- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس التاسع والعشرين من دروس سورة الأنعام .
خصائص شخصية المؤمن :
ومع الآية الثالثة والثمانين وما بعدها، وهي قوله تعالى:
﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(83) ﴾
من أُولى خصائص المؤمن أنه يملك حجّةً على الطرف الآخر، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً، ولو اتخذه لعلمه ، شخصية المؤمن شخصية علمية، وشخصية جمالية، شخصية علمية لأنه تعرّف إلى الله، تعرّف إلى الحقيقة المطلقة، وشخصية أخلاقية لا سبيل إلى أن يتقرب إلى الله عز وجل إلا بخُلق عالٍ :
(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))
يعني كفرقٍ صارخٍ بين مؤمنٍ وغير مؤمنٍ، الخُلق، هذا الذي قاله ابن القيم: " الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق، زاد عليك في الإيمان "
الجانب الثالث الجانب الجمالي، هناك جانب معرفي، وجانب خُلقي، وجانب جمالي، على علمٍ، معه حجة، على خُلقٍ، من أسعد الناس، سعادته لا تنبع من الخارج تنبع من داخله، اللذائذ تأتي من الخارج، اللذائذ الحسية تحتاج إلى مال، تحتاج إلى وقت، تحتاج إلى صحة، تأتي من الخارج، من طعامٍ، من بيتٍ، من امرأةٍ، من مركبةٍ، من مزرعةٍ ، فلذلك المؤمن سعادته من داخله ، يملكها ، وما من واحد من بني البشر إلا ويملك أسباب سعادته، فلذلك قال تعالى :
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾ وقصص الأنبياء ليست لأخذ العلم بل للاقتداء، وقد يبتعد ذهن المؤمن عن قصص الأنبياء السابقين، لماذا ذكرهم الله في القرآن الكريم؟ ذكرهم لنا، ذكرهم ليكونوا قدوة، وهذا الذي يقول: أنا لست نبياً، كلامٌ سخيف، من قال لك: إنك نبي، لكن أنت مأمور أن تقتدي بالأنبياء، وفي الحديث الشريف الصحيح :
(( إنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ ))
فحوى دعوة الأنبياء جميعاً العقيدة :
﴿
وبين قوله تعالى :
﴿ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ
من حيث فحوى الدعوة: الرسل جميعاً دعوتهم واحدة .
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(25) ﴾
فحوى دعوة الأنبياء جميعاً، العقيدة: لا إله إلا الله، السلوك: طاعته
﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ(6) ﴾
المؤمن الحق منطلقه التوحيد :
المؤمن في أي مكانٍ في الأرض يخضع لله عز وجل، منطلقه التوحيد، حركته العبادة، فالجانب المعرفي التوحيد، لذلك يكاد يكون الدين توحيداً، أما كدين يعتقد أتباعه أن الله خلق السماوات والأرض، هذه العقيدة يعتقدها الشيطان أيضاً ، قال :
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82) ﴾
﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(14) ﴾
أن تعتقد أن لهذا الكون إلهاً وأن لهذا الكون خالقاً، وهو ربٌّ عزيزٌ، دون أن ترى أن كل شيء بيده.
إخواننا الكرام، الفيصل بين المؤمن الذي يستحق نصر الله عز وجل، وبين المؤمن الذي هو رقم لا معنى له في عداد المؤمنين هو التوحيد، الموحد لا يرى معطياً إلا الله، ولا مانعاً إلا الله، ولا رافعاً إلا الله، ولا خافضاً إلا الله، ولا معزاً إلا الله، ولا مذلاً إلا الله، لذلك المؤمن الموحد لا ينافق، لماذا ينافق؟ هذا الذي ينافق له ليس بيده شيء، لا يملك لك ضراً ولا نفعاً، ولا حياةً ولا موتاً، ولا رزقاً، ولا مرضاً ولا صحة، أنت حينما تؤمن أن الذي يملك نفعك وضرك هو الله، يملك أن يعطيك أو أن يمنعك .
أي خلل في السلوك يعزى إلى ضعف التوحيد وأي انضباط يعزى إلى قوة التوحيد :
الحقيقة كلمات التوحيد كلمات سهل فهمها، أما كواقع تعيشه؛ يعني مثلاً: لو أن طالباً على مقعد الدراسة كان إلى جانبه طالب آخر، عندما كبرا، الأول كان يعمل عملاً بسيطاً بدخل محدود جداً، والثاني أصبح معه ملايين مُملينة؟ الأول مؤمن ومطيع لله، والثاني متفلّت من أي منهج، الآن الأول لو قال: ليتني مثل فلان، يؤكد أنه لا يملك من الإيمان ذرة، لأن الله عز وجل قال :
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ما رأى أنه فاز فوزاً عظيماً بهذه الطاعة، رأى أنه محروم، وهذا المتفلّت المنحرف قد أوتي شيئاً ثميناً.
لذلك فهم النص شيء، وأن تعيشه شيء آخر، فرق كبير بين أن تقول: مليار وبين أن تملكها، بين أن تنطق بها وبين أن تملكها، فآيات التوحيد قد ننطق بها، وقد نقول: لا إله إلا الله، وقد نقول: لا معطي ولا مانع إلا الله، وقد نقول: لا مُعز إلا الله، ولا مُذل إلا الله، ولكن أن تؤمن بكل خلية في جسمك، وبكل قطرة في دمك أن أهل الأرض بل أقوياءهم وطغاتهم لا يملكون لك شيئاً، هذه مشكلة المسلمين، يرون أن الأقوياء بيدهم مصيرنا، بيدهم أمننا، بيدهم رفاهنا، بيدهم أن يعذبونا، هذه مشكلة المشكلات في العالم الإسلامي لذلك :
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾ تجد عند المؤمن توازن، عنده أمن، عنده رضا، عنده أمل، عنده تفاؤل، الدنيا مهما اسودت لا تسحقه، والأخبار مهما ساءت لا توقعه في اليأس، يرى أن الله بيده كل شيء، وأنا أقول دائماً: استمع إلى الأخبار ما شئت، واقرأ كل التحليلات، وكوِّن رأياً خاصاً، ولا تنسَ لثانيةٍ واحدةٍ أن الله موجود، وأن الأمر بيد الله، وأن يد الله فوق أيديهم، وأن الله سبحانه وتعالى يقلب الموازين في يوم واحد، بل في دقيقةٍ واحدةٍ ، بل في ثانيةٍ واحدةٍ .
سرّ ألفة المؤمنين أنهم ينطلقون من مثل عليا :
إخواننا الكرام، أينما ذهبت في شرق الأرض وغربها، المؤمن الموصول بالله، في صفاته، وفي أخلاقه، وفي حركته، وفي تصوراته، يطابق أي مؤمن آخر، لذلك أكبر تفسير علمي للأخوّة الإيمانية هو التطابق، التطابق التام بين مفردات خصائص النفس، يعني أنت الآن لماذا تجلس مع إنسان عشر ساعات ولا تمل؟ لأن نقاط التشابه بينك وبينه كبيرة جداً، ولماذا لا تحتمل أن تجلس مع إنسان ربع ساعة؟ لأن نقاط التشابه قليلة جداً، يعني النظيف لا يحتمل أن يجلس مع القذِر، ونظيف اللسان لا يحتمل أن يجلس مع بذيء اللسان، والوفي لا يطيق الخائن، والصادق لا يطيق الكاذب، فسرّ أُلفة المؤمنين أنهم ينطلقون من مُثُلٍ عليا أنهم نظيفون من الداخل، أنهم أعفّة، أنهم صادقون، أنهم أمناء، أنهم رحماء، أنهم عقلاء، أنهم يحبون الله ورسوله، لذلك رُبّ أخ لك لم تلده أمك .
الشيء الذي يحير يا إخوان، قد يسافر إنسان إلى أطراف الدنيا، في أي مكان يلتقي مع المؤمن وكأنه أخوه، يا رَبّي لا أعرفه ، قد تسافر إلى آخر الدنيا فتلتقي مع إنسان متصل بالله، لطيف، منطقي، وفي، صادق، أمين، عفيف، فهذه سر ألفة المؤمنين، وهؤلاء الذين يخرّفون ويقولون: الدين عامل تفرقة، لا، الدين عامل وحدة، أما هؤلاء الذين شردوا عن الله عز وجل فقد قال الله عنهم :
﴿ لَا يُقَٰتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ
عظمة هذا الدين أن المثل العليا أصبحت واقعية :
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ(85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ(86) ﴾
إخواننا الكرام، دائماً وأبداً المُثل العليا تحتاج إلى مَثل، والمشكلة أنك إذا قرأت عن المُثل العليا ولم ترَ هذه المُثل في إنسان أمامك إنك عندئذٍ لا تحفل بها، لذلك الآن كلمة السخرية "بلا مثاليات" وكأن كلمة مثالية تهمة، لماذا؟ لأن الناس ينطقون بها ولا يفعلونها، فأصبحت شيئاً ليس واقعياً، لكن عظمة هذا الدين أن المثل العليا أصبحت واقعية .
قدوة المؤمن أنبياء الله :
أنا أقول: هاتوا لي مجتمعاً يقيم للحق شأناً كبيراً ولا يقيم للقيم المادية شأناً كبيراً، أفتح لكم بهم أطراف الدنيا، الآن المسلمون في إطار إسلامي لكن ليس فيه مضمون إسلامي، الآن طرق الزواج كلها مغلقة، والسبب مطالب الأهل فوق طاقة الشباب، يعني يُحمّل الشاب ما لا يحتمل، فصار طريق السفاح أقرب من طريق النكاح، وهذه الدعارة المتفشية في العالم سببها هذا .
أيها الإخوة الكرام، يعني ما لم يكن مجتمع المؤمنين مجتمعاً صارخاً بكماله، بتواضع أفراده، بتضحياتهم، بتحكيم قيم الشرع فوق قيم الدنيا فلا سبيل إلى التقدم .
هؤلاء الأنبياء قِمم البشر، وأنا أقول لكم: قل لي من قدوتك في الدنيا أقل لك من أنت، أنا مؤمن أن المؤمن قدوته أنبياء الله، يعني كل نبي له خاصة، هناك نبي يأكل من عمل يديه سيدنا داود، فالمحترف لا يرى أنه أقل ممن له تجارة عريضة :
(( أَنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ))
هناك نبي كان أبوه مشركاً، سيدنا إبراهيم، عابد صنم، وثنيّاً، وهناك نبي زوجته كانت سيئة جداً، سيدنا لوط وسيدنا نوح، وهناك نبي ابنه سيئ سيدنا نوح، فكل نبي له ظرف، فأنت لك أسوة حسنة بهؤلاء الأنبياء .
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ﴾ بعضهم يكتشف أن الهبة بلا مقابل، فقد تكون من ألمع الناس وليس ابنك كما تتمنى، هذا امتحان صعب، صعب جداً، ولعل الله أراد من هذا الامتحان أن يجعل من نسلك هذا الابن، فلعلك تصلحه، وقد يجد إنساناً؛ رجلاً صالحاً وزوجته ليست ملتزمة كما ينبغي، أيضاً لحكمة أرادها الله عز وجل لعلها تصلح معه، هذه الدنيا دار ابتلاء وليست دار جزاء، فكلما حدث أمر قد تجد في نبي من هؤلاء الأنبياء العِظَام قدوة لك ، يُعدّ هذا النبي في سلوكه منهجاً تترسّم معالمه فيما بينك وبين نفسك .
الأنبياء جميعاً يجب أن يكونوا منهجاً للبشرية :
سيدنا داود رجّح جانب القرب من الله على خدمة الخلق فعُوتب، سيدنا سليمان رجح جانب العمل الصالح على القرب من الله فعوتب، فكل نبي نموذج، نحن في حاجة إلى أن ندرس طبيعة هذا النبي الكريم، و ما الذي تفوّق فيه، وما الذي عوتب من أجله، لتكون هؤلاء الكوكبة من أعلام أهل الأرض منهجاً للبشرية، طبعاً نحن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن لا يمنع مثلاً أن تقرأ قصة سيدنا يونس حينما وجد نفسه فجأة في بطن الحوت .
﴿
درس بليغ، ويعطي هذا الدرس ثقة بنصر الله لا حدود لها، ممكن لإنسان مؤمن وهو بريء مئة بالمئة أن يدخل السجن لحكمة أرادها الله، فإذا قرأ في القرآن أن نبياً كريماً عند الله دخل السجن، هذه القصة تعطيه طمأنينة لا حدود لها، لأن السجن قد يدخله إنسان بريء، وقد دخله نبي كريم، الحديث طويل حول كل نبي بماذا تفوق؟ نبي كان وسيماً جداً، سيدنا يوسف، وكان عازباً، وكان بعيداً عن أهله، وكان في قصر العزيز، وراودته امرأة العزيز، وهي سيدته، وليس لصالحها أن يعلم أحد بهذا، وهو غريب، وشاب، ووسيم، وعبد، ومأمور، عدّ علماء التفسير أكثر من عشر استثناءات تدعوه إلى أن يقترف الفاحشة ، ومع ذلك قال :
﴿ وَرَٰوَدَتْهُ ٱلَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلْأَبْوَٰبَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ رَبِّىٓ أَحْسَنَ مَثْوَاىَ
النبي يسعى بكل ما أتاه الله عز وجل لترسيخ الحق دائماً :
فالشباب جميعاً من قدوتهم الحقيقي؟ سيدنا يوسف، وأصحاب الصناعات من قدوتهم؟ سيدنا داود، وحينما يشتد الهول ويحتد الخطب ويُهدَّد المؤمنون يأتي قول سيدنا هود:
﴿ مِن دُونِهِۦ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ(55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56) ﴾
سيدنا إبراهيم كان فتىً، ومن فُتوّته كان حريصاً على التوحيد، وكسّر الأصنام ليُعلّم هؤلاء الوثنيين درساً لا ينسى، قال :
﴿
تجد النبي يسعى بكل ما أتاه الله عز وجل لترسيخ دعائم الحق دائماً .
أنا أتمنى أنك إذا قرأت قصص الأنبياء والمرسلين أن تجعل من كل نبي قدوة لك، هذا في جهاده، هذا في صبره، هذا في صبره على بلاء الله عز وجل كسيدنا أيوب، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم كمالات الأنبياء جميعاً في شخصه ، فقال الله عز وجل :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) ﴾
الله عز وجل منح الإنسان نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ونعمة الهدى والرشاد :
﴿
الله عز وجل منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، في التعبير المتداول: "لا يحق له" لا تسلم له في قضية لم تفهمها، تجده في قضية من الدين يقول :
﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ ۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ ۚ وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ
مأخذ، قناص ترك الدين من أجل كلمة واضربوهن، فهمت تفسيرها؟ فهمت أبعادها؟ فهمت حكمتها؟ أو المرتد يُقتَل، من قال لك: يُقتَل؟ يُستتاب، فتجد شخصاً همه أن يبحث عن المآخذ في هذا الدين ويجعل هذه المآخذ مبرراً للانصراف عن الدين، وكل مأخذ تتوهمه مأخذاً هو له كمال ما بعده كمال، الآن المرأة يؤلمها ألماً شديداً أن تكون شهادتها نصف شهادة الرجل، وقد غاب عنها أن المسلمين في شتى أقطارهم يعدون مليار وأربعمئة مليون، لو أنهم متوحدون في عباداتهم، يمكن لامرأةٍ واحدة بشهادتها الوحيدة أن تُدخِل مليار وأربعمئة مليون مسلم في ثاني أكبر عبادة بشهادتها وحدها وهي الصوم .
بعض أساليب تشويه الدين :
رجل يملك مليارات، وأنجب طفلاً، ومات، فإذا صرخ قبل أن يموت فهناك مسألة في المواريث، وإذا لم يصرخ فهناك مسألة أخرى، وقد يكون الفرق في مئتي مليون، من هي المرأة التي تشهد وحدها أنه صرخ أم لم يصرخ؟ القابلة فقط، يُغفلون هذا الشأن الكبير للمرأة، كل قضايا النساء المرأة وحدها تشهد، وحدها، بينما في كل قضايا الرجال الحكم الشرعي يحتاج إلى شاهدَين، أما المرأة فتشهد وحدها، يعني شهادتها مضاعفة، أما إذا اتُّهمت في شرفها فشهادتها بأربع شهادات، انظر إلى النقاط الإيجابية، لا يعرفون من الدين إلا أن المرأة شهادتها بنصف شهادة، في أي موضوع؟ في جريمة جنسية، في علاقة مالية معقدة جداً، هي اهتماماتها عاطفية، اهتماماتها بعيدة عن الجرائم، وعن قضايا المال، والصرف، والأسعار، فلذلك الله أعفاها من تكون وحدها مسؤولة في شأن لا يعنيها، وفي شأن هي بعيدة عنه، وفي شأن هي فوقه، عندما تقول المرأة: عندنا كلمتان، شهادتها نصف شهادة، واضربوهن، تقول: إقامة شرع الله، هذا الشرع الذي فيه مليار قضية لا نفهم منه إلا قطع اليد فقط، المكر الغربي يشوّه الدين، إذا تكلم شخص كلمة: أنني أريد أن أطبق شرع الله، لا يقفز إلى الذهن إلا قطع اليد، أريد أن أعالج وضع المرأة في الإسلام، لا يقفز إلا الذهن إلا أن شهادتها نصف شهادة .
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌۢ بِٱلْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِى عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْـًٔا ۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِى عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُۥ بِٱلْعَدْلِ ۚ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَىٰهُمَا ٱلْأُخْرَىٰ
فهناك كيد، أما أنت حينما تفهم دينك فهماً عميقاً قضية الأسر فرضاً، أو العبودية، اسمع الحق، أنت صاحب رسالة من السماء، أنت المسلم .
﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا
يجب أن تنتشر هذه الرسالة، الآن دول قوية ثقافتها تفرضها على كل الشعوب وبالقوة، أليس كذلك؟ ثقافة القطب الواحد ألا تُفرَض على كل الشعوب بالقوة وبالضحايا؟! وهي من عندهم وليست من السماء، فكيف إذا كان معك وحي السماء ؟!!
نستطيع أن نأخذ من كل نبي شيئاً عظيماً يعيننا على مواجهة الحياة :
الله عز وجل أمرك أن تنشر هذا الدين، كيف؟ أن تعرضه على الطرف الآخر، عرض، فإن قبلوه فهم منا ونحن منهم، ولهم ما لنا وعليهم ما علينا، منا تماماً، وإن رفضوه نتعايش معهم، نعفيهم من أن يخوضوا حروبنا، نحمي لهم أهلهم وأولادهم وأموالهم، فإن رفضوا إلا أن يقاتلوا، نحن نحرص على أن نأسرهم لا أن نقتلهم، لا يوجد في الإسلام شيء اسمه إبادة، كان الصحابة الكرام يُطعمون أسراهم أطيب الطعام، ويأكلون أردأه، قال :
﴿ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ
هذه القصة كلها، يصبح رقّاً وعبودية وسوق نخاسة، فالكيد على الإسلام كبير جداً.
والله أيها الإخوة، ما دام هذا الإسلام منهج الله عز وجل فكمال هذا الدين مطلق، ولكن يتعرض الإسلام لتشويهات ما أنزل الله بها من سلطان، ولا سيما في هذه الأيام، يعني المسلم مُتَّهم سلفاً ما لم تثبت براءته، ولن تثبت، ولو ثبتت لا يُقَرّ بذلك، أي حدثٍ عنيفٍ في الأرض فاعله مسلم. يعني تقرأ قصة إبراهيم في طواعيته لله، في ثقته بالله، في عبوديته لله، ولو لم يفهم الحكم، تقرأ قصة يوسف، قصة نوح عاش في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، الآن إذا دعا إنسان إلى الله ولم يجد من يستمع إليه يقول لك: هذا العمل لا جدوى منه، يترك فوراً.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَٰلِمُونَ(14) ﴾
ممكن أن تأخذ من كل نبي شيئاً عظيماً يعنيك على مواجهة الحياة .
يجب على الداعية أن يفكر أن يكون له خلفاء لتستمر الدعوة :
هؤلاء الأنبياء :
﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي(27) ﴾
من هو الرسول؟ سيدنا موسى، معنى ذلك ما كل فصيح له مقام عند الله كبير، نحن أحياناً نتوهم أن كل إنسان فصيح له مكان كبير، ما هذه الخطبة يا أخي؟ العبرة بفصاحة القلب، العبرة بتقوى القلب، العبرة بطهارة النفس، فسيدنا هارون كان نبيّاً، لكن من هو الرسول؟ الذي معه حبسة، أي سيدنا موسى عليه السلام :
﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي(27) يَفْقَهُوا قَوْلِي(28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي(29) هَارُونَ أَخِي(30) ﴾
وزكريا :
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً(4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6) ﴾
يفكر الداعية أن يكون له خلفاء، أن تكون الدعوة مستمرة، الأضواء كلها مسلطة على شخصه فإذا مات انتهت الدعوة، مادام هو حيّاً فهو بأعلى درجة من التكريم، لكنه ما فكّر أبداً أن تستمر هذه الدعوة من بعده، هذه مشكلة كبيرة جداً، لذلك بقدر إخلاصك تهيّئ من يخلفك في هذه الدعوة، سيدنا زكريا.
كل نبي فيه شيء براق في حياته ينبغي أن يكون منهجاً لنا :
كل نبي فيه شيء براق في حياته ينبغي أن يكون منهجاً لنا، أحيانا تجد كبار العلماء ماتوا دون الخمسين، سيدنا الشافعي مات دون الخمسين، النووي مات دون الخمسين وترك آثاراً لا يعلم خيراتها إلا الله، ترك مؤلفات لا يعلم آثارها إلا الله، العمر الزمني أتفه عمر .
يعني أنا أذكر بعض الخواطر حول هؤلاء الأنبياء، كل نبي فيه شيء صارخ، يمكن أن يكون منهجاً لنا في حياتنا .
﴿ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ
يعني سيدنا يونس غلب عليه أن قومه لن يهتدوا بدعوته، فالله عز وجل أجرى له درساً بليغاً نتعلمه نحن أيضاً ﴿وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾
﴿ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإخوانهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ﴾
ألا تتأثر بقوله تعالى :
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍۢ
يعني لو أن إنساناً أنجب أولاداً واعتنى بإيمانهم حتى بلغوا مرتبة عالية، قد يأتي من ذريتهم ملايين مملينة يوم القيامة، كل هؤلاء الملايين في صحيفة الأب الذي علم ابنه، لذلك:
(( أفضل كسب الرجل ولده ))
التمييز يوم القيامة :
الآن لا يملك المسلمون إلا أولادهم، لا يملكون شيئاً، والورقة الرابحة الوحيدة في أيديهم أولادهم، لذلك كل إنسان يجب أن يبذل قصارى إمكاناته كي يكون ابنه مؤمناً ينفع الناس من بعده، حتى قال بعض السلف: " أقوم إلى زوجتي وما بي من شهوة إلا رجاء ولد ينفع الناس من بعدي "
لكن نحن الآن في العالم الدراسي الشعبة فيها ستون طالباً، الكسول والمتفوق لهما اللباس المدرسي نفسه، لا يُرى بالعين من هو المتفوق، أما عند الامتحان فيُكرم المرء أو يهان، ضمن العام الدراسي الأمور غير واضحة، لكن بعد الامتحان فلان ناجح بامتياز، فلان جيد جداً، جيد، مقبول، راسب، وهناك راسب باستحقاق، وآخذ الصفر وراسب بجدارة. فالتمييز يوم القيامة .
﴿ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) ﴾
بعد هذا :
﴿ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ(59) ﴾
ابتعدوا عنهم فأنت عندما تقرأ القرآن يجب أن تتغلغل هذه المعاني إلى أعماقك، الآن قد تجد مؤمناً ضعيفاً موظفاً بيته ستون متراً، يعني دخله أقل من حاجته بكثير، لا أحد يأبه له، ولكن له وزن عند الله كجبل أحد.
من كان مؤمناً و مستقيماً فلا ينبغي له أن يذلّ نفسه :
فأنت لا تهتم لمرتبتك الاجتماعية، قد تكون حاجباً، قد تكون موظفاً من الدرجة الخامسة، ضارب آلة كاتبة على الوارد والصادر، لكنك مؤمن، ومستقيم، وتحب الله ورسوله، وبيتك إسلامي، ودخلك حلال، ما أكلت حراماً أبداً، قلامة ظفرك تساوي مليون إنسان يعصي الله، فأنا أحب إذا كنت مؤمناً ومستقيماً أن تعرف من أنت، لا تكن هيّناً على الناس، اعرف قدر نفسك، لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلّ نفسه:
(( اطلبوا الحوائج بعزِة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير ))
﴿ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
من يشاء الهداية من عباده يهديه الله عز وجل هذا المعنى الدقيق
دين الله دين توحيد :
إخواننا الكرام، مرة ثانية، يعني في هذه الآية عدد كبير من الأنبياء، لكن أنبياء الله عز وجل لم يُذكروا جميعاً في القرآن الكريم .
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ
قد تستمعون إلى بعض الصالحين في بلاد بعيدة كانوا أنبياء، لكن بعض الأتباع ألّهوهم بعد موتهم، على كلٍ الأنبياء الذين ذُكروا في القرآن الكريم هذه آية فيها عدد كبير منهم، والعبرة أن تقرأ قصة كل نبي، وأن تستنبط منها درساً في حياتك يعينك على متابعة الطريق إلى الله عز وجل
وفي درس قادم نتابع الآيات إن شاء الله .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين