وضع داكن
20-04-2024
Logo
الأسماء الحسنى - الدرس : 19 - اسم الله الملك
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم ( الملك )

معنى اسم الله الملك

 الملك القادر على التصرف استقلالاً، الذي يملك القدرة على التصرف استقلالاً هو الملك، لا يرجع إلى أية جهة، ولا يحتاج إلى أية جهة، فعّال لما يريد، القدرة على التصرف من أسماء الذات، والمتصرف استقلالاً من  أسماء الأفعال، وقد ورد في الأثر القدسي: أنا ملك الملوك ومالك الملوك، قلوب الملوك في يدي، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن عصوني حولتها عليهم بالسخطة والنقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، وادعوا لهم بالصلاح، فإن صلاحهم من صلاحكم.

 

ليس من مالك إلا الله

 على وجه الحقيقة: ليس من مالك حقيقي لكل شيء إلا الله، أما حينما تقول: هذا البيت في ملكي، هذا ملك مجازي، أما على الحقيقة فليس من مالكٍ إلا الله، ] قُلِ اللَّهُمَّ مَاِلكَ المُلْكِ [، كل شيء يُملك مالكه الله عز وجل، هذه الحقيقة عبّر عنها أعرابي ببلاغة ما بعدها بلاغة، كان معه قطيع من الإبل، سئل: لمن هذه الإبل ؟ قال: لله في يدي.
 بيتك الذي تسكنه لله في يدك، ومركبتك التي تركبها لله في يدك، ومالك الذي في خزانتك لله في يدك، ويدك على كل شيء يد الأمانة، وليست يد الملكية.

 

 

الله ملك ومالك

 أيها الإخوة الكرام، في الأصل الملك يحكم، ولا يملك، والمالك يملك، ولا يحكم، والله عز وجل ملك، ومالك، وقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا قرأ الفاتحة يقول: مالك يوم الدين، وفي الركعة الثانية يقول: ملك يوم الدين
 الملك هو الذي يحكم، ولا يملك، والمالك هو الذي يملك، ولا يحكم، والله عز وجل ملك ومالك.
 الآن دقق، قد تملك بيتاً، ولا تنتفع به، مؤجر على القانون القديم، لا تأخذ أجرة منه تساوي ضريبته، إذاً تملك، ولا تنتفع، وقد تنتفع ببيت، وتنعم به، ولم تدفع ثمنه، وقد تنتفع ولا تملك، وفي حالة ثالثة تملك وتنتفع، ولكن  مصير البيت ليس بيدك، قد يستملك، وقد يجري تنظيم على هذا البيت فيغدو شارعاً، لكنك إذا قلت: الله مالك الملك، فهو سبحانه يملك خلقاً وتصرفاً ومصيراً، يملك خلقاً، ويملك تصرفاً، ويملك مصيراً، هو الذي خلق وهو وحده المتصرف، وإليه المصير.
 كما قلت قبل قليل: أي وصف للملكية لما سوى الله فهو وصف مجازي، لا على الحقيقة، لأن الله وحده يملك كل شيء،

 

 

أمثلة على معاني الملك

 لو توسعنا، أجهزتك من يملكها، القلب، الأوعية، الدسامات، المعدة، الأمعاء، البنكرياس، الكليتان، الدماغ، كل أجهزة الجسم، وكل أعضاء الجسم وكل أنسجة الجسم يملكها الله عز وجل، ومن حولك، ومن كان أكبر منك، ومن كان أقل منك، وأعداؤك يملكهم الله عز وجل، وأقرباؤك وأقرب الناس إليك قال تعالى:

 

 

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 26]

 بعض الأمثلة الضرورية، قد يكون لمدرسة مدير، وفيها معلمون، المدير لا يملك في المعلم كل شيء، يملك أن يجبره على أن يأتي الساعة الثامنة، وأن يدخل درسه وفق الوقت المحدد، وأن يصحح أوراقه، وأن يقدم  النتائج، لكن لا يملك هذا المدير من هذا المدرس بيته، ولا أهله، ولا نشاطه بعد الدوام، يملك جانباً ضيقاً من حياته، لكن الله عز وجل يملك كل شيء، لأن الإنسان يحتاج الله في كل شيء، بل لأن كل شيء يحتاج الله في  كل شيء، إذاً هو المالك، مدير مدرسة سيطرته على المدرسين محدودة، لكن بعد الدوام ليس له علاقة بهم، ذهبوا، أكلوا، تنزهوا، تشاجروا، اختلفوا، استلقوا في فرشهم، قرءوا، شاهدوا بعد الدوام، لا يملك من أمرهم شيئاً، لكن الذي يملك وقتك كله وهو يراك حينما تقوم، ويملك كل ما تملك، ويملك فوق ما تملك، وتحت ما تملك، ومن حولك، ومن فوقك، ومن تحتك هو الله عز وجل.

 

كل شيئ يحتاج الله الملك

 إذاً: لأن كل شيء يحتاج اللهَ في كل شيء الله عز وجل هو ( الملك )، والمالك والمتصرف والمستقل في تصرفه، ويفعل ما يشاء، وفعال لما يريد.
لذلك أيها الإخوة الكرام، كلما استغرق الإنسان في معرفة الله اكتفى به، ولم يلتفت إلى سواه، وهذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد،

 

 

كل شيئ يحتاج الله الملك

 قال خليفة كبير وعظيم لأحد العلماء في مكة المكرمة: سلني حاجتك ؟ قال: والله إني لأستحي أن أسأل في بيت الله غير الله، فلما التقى به خارج المسجد قال: سلني حاجتك ؟ قال: والله ما سألتها من يملكها أفأسألها ممن لا يملكها، فلما ألح عليه قال: أدخلني الجنة، ونجني من النار، قال له: هذه ليست لي، قال: إذاً ليس لي عندك حاجة.
 أنت حينما توقن أن الله وحده المتصرف والمستقل في تصرفه الله عز وجل لا يحتاج إلى حسن سلوك من أحد، وإذا أراد أن يعطيك لا يتوقف عطاءه على رضا زيد، أو عبيد، هو مستقل في تصرفه، مالك الملك،

 

 

من معاني المُلك في أنفسنا

 من ألطف ما جاء به المفسرون في قوله تعالى على لسان سيدنا يوسف:

 

 

﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 101]

 أيها الإخوة الكرام، بعض المفسرين رأى أن بعض الكفار يملكون، إذا كان فرعون قد ملكه الله مُلك مصر، فإذا ملك نبي ملكاً معيناً مثله كمثل أي ملك، لكن هذا المفسر يقول: أعظم ملك تملكه أن تملك نفسك، إنك إن ملكتها وصلت بها إلى الجنة، إنك إن ملكتها حملتها على طاعة الله، إن ملكتها حملتها على العمل الصالح، قال تعالى:

 

﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 101]

 سيدنا يوسف كلما تذكر موقفه العفيف من زوجة العزيز يشعر بغبطة، يشعر بانتصاره على ذاته، يشعر بأنه كان في موقف أخلاقي، يشعر بأنه أرضى الله عز وجل:

 

﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 101]

 أعظم أنواع المُلك لك أيها المؤمن أن تملك نفسك، لذلك قال بعض زعماء العالم الغربي عقب الحرب العالمية الثانية: ملكنا العالم، ولم نملك أنفسنا.

 

العبد لا يملك

 هناك نقطة دقيقة، العبد لا يملك، لأن استقلاله في ملك الغير يحتاج إلى استقلاله في ملكه، ولأنه لا يملك شيئاً من ذاته، ولا من أعضائه، ولا من أجهزته، ولا من أنسجته، ولا ممن حوله، إن كان عاجزاً عن ملك نفسه فهو عن أن يملك الغير أعجز، إذاً حينما نوقن أن المُلك بيد الله نتوجه إليه وحده، دقق تريد أن تأخذ تأشيرة خروج إلى بلد معين، أخبرك أحد الموظفين أن التأشيرة لهذا البلد محصورة بيد المدير العام، ولا يستطيع أيّ موظف في الهجرة والجوازات أن يمنحك هذه التأشيرة، هل ترجو غير المدير العام ؟ هل ترجو غير مَن بيده الأمر ؟ هل تبذل ماء وجهك لإنسان لا يملك أن يوافق لك على هذه الهجرة ؟ أنت حينما توقن أن الله مالك الملك تتجه إليه، وتعرض عن غيره.

 

 

أمثلة على معاني الملك المتصرف

 لكن أيها الإخوة الكرام، أوضح معنى من معاني الملك المتصرف، وأوضح معنى من معاني الملك الرازق، في أدلة كثيرة، قال تعالى:

 

 

﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾

 

[ سورة القصص: الآية 7]

 في هذه الآية أمران ونهيان وبشارتان، هل يعقل أن امرأة تخاف على ابنها الرضيع، لأنها تخاف عليه تخاف عليه من نسيم يمر عليه يقول لها:

 

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾

 

[ سورة القصص: الآية 7]

 ماذا يستنبط ؟ أن هذا الصندوق الخشبي بيد الله، مالك الملك، المتصرف، ولا تخافي، ولا تحزني، هذان نهيان:

 

﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾

 

[ سورة القصص: الآية 7]

حظنا من اسم الله الملك

 لذلك أيها الإخوة الكرام، المؤمن الصادق ثقته بما في يد الله أوثق بما في يديه، لذلك المؤمن غني، يأتي غناه من أن ثقته بما في يدي الله أوثق منه بما في يديه.
 ومرة سئل بعض العلماء الكبار، وهو من التابعين الأجلاء الحسن البصري: " بمَ نلتَ هذا المقام ؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي ".
فأنت أيضاً حينما تتأثر بهذا الاسم تستغني عما في أيدي الناس، وتصبو إلى ما عند الله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام، نقرأ اسم ملك يوم الدين، ومالك يوم الدين في كل ركعة في الفاتحة، وحينما توقن أن الله مالك الملك لا تبذل ماء وجهك لغيره، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ))

 

[أحمد]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور