وضع داكن
29-03-2024
Logo
الزواج - الدرس : 15 - الأدب التي تراعيه المرأة للحفاظ على العلاقة الزوجية .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الآداب التي يجب على المرأة أن تراعيها حفاظاً على العلاقة الزوجية

أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الخامس عشر من دروس الأسرة التي بدأناها قبل عدة أسابيع، وها نحن ننتقل إلى الآداب التي يجب على المرأة أن تراعيها حفاظاً على العلاقة الزوجية.

1 – عدمُ سماح المرأة لخلوة الأجنبي بها

البند الأول من هذه الآداب: ألاّ تسمح المرأة لأجنبيٍ أن يخلو بها لأيّ سببٍ كان، وفي أي ظرف، فلمجرد أن تسمح المرأة المسلمة لأجنبيٍ أن يخلو بها في أيّ مكانٍ وفي أيّ زمانٍ ولأيّ ظرفٍ وفي أيّ وضعٍ فهذا ربما قادها إلى أن تزلّ قدمها، هذا هو التدبير الذي يحترز به من أن تفسد العلاقة بين الزوجين. 

2 – الكلام مع أجنبي من وراء حجاب

شيءٌ آخر، لو أن إنسانًا سألها، أو طلب منها بعض المعلومات، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 53 " )

أي إذا أرادت لضرورةٍ أن تدلي ببعض المعلومات، ينبغي أن يكون هذا الإدلاء من وراء حجاب.
أول بند: ينبغي ألا تخلو بأجنبي مهما كان السبب ومهما كان الظرف.
البند الثاني: لو أرادت لضرورةٍ قاهرة أن تدلي ببعض المعلومات، أو أن تسأل فينبغي أن يكون هذا من وراء حجاب، لقول الله عزَّ وجل: 

﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 53 " )

شيءٌ آخر.. هذا الحكم دائماً هناك من يقول: إن هذا الأمر موجهٌ لنساء النبي صلى الله عليه وسلم :

 

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 33 " )

هو موجهٌ لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ، وأيّ أمرٍ موجهٌ لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ينسحب قطعاً، وبالتأكيد على نساء المؤمنين، لأن العفيفات الطاهرات المصونات المحصنات اللاتي هن أمهات المؤمنين إذا أُمِرن أن يقررن في بيوتهن، وإذا أُمِرن أن يفعلن كذا وكذا، فنساء المؤمنين في هذا الحكم من بابٍ أولى، أيْ يطبَّق عليهم هذا الحكم من بابٍ أولى، كأن إذا قلنا للطالب الأول: اجتهد، فلأن ينسحب هذا الحكم على الطالب المقصر من بابٍ أولى.

3 – عدم إبداء الزينة إلا للمحارم

البند الثالث: عدم إبداء الزينة، فبيوتاتٌ مسلمين بعضها مع شديد الأسف لا تتورع المرأة من أن تظهر محاسنها أمام الأجنبي، يطرق الباب فتفتح الباب، وهذا الطارق لعلّه ليس قريباً، ولا من المحارم، فكيف تبدو المرأة أمامه هكذا بلا حيطة ؟ فلذلك عدم إبداء الزينة لغير المحارم، أما إذا أمكن للأجنبي أن يرى المرأة إذا طرق الباب فليس للاستئذان معنى إطلاقاً، وإنما جُعل الاستئذان من أجل البصر.
أول شيء: ألا تسمح لأجنبي أن يخلو بها مهما كان السبب.
الشيء الثاني: لو اضطرت أن تدلي بمعلومات فيجب أن يكون هذا من وراء حجاب:

﴿ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 53 " )

والشيء الثالث: أن تحرص حرصاً بالغاً على ألا يراها أجنبي، وهذا من إيمانها، ومن ورعها، أما إذا تساهلت فهذا رقةٌ في دينها.

4 - عدم الخضوع بالقول

لكن الشيء الذي ينبغي أن تراعيه المرأة هو عدم الخضوع بالقول، قال تعالى:

﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾

( سورة الأحزاب: آية " 32 " )

قبل سنواتٍ تزيدُ على العشر سمعت أنَّ امرأةً وقفت أمام بائع، وساومته على سلعةٍ، ويبدو أنها لجهلها بهذا الحكم الشرعي خضعت بالقول، وألانت له الكلام، قالت له: نحن جيرانك، ألا تراعينا ؟ قال لها: أين بيتكم ؟ قالت له: هنا بيتنا، من أجل أن تخفِّض من قيمة هذه الحاجة ألانت له القول، فلما ألانت له القول طمع الذي في قلبه مرض، لأن أيّ حركة غير طبيعية، أو أي طريقة في الكلام غير طبيعية فهذه كأنها دعوةٌ للأجنبي أنْ يقارب هذه المرأة، فامرأةٌ جاهلة، وهي تساوم في شراء حاجة ألانت القول، وإلانة القول خضوعٌ لهذا الرجل في تنفيذ رغبته، انظروا إلى دقة الآية، إلانة القول عبّر عنها القرآن بالخضوع، لمّا ألانت له القول كأنها خضعت لرغبته، أو كأنها أشعرته أنها خاضعةٌ لغربته، فما كان من هذا الرجل صاحب المحل التجاري بعد قليل إلا طرق بيتها، ووضع رجله في الباب، واقتحم البيت، لأنه طمع بها، هي ما خطر في بالها أبداً أن إلانة القول ستقوده إلى أن يأتي إلى البيت، زوجها له محلٌ تجاري قريبٌ من البيت، فأرسلت أحد أولادها إلى أبيه تستنجده، فلم يتروَّ الأب، ولم يفقه حقيقة الأمر، جاء معه الشرطة، وضبط رجلاً في بيتٍ مع امرأته، وطلقها، وله منها خمسة أولاد، والقصة علِمتها من زوجها، وقال لي: ماذا أفعل ؟ انظر، طلاق، وخمسة أولادٍ شردوا، وزوجها لا يشكُ في امرأته أبداً، والدليل أنها استنجدت به، وهي في أكمل ثيابها، إلا أن خضوعها بالقول جعل هذا الرجل يطمع فيها، انظروا إلى دقة الآية، فأيّة كلمةٍ مع البائع فيها لين، كأن تقول له: قلبك قاسٍ علينا، لا تراعينا، ولا كلمة من هذا القبيل، تسأله: كم سعر هذه الحاجة، فإما أن تشتري، وإما أن تذهب، هذه المرأة المسلمة، لأن الكلام الجاد لا يمكن أن يوحي للرجل بأي معنى، الكلام الجاد، والكلمة الدقيقة لا توحي للرجل بأيّ معنى، يؤكد هذا المعنى أن بنت سيدنا شعيب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام قالت: 

﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾

( سورة القصص: آية " 25 " )

وانتهى الأمر، ولو أنها قالت: إن أبي يدعوك، يقول لها: من أبوك ؟ وما المناسبة ؟ فيحدث حوار بينهما، ولكنها أعطته الكلام كله، أعطته كلاماً لا يحتاج إلى تفسير، (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا )، وهو حينما خاطبها ماذا قال ؟ قال كلمةً موجزةً لا تحتمل كلمة ثانية:

﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ﴾

( القصص: آية رقم " 23 " )

فأيّ كلامٍ آخر فيه مودة، وفيه إلانة بالقول لا يجوز، فإذا كانت المرأة مأمورة ألا تخضع بالقول لئلا يطمع الذي في قلبه مرضٌ، فالشاب المؤمن والرجل المسلم أيضاً لا يلين القول للمرأة، كما أنها منهيةٌ على أن تخضع بالقول، هو أيضاً منهيٌ عن أن يلين لها القول، الكلام اللطيف الكلام الذي فيه عذوبة، هذا الكلام للزوجة وللمحارم، والمودة والابتسامة والاعتذار اللطيف، هذا كله لو كان بين النساء والرجال دون أن يكون بينهما علاقات الزواج أو علاقات الحرمة، هذا الكلام يؤدي إلى فسادٍ عظيم، والفتاة أحياناً تكون ساذجة، فيلين قلبها لكلمة لينة، وتخضع لها، وكلمةٌ لينةٌ منها تغري الرجل أن يصل إليها، فهذه الآية دقيقة جداً: 

﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 32 " )

الحقيقة أن المرأة في نوع ثيابها وشكله، وحركاتها وسكناتها وكلامها وإشاراتها كلها يجب أن تكون مضبوطةً بالشرع الحنيف، وإلا ففي أيّ خروجٍ عن الوضع الجاد دلّ هذا الخروج على أنها راغبةٌ في الرجال، أي أن المرأة التي تتبذل في ثيابها، وتسمع كلاماً قاسياً أو تعليقات لاذعةً من الأجانب في الطريق هي السبب، ثيابها ومشيتها، وحركاتها وسكناتها تدعو الأجنبي إلى متابعتها، لذلك المرأة المسلمة المحتشمة المحجبة هذه المرأة لا يطمع فيها أحدٌ أبداً: 

﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 59 " )

إذا خرجت المرأة كما أرادها الله أن تخرج فلن تؤذى، من التي تؤذى ؟ هي التي تدعو الناس أن يؤذوها بثيابها، بتفلتها بميوعتها، بخضوعها بالقول، لذلك الأب مسؤول مسؤوليةً كبيرةً، وكذلك الأم عن تربية بناتها التربية الإسلامية، فإذا خرجت من البيت لضرورةٍ فلا يمكن أن يطمع فيها أحد، لحشمتها وجديتها وانضباطها بقواعد الشرع، قال تعالى: 

﴿ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ﴾

( سورة الأحزاب )

القول الذي لا يعني شيئاً آخر غير مضمون القول، أي السؤال والجواب، وبالمناسبة إذا عُرِض للإنسان عملان، عمل متعلق بالنساء، وعمل متعلق بالرجال، إذا خُيِّر بين أن يبيع ألبسةً نسائيةً وأن يبيع ألبسةً رجالية كما يقولون فأنا أنصح أن يختص الإنسان بالألبسة الرجالية، لأنه أطهر لقلبه، وأبعد له عن الفتن، والمصالح المتعلقة بالنساء في آخر الزمان مع تفلُّت النساء من قواعد الشرع، ومع إبداء الزينة للأجنبي، ومع ثيابهن الفاضحة، تصبح هذه المصالح المتعلقة بالنساء أقرب إلى الفتنة، وأقرب إلى المعصية منها إلى الطاعة، فإذا خاف الإنسان على دينه وهو يحرص عليه، إذا خُيِّر بين عملين، عمل متعلق بالنساء، وعمل متعلق بشيء آخر فليختر العمل الآخر، ولو كان دخله أقلَّ، حفاظاً علي دينه:

(( ابن عمر، دِينَك دينَك، إنه لحمك ودمك ))

فقلما تجد إنسانًا يتعامل مع النساء يومياً، مع النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات، يتعامل بشكل مباشر، قلّما تجده محافظاً على وجهته لله عزَّ وجل، لأنه يقع في المخالفات دائماً، ولا سيما حينما يغلب على النساء التفلت من قواعد الشرع، حينما يغلب عليهن التبذل، حينما يغلب عليهن أنهن يُثرن شهوة الرجل، ويبدين زينتهن لغير محارمهم.
إنّ هذا أيضاً مما تُكَلَّف به المرأة المسلمة من أجل أن تحافظ على هذا الزواج المقدس الذي هو أقدس عقدٍ بين مسلمين.
أول شيء: ألا تسمح المرأة لأجنبيٍ أن يخلو بها، وهذا شيء واضح جداً كالشمس، لكن من باب التأكيد على كلمة ( أجنبي ) في موضوعنا، فهي لا تعني أنه غير عربي، أو غير سوري، إنه أيّ إنسان ليس أبًا للمرأة، ولا أخاها، ولا ابنها، ولا عمها، ولا خالها، ولا ابن أخيها، ولا ابن أختها، ولا زوجها، غير هؤلاء الرجال هو في حقّها أجنبي، ابن عمها أجنبي، وابن خالتها أجنبي، وابن عمتها أجنبي، وجارها أجنبي، فالأجنبي في هذا الموضوع كل إنسان ليس أحد محارمها، ليس زوجها، وليس أحد محارمها، فالمرأة المسلمة لا تسمح لأجنبيٍ كائناً من كان، في أي ظرفٍ، وفي أيّ مناسبةٍ أن يخلو بها، هذه واحدة.
الشيء الثاني: ألا تبدي زينتها لغير محارمها وفق ما أمر الشارع الحكيم، وبالطبع الزوج له وضع خاص، لكن ما سوى الزوج يجب أن تبدو أمام محارمها النسبيين بثياب الخدمة، وثياب الخدمة كما تعرفون هو الثوب الذي يستر صدرها، ويستر عضدها، وتحت ركبتها، هذه الثياب مسموح لها أن تبدو بها أمام محارمها غير زوجها.

5 – تحريم وصف المرأة للمرأة أمام زوجها

الآن تحريم وصف المرأة للمرأة عند زوجها: لأن المرأة إذا وصفت المرأة أمام زوجها فكأنه يراها، فما قيمة الحجاب إذاً ؟ وما قيمة التستر إذاً، فالآية الكريمة:

﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾

( سورة النور: آية " 31 " )

إلا أن ابن البعل، أي ابن الزوج ينبغي ألاّ يخلو بها، ووالد الزوجة ووالد الزوج ينبغي ألا يخلوَا بها، هذا حكمٌ شرعيٌ نجده في كتب الفقه، ولا سيما في الفقه الحنفي، فلا يجوز الخلوة ب زوجة الابن الشابة، ولا أن تخلو المرأة بابن زوجها إذا كان مقارباً لسنها، لأن هناك مفاسد كبيرة تنشأ عن ذلك، معنى ذلك أن المحارم ثلاثة أصناف، الزوج له حكم خاص، ومحارم النسب لهم حكمٌ خاص، ومحارم المصاهرة لهم حكمٌ خاص، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام بخاري عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( لا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ))

[البخاري]

فأحياناً، وهذا الذي أسمعه أنه ولا سيما في أثناء خطبة النساء، فيقول لها: صِفِيها لي، هو مكلف أن يخطب لشخص، فتنساق معه، وتصفها له، إذا قال لها: المستوى جيد، تكفي هذه الكلمة، أما التفاصيل فلا ينبغي أن يدخل فيها، جيدة، وسط، أما أنه يطالب الرجل الأجنبي عن امرأةٍ بوصف دقيقٍ عن امرأةٍ فيجب ألاّ ترضى الزوجة أن تصف له هذه المرأة، والأصل ينبغي أن لا يطلب الزوج هذا الوصف، لأن الوصف أيضاً كأنه مشاهدة.
إنّ الإسلام كله أدب، أساساً الرجل يعرف المسلم من آدابه، فالإسلام فيه عقائد، وفيه عبادات، وفيه معاملات، وفيه أخلاق، وفيه آداب، فخمْس هذا الدين آداب ؛ آداب الطعام والشراب، وآداب المجالس، آداب الطريق، آداب السفر، آداب الولائم، في كل مناسبة هناك آداب، فلا ينبغي للرجل أن يسأل امرأته أن تصف له امرأةً أخرى تحت طائلة المعصية، ولا ينبغي للمرأة أيضاً أن تصف لزوجها المرأة دون أن يطلب منها، تحت طائلة الوقوع في المعصية، يقول عليه الصلاة والسلام:

((لا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ))

وهذا التحريم من قِبل النبي عله الصلاة والسلام كما قال بعض العلماء: هو " من باب سد الذرائع إلى الفساد والافتتان بالوصف ".
ومن قبيل ذلك أحياناً أقرأ بطاقات دعوة عقد قران، فيلفت نظري أن هذه البطاقة ليس فيها آية كريمة، فأنا أعجب بهذه البطاقة، لماذا ؟ لأنك عندما تريد أن تستغني عنها يكون إتلافها سهلاً، أما إذا كان فيها آية كريمة يصبح فيها حرج شديد، وكنتَ مضطرا أن تحرقها، أو أن تقصها، فأما إذا كان لم يكن فيها آية كريمة فمن الممكن أن تكون دعوة لطيفة ورقيقة من دون آية كريمة، فالآية معروفة.
أيضاً يلفت نظري في بطاقات عقد القران يكتب على البطاقة: " كريمة فلان "، من دون اسم، لكن الاسم أحياناً يلفت النظر، فبعض الأسماء جمالية، فإذا كتبت فقد يتصور الإنسان أن صاحبة هذا الاسم كذا وكذا، والأولى أن يغفل الاسم، والسبب أن القرآن الكريم لم يذكر اسم امرأةً واحدة إلا السيدة مريم، لأنه قيل عن عيسى: إنه ابن الله، فقال الله: إنه عيسى بن مريم، واقرؤوا القرآن كلُّه من ألفه إلى يائه فلن تجدوا اسم امرأة واحدة، هذا استنباط، فإذا زوج الإنسان ابنته فليكتب في البطاقة: عقد قران الشاب الفلاني على كريمة فلان، وانتهى الأمر، وهذا أكمل، وهو من باب الآداب طبعاً.

6 – خروج المرأة من البيت لحاجة وضرورة

الآن مغادرة المرأة المنزل، الله عزَّ وجل قال:

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 33 " )

أما الذي يقول: " إن المرأة تخرج من بطن أمها إلى البيت، ومن بيت أبيها إلى بيت زوجها، ومن بيت زوجها إلى القبر " فهذا كلام غير منطقي، وغير معقول، وغير مقبول، وليس له أساس من الصحة، إنها ثلاثة خرجات بالتعبير الدارج، إلى بيت زوجها، ومن بيت زوجها إلى القبر، لا، فقد قال تعالى: 

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 33 " )

معنى ذلك: إذا خرجتن لضرورةٍ فلا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، إذاً مباحٌ للمرأة أن تخرج من البيت، لكن لحاجة، أما بلا سبب فلا يجوز، أما إذا تجول الإنسان في الطرقات للتسلية، ولو فعلها رجل أساساً فالتنزه في الطرقات مما يجرح العدالة، فإذا أراد الرجل أن يتنزه في الطرقات، وأن يرى الغاديات الرائحات، فقد جرحت عدالته، ولم تقبل شهادته، فكيف بالمرأة التي هي موطن فتنةٍ ؟ فخروج المرأة من المنزل ينبغي أن يكون لحاجة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ ))

( سنن الترمذي )

أي أن الشيطان وجد في خروجها مناسبةً لإيقاع الفتنة بها، وإن الشيطان يرى المرأة إذا خرجت من بيتها شبكةً يصطاد بها الرجال، والمرأة كما قال عليه الصلاة والسلام:

((النساء حبائل الشيطان ))

فالشيطان واثقٌ جداً من هذا الفخ الذي لا يخطئ، فالمرأة المسلمة لا تخرج من غير ضرورة، أما إذا خرجت: 

﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 33 " )

وإذا خرجت إلى الطريق لإظهار حسنها وقِوامها وثيابها فهذه عاصية ولا شك، أما إذا خرجت إلى بيت أبيها، أو إلى بيت أختها، أو لشراء حاجتها الضرورية، فهذا خروج مشروع، والله يعلم المفسد من المصلح، ويعلم حقيقة نفس كل إنساناً.
وقد ورد في صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

(( خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ لَيْلا، فَرَآهَا عُمَرُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: إِنَّكِ وَاللَّهِ يَا سَوْدَةُ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَرَجَعَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، وَهُوَ فِي حُجْرَتِي يَتَعَشَّى، وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَعَرْقًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَرُفِعَ عَنْهُ، وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ أَذِنَ اللَّهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ ))

إذاً: 

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 33 " )

ولا تبرجن إذا خرجتن، فالنبي عليه الصلاة والسلام وهو المشرّع أذن للمرأة المسلمة أن تخرج لحاجتها، قال أحد العلماء: " في هذا الحديث دليلٌ على أن النساء يخرجن لكل ما أبيح الخروج فيه، من زيارة الآباء والأمهات، وذوي المحارم، وغير ذلك مما تمسّ الحاجة إليه ". 

حضور النساء الصلاة ودروس العلم في المسجد

أما حضورهن في المساجد، فروى الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:

(( إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ ))

معنى ذلك أن الصحابيات الجليلات كن يذهبن إلى المسجد، والنبي عليه الصلاة والسلام أقرّهنّ على ذلك، ونحن من فضل الله وتوفيقه يوجد عندنا قسم للنساء، وهو مجهز بكل وسائل الراحة، وله مدخل بعيد، فقد زارنا أحد الإخوة العلماء في المسجد، وأعجب بمصلى النساء، قال: ما الذي يمنع أن يفتح هذا في الخطبة الأولى ؟ قلت له لا مانع، طبعاً المرأة لا يجب عليها أن تحضر خطبة الجمعة، فهل هي ممنوعةٌ من ذلك ؟ لا، أحياناً يأتي الأخ من ريف دمشق إلى دمشق يوم الجمعة ليحضر الخطبة، ومعه زوجته، يريد أن يأخذها إلى بيت أهلها، أو إلى مكان في دمشق، فإذا حضر مع زوجته فبإمكانها أن تصلي، أو أن تستمع إلى الخطبة يوم الجمعة، فمصلى النساء مفتوح للنساء أيام الجُمَع، والدروس كلها يمكن عندنا أن تحضرها النساء، وعندما تتلقى زوجةُ الإنسان العلم الذي يتلقاه هو يصبح هناك انسجام وتعاون، وقد يكون الإنسان مقصِّرًا في حق نفسه أحياناً، لكن لما يبيّن الزوج لزوجته حقوق الزوج فربما لا تستجيب له كثيراً، أما إذا سمعت حقوق الزوج من جهةٍ أخرى فيمكن أن تطبقها.
وكما روى الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:

(( إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ ))

النبيّ عليه الصلاة والسلام إذاً أذِن للمرأة أن تخرج من البيت إذا كانت هناك حاجة، مع مراعاة الآداب الإسلامية، والحكم الشرعي أنه: " ينبغي ألا تخرج المرأة من بيتها إلا لحاجةٍ لا تجد منها بُدًّا "، فبإمكانها أن تزور أباها، أو أمها، أو إخوتها، أو أن تشتري بعض الحاجات، أو أن تذهب إلى مجلس علم إذا كان هذا المجلس لا اختلاط فيه، وبعيد عن الرجال، مع توفُّر شروط الصون في هذا المسجد، لكن إذا أرادت المرأة أن تخرج من بيتها لحاجة فلا بد من أن تستأذن زوجها، هكذا النظام العام، روى الإمام البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما: قالَ: قال عليه الصلاة والسلام:

(( ولا تخرج الزوجة من بيته إلا بإذنه، فإن فعلت، لعنتها الملائكة، ملائكة الغضب والرحمة حتى تتوب أو تراجع ))

يُستفاد من هذا الشرط في الحديث الذي رواه الإمام البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:

(( إذا استأذنت المرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها ))

معنى ذلك أن المرأة لا تخرج إلا بإذن زوجها، إذاً لحاجةٍ وبإذن زوجها، دققوا في هذا الكلام، حينما يُطبق الرجل أوامر الله في شأن زواجه، وحينما تطبق المرأة أمر الله في شأن زوجها، فهذا الزواج فيه عوامل البقاء والاستمرار، أما إذا خرج الرجل عن قواعد الزواج والمرأة كذلك، أصبح في هذا الزواج عوامل الهدم.
إذا استأذنت المرأة أحدكم، ولأن طلب العلم فريضة على كل مسلم، فإذا كان المكان آمنًا لا اختلاط فيه، وقريبًا من البيت، ولا توجد أيّ مشكلة، فإذا استأذنت المرأة إلى المسجد فلا يمنعها، طبعاً إذا كان الخروج إلى المسجد يقتضي الاستئذان فالخروج إلى غير المسجد من بابٍ أولى، لذلك يقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث: " إن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجِّه الأمر إلى الأزواج بالإذن ".
فإذا عندنا حاجة، وعندنا إذن، هذا ديننا، فالخروج لا بد له مِن حاجة، وإذنٍ من الزوج، قال: " وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى مالها منه بُدٌ ".
إذا كان الزوج يرى أن هناك فساد كبير في هذا الخروج، وهو يرى ما لا تراه امرأته، فله أن يمنعها، ومنعها نافذ، فهذه هو النظام، فلو مؤسسة لها مدير عام، وله قرار، والقرار عند الله معلّل، يقول أحد العلماء، وهو حكمٌ شرعي: " للزوج منعها من الخروج من منزله إلى مالها منه بدٌ ".
كيف ذلك ؟ لو فرضنا أنها طلبت منه الذهاب إلى أهلها، هذا الطلب منها مشروع، لكن هو يعلم علم اليقين أن عند أهلها رجلا لا يتورَّع، ولا يتأدب بآداب الإسلام، يُبيح النظر إلى الأجنبيات كلامه معسول ونفسه " خضراء "، بالتعبير العامي، وزوجته إيمانها ضعيف، ليس عندها قوة إيمان، سهلة الانقياد، فللزوج أن يمنعها من زيارة أهلها في هذا اليوم، وبعض الأُسر لهم أُسلوب خاص في الحياة، أُسلوب التفلت، أُسلوب المُيوعة والانحلال، يكون ابن عمها، أو قد يكون ابن خالها، وهي عند أهلها، فلو طلبت الزوجة من زوجها أن تذهب إلى أبيها في ظرفٍ خاص فله أن يمنعها، لكن العلماء قالوا: " لا ينبغي للزوج منع زوجته من عيادة والديها وزيارة أهلها، لأن في ذلك قطيعةً لهما، وحملاً للزوجة على مخالفة أمر الله: 

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

( سورة النساء: آية " 19 " )

ليست المُعاشرة بالمعروف أن تمنعها أن تزور أباها وأمها، أما إذا كان هناك سبب جاز منعها من ذلك، هذا الشيء أنا أقوله لكم، وكل الكلام مبني على وقائع، فأحياناً في بعض البيوت أشخاص فاسدون، وفي بعض البيوت أشخاص يشربون الخمر، وفي بيت يكون أبوها أو أخوها شاربًا للخمر، مثلاً، أو فاسق، ويقوم بثياب متبذلة في الصيف أو بثيابه الداخلية، فلو طلبت الزوجة من زوجها أن تذهب إلى بيت أبيها، ويعلم زوجها بهذه الحقيقة فله أن يمنعها، هو القائد، وأمره نافذ، هكذا الشرع، أما أن يمنعها مُطلقاً من زيارة أبيها وأُمها، وعيادة والديها فهذا لا يجوز، قال أحد العلماء: " لا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه، ولا يحل لأحدٍ أن يأخذها إليه، ويحبسها عن زوجها، سواء كان ذلك لكونها مُرضعاً، أو لكونها قابلةً، أو غير ذلك ".
أحياناً بلا سبب مبرر يأخذ الأب ابنته إليه، ويمنعها من زوجها، والبنت تخاف من أبيها، يريد أن يغيظ زوجها، هذا عمل حرام، حرامٌ بأعلى صوت، أن تأخذ امرأةً راضيةً عن زوجها، أردت أن تؤذي زوجها بحرمانه من زوجته فأخذتها، هذا لا يجوز، هناك آباء يفعلون ذلك، وهناك أُمهات يفعلون ذلك، " لا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، ولا يحل لأحدٍ أن يأخذها إليه، ويحبسها عن زوجها، وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه، كانت ناشزةً عاصيةً لله ورسوله، ومستحقةً للعقوبة ".
هذا حكم الشرع، لكن إذا أردت أن تُطاع فأمر بما يُستطاع، فإذا أراد الله عزّ وجل لهذه المؤسسة الأسرة أن تزدهر، وسمح للزوج أن يقودها فيجب أن يقودها بحكمة، ويجب أن يقودها من دون تعسف، من دون تسلُّط، من دون قمع، من دون إرهاب، هناك أزواج كثيرون يرون أن هذه السلطة يجب أن يمارسها بقسوة، هذا اسمه الاستعمال التعسفي للسلطة، الزوج عليه أن يستخدم هذه السلطة التي منحه الله إياها، وهي القِوامة بشكلٍ معقول، وشكلٍ منطقي، وشكلٍ رحيم وحكيم، لكن لا يوجد أي مؤسسة إلا ولها قرار واحد، وقائد واحد، فالقرار في الأُسرة للزوج، وهذه هي القِوامة.
سُئل أحد العلماء عمن تزوج بامرأةٍ ودخل بها، وهو مستمرٌ في النفقة، وهي ناشز، ثم إن والدها أخذها، وسافر بها من غير إذن زوجها، فماذا يجب عليهما ؟ فأجاب: " الحمد لله، إذا سافر بها بغير إذن زوجها فإنه يعزَّر على ذلك ".
يُعاقب الأب على ذلك، فموضوع أنها ابنتك، هي كانت ابنتك، لكنها الآن زوجته، وهو السيد، وما دام لا يظلمها، وليس بينهما مشكلة، وهو يُطعمها مما يأكل، ويُلبسها مما يلبس، ولا يضربها، ولا يُهينها، ولها مسكن شرعي، فأردتَ أن تغيظه بأن تأخذ ابنتك من عنده، وأن تحرمه منها، فقد وقع هذا الأبُ في معصيةٍ يُعاقب عليها في النص الإسلامي.

7 – خروج المرأة من البيت متحجِّبةً

بقي علينا أنها إذا خرجت ينبغي ألاّ تخرج إلاّ متحجبةً، فقد قال الله عزّ وجل:

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 33 " )

التبرج أن تلقي الخمار على رأسها، ولا تشدّه، فيواري قلائدها وخِرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها، فإذا ظهر عُنُقها وقلائدها، وظهرت ضفيرة شعرها فهي متبرجة، لذلك التبرج يعني إظهار الزينة: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

( سورة الأحزاب: آية: " 59 " )


ذكر الإمام الطبري أن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تفسير هذه الآية: " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجةٍ أن يُغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة ".
ويقول محمد بن سيرين: " سألت عبيدة السلماني عن قول الله عزّ وجل: ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ )، فغطى وجهه ورأسه، وأبرز عينه اليسرى ".
هذا معنى الآية، وقال تعالى:

﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾

( سورة النور: آية "31 " )

يقول القاضي أبو السعود في النهي عن إبداء صوت الحلي، بعد النهي عن إبداء عينها: " من المبالغة في الزجرِ عن إبداء موضعها ما لا يخفى ".
حينما يبدو من المرأة ما ينبغي أن يخفى منه فقد خرجت متبرجةً، كلكم يعلم أن الثياب الضيقة تبرز حجم العورة، وأن الثياب الرقيقة تبرز لون العورة، وأن المشية غير المُحتشمة تظهر مفاتن المرأة، وأن الصوت اللين، والخضوع بالقول يغري الرجال بها، فلا بصوتها، ولا بمشيتها، ولا بضيق ثيابها، ولا برقة ثيابها، هذا كله مما نهى عنه الشرع الحكيم.
أيها الإخوة، قال عندما ربنا عزّ وجل: 

﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ ﴾

( سورة النور: آية " 31 " )

فما هو الشيء الذي يظهر منها عادةً، ولا تستطيع إخفاؤه ؟ إنّه طولها، وامتلاء جسمها، ولون ثيابها، هذا مما لا تستطيع إخفاءه، لكن الذي تستطيع إخفاءه يجب أن يخفى، وهذا ما فهمه ابن عباسٍ رضي الله عنه، وهناك أدلة كثيرة في هذا الموضوع، كما قال النبيّ عليه الصلاة والسلام فيما روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت:

(( كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا أَسْدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزَنَا كَشَفْنَاهُ ))

[أحمد]

وأخرج الإمام الحاكم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: " كنا نغطي وجوهنا من الرجال ".
وفي درسٍ آخر إن شاء الله تعالى نتابع الحديث عن الآداب التي ينبغي أن تأتمر بها المرأة المسلمة لتحافظ على سلامة الحياة الزوجية بينها وبين زوجها، وكما تعلمون أن الحياة الزوجية هي المُقوِّم الأول لسعادة الإنسان، وبقي علينا ألا تخرج متعطرةً، وألا تظهر زينتها بالصوت، وألا تختلط مع الرجال، وهذا كله إن شاء الله تعالى نفصِّل فيه في درسٍ قادم إن شاء الله.

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور