وضع داكن
29-03-2024
Logo
الأسماء الحسنى - الدرس : 13 - اسم الله الجبار
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، و هو اسم ( الجبار )

الصفة بحسب الموصوف تكون مدح أو ذم

 بادئ ذي بدء، قد نصف امرأة بأنها كريمة من مال زوجها، وهذه صفة ذم لها، وقد نصف رجلاً بأنه كريم، وهذه صفة مدح له، أحياناً الصفة نفسها تكون لجهة ذماً، ولجهة مدحاً، لو قلنا: إنسان متكبر، الإنسان إذا تكبر  يتكبر بغير الحق، لأنه ضعيف، ولأنه فقير، و لأنه جاهل، فكبره بالباطل، أما إذا قلنا: الله كبير فمهما عرفت عن عظمته فهو أعظم، مهما عرفت عن قوته فهو أقوى، فرق كبير بين أن تصف إنساناً بأنه متكبر، والمتكبر اسم من أسماء الله الحسنى.

 

معنى الجبار

 

المعنى الأول: الجبار هو العالي الذي لا يُنال

 الآن ( الجبار )، معنى الجبار في اللغة الشيء العالي الذي لا يُنال، نقول: نخلة جبارة، أي لا يستطاع أن نصل إليها فنقطف ثمارها، العالي الذي لا ينال، قالوا:

 

﴿ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ﴾

 

[ سورة المائدة: الآية 22]

 والإنسان الجبار قوي، وعنيد، وممتنع، والجبار هو المتعاظم، لا نقول: العظيم، متعاظم يتصنع العظمة، ومتكبر، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

 

(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ))

 

[أبو داود، ابن ماجه، أحمد]

صفة الجبار في الإنسان صفة ذم له

 لأنه يعلو على العبودية، ويستنكف أن يكون خاضعاً لله، أو خاضعاً لحكم الله

 

الجبار الحقيقي هو الله

 ولكن القوي الحقيقي الذي لا يُنال، والذي يفعل ما يريد، والذي لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، ولا يستطيع الكافر أن يسبق، إنه في قبضة الله، وإن فِعله كله بإرادة الله عز وجل له ،

 

 

كل شيء خطر في بالك فالله بخلاف ذلك

 الجبار الحقيقي هو الله، هو الذي لا تناله الأفكار، و لا تحيط به الأبصار، ومهما وصفت الله عز وجل فهو غير ما وصفت.
 كل شيء خطر في بالك فالله بخلاف ذلك، الجبار الحقيقي هو الله، لأن جهة في الأرض لا يمكن أن تحيط به، و لا يمكن أن تعرفه، بل حتى الأنبياء يعرفونه معرفة نسبية، ولا يعرف الله إلا الله، فالجبار الله الذي لا تناله الأفكار، ولا تحيط به الأبصار.

 

 

المعنى الثاني: الجبار هو المصلح للأمور

 الجبار كأن تقول: فلان وقع، واللهُ جبر كسره، جبر ضعفه فقواه، وجبر فقره فأغناه، الجبار هو المصلح، ومنها المقولة الشهيرة: ما عُبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر، كعظم مكسور جبره ترميمه.
فالمعنى الأول: الجبار الذي لا يُنال، لا تحيط به الأفكار، ولا تناله الأبصار، ولا تدركه العقول إدراكاً شمولياً.
المعنى الثاني: الجبار هو المصلح للأمور.
 لو أن الله عز وجل أصلح حال واحد لكان جابراً، إنه جبار، الجبار يصلح شأن عباده كلهم، يجبر الفقير فيغنيه، معظم أغنياء العالم كانوا فقراء جداً، يجبر الفقير فيغنيه، و يجبر الضعيف فيقويه، و يجبر الجاهل فيعلمه، و  يجبر المظلوم فينصره، وأن تقول: يا جبار، يقولها التاجر أحياناً، يا جبار أصلح لي أمري، اجبر عني هذه البضاعة، أعنّي على بيعها يا جبار، كلمة جبار من عبد فقير لخالق السماوات والأرض كلمة لها معنى خاص، الخائف إذا قال: يا جبار يؤمّنه، المظلوم إذا قال: يا جبار ينصفه، الفقير إذا قال: يا جبار يغنيه، الضعيف إذا قال: يا جبار يقويه.

 

 

المعنى الثالث: الجبار يقصم الظالم

 يوجد معنى آخر، الجبار يقصم الظالم، وينجي المظلوم، يوقف الطاغية عند حده، وينجي من معه من ظلمه أيضا ً.

 

 

المعنى الرابع: الجبار الذي يفعل ما يشاء

  والجبار أيضاً هو الذي يفعل ما يشاء: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
 ( الجبار ) يُكرِه خلقه على إرادته ومشيئته، مرة امرأة بعيدة عن الله بُعد الأرض عن السماء ، جبارة، تريد أن تكره كل من حولها من الفتيات على نزع الحجاب، وبالغت في إيذاء المحجبات، وبعد حين رئيت محجبة، والذين رأوها طربوا أشد الطرب لتوبتها، وعودتها إلى الله، ولكن الحقيقة ليست كذلك، فقد أصيب شعرها بمرض عضال، فاضطرت أن تضع قماشاً على رأسها كي تستر المرض الذي أصاب شعرها، فلما طلبت من الطبيب أن تضع شعراً مستعاراً قال: لا، هذا يحدث لك حساسية، ضعي الخمار، الله عز وجل أجبرها على أن تتحجب مكرهة، أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
 يروي لي أحد الأقرباء الذين غادروا الدنيا قبل أربعين عاماً أنه كان بالشام طبيب وحيد نسائي، لا يخرج من عيادته للمعالجة إلا بليرة ذهبية، وعربة، لأنه لم يكن هناك سيارات، فإذا كان لامرأة ولادة عسرة كانوا يضطرون إلى بيع الفراش من تحتها ليقدموا له الليرة الذهبية، ويأتون بالعربة ليصل إلى بيتها، وجمع ثروة طائلة، لكن بناها على قهر الناس، واشترى بيتاً في حي من أرقى أحياء دمشق، بناء كامل من الحجر، والحجر مزخرف، ولا يزال موجوداً، أصيب بشلل عام فزوجته تحملته قليلاً، ثم ما لبثت أن وضعته في القبو في البناء وحده، ترسل له الطعام مع الخادمة، ولا تطلّ عليه في الشهر مرة، فلما ظهرت رائحته الكريهة، وتأذى بها المارة نقلته إلى بيت بعيد خارج دمشق إلى أن مات، فإذا كان الإنسان جباراً يقصمه الله عز وجل، أحياناً الجبار يقصم.
الله عز وجل هو ( الجبار )، اسم الجبار أي يوقف ظلم الجبابرة كان وينجي الناس من ظلمه.
 إذاً أيها الإخوة الكرام، إذا كنت ضعيفاً فقل يا جبار، وإذا كنت فقيراً فقل: يا جبار، و إذا كنت ـ لا سمح الله ولا قدر ـ مريضاً فقل: يا جبار اشفني، وإذا كنت مظلوماً فقل: يا جبار انصفني، وإذا كنت مشرداً فقل: يا جبار آوني.

 

 

المعنى الخامس: الجبار يجبر القلوب المنكسرة ويقصم جبروت الجبابرة

 المصلح، المصلح يجبر القلوب المنكسرة، يجبر الخواطر، يجبر ضعف الإنسان، ويقصم جبروت الجبابرة.
أيها الإخوة الكرام، قصص قصم الجبابرة لا تعد ولا تحصى، وهي موعظة ما بعدها من موعظة،

 

 

أسماء الله كلها محققة في الدنيا، إلا اسم العدل فهو محقق جزئياً فيها

 والله عز وجل أسماؤه الحسنى كلها محققة في الدنيا، إلا اسم العدل فهو محقق جزئياً، بمعنى أن الله يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، ولكن رصيد الحساب يوم القيامة، قال تعالى:

 

 

﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 185]

 لذلك ما من إنسان إلا ويرِد النار:

 

﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾

 

[ سورة مريم: الآية 71]

الفرق بين ورود النار و دخولها

 ورود النار شيء، ودخولها شيء آخر، الذي يَرِد النار لا يتأثر بوهجها، ولكن ليرى مكانه فيها لو لم يكن مؤمناً كي تتضاعف سعادته في الجنة، والذي يرد النار يرى الظُلام فيها والجبابرة والمستكبرين ليتحقق عنده اسم العدل، لذلك أيها الإخوة الكرام، عالم واحد من بين مئات العلماء يعتقد أن الإيمان باليوم الآخر دليله عقلي، أما تفاصيله فإخباري، أصل الإيمان باليوم الآخر عقلي، والسبب أن في الدنيا غنياً وفقيراً، وهل من المعقول لإنسان أن يستمتع بألوان الطعام وبألوان الشراب، ويسكن أجمل قصر، وأجمل بيت، ويركب أجمل مركبة، وإنسان يكاد يموت من الجوع، لا يجد مأوى، وتنتهي الحياة هكذا !؟ هناك غني وفقير، وقوي وضعيف، وصحيح ومريض، و وسيم وذميم، وهكذا تنتهي الحياة ؟! لا بد من تسوية الحسابات، فلذلك بئس العبد عبد طغى و بغى، و نسي المبتدأ والمنتهى، ونسي الجبار الأعلى.

 

التجبر ذنب عظيم

 أحدهم كان يطوف حول الكعبة، ويقول: رب اغفر لي ذنبي، ولا أظنك تفعل، فقال له مَن وراءه في الطواف: يا هذا، ما أشد يأسك من رحمة الله ؟ قال: ذنبي كبير، قيل: ما ذنبك ؟ قال: كنت جندياً في قمع فتنة، فلما قمعت أبيحت لنا المدينة، فدخلتُ أحد بيوتها، فرأيت فيها رجلاً وامرأة، فقتلت الرجل، ومع المرأة ولدان صغيران، وقلت لامرأته: أعطني كل ما عندك، فأعطتني كل ما عندها، فقتلت ولدها الأول، فلما رأتني جاداً في قتل الثاني أعطتني درعاً مذهبة أعجبتني، فإذا عليها بيتان من الشعر، ما إن قرأتهما حتى وقعت مغشياً علي، البيتان:

 

 

إذا جار الأمير وحاجبــــاه  وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويــــــل  لقاضي الأرض من قاضي السماء
***

 لذلك الذي يسفك الدماء، هؤلاء الطغاة يقصفون، يهدمون البيوت، يميتون الآلاف، ويدعون أن إطلاق نار صدَر مِن عندهم كذباً وبهتاناً، هؤلاء قال تعالى

 

 

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾

[ سورة إبراهيم: الآية 42]

 ويظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً.

 

حاجتنا إلى اسم الله الجبار

 أيها الإخوة الكرام، اسم ( الجبار ) نحتاجه جميعاً، يحتاجه كل إنسان، قل: يا الله، يا جبار، يا جبار أنصفني، أكرمني، أغنني، علمني، هذا معنى يا جبار، فالجبار هو العالي الذي لا ينال، والجبار هو الذي يصلح الأمور، والجبار هو الذي يفعل ما يريد، والجبار الحقيقي هو الله، و( الجبار ) اسم من أسماء الله الحسنى، أما إذا وصفنا إنسانًا بأنه جبار فهذا معنى أن الله سوف يقصمه.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور