وضع داكن
24-04-2024
Logo
الأسماء الحسنى - الدرس : 20 - اسم الله الهادي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم ( الهادي )

الله الزم نفسه الهداية

 ولا بد من إشارة إلى أن أيّة آية وردت كلمة ( على ) قبل لفظ الجلالة يعني ذلك أن الله ألزم نفسه بهذا الشيء، ألزم ذاته العلية تطميناً لنا
مثلاً:

 

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾

 

( سورة هود الآية: 6 )

 الله عز وجل ألزم ذاته العلية برزق مخلوقاته.

﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾

( سورة الليل )

 ألزم ذاته بهداية خلقه.

 

﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾

 

( سورة النحل الآية: 9 )

 وعلى الله بيان سبيل القصد، لأن الهدف معرفة الله، والطريق إليه، هذه الآية الأخيرة تعني أن على الله سبحانه وتعالى أن يبين لعباده الوسائل لبلوغ الهدى.
 أيها الإخوة، الله ( الهادي )، فيجب أن تعتقد لو أن في الإنسان رغبة لا تزيد على واحد من مئة مليون في الهداية لهداه الله عز وجل، لا تقلق على أحد، والدليل

 

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾

 

( سورة الأنفال الآية: 23 )

 إنسان يسكن في أقصى الأرض، في الألسكا، وفي نفسه رغبة في معرفة الله، الأمور تجري حيث إنه يكلف بعمل في منطقة فيها هدى، ويلتقي مع من يحسن هدايته، فيهتدي، وكل واحد منا له قصة هداية، أحياناً يلتقي مع صديق، أحياناً يقرأ كتابًا، أحياناً يطّلع على شيء، أحياناً يسوق الله له شيئاً، كل واحد منا له قصة هداية.

 

أنواع الهداية

 أيها الإخوة، أنواع الهداية لا تعد ولا تحصَى

 

 

هداية الكون

 أول هداية، وأكبر هداية هذا الكون، كل ما فيه يشفّ عن أسماء الله الحسنى ترى في الكون علمه، ترى في الكون حكمته، ترى في الكون قدرته، ترى في الكون غناه، ترى في الكون حلمه، إذا فكرت في خلق  السماوات والأرض تقترب من معرفته اقتراباً كبيراً، لأن التفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه على الله، وأقصر طريق إليه، فالكون يهدينا إلى ذاته العلية، الكون قرآن صامت، وهو أكبر شيء ثابت  يؤكد الوجود والوحدانية والكمال، ويؤكد معنى الخالق والرب والمسيّر، ويؤكد معنى الربوبية والألوهية، والكون عالمي، أنت لا تفهم كتاباً بالإنكليزية إلا إذا أتقنت اللغة الإنكليزية، ولا تفهم كتاباً بالعربية إلا إذا أتقنت اللغة  العربية، لكن هذا الكون عالمي، يستطيع كل إنسان أن يقرأ ما فيه.
 والقراءة أيها الإخوة، نحن إذا قلنا: كلمة قراءة ينصرف الذهن إلى كتاب أمامنا، ونقرأ منه، لكن القراءة أوسع من هذا بكثير، أحيانا يسأل مذيع في الأخبار مراسلا فيقول: حدث اليوم كذا وكذا، كيف تقرأ هذا الحدث ؟  الحدث شاهده بعينه، لكن الحدث رسالة، وكيف تقرأ أنت هذه الرسالة ؟ فكل إنسان بإمكانه أن يقرأ الكون، وكل أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى موجودة في الكون، ويستحيل أن نرى الله.

 

﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾

( سورة الأنعام الآية: 103 )

 وسهل جداً أن نصل إليه بعقولنا، قلت: نصل، ولا نحيط، نصل إلى البحر بمركبة، لكن هذه المركبة لا تستطيع أن تخوض في البحر، هذه هداية، فآياته الكونية دالة عليه ، وهذه أكبر هداية، وهذه هداية لكل البشر، والمتعصب لدين أو اتجاه، أو مذهب لا يقبل أن تعطيه كتاباً، أو أن تسمعه شريطاً، أو أن تلقي عليه محاضرة، لكنه ينظر في الكون، ففيه آيات باهرات.
 لكن بالمناسبة، أيها الإخوة، ما لم تتخذ قراراً عميقاً ذاتياً بالبحث عن الحقيقة فلن ينفعك الكون إطلاقاً، إنها قضية رغبة وصدق، وكمفارقة حادة يمكن أن يهتدي الإنسان ببعرة، بآثار قَدم، بماء، الماء يدل على الغدير، والبعرة على البعير، والأقدام على المسير، ومن لم يبحث عن الحقيقة لو كان في أكبر محطة فضاء ( ناسا ) فلا يعرف الحقيقة، وهو يرى كل يوم المجرات بأم عينه، وقد يكون معه مجهر إلكتروني فيرى الخلية، هناك  صور لدقائق في خلق الإنسان لا يكاد يصدقها العقل، ويمكن ولا يهتدِي، هو قرار إن اتخذته فأي شيء يدلك على الله، وإن لم تتخذه فلا شيء في الأرض يدلك على الله، هذه هداية الكون.

 

هداية الفطرة

 هناك هداية أخرى:
 أنت مجبول ومفطور على الإيمان بالله، وعلى طاعته، وعلى حب الكمالات التي أرادها الله منك، هكذا جَبَلك، هكذا فطرك، وهذه أكبر هداية، حينما تستجيب لدعوة الله ترتاح نفسك، ويطمئن قلبك، فتتوازن، وتشعر براحة.
 الهداية الثانية: أنه فطره وجبلك على الإيمان به، وعلى طاعته، ففي اللحظة التي تؤمن به، وتطيعه تحس أن جبالاً أزيحت عن كاهلك، لأنك عدت إلى الفطرة، وعدت إلى أصل جبلتك.

 

 

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾

 

( سورة الحجرات الآية: 7 )

 فأنه حبب الإيمان إليك، وكره إليك الكفر والفسوق والعصيان، هذه هداية من نوع آخر، تلك هداية استدلالية، والأولى هداية استدلالية، أما الثانية فهداية نفسية،

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾

هداية بكلامه

 أيها الإخوة، باب آخر من أبواب الهدى: هداك بكلامه، 600 صفحة، فيها كل شيء، فيها أخبار الأقوام السابقة، فيها المستقبل البعيد، فيها ما بعد الموت، فيها وصف للجنة، وصف للنار، فيها الأمر والنهي، فيها مشاهد من الدار الآخرة، فيها آيات كونية، هذا الكتاب أيضاً هداية ما بعدها هداية، خلقه آيات كونية، وكلامه آيات قرآنية.

 

هداية بأفعاله

 وهناك هداية أخرى، أفعاله، أفعاله، آيات تكوينية، حينما يخالف الإنسان أصل الخلق يدفع الثمن باهظاً، حينما أطعموا البقرة طحين الجيف، وقد أرادها الله أن تكون نباتية أصيب البقر بالجنون، فاضطروا أن يضحوا بثلاثة  وثلاثين مليار جنيه إسترليني حينما أحرقوا عددًا من الأبقار لا يعد ولا يحصَى، رباهم الله بأفعاله.
أحياناً يكون هناك فسق، وفجور، وانحلال، وتفلت، فتأتي الأعاصير، أو تأتي الزلازل:

 

 

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾

 

( سورة هود )

 هذه هداية بأفعاله، لكن كنت أقول دائماً: ابدأ بكونه، بخلقه، وثنِّ بكلامه، واترك الهداية بأفعاله إلى المرحلة الثالثة، لماذا ؟ لأنه لا يمكن أن تفهم أفعاله إلا بحالة مستحيلة، إلا أن يكون لك علم كعلمه، لكن المستقبل يكشف  هذه الحكمة، إذاً ابدأ بخلقه، وثنِّ بكلامه، وانتهِ بأفعاله.
 أيها الإخوة، هدايته أحياناً هداية استدلال، وهداية إخبار، أحيانًا تجد آلة، تتأمل فيها، تجد أن الألوان التي طليت بها جميلة جداً، فيها ذوق رفيع، والآلة صوتها هادئ جداً، فيها مخمدات صوت، والآلة استخدامها سهل، وهذا تفوق كبير في صنع الآلة، وكلما تعقد استخدام الآلة كان مستواها متدنّيًا، وكلما سهل استخدام الآلة كان مستواها مستعليًا، إذاً أعطاك آلة، فلك أن تستنبط منها الشيء الكثير، وجعل مع هذه الآلة نشرة، فالكون يمكن أن تستدل منه على حقائق لا تعد ولا تحصَى عن الذات الإلهية، ولكن لا بد من بيان، لا بد من إخبار، والقرآن وما صح من السنة هداية إخبارية، كهذه التعليمات المطبوعة، لك أن تستنبط من هذه الآلة آلاف الأشياء، وهناك أشياء لا بد من أن تخبَر بها، فالآلة لها مأخذ كهربائي، يا ترى تعمل على 220 فولتًا، أم على 110 ؟ هذه قضية دقيقة جداً، أنت لا تستنبطها استنباطاً، الآلة مغلقة، ودقائقها في داخلها، لا بد من إخبارك أنها تعمل على التيار 220 فولتًا.
 أيها الإخوة، إذاً الهداية منوعة، هداية استنباطية، استقرائية، استدلالية، وهداية إخبارية، فالقرآن يمثل الهداية الإخبارية، وصف للجنة، للنار، أمر، نهي، وصف لأنبياء الله السابقين، والكون هداية استنباطية.
 يمكن أن تهتدي بفطرتك، ويمكن أن تهتدي بخلق الله، ويمكن أن تهتدي بكلامه، ويمكن أن تهتدي برسوله، جعل الأنبياء أعلامًا، جعلهم قمم البشر، منحهم الحكمة، والعلم ، إذاً والأنبياء أيضاً أحد أكبر وسائل هداية العباد.

 

هداية بالمعالجة

 عندنا شيء آخر، أحياناً الله عز وجل يهدي عباده بالمعالجة النفسية، بالانقباض أو الانبساط، يقول لك أحدهم: أنا متضايق، يبحث عن السبب، أحياناً يري عبده المؤمن رؤية تحذيرية، أو يريه رؤية تبشيرية، فالرؤى أيضاً نوع من الهداية، هداك بالكون، هداك بخلقه، هداك بكلامه، هداك بأفعاله، هداك برسله وأنبيائه، هداك بالدعاة الصادقين، هداك بالفطرة، هداك بالانقباض والانبساط، هداك بالرؤى، إذاً:

 

 

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 282 )

 معنى الآية: لأن الله يعلّمكم، يعلمكم بأساليب منوعة وكثيرة، إذاً:

 

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾

 

( سورة الحشر الآية: 282 )

مراتب الهداية

 لكن قال بعضهم: الهداية أربع مراتب:

 

هداية إلى المصالح

 أولاً: هداك إلى مصالحك، حينما يأكل الإنسان طعاماً ساماً يتقيؤه، فالتقيؤ رفض الطعام المؤذي، وحينما تنام يتولى عنك تشغيل أجهزتك، فالتنفس آلي، ولسان المزمار آلي، والتقلب آلي، والهضم آلي، الهداية الأولى: هداك إلى مصالحك، ومنعكس المص في الوليد آلي، وليس هناك قوة في الأرض يمكن أن تعلم مولوداً ولد لتوه كيف يضع شفتيه على حلمة ثدي أمه، ويحكم الإغلاق، ويسحب الهواء، إنها آلية معقدة جداً، سماه العلماء منعكس المص.
 فأول هداية: هداك لمصالحك، تقف لأن عندك جهاز توازن، لو مِلت قليلاً تصحح الميلان، هذا الجهاز لا يبدأ عمله عند الطفل إلا بعد الشهر الثالث، أما قبل الشهر الثالث لو وضعته أمه في حجرها، ومال يتابع الميل حتى يقع، لكن بعد الشهر الثالث إذا مال قليلاً صحح، صار عنده جهاز توازن، والحديث عن خلق الإنسان شيء لا يكاد يصدق، هداك إلى مصالحك، هذه الهداية الأولى.
 وهدى الحيوانات، رأى أحدهم في بستان قنفذًا يأكل أفعى، كلما أكل منها قطعة ذهب إلى نبات وأكله، هذا البستاني ـ وأقول: سامحه الله ـ قلع هذه النبتة، فتابع الأكل، وذهب ليأكل من هذه النبتة فلم يجدها فمات، القنفذ، هداه إلى نبات يعينه على هضم الأفعى، هذا شيء في الحيوانات واضح جداً.
 إذاً هداك إلى مصالحك، هذه أول هداية، مثلاً: العظام إذا انكسرت تلتئم ذاتياً، ليس هناك إنسان تذهب إليه وقد كسر جزء في مركبته يقول لك تلتحم وحدها، هذا مستحيل، أما الله عز وجل صمم العظام بطريقة أن الخلية العظمية إذا هجعت، ثم كان الكسر تستيقظ، ويلتئم العظم المكسور.
 لي قريب كان يرفع حاجة ثقيلة، فقطع الوتر في عضلة اليد، وقد ركِب من حوله الهمُّ، فذهب إلى الطبيب، قال له: يلتحم بعد حين ذاتياً، وهذا الذي حصل.هداك إلى مصالحك.

 

 

هداية إلى ذاته بالوحي

 ثم هداك بالوحي إلى ذاته، هناك وحي، هناك قرآن، هناك إنجيل، هناك توراة، هناك زبور، هناك صحف موسى، صحف إبراهيم، هداك بالوحي هذه الهداية الثانية.
الآن:

 

 

﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾

 

( سورة فصلت الآية: 17 )

 هداية الوحي

 

هداية إلى التوفيق

 لكن هناك هداية التوفيق:

 

 

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

 

( سورة الكهف )

 هذه هداية ثالثة، أنت اهتديت إلى الله، تحتاج إلى مجلس علم تأوي إليه،هداك إلى مجلس علم، تحتاج إلى مال تنفقه، أعطاك المال، تحتاج إلى زوجة تعينك على دينك، هيأ لك زوجة، هذه هداية التوفيق

 

هداية إلى الجنة

 ثم يهديك إلى الجنة، وهذه نهاية المطاف.

 

 

فهم خاطئ عن هداية الله

 لذلك أيها الإخوة، الله جل جلاله من أسمائه الحسنى أنه ( الهادي )، فهذا الذي تقول له: متى تصلي يا فلان ؟ يقول لك: حتى يهديني الله، هذا كلام غير علمي، كلام فيه جهل، الله عز وجل هداك، وانتهى الأمر، بقي عليك أن تستجيب.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور