- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الرابع والعشرين من دروس سورة الأنعام .
اللعب هو كل عمل عابث لا جدوى منه :
ومع الآية السبعين، وهي قوله تعالى :
﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ(70) ﴾
أيها الإخوة الكرام، في هذه الآية مصطلحات كثيرة ومعانٍ دقيقة، والإنسان في أمسّ الحاجة إليها.
النقطة الأولى في هذه الآية: أن اللعب عمل لا غاية له، عمل عابث، شأن الصغار أن يلعبوا، وكأن الذي خلقهم رسم لهم هذا اللعب لتنمو أجسامهم، لكن طبيعة اللعب عمل لا هدف له ولا جدوى منه، وعمل عابث، هذا الأمر يقودنا إلى شيء دقيق في العقيدة، نحن لماذا خُلقنا؟ لو أن الإنسان غفل عن غاية وجوده يظن أن المال كل شيء، فكل شيء يفعله من أجل تحصيل المال، وكل شيء يفعله بالمال يأتي ملك الموت وينهي حياته في ثانية، فكل الذي حصَّله تركه وراءه .
إذاً: من دون أن تؤمن أن هناك حياةً أبدية، من دون أن تؤمن أنك مخلوق للجنة، فكل النشاط في الأرض مهما بدا عظيماً، ما دام قاصراً على الحياة الدنيا فهو لعب، لو وصلت إلى قمة الغنى، ثم ماذا؟ الموت، لو وصلت إلى قمة السلطة، ثم ماذا ؟ الموت، لو انغمست في متع حسية تفوق حد الخيال، ثم ماذا ؟ الموت، لو جُبت أطراف الدنيا، واطّلعت على القارات الخمس، ونزلت في أفخر الفنادق، وحققت كل الأهداف السياحية في الحياة، ثم ماذا ؟ الموت، لو بنيت أجمل قصر ، ثم ماذا ؟ الموت .
الدنيا بأكملها ليست غاية بل هي وسيلة فمن جعلها غاية كان عمله لعباً :
الموضوع دقيق جداً، ما لم تؤمن أنك مخلوق لغاية ما بعدها غاية، فكل شيء بعد شيء وسيلة، بعد الغنى الموت، بعد القوة الموت، بعد الصحة الموت، بعد الوسامة والجمال الموت، بعد المتع الحسية الموت، إذاً الدنيا بأكملها بالنسبة للعقلاء ليست غاية، بل هي وسيلة، فمن جعلها غاية كان يلعب وكان عمله لعباً، الذي يؤكد هذه الحقيقة قوله تعالى :
﴿ ٱعْلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌۢ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَوْلَٰدِ
هذه حقيقة الدنيا من عند خالق الدنيا، من عند خالق الكون، لذلك أيها الإخوة الكرام، الآية التي تقصم الظهر :
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) ﴾
الدنيا بكل ما فيها، لو عشت فيها عمر نوح، ألف سنة، لو ملكت ثروة قارون، لو وصلت إلى أعلى منصب فيها، لو تمتعت بصحة إلى ساعة المغادرة، لو استمتعت بكل الشهوات الحسية في أعلى درجة من المتعة، يأتي الموت ينهي كل شيء، فالموت ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، وغنى الغني، وفقر الفقير، وذكاء الذكي، ومحدودية المحدود، ويلغي صحة الصحيح، ومرض المريض، الموت يوحد البشر جميعاً .
التكريم أصل الحياة الآخرة :
أيها الإخوة، الموضوع في هذه الآية دقيق، أنت حينما تؤمن أنك مخلوق للآخرة تأتي حركاتك في الدنيا متناسقة مع هذا الهدف، تصور أنه قد جاء إنسان إلى باريس، أو إلى لندن لينال الدكتوراه، حينما يكون هدفه واضحاً تماماً تأتي حركته اليومية بجزئيات حركته، بتفاصيل حركاته وسكناته متسقة مع هذا الهدف، يمكن أن يعمل في هاتين المدينتين مليون عمل لا تتصل بهدف مجيئه لهذه المدينة ، أما لو أن الهدف واضح فأول شيء: يستأجر بيتاً قريباً من الجامعة، ليوفر المال والوقت والجهد، الشيء الثاني: يصاحب صديقاً يتقن اللغة الفرنسية، يتعلم منه النطق، الشيء الثالث: يأكل طعاماً يعينه على الدراسة، يشتري مجلة من جنس اختصاصه، يمكن أن أذكر لك مئة تصرف لهذا الإنسان الذي هدفه واضح، كل هذه التصرفات نابعة من إيمانه أنه جاء إلى هذه البلدة كي ينال الدكتوراه .
لكن إنساناً ذهب إلى هناك، ونسي الهدف، مرة بالمسرح، مرة بالسينما، مرة في سباق الخيل، مرة يتنزه في الغابات، مرة تسقط قدمه في الفواحش والموبقات، ضائع .
نحن في الدنيا، أنت حينما تعرف أنك فيها لوقت محدود، وأن هذه الدنيا سماها الله حياةً دنيا تهيئة لحياة عليا، وأن الحياة العليا التي فيها
(( إن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ))
وأن أصل الحياة الآخرة هي التكريم :
﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا
وأنها إلى أبد الآبدين، وأن هذه الحياة ليس فيها مرض، ولا فقر، ولا قهر، ولا اجتياح، ولا نقص مواد، ولا نقص مياه، ولا ابن عاق، ولا زوجة سيئة، ولا دخل قليل، ولا فقر، ولا قهر، ولا اغتصاب، ما فيها شيء سيء
الحياة الدنيا هي مزرعة الآخرة :
لذلك ما اقترن ركنان من أركان الإيمان في القرآن كما اقترن ركن الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالله يحملك على طاعته، والإيمان باليوم الآخر يحملك على ألا تؤذي مخلوقاً كائناً من كان، لذلك أقول لكم: الذي لم يدخل اليوم الآخر في حسابه لم يستقم على أمر الله.
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ(74) ﴾
أيها الإخوة، هذه الحياة الدنيا هي مزرعة الآخرة، والحياة الدنيا جنة إذا عرفت الله، لأنه عن طريق الحياة الدنيا تكتسب آلية دخول الجنة، بعباداتك، بطاعاتك، بإنفاقك، بتربية أولادك، بالدعوة إلى الله، بخدمة الفقراء، برعاية المساكين، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، لذلك ربنا عز وجل أمرنا أن نكون مع المؤمنين فقال :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119) ﴾
الآية هنا تقول :
مفهوم الدين :
لذلك أيها الإخوة، الآية تقول: الناس رجلان، مؤمن وغير مؤمن، المؤمن له أن يلتقي مع غير المؤمن بنية هدايته، بنية إقناعه، بنية الأخذ بيده إلى الله، أما حينما يرى أن الأمل معدوم دعه وشأنه والتفت إلى ربك
﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ(6) ﴾
اتجاه الكافر إلى الدنيا هذا دين ، ينطلق من فلسفة
(( من أصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه أمره، وفرق عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله له همه، وحفظ عليه ضيعته، وجعل غناء في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة ))
الدين مصير إلى أبد الآبدين فإذا خسرت دينك خسرت الأبد :
فإذا شغلك اللعب عن هدف كبير، وعن عمل عظيم فهذا فضلاً عن أنه لعب فهو لهو، يعني صرفك عن النفيس وهو خسيس. لو أن إنساناً يغوص في أعماق البحار، وكل لؤلؤة ثمنها ألوف مؤلفة، فاشتغل عن أخذ اللؤلؤ بأخذ الأصداف، ولا قيمة لها إطلاقاً، فقد اشتغل عن النفيس بالخسيس إذاً: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً﴾
الصفة الثالثة:
هي هينة على الله ، مر النبي الكريم مع أصحابه ، في أحد طرق المدينة رأى النبي شاة ميتة ، فقال :
(( أترون هذه هانت على أهلها ؟ فقالوا: من هوانها ألقوها هنا، قال: والذي نفسي بيده للدنيا على الله عز وجل أهون من هذه على أهلها ))
(( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربة ماء ))
سيدنا علي يقول: " فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً عليه الصلاة والسلام أم أهانه حين زوى عنه الدنيا ، فإن قال : أهانه فقد كذب ، وإن قال : أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا "
الشيطان دائماً مهمته أن يدفع الإنسان ليغتر بالحياة الدنيا :
الإنسان يتوهم أننا عندنا خلوي، عندنا كمبيوتر، عندنا اتصالات، عندنا مركبات، عندنا طائرات، يعني يرى الحضارة شيئاً ثميناً جداً، هذه الحضارة لو أنها ثمينة جداً لِمَ يُحرَمها الأنبياء من قبل، الذي بلغت رسالته ما بلغ الليل والنهار، لم تكن هناك لا أجهزة اتصال، ولا هواتف محمولة، ولا كمبيوترات ، ولا فضائيات، ولا شيء ، أنا لا أقلل من قيمة هذه المنجزات، لكن الذي يكتفي بها ويعبدها من دون الله، ويعبد الذين اخترعوها من دون الله بعيد عن حقيقة جوهر الحياة الدنيا .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ(5) ﴾
حدثتكم عن قصة في الدرس الماضي، عن هذا الذي يضع قمامة المحل التجاري في علبة، يلفها بورق ثمين، وشريط أحمر جميل، يضعها على طرف المحل، يراها إنسان يمر أمام المحل يأخذها، يُعجب بها، يظن بها حلياً غالية الثمن، بعد مئة متر يفك الشريط، بعد مئة متر آخر يفك الورق، بعد مئة متر ثالثة يفتح العلبة فإذا هي قمامة المحل فيسب ويلعن. وهكذا الإنسان حينما يكون على فراش الموت، يرى أنه خسر كل شيء، وليس أمامه شيء يسعده إلا حساب دقيق .
بمنظور الآخرة ليس على وجه الأرض أناس أغبى من الطغاة :
قال تعالى :
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾
كرواية رمزية:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ(8) ﴾
والله أيها الإخوة، بمنظور الآخرة ليس على وجه الأرض أناسٌ أغبى من الطغاة كيف؟ ستالين قتل خمسين مليوناً ، هؤلاء البشر لا قيمة لهم، يقتلهم ويقول: هم تحرشوا بنا، الآن كلما تحصل إبادة جماعية يقولون: أطلقوا النار، إعلامياً تُغطَّى بإطلاق النار، لكن تأكدوا أيها الإخوة أنه ما من قطرة دم تراق إلا ويتحملها إنسان يوم القيامة، ويظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً، الآلاف تموت كل يوم بلا سبب وبلا جريمة .
الإنسان كلما ازداد عقله ازداد خوفه من الله :
لذلك أيها الإخوة، الإنسان كلما ازداد عقله ازداد خوفه من الله :
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42) ﴾
بل إن الله عز وجل حينما قال:
﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ
أي النار، قال علماء التفسير: ورود النار غير دخولها، ورود النار لا يتأثر من يردها ولا بوهجها، لكن ليرى عدل الله في الكون، لأن أسماء الله الحسنى كلها مُحققة إلا اسم العدل فمُحقق جزئياً، فالله عز وجل يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ويكافئ بعض المحسنين ردعاً للباقين، ولكن ختام الحساب يوم القيامة :
﴿ كلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ
إذاً قال: هؤلاء
الآية الدقيقة جداً في هذا الموضوع :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) ﴾
صدق أنه مخلوق للجنة فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، المؤمن عجيب أيها الإخوة، يعني همه الأول أن يعطي لا أن يأخذ، لأنه يُعِد نفسه للآخرة، لأنه يعد عملاً صالحاً يلقى الله به، تجد عطاءه عجيباً يعطي كل شيء، يقابله غير المؤمن يأخذ كل شيء، لأنه أيقن أنه مخلوق للدنيا لا للآخرة.
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) ﴾
لأنه كذب بالحسنى وهي الجنة وآمن بالدنيا استغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ
هذا التقسيم الحقيقي للبشر على اختلاف مِللهم، ونِحَلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، ومذاهبهم، وأعراقهم هم رجلان:
قال:
﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍۢ ۖ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ
ما من جهة في الكون يمكن أن تنقذك مما أنت فيه يوم القيامة :
بالمناسبة هناك كسبت وهناك اكتسبت، أنت حينما تأخذ مالك كسبت، أما حينما تأخذ ما ليس لك اكتسبت.
﴿ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ
لكن الجاهل يتوهم أن الذي يكتسبه ظلماً وعدواناً هو كسبه، وهو عنده صحيح، وهذا شيء واقع عند الناس، عمله مبني على إيذاء الناس، يرتاح لدخله، عمله مبني على تخويف الناس، يرتاح لدخله الكبير، عمله مبني على ابتزاز أموال الناس، يرتاح لهذا الدخل وكأنه دخل مشروع، يبني مجده على أنقاض الآخرين، يبني حياته على موتهم، يبني غناه على فقرهم، يبني أمنه على خوفهم، يبني عزه على ذلهم، وهو مرتاح، فربنا عز وجل عدل عن اكتسب بكسب، لأن هذا الذي يكتسب الآثام والمعاصي والجرائم يتوهم أنه يحقق سعادته في الدنيا .
الرابح الوحيد من ينجو من عذاب جهنم يوم القيامة :
قال تعالى :
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ
يتعاونون، هناك بين دول الغرب مشكلات لا تعد ولا تحصى، لكنهم متعاونون على الشرق، متفقون على محاربة الإسلام، على اختلاف قومياتهم واتجاهاتهم، ففي الدنيا تعاون بين الكفار، ففي الآخرة
(( رب أشعث أغبر ذي طمرين، تنبو عنه أعين الناس، لو أقسم على الله لأبره ))
﴿ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ(6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ(7) ﴾
قديماً كانت تُعبَد الأصنام أما الآن فتُعبَد الشهوات :
الآية الثانية :
﴿ قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا
معقول أن تعبد جهة لا تملك لك نفعاً ولا ضراً، طبعاً في الجاهلية كانوا يعبدون الأصنام، يعني معقول حجر منحوت تعبده من دون الله، معقول قبيلة تصنع من التمر إلهاً فلما جاعت أكلته، معقول إله تقف أمامه متذللاً، قطعة حجر، فيأتي الثعلب فيبول على رأسه، وتعبده أنت من دون الله؟! هذا قديماً، أما حديثاً فتعبَد الشهوات الآن .
﴿ أَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ
قلت قبل قليل: فلان يعبد المرأة من دون الله، فلان يعبد المال، فلان يعبد السياحة، يعبد المتعة ، يعبد الشهرة، يعبد المكانة، يعبد السيطرة، هذه آلهة كلها، أو إنسان قوي يعبده من دون الله لأنه يتوهم أن رضاء هذا الإنسان عنه كل الخير في ذلك، وأن غضبه فيه كل الشر، لهذا أنا أقول دائماً: الذي يقول: الله أكبر قبل أن يصلي، ويطيع مخلوقاً ويعصي خالقاً، ما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة، من يقول: الله أكبر ، ويطيع زوجته في معصية ما قالها ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة، من يغش المسلمين من أجل مبلغ يأتيه من هذا الغش، هو ماذا رأى؟ رأى أن هذا المبلغ أكبر عنده من طاعة الله، إذاً ما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة.
الشيطان يستخدم سلاح الشهوات :
قال:
في الخمسينات لو أن الإنسان شاهد ما يشاهده المسلمون جميعاً في بيوتهم لأدّبه أبوه تأديباً لا يوصف، كل بيوت المسلمين أصبح فيها ملاهٍ عبر هذه الفضائيات، هذه حرب مركزة، حرب، أقوى شيء عند المسلمين دينهم، فإذا ضاع دينهم عن طريق معاصيهم انتهوا، وأصبحوا ضعافاً .
فيا أيها الإخوة
كل شيء يقربك من الله مشروع وكل شيء يبعدك عنه غير مشروع وهذا أصل الدين :
﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7) ﴾
من هم المغضوب عليهم؟ الذين عرفوا وانحرفوا، من هم الضالون؟ الذين انحرفوا وما عرفوا، فالذي يعرف أن لهذا الكون إلهاً، وأن بعد الحياة الدنيا جنة أو ناراً، وأن المنهج الإلهي هو طريق صحيح لبلوغ الجنة ثم تستهويه الشياطين، يدعونه إلى الشهوة، إلى الهوى، إلى الانحراف
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
كل شيء يقربك من الله مشروع، وكل شيء يبعدك عنه غير مشروع، هذا أصل الدين ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ﴾ والهدى الوحيد ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ خاضعين لرب العالمين.
الطاعة طريق إقامة الصلاة والمعصية طريق البعد عن الله :
الآية الأخيرة :
﴿ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) ﴾
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ(25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(26) ﴾
يعني في النهاية نحن سوف نُحشر إلى الله، أحياناً يكون الموظف عنده شيء من الذكاء يتنبأ بمن سيأتي بعد رئيسه في الدائرة، فيبدأ بالتقرب إليه قبل أن يأتي إليه، هذا نوع من الذكاء، الآن نحن في النهاية سوف نُحشر إلى الله، ينبغي أن تقيم علاقة طيبة معه من الآن، حتى إذا حُشرت إليه رُحّب بك هناك :
﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ(71) ﴾
﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ(24) ﴾
فشيء منطقي جداً، من باب الذكاء أن المصير إلى الله، وكثير من الأشخاص عنده حاسة سادسة، يتقرب إلى الجهة القادمة في وزارته، في دائرته، في مؤسسته، يشعر أنه سيأتي أحدهم ويستلم، قبل سنتين يقدم له هدايا، يزوره، يتفقد صحته، هذا نوع من الذكاء.
الله عز وجل قال: ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
فيا أيها الإخوة، هذا الكلام كلامٌ مصيري، يتعلق بسلامتنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة، والعاقل لمن اتعظ بغيره، والشقي لا يتعظ إلا بنفسه .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.