة تثير الخيال إلى مواضعها.
" فإن الخيال ليكون أحياناً أقوى في إثارة الشهوات من العيان، وكثيرون تثير شهواتهم حاجات المرأة، أكثر مما تثيرها المرأة نفسها، وسماع وسوسة الحلي، أو شم شذا العطر من بعيد، قد يثير حواس الرجال أكثر مما يثيرهم منظر المرأة نفسها ".
أحياناً يكون الواقع أقل من الخيال، فالخيال يضفي على الواقع أحياناً مبالغات هو بعيدٌ عنها كثيراً.
" وهذه الآية فيها دلالةٌ على أنَّ المرأة منهيةٌ عن رفع صوتها بالكلام، بحيث يسمع ذلك الأجانب، إذا كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها".
إذا كان صوت الخلخال ممنوعا أن يسمع، فما قولك بصوتها هي، وقد يكون صوتاً فاتناً ؟!! لذلك صوت المرأة عورة ولو أذَّنت.
والآن انتبهوا إلى الأحكام الفقهية، المرأة إذا اقتدت بزوجها أو برجل، قد يكون هذا الرجل أباها أو أخاها، هذا شيء مشروع، وسها الإمام عن القعود، أو سها بترك واجب، يقول الرجل المقتدي: سبحان الله ! يذكِّر الإمام، أما أن تقول المرأة في الصلاة: سبحان الله ! فصوتها عورة، قال: لها التصفيق، إذا فعلت هذا، أي نبهت الرجل إلى أن هناك خلل في الصلاة.
روى الإمام ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ ))

وهذا مبالغةً في عدم إظهار صوت المرأة، وقد سمعت في بلاد المغرب أن قديماً كان إذا طرق الباب الرجل لا تقول المرأة: مَن الطارق ؟ بل تضرب على الباب ضربات تشير إلى أن نحن وراء الباب، من تريد ؟ لئلا يسمع صوتها.
ويقول ابن قدامة: قال ابن عبد البر: " ليس على النساء أن ترفع صوتها بالتلبية ".
في أثناء الحج أو العمرة كان النساء الجاهلات يرددن الدعاء الذي يدعو به من يقودهن بصوتٍ أعلى من صوت الداعي، وأعلى من كل الرجال، وهذا جهلٌ فاضحٌ بأحكام الحج، ليس على المرأة أن ترفع صوتها بالتلبية، عليها أن تلبي بصوتٍ تسمعها هي فقط، أما رفع الصوت فإن صوتها عورة، أيضاً هذا مما نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام.
" أجمع العلماء على أن السنة في المرأة ألا ترفع صوتها، وإنما عليها أن تسمع نفسها، وبهذا قال عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وإنما كره لها رفع الصوت مخافة الفتنة، لذلك لا يسنُّ لها آذانٌ ولا إقامة ".
إنّ المرأة في البيت لا تؤذن ولا تقيم، لأن صوتها عورة، " وإذا سها الإمام عن واجبٍ من واجبات الصلاة، لها التصفيق وله التسبيح "، هذا كلّه ينسجم مع أن صوت المرأة عورة.

5 – عدمُ اختلاط المرأة بالرجال

ومن الآداب التي ينبغي أن ترعاها المرأة حفاظاً على سعادتها الزوجية، عدم الاختلاط بالرجال، فتمكين النساء من الاختلاط بالرجال أصل كلُّ بليةٍ وشر، لو تتبعت أكثر المشكلات الكبيرة التي سببها المرأة لوجدتَ أن هذه المشكلة بدأت من خلوةٍ أو من اختلاط.
هناك أسرتان ذهبتا إلى الساحل ليقضوا أسبوعًا أو أسبوعين، الأسرتان رجعتا إلى الشام، وحصل طلاق بين الأسرتين، فيهما سبعة أولاد فيها، فقد أصبح بينهم اختلاط، الزوج الأول أعجبته زوجة الثاني، والثاني بالعكس، فحينما يختلط الرجال بالنساء تقع المفاسد والشرور، وكما يقول ضباط الأمن الجنائي: في كلِّ جريمةٍ أو مشكلةٍ فتش عن المرأة، وراء كل مشكلّة طبعاً، كما أن وراء كل إنسان موفق في حياته امرأةٌ تعينه على هذا التوفيق، أيضاً وراء كلّ إنسان وقع في مأساة في حياته امرأة أغرته بالانحراف.
وقد وجه النبي عليه الصلاة والسلام النساء أن يمشين في جزءٍ من الطريق مخصوص، أي إذا كان الطريق مزدحماً بالرجال فعلى المرأة أن تمشي في مكان بعيد عن الرجال،

﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ﴾

بنتا سيدنا شعيب

 

﴿ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾

[سورة القصص]

بنتا سيدنا شعيب ما اختلطتا بالرجال، بقيتا في جانبٍ، والرجال في جانب، قال عليه الصلاة والسلام للنساء:

(( اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ... ))

( من سنن أبي داود)

فإذا هناك مجتمع من الرجال، وكان فيه ازدحام فالمرأة المؤمنة الطاهرة العفيفة تجتنب هذا الازدحام قال:

(( فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ ))

من شدة اتباعها لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، والنبي عليه الصلاة والسلام خصص باباً لدخول المسجد، والآن يوجد باب النساء في الحرم المدني.
وفي سنن ابن داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام:

(( لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ ))

فلم يدخل سيدنا عبد الله بن عمر من هذا الباب حتى مات، فصارت سنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا الباب للنساء، وفي أكثر المساجد والحمد لله هناك جناح للنساء بباب مستقل، ومرافق مستقلة، بغير اختلاط أبداً، أيضاً من أجل عدم الاختلاط بالرجال، ينبغي أن تكون صفوف النساء منفصلّة عن صفوف الرجال، حتى لو أنها امرأةٌ واحدة.
وروى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ قَالَ:

(( فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلأُصَلِّيَ لَكُمْ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِثَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ وَرَاءَنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ))

[أحمد]

وقفت زوجته في صف مستقل، فالمرأة إذا حاذت الرجال في الصف فسدت الصلاة، فانظر إلى دقة عدم الاختلاط حتى في الصلاة، ولو أنها قريبة، المرأة لها صف خاص، وكما ذكر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سنن ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( خَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا ))

في الرجال بالعكس، خيرها أولها، وشرها أخرها، في النساء خيرها أولها، وشرها أخرها، أي خيرها ما كان بعيداً عن الرجال.
وكانت النساء المؤمنات يحرصن على ألا يختلطن بالرجال وقت الطواف، هذا الطواف صدر بظهر، وكتف بكتف، رجال ونساء، هذا بعيداً عن روح الشريعة الإسلامية، فهناك دراسات لكنها لم تنجح حتى الآن، ولكنها نجحت في المسجد النبوي، الآن في المسجد النبوي ليس هناك اختلاط أبداً، بابٌ خاص للنساء، وحيِّزٌ خاص للنساء، وجدر مانعة للنساء، وموقفٌ أمام رسول الله للنساء خاص، فالقضية حُلّت حلاً جذرياً في الحرم النبوي الشريف، لكن نرجو الله سبحانه وتعالى أن تحلَّ حلاً جذرياً في الحرم المكي حيث لا يزال هناك اختلاط.
وقد روت كتب الحديث أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت:

(( تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لا تُخَالِطُهُمْ ))

( من صحيح البخاري)

أي في زاوية بعيدة عن الرجال لا تخالطهم.
الآن هناك نقطة دقيقة جداً، إذا صلّت النساء وراء النبي صلى الله عليه وسلم ، متى كنَّ يقمن من المسجد ؟ بعد أن يسلّم، ويذهبن إلى البيت، ففي سنّة العشاء والوتر فالنساء بشكلٍ خاص أعطاهن النبي صلى الله عليه وسلم توجيهاً أن يقمن من الصلاة بعد التسليم فقط، حتى يذهبن إلى بيوتهن، دون أن يختلط الرجال بالنساء.
روى الإمام البخاري عن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهَا

(( أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ ))

الرجال متى يقومون ؟ إذا قام رسول الله، أما النساء فكن يقمن من الصلاة فور التسليم، ويذهبن إلى بيوتهن لئلا يختلطنَّ بالرجال.

6 – عدم سفر المرأة إلا مع ذي مَحْرَم

الموضوع الأخير في آداب المرأة، ألاّ تسافر إلا ومعها ذو محرم، روى الإمام البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
أَرْبَعٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَالَ: يُحَدِّثُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي:

(( أَنْ لا تُسَافِرَ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا، أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَلا صَوْمَ يَوْمَيْنِ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى، وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ الأَقْصَى ))

ويروي الإمام مالك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا ))

وروى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ ))

يقول الإمام النووي في شرح هذه الأحاديث، قال البيهقي: "كأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة أن تسافر ثلاثاً بغير محرم ؟ فقال: لا، وسئل عن سفرهما يومين بغير محرم ؟ قال: لا، وسؤل عن سفرها يوماً ؟ قال: لا "، أي لا تسافر مطلقاً إلا مع زوجها، أو مع ذي محرم.
والحديث الآخر:

(( لا تحجنّ امرأةٌ إلا ومعها ذو محرم ))

وروي الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ ))

أمره بترك الجهاد، وأن يحج مع امرأته.
والعلماء يقولون: المرأة التي لا تجد محرماً تحج معه ليست مستطيعة للحج، والحج على من استطاع إليه سبيلاً.
أيها الإخوة، عدم الاختلاط بالرجال، وعدم رفع الصوت، وعدم التعطر، وعدم الخروج بغير الزي الإسلامي الذي أمر به الإسلام، هذه كلُّها تدابير احترازية، لو فعلّتها المرأة لضمنت زواجاً سعيداً، وضمنت استقراراً نفسياً، وهي طاعةً لله عزَّ وجل. 

تحميل النص

إخفاء الصور