- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع والأربعين من دروس سورة الأنعام.
من سنة الله في خلقه الصراع بين الحق والباطل :
ومع الآية الثانية عشرة بعد المئة، وهي قوله تعالى :
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ(113) ﴾
أيها الإخوة، هناك سؤال كبير يراود بعض المؤمنين: لماذا سمح الله للطرف الآخر أن يتهجّموا على الدين، وأن ينالوا منه، بل أن يتطاولوا على نبي المسلمين، بل على كلام رب العالمين؟ أليس الأمر بيد الله ؟ لماذا يسمح الله لأعداء الحق أن ينالوا من أهل الحق ؟
الإجابة عن هذا السؤال الكبير في هذه الآية، يبدو أن لله حكمةً بالغةً بالغةً في أن يكون هناك صراعٌ بين الحق والباطل، هذا من سُنّة الله في خلقه، وإذا أردنا أن نستشفّ الحكمة يبدو أن الحق لا يقوى إلا بالتحديات، وأن أهل الحق لا يتحركون إلا إذا واجهوا التحديات، وأن الدور الذي يقوم به أهل الباطل دورٌ إيجابيٌّ للحق من دون أن يشعروا، ومن دون أن يريدوا.
المعركة بين الحق والباطل أرادها الله عز وجل :
أحياناً يكون للطالب قريبٌ ينافسه، لا شيء يدفع هذا الطالب إلى متابعة الدراسة، وإلى التفوق من هذا الذي ينافسه، ويتمنى أن يكون من المُخفِقين في دارستهم، إذاً: الحكمة البالغة أن الله أراد أن تكون معركة الحق والباطل أزلية أبدية، هذا قدرنا، وهذا اختيار الله لنا، ونحن لا نقوى إلا بالتحدي، لا نقوى إلا بالمعارضة، لا نقوى إلا بمن يُقلّل من قيمة ما تحمل من حق، الطرف الآخر همه الأول أن يُقلل من قيمة الحق، وأن يجعله عملاً يومياً، قد يُعزى الحق إلى عادات وتقاليد، وفلكلور، وموروثات ثقافية ورثناها عن الآباء والأجداد .
الحقيقة أن المعركة بين الحق والباطل أرادها الله عز وجل، يعني بشكل بديهي، أليس بالإمكان أن يخلق الله أهل الباطل في قارة، وأن يخلق أهل الحق في قارة؟ لا يوجد صدامات، ولا يوجد مماحكات، ولا يوجد تراشق تهم، كل أناس لهم قارة، لكن أراد الله عز وجل أن يكون الحق والباطل في مكان واحد، وفي مدينة واحدة، وفي حي واحد، بل وفي أسرة واحدة .
يبدو أن هذه المفارقة بين الحق والباطل تقوّي الحق وتصونه عن أن يخطئ، لو أنك في عمل، ولك منافس قوي، هذا المنافس يتصيّد أعمالك، لوجود هذا المنافس، لوجود هذا العدو، لوجود هذا الذي يتربّص بك أنت حريص على ضبط أمورك، قد لا يكون الحرص على الضبط إلا بوجود هذا المنافس، لذلك ينبغي أن تستسلم لحكمة الله، أراد الله أن يكون ثمّة حق وباطل، وخير وشر، ومُنصِف وجاحد، ومُحسن ومُسيء، وصادق وكاذب، هذه يمكن أن نسميها الاثنينية
إذاً:
هناك تناقض كبير بين الحق والباطل فهما لا يجتمعان :
إذاً في الأصل إن كنت ـ لا سمح الله ولا قدر ـ مع الباطل فأنت عدو للحق وأهله، شئت أم أبيت، إن كان الإنسان مع أهل الباطل، أو إن كان الإنسان مُبطِلاً، أو يؤمن بشيء غير صحيح، يؤمن بالشهوة لا بالمبدأ، يؤمن بالمصلحة لا بالقيمة، يؤمن بالدنيا لا بالآخرة، يؤمن بأن الحياة هكذا والقوي هو المتمتع بالحياة، وأن الحق مع القوي، وأن القوي تخضع له الرقاب، وقوله الحق، وعدوانه حق، وسِلْمه حق، إن كان الإنسان مُبطِلاً يؤمن بالباطل فهو عدو لأهل الحق، والذي مع الحق لا يقبل أهل الباطل، لأن هناك تناقضاً كبيراً بين الحق وبين الباطل، فهما لا يجتمعان، تماماً لو قلت: ظلام ونور، لا يجتمعان، هذان شيئان متناقضان، وجود أحدهما ينقض الآخر، لذلك نبي كريم وهو في قمة الكمال البشري، ومع ذلك لا بد له من أعداء
فلذلك أيها الإخوة، لا تقلقوا، هي معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، لكن لحكمة أرادها الله عز وجل في زمن من الأزمان يقوى أهل الحق، وتكون الكلمة العليا لهم، وفي زمن آخر يقوى أهل الباطل وتكون الكلمة العليا لهم، وهذا مصداق قوله تعالى :
﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ
الله عز وجل فطر الإنسان على معرفة الحق وحبّه :
فقد تمر البشرية بوقتٍ الكلمة الأولى والعليا لأهل الكفر والشرك والعدوان، وقد تمر البشرية بأزمانٍ تكون الكلمة العليا لأهل الحق وأهل الأديان .
فلذلك حينما ترى أن هذه سنة من سنن الله عز وجل هذا يخفّ عليك طرح أسئلة لا تنتهِي، أين الله؟ الله عز وجل من امتحاناته الصعبة أنه يقوّي الكافر، ويقوّيه، ويقوّيه، إلى أن تتوهّم أنه يفعل ما يريد، ولا أحد بإمكانه أن يردعه عن خططه، بل إن ضِعاف الإيمان ينطقون بهذا، الذي تريده الدولة الفلانية لا بد من أن يقع، وكأن هذه الدولة جُعلت إلهاً يُعبَد من دون الله، فإلى أن يقول ضعاف الإيمان: أين الله؟ تأتي آية الله الباهرة، عندها يقول كبار الكفار: لا إله إلا الله، الله عز وجل كبير، وله امتحانات صعبة، وأقول لكم ونحن في هذا الوقت: نمر بأصعب الامتحانات الصعبة التي شاءها الله للمسلمين، كل قوى الشر تحارب المسلمين، تسفّه دينهم، تتهمهم بالقتل، بالتخلف، بالإرهاب، بالعدوان، بالجهل، بالفقر، بالفوضى، يصنعون الفوضى لنا، ونُتَّهم بها، يصنعون التفجيرات من الداخل، ويتهمون هذا الدين العظيم، لذلك هذه الآية :
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ طبعاً الإنس والجن زمرتان من مخلوقات الله مُخيّرة، معنى مُخيّرة أي مُكلّفة، أُودِعت فيها الشهوات، وُضع لها منهج، وأُمرت أن تسلك هذا المنهج، لذلك :
﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ(31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(32) ﴾
﴿
كل القيم الباطلة تعرض عرضاً مزخرفاً :
أيها الإخوة
على كلٍ ما من دعوة إلى الباطل إلا تُغلّف بغلاف مزخرف، يعني الحرية كلمة رائعة لكن نقصد فيها أن نفعل ما نشتهي من دون قيد أو شرط، لك أن تفتح محلاً تعرض فيه كل المحرمات، لك أن تفتح ناديّاً ليليّاً، هذا من الحرية، وأن تجلب الراقصات، وأن تجلب المومسات، وأن تقول: هذه حرية للإنسان، له أن يفعل هذا أو هذا، لك أن تفتح كل منافذ الأمراض الوبيلة كالإيدز، ثم نصرخ: لماذا وصلنا إلى هذه النسبة العالية جداً في مرض الإيدز ؟
الغرور أن تتوهم شيئاً واقعه عكس ما توهمت :
الحقيقة أيها الإخوة، نحن أمام كلام مزخرف لا يصمد أمام التحقيق الدقيق، والواقع الذي يفصم الأمر فصماً كاملاً :
لذلك قد يُغر الإنسان ببعض المبادئ الهدامة، كالاختلاط، يقول لك: حضارة، المرأة نصف المجتمع، تعليم مختلط، علاقات مختلطة، كل شيء مختلط، الحقيقة هي دافع شهواني عميق جداً عند الرجال، لكن يُعرض عرضاً لطيفاً أنه بدافع تحرير المرأة، وإخراجها من بوتقتها، وإخراجها من عزلتها، هذا الذي يُطرح في الأوساط الشعبية حول ما يسمى بتحرير المرأة، مع أن الإسلام أعطاها كل حقوقها كاملة .
كلمة:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) ﴾
أحياناً الدنيا تغر، وتضر، وتمر، ففي البدايات الإنسان يرى الدنيا شيئاً كبيراً جداً، يحلم بالمرأة، يحلم ببيت له هندسة خاصة، يحلم بدخل مرتفع، يحلم بمركبة معينة، يحلم بأولاد نجباء، يعيش في الأحلام، لكن بعد حين حينما تُحدَّد حياته، وتصبح محصورة في زوجة معينة، وبيت معين، وأولاد معينين يُصدم، لذلك الغرور أن تعطي الشيء حجماً أكبر من حجمه، هذا الغرور.
رسم الله عز وجل منهجاً في العلاقة بين الأنثى والذكر وهو الذي يعلم أسباب السلامة :
يعني إذا قال طالب لطالب: لا تدرس، سنقدم للأستاذ هدية قبل الامتحان بيومين فيعطينا الأسئلة، هذا شيء مريح جداً، ألغى الدراسة، أمضى وقته في النوم، وفي متابعة المسلسلات، وفي الطريق مع أصحاب السوء، وفي دور السينما، فلما جاء الامتحان وطرقا باب المدرس كي يعطيهما الأسئلة صفعهما وطردهما، الآن صحا .
الغرور أن تعيش في وهم، أن تعيش في حلم، أن تعيش في شيء غير صحيح، الغرور تماماً كأن تكون لك دعوى عند قاض، ويقول لك أحدهم: هذا القاضي يقبل الهدية، قدم له هدية ويحكم لك، فلما أردت أن تقدم له الهدية ردك أصعب رد، وحكم عليك، فصحوتَ، فالبطولة أن تصحو قبل فوات الأوان.
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45) ﴾
وهو الذي يعلم أسباب السلامة ، وأسباب السعادة .
إذاً: كلمة:
البطولة أن تستوعب كلام الله وسنة رسوله لتكون قادراً على تقييم ما يطرحه أهل الباطل :
إذاً :
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22) ﴾
يعني الإنسان مخيّر، وهناك أهل الباطل يوسوسون له الباطل مزخرفاً، وهناك أهل الحق يلقون إليه الحق ناصعاً، وأنت مُخيّر، إما أن تستجيب لزخرفة أهل الباطل، أو أن تستجيب لنداء أهل الحق:
مواقف من كيد أعداء الإسلام للإسلام :
يعني في الحقيقة أيها الإخوة، الآن نحن أمام طروحات ضلالية لا تنتهِي ، وهناك هجمة ـ واللهِ ـ على الإسلام لا يصدقها العقل، فيما مضى تناولت السنة الآن وصلت إلى القرآن، وصلت إلى الوحي، وصلت إلى نبي الإسلام، يوجد تهجم كبير جداً، هم يلقون هذه الوسوسات مزخرفة، وفيها غرور كبير، وأخطار الباطل الحقيقية مُعتّم عليها، وثمة أشياء براقة تبرز أمامنا لتستجيب لها النفس، هذا من كيد أعداء الإسلام للإسلام .
مثلاً: إذا ألّفت قصة لعمل فني، البطل الإيجابي تُسقط عليه كل القيم الأخلاقية، من نجدة، من مروءة، من شهامة، لكنه يشرب الخمر، لكنه يجلس مع نساء حاسرات الرؤوس، وبقية أعضائهن مكشوفة، هذا الإنسان البطل ما عنده قيود إطلاقاً، ما عنده شيء اسمه حرام، لكن من جهة أخرى تُسقط عليه بعض القيم الأخلاقية، فالصغير يتعلق به، الفتاة تتعلق بامرأة متفلتة تماماً، لكنها سيدة أنيقة، وسيدة لها مكانة اجتماعية، هذا أسلوب من أجل تحطيم الحق، وهذا نوع من الكيد .
الحقيقة قضية أن تهاجم الإسلام مباشرة هذه قضية انتهت، لأن أعداء الإسلام أيقنوا أنه لا سبيل إلى مواجهة مع الإسلام، لكنهم أيقنوا أنه يمكن أن يفجَّر هذا الدين من داخله، تصطنع نماذج غير مقبولة، فتقوم بعمل أنت تخرج من جلدك منه ويُنسب إلى المسلمين، هذا أكبر تحطيم للحق، أن تصطنع عملاً لا يرضَى عنه إنسان في الدنيا، ويُنسب إلى المسلمين، فكلما كان هناك مجتمع موالي للمسلمين يصنعون فيه عملاً، فيُقتل البريئون قتلاً عنيفاً بلا سبب، ويُقتل مواطن مسلم بلا سبب، ويُنسب هذا إلى المسلمين، فهناك كيد كبير الآن للمسلمين، وهذا الكيد لا يتخذ صورة كلام بل هو أفعال لا يحتملها إنسان، تنسب إلى المسلمين، حتى يسبّب هذا العمل نقمة عارمة على المسلمين في كل أنحاء العالم ، قال الله عز وجل :
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ﴾
إله عظيم يصف مكر أعداء الحق بأن مكرهم تزول منه الجبال .
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) ﴾
حينما يواجه الدعوة الإسلامية تحدٍّ فهذا التحدي ينشط الدعوة إلى الله :
أيها الإخوة الكرام، الذي يحصل بعد هذه الآية أن
﴿ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ
كل علاقاتك مع من حولك أساسها إدراك ثم انفعال ثم سلوك :
إذاً هذا امتحان، والإنسان المؤمن بالآخرة تصور الجنة وما فيها من نعيم مقيم، وتصور النار وما فيها من عذاب لا يحتمل، لذلك يوازن بين هذه المتعة الطارئة، ألا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً، يرفض هذا، وأيّ إنسان يؤمن بالآخرة يرفض هذه الدعوة المزخرفة التي تغر الإنسان، والتي تخفي أخطار المعصية، وتبرز متعتها فقط، والحقيقة الواقعية المعاصي فيها متعة، والمعاصي مُحبّبة للإنسان، فأهل الباطل يبرزون المتعة فقط، ويخفون العواقب، المتعة تزول وتبقى العواقب، وجهد الطاعة ينقضي، ويبقى بعد جهد الطاعة الثواب والجنة، لذلك هذه الزخارف من القول، وهذا التغرير بالناس، وهذا الباطل المزين، من يصغي إليه ؟
أنت تمشي في بستان، وجدت أفعى، إذا أدركت أنها أفعى، أولاً أدركت أنها أفعى تتحرك، تضطرب، فالإدراك أولاً، والاضطراب ثانياً، والسلوك ثالثاً، فإما أن تقتلها، وإما أن تهرب منها.
إذاً: كل علاقاتك مع من حولك أساسها هذا القانون، إدراك، انفعال، سلوك، الآن إذا كان هناك إدراك، ولم يكن هناك انفعال، فالإدراك غير صحيح .
يعني قال لك شخص ما: على كتفك عقرب، فبقيت هادئاً تماماً، والتفت إليه، وابتسمت، وشكرته على هذه الملاحظة، معنى ذلك أنك لم تدرك ماذا قال لك، لأن من علامة صحة الإدراك الانفعال، ومن علامة الانفعال أن تقفز، وأن تخلع معطفك الذي على كتفك، إذاً هذا قانون، إدراك، انفعال، سلوك، الله عز وجل قال :
المؤمن وقاف عند كتاب الله :
إذاً حكمة ربنا من هذا الباطل المزخرف المُزين هو ليفرز من يدّعي أنه مؤمن، وليس كذلك ممن يكون مؤمناً حقاً، المؤمن الحق لا يضحي بالآخرة أبداً ، لا يضحي بالآخرة من أجل متع رخيصة، ولا من أجل شهوة عابرة .
فالمؤمن الذي أيقن بالآخرة لا يضحِي بها من أجل متعة رخيصة، هذا هو المقصود من هذا الابتلاء، الباطل مُزين، وطِّنوا أنفسكم، كل يوم هناك كتاب، وكل يوم هناك محاضرة، وكل يوم هناك ندوة، وبالإنترنت، وبالنوادي الثقافية، وبالمحاضرات، هناك دعوة إلى الباطل، دعوة إلى نبذ أحكام الله عز وجل، هناك كلام مزين مزخرف رائع، هذا لقاح لكم، فوطّنوا أنفسكم على هذا، نحن في عصر الشبهات، في عصر الضلالات، في عصر الكلام المزخرف، في عصر إخفاء أخطار الباطل وإبراز إيجابيات ليست صحيحة، بل هي خلّبية .
إذاً: المؤمن وقاف عند كتاب الله، مرجعيته كلام الله، مرجعيته سنة رسول الله، أما أهل الباطل فيمرحون ويسرحون بالصحف وبالمجلات وبالندوات وبالمنتديات وبالإنترنت وبالمؤلفات وبالكتيبات، وبالمحاضرات يوجد طرح يناقض منهج الله عز وجل، وهذه الآية توضح ذلك تماماً :
(( والله يا عمّ ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتى يظهره الله أو أهلك دونه ))
المؤمن عنده ثوابت وعلى رأسها كلام الله :
المؤمن عنده ثوابت، وعلى رأس هذه الثوابت كلام الله :
﴿ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ
هذا كلام خالق الأكوان، هذا كلام خالق الإنسان، هذا كلام الخبير، هذا كلام العليم، هذا كلام الذي عنده أسباب سعادتنا وسلامتنا، فينبغي على الإنسان ألا يؤخذ بما يقرأ من مجلات ومن صحف، وبما يُدعى إليه من ندوات ومحاضرات، هذه في بعضها الأكثر يدعو إلى مناقضة ما في الكتاب والسنة.
(( إِنَّ اللهَ تعالى لا يجمَعُ أمتي على ضلالَةٍ ، و يدُ اللهِ على الجماعَةِ ))
الباطل قد يكون غريباً .
(( بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيباً وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ))
أناس صالحون في قوم سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم، فيجب أن نعلم أننا نحن في معركة الحق والباطل، وهذه معركة أزلية أبدية، فوطّنوا أنفسكم على طرح ضلالات لا تعد ولا تحصَى، وعلى تهجم على هذا الدين، وعلى كتابه الكريم، وعلى نبيه عليه أتم الصلاة والتسليم، واعلموا علم اليقين أن هذا كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن الإنسان كلما تعمق في فهم كلام الله ازداد إيماناً وازداد قوة على ما يُطرح من ضلالات في الساحة التي يعيش فيها .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين