وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0967 - الإشاعات - التحقق و تبين البراهين الواقعية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين.
 اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الشائعات:

 أيها الإخوة الكرام، ما من كلمة أقرب إلى موضوع هذه الخطبة من كلمة (الشائعات)، ولا ينصرف الذهن إلى الشائعات السياسية، وهي من ضمن الموضوع، ولكن الموضوع أكبر منها بكثير.
 أيها الإخوة الكرام، خير الوصايا وصية رب البرايا:

 

﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

 

( سورة النساء: 131)

 في التقوى أيها الإخوة، العصمة من الفتن، وبالتقوى السلامة من المحن، يقول بعض العلماء الأجلاء: " اتقوا الفتن بالتقوى ".

البعد التاريخي للشائعات:

 الحقيقة أيها الإخوة الكرام، البعد التاريخي لهذا الموضوع الكبير، أنه منذ أن خلق الله الخليقة وُجِدَ الصراع بين القوى، فمعركة الحق والباطل أزلية أبدية، شاءت حكمة الله أن تكون ليمتحن عباده أولاً، وليمكنهم من دخول الجنة بانتصارهم على شهواتهم ثانياً.
 هذه الصراعات ليست كما تبدو سطحية، إنما هي تستهدف أعمق ما في الإنسان، وإذا كانت الحروب والأزمات والكوارث والنكبات تستهدف بأسلحتها الفتاكة الإنسان من حيث الجسد، فإن حرباً سافرة مستترة تتولد على ضفاف الحوادث والملمات، وتتكاثر زمن التقلبات والمتغيرات، وهي أشد ضراوة وأقوى فتكاً، لأنها لا تستهدف الإنسان من حيث جسده، بل هي تستهدف الإنسان من حيث عمقه وعطاؤه وقيمه ونماؤه، إنها الحرب القذرة، حرب الشائعات.

 

مَنْ وراء الشائعات ؟

 أيها الإخوة الكرام، إنسان هذا العصر ألعوبة بيد الإعلام العالمي، يخوفه، يبث فيه اليأس، يحطمه، يغريه بالمعاصي والآثام، يزهده بالآخرة، يحببه بالدنيا، يضعِف ثقته بنفسه، هذا الإعلام العالمي وراءه أدمغة كبيرة، وعلماء نفس كبار، يخططون لجعل الشعوب مطية لمصالحهم، لجعل ثروات الشعوب في متناول أيديهم، لفرض ثقافتهم وإباحيتهم على كل شعوب الأرض.
 أيها الإخوة الكرام، لا أجد أن كلمة الشائعات تكفي لهذا الموضوع الكبير، لعل الإعلام أوسع منه.
 إن هذا الإعلام الغربي هو أخطر الحروب المعنوية والأوبئة النفسية، بل هو أشد الأسلحة تدميراً، بل هو من أعظمها وقعاً وتأثيراً، وليس من المبالغة إذا عدت هذه الوسائل التي بيد شياطين الإنس والجن، ظاهرة اجتماعية عالمية لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية، والأمة مهيأة للاتباع والتقليد:
 جاء في بعض الأحاديث الشريفة الصحيحة:

 

(( لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبّ لَتَبِعْتُموهُمْ ))

من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم

 هذا الإعلام العالمي يدخل إلى بيوت المسلمين، يعرض لهم أزياء نسائهم، يعرض لهم أنواع العري في كل موسم، يعرض لهم الشهوات المنحرفة، يعرض لهم الإباحية التي مارسوها هم، وأرادوا أن يفرضوها على شعوب الأرض.

 

موقف الإسلام من الشائعات:

 أيها الإخوة الكرام، المستقرئ للتاريخ الإنساني يجد أن هذه الشائعات أو تلك الوسائل الإعلامية وجدت حيث وجد الإنسان، بل إنها عاشت وتكاثرت في أحضان كل الحضارات، ومنذ فجر التاريخ والشائعة تمثل مصدر قلق في البنائي الاجتماعي والانتماء الحضاري لكل الشعوب والبيئات، ثم جاء الإسلام واتخذ موقفاً حازماً من الشائعات، ومن أصحابها، ومن مروجيها، بسبب ما في نشرها وبثها بين الأفراد من آثار سلبية على تماسك المجتمع المسلم، وتلاحم أبنائه، وسلامة لحمته، والحفاظ على بيضته، بل لقد عدَّ الإسلام هذا سلوكاً مزوراً منافياً للأخلاق النبيلة والسجايا الكريمة، والمثل العليا التي جاءت بها وحثت عليها الشريعة الغراء، من الاجتماع والمحبة والمودة والإخاء والتعاون والتراحم والتعاطف والصفاء، وهل هذه الشائعات إلا نسف لتلك القيم ومعول هدم لهذه المثل؟
 أيها الإخوة الكرام، لقد حذر الإسلام أشد التحذير من الغيبة والوقيعة في الأعراض والكذب والبهتان والنميمة بين الناس، وهل الشائعة إلا كذلك؟
 أمر بحفظ اللسان، وبين خطورة الكلمة، وحرم القذف والإفك، وتوعد محبي رواج الشائعات بالعذاب الأليم، دققوا في هذه الآية:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾

 

( سورة النور: 19)

 لعل هذه الآية من أدق الآيات، يكفي أن يفتضح مؤمن، وأنت لم تتكلم بكلمة، ولم تنطق ببنت شفة، لكنك من الداخل شعرت براحة، لتشملك هذه الآية:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾

( سورة النور: 19)

 فمن كانت هذه صفته، هو ليس في خندق المؤمنين، هو في خندق المنافقين، قال تعالى:

﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾

( سورة آل عمران: 120)

 أيها الإخوة الكرام، الإسلام العظيم حض على التثبت والتبين في نقل الأخبار، يقول الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾

( سورة الحجرات: 6 )

 وفي قراءة (فتثبتوا)، وأخبر الله عز وجل أن الإنسان مسؤول أمام الله عز وجل، ومحاسب عن كل صغير وجليل، قال تعالى:

﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾

( سورة ق: 18 )

 آية ثانية:

 

﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ﴾

 

( سورة الإسراء: 36 )

سوء الظن أساس الشائعات:

 أيها الإخوة الكرام، هذا السلوك القذر: إشاعة الفاحشة، ترويج الأكاذيب، توهين عزائم المسلمين، تقوية أعدائهم في نظرهم، إشعارهم أنه لا أمل لهم بالنصر، أن الإسلام قد انتهى، وأن التاريخ قد انتهى، هذه الأفكار التي تروج، مبنية على سوء ظن بالمسلمين، والله عز وجل يقول:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾

 

( سورة الحجرات: 12)

 وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما:

 

(( إِيَّاكُم والظَّنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ ))

من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم

من هو مروّج الشائعات ؟

 أيها الإخوة الكرام، مروج هذه الشائعات: لئيم الطبع، دنيء الهمة، مريض النفس، منحرف التفكير، صفيق الوجه، عديم المروءة، ضعيف الديانة، يتقاطر خسة ودناءة.
 أيها الإخوة الكرام، إن هذا الإنسان الذي يروج لهذه الأفكار يدفع بالناس إلى اليأس، اليأس من رحمة الله، يقول لهم: قد انتهينا، هذا الذي يبث الضعف في نفوس المسلمين، هذا إنسان يسلك سلوك الشيطان.
 أيها الإخوة الكرام، إنه عضو مسموم، يسري سريان النار في الهشيم، يتلون كالحرباء، وينفث سمومه كالحية الرقطاء، ديدنه الإفساد والهمز، وسلوكه الشر واللمز، وعادته الخبث والغمز، لا يفتأ إثارةً وتشويشاً، ولا ينفك كذباً وتحريشاً.
 أيها الإخوة الكرام، الشائعات المثبطة، والأخبار الملفقة، والتحليلات الميئسة، هذه تسري في الدم فتفسده.

 

 وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الإمام مسلم:

(( كفى بالمرء كذبا أن يُحدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ ))

حديث صحيح، أخرجه مسلم

 وفي رواية:

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إثماً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ))

حديث أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك

 لا تنقل الرواية قبل أن تتأكد منها، وإذا كان في نقلها فساد فكري، أو نفسي، فأحجم عن روايتها حفاظاً على مصالح المسلمين.
 يقول عليه الصلاة والسلام:

(( ألا أخبركم بشراركم؟ المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت ))

من حديث، أخرجه الإمام أحمد في مسنده

 هذه الأخبار السيئة، هذه التحليلات الشركية، هذه التوقعات التي تنفي رحمة الله عز وجل، هذه النظرة المستقبلية التي تلغي فكرة أن الله لن يتخلى عن المؤمنين، هذا التحليل الشيطاني، هذا التحليل المتخم باليأس، هذا من أكبر الجرائم التي يروج لها المجرمون.

 

شائعات من التاريخ:

 أيها الإخوة الكرام، تاريخ هذه المثبطات، تاريخ هذا الظن السيئ قديم وقديم، وإليكم بعض الأمثلة:

 

 

شائعة عن السيدة مريم عليها السلام:

 قال تعالى:

 

﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾

 

( سورة مريم: 28)

 هذه شائعة نشرت حول السيدة مريم العذراء، وحول وليدها السيد المسيح صلى الله عليه وسلم.

شائعة عن النبي يوسف عليه السلام:

 أيها الإخوة الكرام، الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف عليه السلام، نموذج من نماذج الطهر والنقاء، والشائعات المغرضة التي تمس العرض والشرف كانت من حوله، قال تعالى:

 

﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾

 

( سورة يوسف: 24)

شائعة الإفك عن السيدة عائشة رضي الله عنها:

 النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سرت شائعة في المدينة دامت شهراً تتهم زوجته الطاهرة بأثمن ما تملكه امرأة، صبر وصبرت هي، حتى أنهى الله هذه الشائعة التي روجها بعضهم بتبرئة السيدة عائشة بآيات تتلى في القرآن الكريم.
 أيها الإخوة الكرام، والمجتمع الإسلامي اليوم مازال يصطلي بنار تلك الفرية، ويتعذب ضميره، وتعصره الشائعات الهوجاء عصراً، ولولا العناية العظمى لعصفت بالأخضر واليابس.

 

كل يوم شائعات جديدة:

 ما الذي يحطم معنويات الناس؟ شائعات لا أساس لها، أخبار لا أصل لها، تحليلات شيطانية، توقعات يائسة، تبعد الناس عن رحمة الله.
 أيها الإخوة الكرام، ونحن أحياء نرزق، تروج شائعات في المدينة لا أصل لها كثيرة جداً، حتى افتتح خط للسفر الطويل من دمشق إلى أقصى مكان في القطر بشائعة خرافية لا أصل لها، كل يوم أو كل أسبوع تروج في البلدة شائعات لا أصل لها، أنا لا أنفي ولا أثبت، ولكن أتمنى على كل مسلم أن يتأكد، اطلب الدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء.
 أيها الإخوة الكرام، شيء دقيق أقوله لكم: التوحيد لا يلغي المسؤولية، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾

 

( سورة النور: 11)

 لأن الله شاء ذلك امتحاناً للمؤمنين، ولكن في آية تالية يقول تعالى:

﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

( سورة النور:11)

 إذا عزوت الأمر إلى التوحيد، وأن الله شاء ذلك، فلست أنت معفىً من المسؤولية الكبيرة التي تقع على كاهلك.
 أيها الإخوة الكرام، مع التقدم في وسائل الإعلام، ومع التقدم الكبير في الاتصالات بحيث انتقل العالم كله من قرية صغيرة إلى بيت، إلى غرفة، إلى سطح مكتب، العالم كله أصبح سطح مكتب بين يديك، لذلك فالشائعة انتشارها مخيف على مستوى القارات الخمس، على مستوى الستة آلاف مليون نسمة، فالخبر الخاطئ، الخبر المنحرف، الخبر الميئس، الخبر الكاذب يتأثر به سكان الأرض جميعاً.

 

تأثير الشائعات وهدفها:

 أيها الإخوة الكرام، يجب أن تعلموا علم اليقين أن وراء الأخبار علماء كبار، علماء نفس، علماء اجتماع، دائماً انتصارات المسلمين تقلل إلى درجة لا توصف، جريح واحد يصبح مئة قتيل، وانتصاراتهم تضخم إلى درجة لا توصف، في كل حركة يقتلون مئة مسلم، فالمسلم ييأس، المسلم يجب أن لا يصدق هذه الأكاذيب، المسلم يجب أن يكون أكبر من أن يكون ضحية أكذوبة يسمعها.
 أيها الإخوة الكرام، هناك حالة إحباط عام تزرع بين الناس، أنا أرى، والله أعلم، أن سببها هذا الإعلام الذي يكيد للمسلمين، ويزيل آخر ثقة بالله في نفوسهم، يزيل كل أمل لهم، يزيل كل المستقبل المشرق الذي ينتظرهم لو عادوا إلى الله، الكرة في ملعبهم، قال تعالى:

 

 

﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾

 

( سورة الأنفال: 19)

 هذا الذي يجري تسليط، وليس قهراً، التسليط وراءه رب حكيم، وراءه رب عليم، وراءه أمل كبير:

﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾

( سورة الأنفال: 19)

 أيها الإخوة الكرام، هذا الذي يروج له أعداء المسلمين، ألغام معنوية، قنابل نفسية، رصاصات طائشة تصيب أصحابها في مقتل، وتفعل في غرضها ما لا يفعله العدو، وهذه كلها مركزة على شائعات لبث الخوف والمرض وإثارة القلق، والرعب، وزرع بذور الفتنة، وإثارة البلبلة بين الناس، ولاسيما في أوقات الأزمات.
 أيها الإخوة الكرام، حتى هذه الشائعات، وهذه النماذج من الإعلام والتحليل، أحياناً لها آثار سلبية على الرأي العام، وصناع القرار في العالم، وكم كانت سبباً في أن يصرف الأعداء عن مواجهة المسلمين إلى تفتيتهم من الداخل.

كيف نواجه الشائعات:

 الله عز وجل يقول:

 

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

 

( سورة آل عمران: 120)

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة آل عمران: 139 )

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾

( سورة آل عمران: 173 )

 أيها الإخوة الكرام، لا يليق بالمسلمين أن يتخلوا عن ثوابتهم، ولا أن تهتز بعض قناعاتهم، ولا أن نظن بالله غير الحق ظن الجاهلية.
 أيها الإخوة الكرام، أنا لا أصدق أن عدداً كبيراً من الناس ابتعد عن الدين لما يروج عن الإسلام بأنه دين الإرهاب، ودين القتل، ودين التخلف، ودين التمزق، ودين الفقر، ودين البأس الذي بينهم لا على أعدائهم.
 للإمام الذهبي مقولة رائعة، يقول: " لو أن كل عالم تركناه لقول قيل فيه، أو كلام الناس فيه، ما سلم معنا أحد، ونعوذ بالله من الهوى والفظاظة "، تأكد.. تثبت.. قال تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾

( سورة الحجرات: 6 )

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾

( سورة النمل:27)

 آية قرآنية تؤكد التثبت قبل أن الحكم.
 أيها الإخوة الكرام، من الآيات الدالة على هذا الموضوع بالذات، قوله تعالى:

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (*) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (*) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

 

( سورة آل عمران:173-175)

قصص عن مواجهة الشائعات:

 من تاريخنا الإسلامي:

 

إسلام نعيم بن مسعود رضي الله عنه:

 سيدنا نعيم بن مسعود جاء ليقاتل النبي عليه الصلاة والسلام، وهو في الخيمة، أصابه القلق، فخاطب نفسه على نمط الحوار الذاتي، قال: " يا نعيم، ما الذي جاء بك إلى هنا؟ لماذا تحارب هذا الرجل؟ أهو سلب مالاً؟ أهو انتهك عرضاً؟ أهو أراق دماً؟ إنه رجل صالح "، كل ما أشيع عن النبي عليه الصلاة والسلام، رفضه، ثم قام من توه، وتوجه إلى معسكر المسلمين، ودخل على خيمة النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: نعيم؟ قال: نعيم، قال: ما الذي جاء بك إلينا؟ قال: جئت مسلماً.

 

شائعات معركة الخندق:

 أيها الإخوة الكرام، في معركة الخندق قال تعالى:

 

﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (*) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾

 

( سورة الأحزاب:11،10 )

 حتى قال بعضهم: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا، لكن الله عز وجل يقول:

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾

( سورة الأحزاب: 23 )

معظم الشائعات لا أصل لها:

 أيها الإخوة الكرام، والله الذي لا إله إلا هو، مئات القصص التي انتهت إلى سمعي لما تحققت منها وجدت أنه ليس لها أصل إطلاقاً.
 قبل أشهر شاع في تلك المدينة إشاعة كبيرة، أن كنزاً وجد في بعض المحافظات الجنوبية، وأكثر من خمسة وعشرين طنًّا من الذهب، وتفاصيل، وتفاصيل، وجزئيات، وتسلسل، وبداية، وعقدة، ونهاية، ثم وجد أن هذا الخبر جملة وتفصيلاً لا أصل له.

 

وأخيراً:

 

 أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

 الخطبة الثانية:
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

التثبت من القصص والأخبار:

 إخوتنا الكرام، خبر يثلج الصدر في مواقع معلوماتية، نشر في أكثر من ثلاثمئة موقع، ثم تبين أنه لا أصل له إطلاقاً، قبل أشهر( بيل غيتس ) أسلم، الصحف والمجلات والقصاصات والتعليقات وبالإنترنت، والخبر ليس له أصل من الصحة.
 هذا يريد أن يعمق إحباط المسلمين، يفرحون، يهللون، يصفقون، يرتاحون، ثم يأتي التكذيب، فهذا أسلوب من أساليب المكر، هذا الذي يحدث نوع من تعميق الإحباط، فكن عاقلاً، ولا تنقل الخبر إلا إذا كان له أدلة قطعية، وإليكم بعض الوصايا:

 

ثق بوعد الله وبكلامه:

 أيها الإخوة الكرام، ثقوا بالقرآن الكريم، وبوعد الله عز وجل، والقرآن من الثوابت، قال تعالى:

 

﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

( سورة إبراهيم: 27)

 مليون مقالة مثبطة ينبغي ألا تصرف المسلم عن وعد الله بالنصر، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾

( سورة الأنفال: 19)

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾

( سورة النور: 55 )

 أدِّ الذي عليك، واطلب من الله الذي لك.
 أيها الإخوة الكرام، من منا يصدق أن الجهة الشرقية التي رفعت سبعين عاماً شعار لا إله، وهي التي تملك من القنابل النووية ما تدمر بها القارات الخمس خمس مرات، كيف تداعت من الداخل، وأصبحت دولة من الدول الأقل شأناً في العالم، فعل من هذا ؟ لا تيئسوا، لا يمكن أن يسمح الله لجهة أن تتأله، يقول ربنا تبارك وتعالى:

(( الكبْرِياءُ ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في النار ))

حديث صحيح، أخرجه ابن ماجة

 لا يسمح الله لجهة مهما طغت وبغت، أن تفسد على الله هدايته لخلقه.
 في بعض البلاد الإسلامية، بعد احتلالها من قبل دولة أوربية، أنشؤوا فيها أكثر من أربعة آلاف معبد، كل هذه المعابد الآن مساجد، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾

( سورة الأنفال: 36 )

﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ ﴾

( سورة آل عمران: 12)

 كلام خالق الأكوان.

 

حقق شرط النصر في نفسك:

 كل بطولتنا، أيها الإخوة الكرام، أن نحقق شرط نصر الله لنا، كل بطولتنا أن نحقق شرط نصر الله لنا في أنفسنا، النصر لا يأتي بالدعاء فقط، لا يأتي بالانتماء فقط، لا يأتي بالولاء فقط، لا يأتي بالتبرك، لا يأتي بالتمسح، لا يأتي بثياب إسلامية، وفكر لابسها غربي، لا يأتي ببيوت فيها فسق، وفجور، لا يأتي بالكذب والبهتان، نحن لا نفهم من الدين إلا العبادات الشعائرية، الدين أكثر من خمسمئة بند، يشمل حياتنا، يشمل غرف نومنا، يشمل بيوتنا، يشمل طرقنا، يشمل احتفالاتنا، يشمل أحزاننا، يشمل كسب أموالنا، يشمل إنفاق أموالنا، يشمل سفرنا وحضرنا، وإقامتنا في حلنا وترحالنا، منهج كامل، لم نفهم من الدين إلا العبادات الشعائرية، أما كسب الأموال والتعامل والأنظمة كلها مقتبسة من الغرب.
 أيها الإخوة الكرام، هذا الدين العظيم دين الله عز وجل، هذا دين وحي السماء، هذا الدين من عند خالق السماوات والأرض، ينصره إذا كنا أهلاً أن ينصرنا.

لا تنقل خبراً لا أصل له:

 أيها الإخوة الكرام، يجب أن نخاف من الله، وأن نتثبت من الأمور، وألا نعطي آذاننا لكل ناعق، بل علينا التحقق والتبين، وطلب البراهين الواقعية، والأدلة الموضوعية، والشواهد العملية، وبذلك يسد الطريق أمام الأدعياء الذين يعملون خلف الأستار، ويلوكون بألسنتهم كل قول وزور، ضد كل مصلح ومحتسب وغيور؟
 أيها الإخوة الكرام، مرة، كنت في بلد بعيد، في أستراليا، وكنت على الإذاعة، فقال لي أحدهم: الإسلام دين التخلف، ودين القتل، ودين الجريمة، ودين الفوضى، لم يدع سبة ولا تهمة إلا ذكرها، وقبل انتهاء الوقت بدقائق أجبته إجابة جامعة مانعة، قلت له: " ما ضر السحاب نبح الكلاب "، لأن كلامه كله مستمد من الشائعات.

 

لا تنهزم من داخلك:

 فيا أيها الإخوة الكرام، أنا أريد ألا ننهزم من الداخل، الأخبار العامة لا ترضي، لكن الله موجود، وأقول لكم دائماً: استمعوا إلى الأخبار، واقرؤوا تحليلها، وكوّنوا رأياً شخصياً، ولكن لا تنسوا لثانية واحدة، أن الله موجود، وأن الله يقلب موازين القوى في ثانية، والأحداث السابقة تؤكد هذا، وكل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.

 

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، وصلى اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور