وضع داكن
25-04-2024
Logo
الأسماء الحسنى - الدرس : 07 - اسم الله الحكيم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، و هو اسم ( الحكيم )، و لكن لابد من مقدمة.

مقدمة:تصنيف العوالم:

 الحمد لله رب العالمين،هذه العوالم هل يمكن أن تصنف ؟ يمكن،

الصنف الأول: الجمادات:

 أول صنف فيها الجمادات، جبال، وديان، صخور، أكمات، بحار، جمادات، لو أردنا أن نصنف الجمادات، شيء يشغل حيزاً، له وزن، و له أبعاد ثلاثة، هذا الجماد، لكن ضع هذه القطعة على هذه الطاولة مئات السنين لا تتحرك، و لا تنمو، و لا يمكن أن تفاجأ بشيء فيها جديد، هذا الجماد، الجماد سكوني.

 

الصنف الثاني : النبات:

 هو النبات، أيضاً شيء يشغل حيزاً، و له وزن، و له أبعاد ثلاثة، إلا أنه يتميز على الجماد بأنه ينمو، تكون فسيلة، فإذا هي شجرة عملاقة تنمو، فالجماد مسير:

 

 

﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾

 

[ سورة الزلزلة ]

 أي أمرها، فالجمادات كلها مسيرة، ليس لها خيار إطلاقاً، المعدن يتمدد بالحرارة، لا يوجد معدن بساعة من ساعات العناد لا يتمدد ؟ لا يوجد معدن مكلف، ومعدن غير مكلف، المعادن تتمدد بالحرارة، الحرارة تحيل الأجسام الصلبة إلى سائلة، والسائلة إلى غازية، كل الكون مسير، ولا يحيد عن أمر الله قيد أنملة.
النبات أيضاً مسير، يوجد قوانين، تزرع بزرة تفاح فتكون شجرة تفاح، تزرع بزرة أجاص فتكون شجرة أجاص، لا يوجد أبداً مفاجآت، قوانين دقيقة جداً.

 

الصنف الثالث: الحيوان:

 الحيوان: شيء مادي يشغل حيزاً، و له أبعاد ثلاثة، و ينمو كالنبات، ويتحرك، الحيوان يمشي، مستحيل أن تضع طاولة في البيت، و تستيقظ فإذا هي في غرفة ثانية، هذا مستحيل.

 

 

الصنف الرابع: الإنسان:

 لازلنا في الأشياء الجامدة والنباتية والحيوانية، الإنسان: الإنسان فيه من الجماد شيء، مادة تشغل حيزاً، و لها أبعاد ثلاثة، و لها وزن، تقف على الميزان، ثمانون، سبعون، ستون، مئة وعشرة، ويوجد أبعاد ثلاثة، طول، عرض، ارتفاع.
 ففي الإنسان من الجماد جانب، هذا الجانب مسير كالجماد تماماً، كل قوانين الجماد تنطبق عليه، أمسك بصخرة، و ألقها من مكان مرتفع تسقط، ائت بإنسان، و ادفعه من الشرفة يسقط كالجماد تماماً، و يوجد في الإنسان من النبات شيء، يكون طفلاً فيصبح عملاقاً، ويوجد من الحيوان فيه شيء، يمشي، بماذا يتميز ؟ بالعقل، الإنسان يتميز بالفكر، فما الفكر ؟ الفكر اختيار من البدائل، الجماد لا يوجد له اختيار، و النبات لا يوجد له اختيار، والحيوان لا اختيار له، قوانين دقيقة جداً تحكم هذه العوالم، الإنسان أمام عدة خيارات، بإمكانه أن يصدق، أو أن يكذب، يختار أن يؤمن أو يكفر، يعطي أو يمنع، يخلص أو يخون، فلأن العقل هو جهاز يختار بين البدائل العديدة، هذا الإنسان.

 

 

من هو الحكيم:

 

 الآن دخلنا في موضوع ( الحكيم )، أنت تعمل في تمديد الكهرباء، مفتاح الغرفة، عندك بدائل ممكن أن يكون مع الأرض، يمكن أن يكون في أعلى الحائط، يمكن أن يكون بعد مترين، أو بعد أربعة أمتار إذا كان كهذا المسجد، أو بعد نصف متر، يوجد خيارات، فأنت اخترت مترًا و نصفًا، لأن لك عقل، و أمام خيارات، فاخترت شيئاً، الإنسان مكلف فيما خُيّر، و جانبه المادي مسير، و جانبه النباتي مسير، و جانبه الحيواني مسير، يوجد قوانين دقيقة جداً تحكم هذا الجسم، لكن منحه عقلاً العقل، فيختار بين البدائل، يكون الإنسان حكيماً إذا اختار الشيء المناسب في الوقت المناسب، بالقدر المناسب، في الظرف المناسب.
 الإله العظيم قد يكون الإنسان أمام عدة خيارات، لكن الإله العظيم أي مليار مليار مليار خيار يملكها الله تختار أكمل شيء، الآن دخلنا في موضوع ( الحكيم )، كل شيء وقع أراده الله، كل شيء أراده الله وقع، إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، و الحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، وليس في الإمكان أبدع مما كان، خلق الإنسان كامل، خلق الحيوان كامل، خلق النبات كامل، خلق الجماد كامل، خصائص المعادن، خصائص النباتات، خصائص الحيوانات، كل شيء كامل، فربنا عز وجل حكيم، بمعنى اختار من ملايين البدائل أكمل شيء.
خَلْق الإنسان كامل، خلق أيّ حيوان كامل، خلق أيّ نبات كامل، خلق الجماد كامل،

فمعنى ( الحكيم )

المعنى الأول: المُحكم:

 ( الحكيم ) هو المُحكم، كالأليم أي مؤلم، وزن فعيل بمعنى مُفعل، فأول معنى من معاني الحكيم أنه مُحكم، أي صنعته متقنة، متقنة لدرجة تفوق حد الخيال، والله لو أتيح لكم أن تروا عجائب خلق الإنسان من الداخل كان الشيء الذي لا يصدق، الأوعية و الشرايين، و الأعصاب و العظام، و العضلات و الغدد الصماء، والغدة النخامية ملكة الغدد، جميع الغدد الصماء تأتمر بأمرها، وزنها نصف غرام، الغدة النخامية، تفرز تسعة هرمونات، أحد هذه الهرمونات هرمون النمو، يوجد أرقام من الحموض الأمينية لا تصدق، و ذرات الكون بأكمله لا يمكن أن ينتج منها ذرة حمض أميني صدفة من شدة التعقيد.
إذاً معنى حكيم أي مُحكم، أي متقن:

 

﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾

 

[ سورة النمل: الآية 88]

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾

[ سورة التين: الآية 4]

 إنسان يكون مستلقيًا يستيقظ فجأة، تتم عمليات بالغة التعقيد في جسمه، لو أنه وقف فجأة الدم ينبغي أن يتجه نحو الأسفل بفعل الجاذبية، تقوم دسامات، و تبقي الدم في الرأس، إنسان في الستين أو السبعين أحياناً يقف فجأة فيقع، يكون هناك نقص تروية بالدماغ، لأنه يوجد شوا رد فتضعف، و الله لو بالإمكان أن أشرح دقائق في خلق الإنسان لرأيتم العجب، لكن و الله لا المكان يسمح، و لا الوقت يسمح، و لا طبيعة الإلقاء الشفهي يسمح، أما إنه شيء لا يصدق، فالله عز وجل حكيم أي مُحكم،

 

المعنى الثاني: يتنزه عما لا ينبغي:

 وحكيم أي يتنزه عما لا ينبغي، كل شيء وقع وقع بحكمة، كل شيء وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، و كل شيء وقع لو لم يقع لكان عدم وقوعه نقصاً في حكمة الله.
  هذه الفكرة تملأ النفس رضا، يوجد بالحياة شرور، لكل واقع حكمة، دققوا في هذا الكلام، هذا الكلام قد يفسر كل ما يجري في العالم، شيء وقع حكمة، و قد يكون المُوقع مجرماً، لكن لأنه وقع ففيه حكمة نعرفها أو لا نعرفها، الأحداث الكبرى أحداث أيلول، الاجتياحات، الحروب، لا يليق بمقام الألوهية أن يقع في ملك الله ما لا يريد، المجرم يوقع الشر، لكنه شر موظف للخير:

 

 

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ﴾

 

[ سورة الأنفال: الآية 59]

 معنى سبقوا أنهم فعلوا شيئاً ما أراده الله، أو أنهم تفلتوا من قبضة الله، إذاً خطة الله تستوعب خطط الأقوياء، القوي يفكر، و يخطط، و يتخذ قراراً، و يجمح، و يجمع، و يطرح، و يقسم، و يضرب، و كل ما يفعله ضمن خطة الله:

 

﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾

 

[ سورة الأنفال: الآية 17]

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

[ سورة الفتح: الآية 10]

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ﴾

[ سورة الزخرف: الآية 84]

 أي هذه الفكرة مع الأحداث المؤلمة، و مع الضغط على المسلمين يجب أن تعلم أن الذي وقع سمح الله به، لحكمة نعرفها أو لا نعرفها، أو عرفها من عرفها، و جهلها من جهلها، و الأيام في المستقبل تكشف حكمة الله لما جرى، ويجب أن تقول في النهاية: الحمد لله رب العالمين.

 

حقيقة:

 هذه حقيقة دقيقة جداً، أعيدها ثانية: كل شيء وقع أراده الله، و كل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، و الحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، فالذي يبدو لك شراً هو شر نسبي، بالنسبة لك، أما بالنسبة لمستقبلك فليس شراً.

 

 

مثلاً:

 يوجد قريبة، والقصة من أربعين سنة، قريبة قدمت طلباً كي تكون معلمة، فطولبت بفحص لصدرها، فذهبت إلى مستشفى، و تم فحصها، و النتيجة أنها مصابة بمرض السل، وعلمت الخبر المؤلم، و بكت، و بكت دماً،  و خاف أهلها منها، أعطوها أدوات خاصة، وابتعدوا عنها خوف العدوى، وهذا البكاء الشديد، وهذا الألم الذي لا يحتمل حملها على التوبة إلى الله، وعلى أن تتحجب، وعلى أن تقرأ القرآن، وعلى أن ترضي الله عز وجل، ثم ذهب أخوها إلى المستشفى، فإذا بالنتيجة ليست لها، لغيرها، لكنها تابت، فلذلك أيها الإخوة الكرام، قضية أن تؤمن أن كل شيء وقع أراده الله هذه قضية أساسية في الإيمان، يلغى الحقد، يلغى الندم، يلغى اليأس، يلغى الخنوع، يجب أن تعلم أن هذا الإله العظيم الذي أمرك أن تعبده الأمر كله بيده:

 

 

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾

 

[ سورة الزمر: الآية 62]

 هذه المقولة مرة ثالثة احفظها، و لن يتألم مؤمن إذا فهمها: كل شيء وقع أراده الله، و كل شيء أراده الله وقع، و إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، و الحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق:

 

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 26]

ما قال: بيدك الخير و الشر، بيدك الخير المطلق، إنك على كل شيء قدير،

علاقتنا بهذا الاسم:

 أما المؤمن ما علاقته بهذا الاسم ؟ ينبغي أن يتقيد بتعليمات الحكيم، إذا تقيد بتعليمات الحكيم كان حكيماً، وإذا ألقاها وراء ظهره كان أحمق، و الإنسان إذا أعرض عن ربه عدو نفسه، وما من مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن تعليمات الحكيم، والخروج عن تعليمات الحكيم سببه الجهل، و الجهل أعدى أعداء الإنسان، لا تعتقد أن أوامر الدين قيد لحريتك، اعتقدها ضماناً لسلامتك، اعتقدها من عند الصانع، من عند الخبير، من عند الحكيم، و الإسلام دين الفطرة، و دن التوازن، و دين الوسطية، و ليس فيه حرمان، و ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها.

 

مصادر الحكمة:

 يوجد تعليق آخر، المؤمن بتطبيق تعليمات الحكيم يكون حكيماً، و باتصاله بالحكيم يكون حكيماً بفطرته، يوجد حكمة تأتي من تطبيق منهج مكتوب، و يوجد حكمة تأتي من إدراك نفسي، إن كان اتصالك بالله قوياً فأنت حكيم، و قد استقيت الحكمة من الاتصال بالله:

 

 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 159]

 وأي اتصال بالله يورث الحكمة، أو إذا طبقت تعليمات الحكيم تطبيقاً دقيقاً فأنت حكيم:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

[ سورة الأعراف: الآية 180]

 ] فَادْعُوهُ بِهَا [، بمعنى أنك تشتق منه كمالاً تجعله وسيلة إلى الإقبال على الله عز وجل.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور