- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثالث والثلاثين من دروس سورة الأنعام .
الإنشاء والخبر :
ومع الآية الثالثة والتسعين ، وهي قوله تعالى :
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ(93) ﴾
أيها الإخوة الكرام، بادئ ذي بدء، قال علماء البلاغة: الكلام العربي خبر وإنشاء، الخبر هو الكلام الذي يصح أن تقول لقائله صادقاً أو كاذباً ، يقول لك : سافر أخي ، إن سافر أخوه فهو صادق وإن لم يسافر فهو كاذب، أما حينما أسألك : ما اسمك ؟ لا يصح أن تقول لي : صادق أو كاذب، أنا أسألك، فالسؤال ، والاستفهام ، والنداء ، والتمني ، والترجي، والتعجب، هذه كلها أساليب الإنشاء، لأن أفعال هذه الأساليب لم تقع بعد، فالشيء الذي لم يقع لا يصح أن يوصف بأنه كذب أو صدق، أما الشيء الذي وقع فتخبر عنه، فإن وقع يكون القائل صادقاً ، وإن لم يقع يكون القائل كاذباً .
قد يأتي الخبر محل الإنشاء والعكس صحيح :
فكل الكلام العربي إما أنه خبر أو إنشاء، لكن أحياناً السياق سياق إنشاء، فتأتي في القرآن الكريم عبارة بسياق الخبر، مثلاً : أراد الله عز وجل أن يأمر الوالدات أن يرضعن أولادهن، لمَ لمْ يقل: يا أيتها الوالدات أرضعن أولادكن ؟ بل قال :
﴿ وَٱلْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ
السياق سياق إنشاء، أمر، فالأمر، والاستفهام، والنداء، والتمني، والترجي هذه أساليب الإنشاء، فجاءت الآية خبراً :﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾
الحكمة جاءت أيها الإخوة أنك إذا أمرت إنساناً ألا يتأخر أوقعت في روعه أنه يمكن أنه يتأخر، لكنك تنهاه عن أن يتأخر، فأي أمر مبطن باحتمال مخالفته، لو قال أب لابنه: إياك أن تأتي بعد الساعة التاسعة، معنى ذلك كأن الأب ألقى في روع ابنه أنه بإمكانه أن يأتي بعد الساعة التاسعة ، لكن الأب يغضب، فكل أمر فيه بذور مخالفته، فإذا كان الأمر خطيراً جداً يُلغى أسلوب الإنشاء أصلاً، ويحل محله أسلوب الخبر، شأن الوالدات أن يرضعن أولادهن، وهذه قضية لا مساومة عليها، ولا تقبل غير ذلك، هذه حكمة أن يأتي الخبر محل الإنشاء، أحياناً القضية بالعكس، الذي يفتري على الله ظالمٌ، هذا خبر ، الآية هنا :
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ﴾
الفرق بين الأمر التكويني والأمر التكليفي :
أحياناً تأتي آية :
﴿ ٱلْخَبِيثَٰتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَٰتِ ۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِ
أي هل هذا من أمر الله التكويني أم التكليفي؟ وتعلمون أن أمر الله إما أن يكون تكوينياً، يعني أفعاله، وإما أن يكون تكليفياً، يعني أوامره، عندنا أمر تكويني، وعندنا أمر تكليفي، لما اختلف سيدنا موسى مع سيدنا الخضر، سيدنا الخضر معه الأمر التكويني، معه حكمة أفعال الله عز وجل، سيدنا موسى معه الأمر التكليفي، فلما خرق السفينة هذا مخالف للأمر التكليفي، فاعترض عليه سيدنا موسى ، الآن الله عز وجل حينما قال: ﴿ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾
﴿ فِيهِ ءَايَٰتٌۢ بَيِّنَٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنًا
هل هذا أمر تكليفي أم تكويني، إذا كان أمراً تكوينيّاً لم يكن آمناً بيت الله الحرام في عام ألف وأربعمئة، حيث قُتِل فيه مئات الأشخاص، قُتِلوا وهم في الحرم، فإن كان هذا الأمر أمراً تكوينياً فهذا مستحيل أن يقع فيه قتل، إذاً هذا أمر تكليفي، أن يا عبادي اجعلوا هذا البيت الحرام آمناً، أو ينبغي أن يكون آمناً.
الاستفهام الإنكاري أبلغ من النفي :
يعني أريد أن أضع بين أيديكم بعض الحالات البلاغية، أن القرآن قد يعدل عن أسلوب الخبر إلى أسلوب الإنشاء لحكمة بالغة ، وقد يعدل عن أسلوب الإنشاء إلى أسلوب الخبر لحكمة بالغة، هنا كأن الله عز وجل يريد أن يؤكد لنا أن أظلم إنسان على وجه الأرض ليس الذي يفتري على بشرٍ كذباً، بل الذي يفتري على خالق البشر كذباً ، يقول: أنا نبي، هو ليس نبياً، يقول : يُوحى إليّ ، هو لا يوحى إليه ، يقول: ﴿سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾
بالمناسبة أيها الإخوة ، الإنسان حينما يفتري على الله كذباً ، أو حينما يقول على الله ما لا يعلم ، أو حينما يوهم الناس لمصلحة له إرضاءً لقوي ، أو خوفاً من بطشه يقول بخلاف ما يعلم، هذا يرتكب أكبر معصية على الإطلاق، لأن الله عز وجل حينما صنف المعاصي والآثام صنفها تصنيفاً تصاعدياً، فقال عن الفحشاء والمنكر، وعن الإثم والعدوان، وعن الشرك، وعن الكفر، ثم جعل على رأس كل هذه المعاصي :
﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
بل إن الله عز وجل حينما قال :
﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ
إذاً: أخطر شيءٍ أن تتكلم على الله بغير علم، لذلك قال بعض العلماء: العوام لَأَن يرتكبوا الكبائر أفضل من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، وأنت لا تشعر، تقول مثلاً بالتعبير الدارج: الله عز وجل يعطي الحلاوة لمن لا أضراس له، أليس هذا اعتراضاً على حكمة الله ؟ هناك كلمات يقولها العامة خلاف العقيدة الصحيحة ، وكأن فيها بعض الكفر .
الافتراء هو الكذب المتعمد :
إذاً هنا الآية :
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى ﴾
(( أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير قال: كيف تجد قلبك، قال: مطمئناً بالإيمان، قال: إن عادوا فعد.
ونزل قرآن أن الذي ينطق بالكفر وقلبه مطمئن بالإيمان لا شيء عليه، البشر درجات، لكن الأول أراد أن يكون بطلاً، والثاني أراد أن يكون ناجياً ، فكلاهما مُغطّى ، لكن الأول موقفه بطولي .
ماشطة بنت فرعون يوم سألها فرعون: ألكِ رب غيري ؟ وأمسك ولدها الأول، وألقاه بالزيت المغلي، قالت: الله ربي وربك، ألقى الأول، وألقى الثاني، وألقى الثالث، وألقى الرابع ، لو تساءلنا: لو قالت له : أنت ربي، ونجت من هذا العذاب المحقق، هل يؤاخذها الله عز وجل ؟ الجواب: لا ، لكنها أرادت أن تكون بطلة، البطولة مفتوحة ، لو أن أصحاب الأخدود آمنوا بالذي يعذبهم، وكفروا بالله بلسانهم ، ما كانوا عند الله آثمين ، ولكن الله يريد أن يُرينا بعض البطولات من بني البشر .
أسباب أن الأنبياء مطالبون بالمعجزات أما مدّعو النبوة فلا :
أيها الإخوة ، لكن شيء يلفت النظر أن هؤلاء الذين ادّعوا النبوة لم يُطَالَبوا بالمعجزات ، لماذا يطالب الناس النبي صلى الله عليه وسلم بالمعجزات ، والآيات كثيرة ؟
﴿
لماذا يُطَالَب الأنبياء بالمعجزات، ولا يُطالَب مدّعو النبوة بالمعجزات؟ أليس هذا سؤالاً دقيقاً ؟ الجواب سهل: لأن الذي ادّعى النبوة أسقط الصلاة، والثاني اسقط الزكاة ، فحينما تخفف على الناس يقبلونك على مساوئك، عندئذٍ لا يطالبونك بالمعجزات، أقول لكم هذه الحقيقة الدقيقة :
الفِرَق الضالة في العالم الإسلامي من بعثة النبي إلى يوم القيامة لها أربعة خصائص، الخاصة الأولى: تأليه الأشخاص،
أعظم صفة بالمؤمن أنه يخاف الله :
إخواننا الكرام، هناك فرق كبير جداً بين أن توالي ربك، وبين أن توالي قوياً، القوي إذا واليته لا يحاسبك، يهمه أن يكون ولاءك له، لذلك تفعل بالناس ما تستطيع، تفعل بالناس كل ما تستطيع من أذى ، أما حينما توالي ربك لا يقبلك، ولا يتجلى عليك، ولا يرحمك إلا إذا اتقيت أن تعصيه مع كل البشر، أعظم صفة بالمؤمن أنه يخاف الله ، لا يمكن أن يؤذي إنساناً ، أن يبني مجده على أنقاض الناس، أن يبني حياته على موتهم ، أن يبني عزه على ذلهم، أن يبني غناه على فقرهم، مستحيل، فالذي يوالي خالق السماوات والأرض يحاسبه الله عز وجل لو قتل نملة .
(( عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعاً ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ ، قَالَ : فَقَالَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ : لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا ، وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِهَا ، وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ))
(( قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا ، وَصِيَامِهَا ، وَصَدَقَتِهَا ، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا ، وَصَدَقَتِهَا ، وَصَلَاتِهَا ، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ : هِيَ فِي الْجَنَّةِ ))
إن كنت ولياً لله لا تستطيع أن تؤذي نملة فما فوقها، لذلك الناس يقولون: الذي يخاف الله لا تخف منه ، مُقيّد، مقيد بقيود الإيمان، الفرنجة حينما غزوا القدس ماذا فعلوا؟ ذبحوا سبعين ألفاً في يومين من المسلمين، فلما فتح صلاح الدين رحمه الله القدس لم يسفك دماً، ولم يهرق قطرة دم، بل سمح لهؤلاء أن يبيعوا متاعهم بأسعارها الحقيقة، وأن يغادروا وهم سالمون، من قيّد صلاح الدين عن أن يفتك بهم كما فتكوا بالمسلمين ؟ الله عز وجل :
(( الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ ))
الفرق صارخ بين من يخاف الله وبين من لا يخافه .
الفرق الضالة في العالم الإسلامي لها أربع خصائص :
أيها الإخوة، إذاً الفِرَق الضالة في العالم الإسلامي لها أربع خصائص، الأولى: تأليه الأشخاص.
والثانية: تخفيف التكاليف
والله حضرت مؤتمراً للأديان، ثماني عشرة ديناً عرضوا على الناس عباداتهم، صدقوا أيها الإخوة ثماني عشرة ديناً، العبادات حتماً وحصراً غناء وموسيقا ورقص، شيء جميل، لا فيه تكاليف، ولا فيه محرمات، ولا فيه أمر بالمعروف، ولا فيه نهي عن المنكر، ولا فيه الخنزير حرام، ولا فيه الخمر حرام ، ولا فيه إطلاق البصر حرام ، ولا فيه غيبة، ولا فيه نميمة، ما فيها شيء إطلاقاً، فقط حركات ، وسكنات، وتمتمات، وإيماءات، وغناء، ورقص، وموسيقا، لذلك الذين ادّعوا النبوة لم يطالبوا بالمعجزات، ما مِن داعٍ ، مؤمنون نحن سلفاً ، أرحتنا من الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة .
أيها الإخوة، هناك نقطة دقيقة جداً، نشاط الطرف الآخر، من بعثة النبي إلى يوم القيامة آية واحدة ، دققوا فيها :
﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) ﴾
يعني مسموح لك أن تقيم شعائر الدين ، لكن لا يُسمح لك أن يكون اقتصادك إسلامياً، ولا علاقاتك بالمرأة إسلامياً ، ولا حربك إسلامية ، لك أن تقيم شعائر الدين فقط، العبادات ما لها قيمة، شكلية ، فتجد الدول المتفلتة من الدين لها معابد، ومساجد، وكنائس، واحتفالات، ومؤتمرات، ومظاهر إسلامية صارخة، لكن المنهج ليس إسلامياً ، فلذلك: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾
خطة الطرف الآخر الحفاظ على الأطر الإسلامية مع تغيير المضامين :
يا أيها الإخوة ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً﴾
طُبِّعت العلاقات عندئذٍ .
﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74)إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً (75) ﴾
أيها الإخوة، أول نقطة: تأليه الأشخاص، الثانية: تخفيف التكاليف، إذا خففت التكاليف لا أحد يسألك عن المعجزات.
الثالثة: اعتماد نصوص موضوعة لم يقلها النبي
النقطة الرابعة: النزعة العدوانية
أيها الإخوة، بعد أن سقطت النُّظُم الوضعية لم يبقَ إلا الإسلام، هناك الآن تفكير من الطرف الآخر أن يقنع المثقفين بقرآن مُفرَّغ من مضمونه، يعني لك أن تسلك أي سلوك إباحي، وأنت مسلم ، وأنت مؤمن، يعني مكان فيه رقص ، وفيه دعارة ، وفيه الموبقات كلها، وفيه خمور ، وفيه فتيات محجبات ، ماذا يقصد من ذلك ؟ شيء طبيعي ، الآن عبارة اجتماعية ، كله عادي ، ملهى ، عادي ، مطعم فيه خمور ، عادي، فحينما يدخل المسلم في كل المجالات المحرمة بزي إسلامي، أو بزي امرأة مسلمة محجبة، هذا اسمه خلط الأوراق، يعني المقاهي تُدار فيها الخمور، وفيها نساء محجبات، ما المقصود من ذلك ؟ المقصود أن الدين فُرِّغ من مضمونه، بقي إطاراً ، إطاراً فلكلورياً فقط .
والله أيها الإخوة ، القلب يُعتصَر حينما يُتلَى كتاب الله ، كان هذا قبل عشرين سنة في باريس لا على أنه كتاب مقدس بل على أنه كتاب فلكلوري للشرق الأوسط، فلكلور، فلذلك الآن تفريغ الدين من مضمونه هدف الطرف الآخر، قوى كبيرة تسعى لذلك، أينما حلوا الاختلاط، أفلام الجنس، الإباحية، تفلت المرأة، نزع الحجاب، إقامة دور الملاهي، هذه كلها من أجل تفكيك المجتمع المتماسك، فلذلك كانوا يجبروننا بالقوة المسلّحة على أن نفعل ما يريدون، لكنهم الآن يجبروننا بالقوة الناعمة، بالمرأة على أن نريد ما يريدون .
سبب حذف جواب الشرط في الآية التالية :
الآية الكريمة أيها الإخوة :
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ﴾
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) ﴾
الإيجاز الغني :
﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾
بعض من معاني كلمة ( فرادى ):
قال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى
كل إنسان له شأن، له مكانة، له قصر، له بيت، له مركبة، له طائرة خاصة أحياناً، الناس مجتمعون حوله، مثلاً العدوان على بلد إسلامي، كل الدول الغربية ناصرت العدوان، يخافون من هذا القطب الواحد، ليس هناك قيم، ولا مبادئ، لا تستمع إلى كلمة حق، أو إلى كلمة إنصاف، لكن هناك تكتُّل كبير، العالم الغربي كله متكتِّل ضد الإسلام ، والعالم الغربي يرضى أن يُباد المسلمون تماماً ، لكن عند الموت قال: ﴿جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾
﴿جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾
﴿جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾
﴿جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾
البطولة أن تبدأ من النهاية :
﴿ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ ﴾
﴿وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ﴾
البطولة أيها الإخوة أن تبدأ من النهاية .
﴿ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ
بدأ الله بالموت، لأن الموت أخطر حدث في حياة الإنسان، أنت حينما تولد أمام خيارات لا تعد ولا تحصى، أما عند الموت فأمام خيارين لا ثالث لهما :
والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار
البيهقي في الشعب من حديث الحسن
ابدأ من النهاية، هذا البيت سوف تتركه ، هذه المركبة سوف تتركها، هذه الزوجة الجميلة سوف تتركها، هذا المال الوفير المنقول وغير المنقول، هذه المكانة.
﴿جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾
(( تُمْلَأُ الْأَرْضُ ظُلْماً وَجَوْراً، ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي يَمْلِكُ سَبْعاً أَوْ تِسْعاً ، فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً ))
والحمد لله رب العالمين