- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن والأربعين من دروس سورة الأنعام ، ومع الآية الثانية والعشرين بعد المئة، وهي قوله تعالى :
﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(122) ﴾
أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ
﴿أَوَمَنْ﴾
الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى حينما يستخدم أسلوب الإنشاء، هنا استفهام :
﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾
الحكمة من استخدام أسلوب الإنشاء
الحقيقة أنه يمكن أن تملي على إنسان حقيقة، أن تملي عليه شيئاً، لكن البطولة أن تجعله يفكر معك، وأن يتوصل إلى الحقيقة بنفسه، والشيء الذي تصله بنفسك أعمق أثراً بآلاف المرات من الشيء الذي يُملى عليك، لذلك هذا الأسلوب يحتاجه الآباء، يحتاجه المعلمون، يحتاجه المرشدون، يحتاجه الموجهون، يحتاجه الدعاة، يحتاجه القادة، بدل أن تملي اطرح سؤالاً، واجعل المسؤول يفكر معك، فإذا فكر معك، وتوصّل هو بذاته إلى النتيجة، كنت رائعاً في توجيهك .
قال شاب في عهد النبي عليه الصلاة والسلام بكل جرأة ، بل بكل وقاحة : يا رسول الله ، ائذن لي بالزنا ، كأن تقول لإنسان موكل بحفظ الأمن: ائذن لي أن أقتل فلان، هذا تحدٍّ ، فالصحابة غضبوا، قال: دعوه، تعال يا عبد الله ـ تعلموا من رسول الله أصول الدعوة ـ قال: أتريده لأختك؟ فاحمر وجه الفتى، وقال: لا، قال: ولا الناس يريدونه لأخواتهم، أتريده لأمك؟ أتريده لابنتك ؟ لعمتك ؟ لخالتك؟ قال: كُفيت، فلما خرج هذا الشاب قال: والله دخلت على رسول الله وما شيء أحب إلي من الزنا ، وخرجت من عنده وما شيء أبغض إلي من الزنا .
(( إن فتى شابا أتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ))
فأنت كأب، كمعلم، كموجه، كمرشد، يعني أنت مدير مستشفى اجمع الأطباء، قل لهم: عندنا مشكلة، كيف نحلها؟ كيف ؟ عندك حل جاهز، ومتفوق، وعلمي، وإداري، و صحيح، أما عندما تعرض المشكلة أمامهم، وتأخذ أراءهم في حلها، والآراء تُناقش، ثم يتوصل الجميع إلى الحل الذي أنت تريده، هذا الحل لم يفرض عليهم، بل نبع من قناعتهم، عندئذٍ يطبقونه، هذه الشورى في المصطلح الإسلامي، في المصطلح المعاصر الديمقراطية، هذا هو الحوار، الله عز وجل كان من الممكن أن يقول: المؤمن حي، والكافر ميت، انتهى الأمر، هذا مضمون الآية، المؤمن حي، قلبه حي، والكافر قلبه ميت، هذا مضمون الآية ، لكن الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ(30) ﴾
فالذي حُكم عليه بالموت ميّت، والذي مات ميْت. الآن :
بين الحياة المادية والحياة الروحية
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ
أراد الله أن يبين الله لنا أن هناك حياة أرقى بكثير من حياة المادة، أرقى بكثير من أن تأكل، وتشرب، وتنجب، وتنام، وتستمتع .
لو أخذنا أعلى مستوى في الحياة المادية: بيتًا يصعب وصفه، من اتساعه، وجماله، وإطلالته، وأثاثه الرائع، والطعام والشراب، وكل ما لذ وطاب، وجميع الأجهزة، المَركبات بأنواعها، والطائرة الخاصة بأنواعها، ما الفرق بين هذا المخلوق الذي يتمتع بأعلى مستويات الحياة، وبين مخلوق من البهائم، يأكل، ويشرب، وينجب، ويستمتع بالحشيش كما تستمتع أنت بأعلى أنواع الطعام أيضاً هذه حياة .
فمادامت حياتنا مادية فطبيعة الحياة المادية واحدة، لكنها على مستويات، الأغنياء والأقوياء لهم حياة من مستوى أعلى، لكن تبقى حياة من نوع حياة الكائنات الأخرى، أما حينما تتعرف إلى الله، أما حينما تكتشف سر وجودك، حينما تكتشف أنك المخلوق الأول في الكون، وحينما تكتشف أن الكون مسخر لك، وحينما تكتشف أن الله خلقك لحياة أبدية فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حينما تكتشف أن في الجنة من النعيم ما لا يوصف، وحينما تكتشف أن هذه الحياة الأبدية أسبابها بيديك، ثمنها طاعة الله عز وجل، وأن هذا المنهج منهج من عند خالق الإنسان، منهج متناسب مع طاقتك، مع إمكاناتك، أما حينما تتصل بأصل الجمال، حينما تتصل بالقوي، حينما تتصل بالغني، حينما تتصل بالرحيم، حينما تتصل بالحكيم، وتتخلّق بالكمال الإنساني تشعر أنك حي، وأن الناس كما قال الله عز وجل :
﴿ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ
إله يصف الناس هكذا: ﴿أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾
﴿ وَمَا يَسْتَوِى ٱلْأَحْيَآءُ وَلَا ٱلْأَمْوَٰتُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ ۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍۢ مَّن فِى ٱلْقُبُورِ
مرة التقيت بمندوب شركة، وحدثته قليلاً عن الله عز وجل، فقال لي بالحرف الواحد: هذه الموضوعات لا أهتم لها، ولا ألقي لها بالاً، ولا تعنيني لا من قريب ولا من بعيد، أنا يعنيني أشياء ثلاثة، امرأة جميلة، وبيت جميل، ومركبة جميلة، وانتهى الأمر ، فما رأيت كلمة تصدق عليه كقوله تعالى :
أي لو فحصت جسمه كان الضغط 8 على 12، والنبض 70، كل التحليلات طبيعية، هو عند الطبيب يتمتع بأعلى درجة من الصحة ، لكنه عند الله ميت
فالآية تشير إلى نوع من الحياة تليق بالإنسان، تليق بالمخلوق المكرّم ، والدليل :
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَٱعْلَمُوٓاْ
لذلك هذه الحياة المشتركة بيننا وبين بقية المخلوقات هذه حياة لا تليق بنا، لكن الإنسان حينما يحمل همّ الأمة، وحينما يقلق لمصير المسلمين، وحينما يقوم بكل طاقاته للتخفيف عنهم، ولتحقيق بعض أهدافهم، حينما يغار على وضع المسلمين، يكون عند الله حياً، وعندئذٍ يُقدَّس في السماوات والأرض، الله عز وجل وصف أهل الشرود عنه حينما يموتون :
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ
ما بكى عليه أحد، إن لم يفرح الناس بموتهم، لأن كل يوم هناك قرار بالقتل والاغتيال، وهدم البيوت، وترويع الآمنين، والحصار، كل يوم، فلما أُصيب بمرض ينطبق عليه كلام النبي عليه الصلاة والسلام قال رأى جنازة فقال :
(( مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ، فَقَالُوا : مَا المُسْتَرِيحُ ، وَمَا الْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟ قَالَ : الْعَبْدُ الْمُؤمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدّنْيَا وَأَذَاهَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشّجَرُ وَالدّوَابّ ))
يعني انتهى من التكليف، يعني لا يوجد خبر سار .
والله أحياناً يجلس بعض الإخوة في جلسة من تداول الأخبار السيئة والضغوط، والتهديدات، وقلق ارتفاع العملة، وقلق، وقلق، وقلق، وقلق الحصار، وقلق هذا، والبطالة المقنعة، وارتفاع مستوى البطالة، وغلاء الأسعار، والحصار، وما إلى ذلك، الجالسون لا تقوى أقدامهم على حملهم من شدة الإحباط، هذه الدنيا :
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26) ﴾
فلذلك أيها الإخوة، هذه الحياة الدنيا متعبة، حياة كدح، وحياة بذل جهد، وحياة قهر أحياناً، وحياة فقر أحياناً، يوجد فقر، ويوجد قهر، ويوجد اجتياح، ويوجد حرب أهلية، ويوجد غلاء أسعار، ويوجد بطالة، ومشكلات لا تعد ولا تحصى، أما هؤلاء الذين توهّموا أنهم في قمة النعيم، اطمئِنوا:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) ﴾
في ضوء هذه الآية لو أن واحداً في الأرض كان معرضاً عن الله، وكان بمقياس السعادة سعيداً هذا مستحيل وألف ألف مستحيل، لأن كلام الله حق :
﴿ لَّا يَأْتِيهِ ٱلْبَٰطِلُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ إذاً الله عز وجل يقول: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ بمعرفتنا، أحييناه بالهدى، أحييناه بالاتصال بنا، أحييناه بأنه نقل اهتماماته للآخرة، أحييناه بأنه يسعى :
﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ(55) ﴾
امرأة بارعة الجمال، السيدة الأولى بالقصر، زوجها عزيز مصر، يوسف شاب في ريعان الشباب، يتقد نشاطاً وقوةً وحيويةً، وهو عبد مأمور عند هذه السيدة، وقد عرضت عليه نفسها، وقالت :
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ
العوامل التي تدفعه إلى أن يلبي حاجة جسمه أنه شاب، وأنه أعزب، وأنه غريب، وأنه عبد، وأن التي دعته سيدته، وليس من صالحها أن تفضحه، وأن الحاجة عنده موجودة، ماذا رأى حتى قال: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ﴾
ولو كان مكان هذا الشاب مليون شاب لوجدوا هذا غنيمة لا تفوت، هذا النور الإلهي، الآن المجرم لماذا أقدم على هذه الجريمة؟ لأنه أعمى، لا يرى، وليس في قلبه نور، توهم أنه مال كثير بجهد قليل، ويغتني إلى نهاية الحياة، بعد عشرين يومًا عُلقت مشنقته، وشُنق، ما رأى هذه النتيجة، رأى الغنى فقط ، فهو أعمى، لذلك الدعاء الذي ندعو به دائماً:" اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه "
الآن الإنسان في ظلمة الحياة، في تداخل الأمور، في كثرة الشبهات ، في كثرة الضلالات ، في استعار الشهوات، في كثرة الشبهات، في الأيام الصعبة، في آخر الزمان ، يوم يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر، في هذا الوقت الصعب، هو في أمسّ الحاجة إلى نور الله، يُلقى في قلبه فيريه الحق حقاً والباطل باطلاً .
لذلك الله عز وجل ينتظر منا أن نبحث عن حياة أخرى غير الحياة المادية التي يحياها معظم الناس، الله عز وجل ينتظرنا منا أن نبحث عن حياة تليق بنا، عن حياة تكون وصلة للحياة الآخرة، أن تكون النعم في الدنيا متصلة بنعم الآخرة، عن حياة فيها سعادة، فيها طمأنينة، فيها أمن، فيها إقبال على الله، لذلك قال تعالى :
﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ هذا التخبط .
﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(22) ﴾
يعني أحياناً هناك لعبة يلعبها الصغار، يضعون على عين أحدهم عصابة، فيمشي كالأعمى، قد يتعثر ، قد يقع، قد يصطدم بآنية، بشيء، بحائط، بباب، الإنسان من دون اتصال بالله أعمى ، قال تعالى :
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) ﴾
وكل إنسان يقترف معصية، ولا يرى الخالق العظيم فهو أعمى.
﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات ﴾
الله عز وجل يقول:
﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ في ظلمة الشهوات، وقد جاءت الظلمات جمعًا، ظلمة الشهوات، وظلمة المعاصي، وظلمة القلق، وظلمة الخوف، وظلمة الحقد، وظلمة الحسد، وظلمة الشعور بالقهر، وظلمة الإحباط ، كل مرض نفسي ظلمة.
لكن أنت كإنسان ، لك من الجماد أنه لك وزن، وحجم، وأبعاد ثلاثة، ولك من النبات النمو، ولك من غير الإنسان من المخلوقات الحركة، فإذا اكتفيت بخصائص الجماد والنبات والحيوان فقد هبطت عن مستوى إنسانيتك، ما لم تفكر، ما لم تستخدم هذه القوة الإدراكية، ما لم ترتقِ إلى الله، ما لم تتعرف إلى الله ، ما لم تستقم على أمره، ما لم تعرف سر وجودك، ما لم تعرف غاية وجودك ، ما لم تتحرك نحو الله .
﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ
ما لم تعمل عملا تقدمه بين يديك يوم القيامة، ما لم تؤمن أنك مخلوق للآخرة، ما لم تنضبط بمنهج، الكلمة القاسية فلست من بني البشر .
مرة كان عندنا أستاذ في الجامعة من أشد الأساتذة في علم النفس علماً، فلما أحيل على التقاعد أقيم له حفل كبير، وحضرت هذا الحفل، وألقيت كلمات تكريمية عديدة، أما حينما وقف، وألقى كلمة فلا زلت أذكر هذه الكلمة، قال: الإنسان الذي لا يجد فيه حاجة إلى أن يُحِب، ولا إلى أن يُحَب فليس من بني البشر، أفلا تحب الله ؟ وقد ذكر وقتها أن أعلى مستويات الحُب أن تحب الله، ثم أن تحب أنبياءه، ثم أن تحب أهلك، زوجتك وأولادك وإخوانك، فالحب من صفات الإنسان، فلا تحي حياة لا تليق بك، لا تحيَ حياة نباتية، ولا تحيَ حياة حيوانية
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ
الله عز وجل وصف الإنسان في بعض الآيات: ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
ووصفهم :
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (4) ﴾
الآية الثالثة :
﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث
﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ(50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ(51) ﴾
قد يهبط الإنسان عن مستوى إنسانيته حينما لا يبحث عن الحقيقة، ولا يتعرف إلى الله، ولا ينضبط بمنهج الله، ولا يسعى لجنة عرضها السماوات والأرض .
إذاً:
(( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ))
﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ(123) ﴾
والحمد لله رب العالمين