وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0969 - أسباب هلاك الأمم - معجزة انشقاق القمر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته، ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين.
 اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

أسباب هلاك الأمم:

 أيها الإخوة الأكارم، الأحداث الأخيرة التي هزت العالم، ألا تنتظمها قوانين وسنن إلهية لا تتبدل ولا تتغير؟
 يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:

 

﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾

( سورة فاطر: الآية 43)

 هذه القوانين وتلك السنن التي تنتظم الأحداث الكبرى التي تهز العالم ما هي؟ نستقيها من الوحيين، الوحي المتلو، وهو القرآن الكريم، والوحي غير المتلو، وهو السنة الصحيحة.
 أيها الإخوة الكرام، أول هذه القوانين:

1- كثرة الفساد في الأرض:

 إن من أكبر أسباب هلاك الأمم كثرة الفساد في الأرض:
 قال تعالى:

 

﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾

 

( سورة الإسراء: الآية 16)

 لمَ يترفون يا رب؟ لأنهم متبعون، لأن الأنظار تتجه إليهم، لأن العيون معقودة عليهم، لأن الذين من حولهم تبع لهم، ينصرونهم على انحرافهم، فالمعنى، أمرنا مترفيها بالطاعة، ففسقوا فيها، فحق عليها القول، فدمرناها تدميراً، إذاً:أحد أبرز أسباب هلاك الأمم كثرة الفساد في الأرض.
 أيها الإخوة الكرام، التاريخ يقدم أمثلة كثيرة، حينما فشا في بلاد الأندلس التي فتحها المسلمون الفساد والقيان والموشحات والخمور، خرجوا منها، أو أخرجوا منها، هذا قانون ينتظم الأحداث الكبرى التي تهزّ العالم.
 جاء في الحديث الصحيح عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:

(( أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْها فَزِعا يقول: " لا إله إلا اللّه، ويَل لِلْعَرَبِ من شَرّ قد اقْتَرَب، فُتِحَ اليوم من رَدْم يأجوجَ ومأجوجَ مثلُ هذه، وحَلَّقَ بأصْبَعِهِ: الإبهام والتي تَليِها ". فقالت زينب بنتُ جَحْشٍ: فقلت: يا رسول اللّه، أَنَهْلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: " نعم، إذا كَثُرَ الْخَبَثُ " ))

حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم

 المقصود بالصالحين: غير المفسدين، ولعلهم كانوا صالحين، ولم يكونوا مصلحين، وفرق كبير بين الصالح والمصلح:

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾

( سورة هود: الآية 117)

 الصالحون يهلكون، لماذا؟ لأنهم قصروا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعمّهم البلاء:

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

( سورة الأنفال: الآية 25)

 أرسل الله ملائكة لإهلاك قرية فقالوا: يا رب، إن فيها رجلاً صالحاً، قال: به فابدؤوا، قالوا: لمَ يا رب؟ قال: لأن وجهه لم يكن يتمعّر إذا رأى منكراً.
 كثرة الفساد في الأرض أحد أكبر أسباب هلاك الأمم، هذا القانون الأول الذي يلزم هلاك الأمم.
 أيها الإخوة الكرام:
 قد يسأل سائل، وهو محق: ما بال أمم الغرب، وهي أكثر فساداً وانحرافاً وإباحية، لمْ يهلكهم الله عز وجل فيما يبدو؟
 هؤلاء تعنيهم آية أخرى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

( سورة الأنعام: الآية 44)

 أي نحن ضمن العناية المشددة، هناك أمل في صلاحنا، لذلك يشدد الله علينا.
 أيها الإخوة الكرام، سبب آخر من أسباب هلاك الأمم:

2- كفر النعم وعدم شكرها:

 الدليل، قوله تعالى:

 

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

 

( سورة النحل: الآية 112)

 امتنَّ الله على قريش بأنه أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف, وإذا أراد الله أن يهلك أمة ألْبَسَها لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، ونعمة الأمن خاصة بالمؤمن، قال تعالى:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (*) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

( سورة الأنعام، آية 82،81 )

 لم يقل: أولئك الأمن لهم، لو قال ذلك لقيل: أولئك الأمن لهم.. ولغيرهم، ولكن العبارة تعني: أولئك لهم الأمن وحدهم، إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خَلْقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين فقط.
 أنت من خوف الفقر في فقر، ومن خوف المرض في مرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، وقد قال الله عز وجل:

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾

( سورة التوبة: الآية 51)

 نعمة الأمن التي يتمتع بها المؤمن، لو وزعت على أهل بلد لكفتهم.
 أيها الإخوة الكرام، السبب الثاني: هو الكفر بنعم الله عز وجل.
 وأما السبب الثالث فهو:

3- التلاعب في الكيل والميزان:

 وهذا يعني الغش بكل أنواعه، من النقص والتطفيف في الكيل والميزان.
 الله عز وجل في سورة خاصة ( المطففين ) وردت في سياق الجزء الأخير من القرآن الكريم، وكل سور الجزء الأخير متعلقة باليوم الآخر، وبتعريف الناس بالله عز وجل، فلمَ جاءت هذه السورة في موضوع بعيد عن السياق العام؟
 قال بعض المفسرين: إذا كان التطفيف وهو أكلُ حق آدمي يستحق الإهلاك، فكيف إذا غفلت عن حق الله؟ وفي الأثر:
 " واللهِ لترك دانقٍ من حرام، خيرٌ من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ".
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

(( ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة، يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط ))

 

حديث أخرجه أحمد والطبراني بإسناد حسن

 الذي قدم روحه في سبيل الله يغفر له كل ذنب إلا الدَّين، لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة.
 أيها الإخوة الكرام، النقص والتطفيف ومنع حق الله وحق العباد، ونقض العهود والمواثيق، والإعراض عن أحكام الله تعالى عز وجل، هذه كلها مجتمعة في حديث شريف صحيح، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام معنا، فعن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال:

 

(( أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ ))

 أي خمس خصال...

 

 

(( إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ))

 الفاحشة الشذوذ، يضع الشاذ حلقة في أذنه اليمنى، وتعني شيئاً، وحلقة في أذنه اليسرى، وتعني شيئاً، وحلقتين في الأذنين، وتعني شيئاً...

 

 

(( إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا ))

 والطاعون اسم جامع لكل مرض عضال...

 

 

(( وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ))

 وهذا يعني مطلق الغش...

 

 

(( إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ))

 سبعمئة مليار في حرب سابقة نقلت من المشرق إلى المغرب...

 

 

(( وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " ))

 

حديث حسن، أخرجه ابن ماجة

 كأن النبي عليه الصلاة والسلام معنا، يصف أحوالنا.
 أيها الإخوة الكرام، سبب رابع من أسباب هلاك الأمم:

4- التنافس على الدنيا:

 وقانون العداوة والبغضاء هو:

 

﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾

 

( سورة المائدة: الآية 14)

 هذا قانون العداوة والبغضاء بين البشر، مادام هناك تفلت من منهج الله، تنافس الناس على الدنيا، واقتتلوا، وأسالوا دماءهم من أجل عَرَضها، فوالله كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام:

(( فوالله مَا الْفقْرَ أخْشى عليكم، ولكني أخشى أنْ تُبْسَط الدُّنيا عليكم، كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فَتَنافَسُوها كما تَنافسوها، وتُهْلِكَكُمْ كما أهْلَكَتْهُمْ ))

حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم

 أيها الإخوة الكرام، حديث آخر يؤكد هذه الحقيقة، وتلك السنة:
 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّحّ، فإن الشحّ أهلك من كان قبلِكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم ))

حديث صحيح، أخرجه مسلم

 قال رجل لرجل صالح: ادع لي، فقال: لا تظلم، ولا حاجة لك بدعائي، لأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، ولو كان كافراً.

 للدعاء شروط:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

( سورة البقرة: الآية 186)

 إيمان واستجابة وإخلاص في الدعاء، ولكن صنفين من البشر مستثنون من شروط الدعاء، المظلوم: يستجيب الله له لا بأهليته للدعاء، ولكن بعدل الله، والمضطر: يستجيب الله له لا بأهليته للدعاء، ولكن برحمة الله.
 أيها الإخوة الكرام، ومن أسباب هلاك الأمم:

5- التعامل بالربا وانتشار الزنا:

 الربا يقوم على أن المال يلد المال، وإذا ولد المال المال تجمعت الأموال في أيد قليلة، وحرمت منها الكثرة الكثيرة، وكاد الفقر أن يكون كفراً.
 آلاف الأمراض الاجتماعية تعود إلى الفقر، كاد الفقر أن يكون كفراً، حينما نسمح للمال أن يلد المال يتجمع المال بأيد قليلة، وتحرم منه الكثرة الكثيرة.
 مشكلة أهل الأرض، أن عشرة بالمئة من سكان الأرض يملكون تسعين بالمئة من ثروات الأرض.
 السرقة، الاحتيال، تفكك الأسرة، التشرد، الطلاق، الجريمة، القتل، في معظم الأحوال وراءها الفقر، كاد الفقر أن يكون كفراً، أراد الله عز وجل للكتلة المالية التي بين أيدي الناس أن تكون متداولة بينهم جميعاً:

 

﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾

 

( سورة الحشر: الآية 7 )

 ينبغي أن يكون المال متداولاً بين كل الناس، هذه الحالة الصحيحة الصحية السليمة السوية، إذا تجمعت الأموال في أيد قليلة، وحرمت منها الكثرة الكثيرة، كان الفساد في الأرض:
 الفقر وراء الطلاق أحياناً، الفقر وراء تفكك الأسرة أحياناً، الفقر وراء البطالة أحياناً، الفقر وراء الجريمة أحياناً، الفقر وراء الاحتيال، ووراء كل أنواع الكسب غير المشروع.
 أيها الإخوة الكرام، لو سألني أحدكم: هل هناك من قاعدة تنتظم الكسب المشروع؟ وهل هناك من قاعدة تنتظم الكسب غير المشروع؟
 القاعدة: المنفعة المتبادلة محور الكسب المشروع.
 كالمضاربة، صاحب المال يربح، صاحب الجهد يربح، الربح بينهما، والخسارة بينهما، أما السرقة فمنفعة بنيت على مضرة، المنفعة المتبادلة من خصائص الكسب الحلال، بينما المنفعة التي تبنى على مضرة فمن خصائص الكسب الحرام.
 من أسباب هلاك الأمم التعامل بالربا وانتشار الزنا.
 أيها الإخوة الكرام، لو سأل سائل: ما تعريف الفساد في الأرض؟ لو أردنا أن نضغط الفساد في كلمتين ما هما؟
 حرية في كسب المال بلا ضوابط، بلا مبادئ، بلا تشريعات، بلا نظام، وحرية في اقتناص الشهوات، لذلك كان الزنا والربا على رأس قائمتي الفساد في الأرض.
 ومن أسباب هلاك الأمم:

6- تقصير الدعاة والأمراء:

 تقصير الدعاة في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقصير الأمراء في إزالة المنكرات، فمن شأن العالم أن ينكر المنكر بلسانه، ومن شأن الأمير أن يلغي المنكر بفعله، حينما قال الله عز وجل:

 

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾

 

( سورة النساء: الآية 59)

 قال الإمام الشافعي: أولو الأمر هم العلماء والأمراء، العلماء يعلمون الأمر، والأمراء ينفذون الأمر، فإذا قصر العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقصر الأمراء في إزالة المنكرات، عمَّ البلاء.
 أيها الإخوة الكرام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الفريضة السادسة، وعلة خيرية هذه الأمة:

 

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾

 

( سورة المائدة: الآية 18)

 بماذا أجابهم الله عز وجل:

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

( سورة المائدة: الآية 18)

 وإذا قال المسلمون قياساً على هذه الآية: نحن أمة محمد، الجواب: قل: فلمَ نعذَّب بذنوبنا؟
 لذلك العلماء قسموا أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى أمتين: أمة الاستجابة، وأمة التبليغ، فإذا قصرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن أمة التبليغ، ولا وزن لنا عند الله، أما إذا استجبنا لله وللرسول، فنحن أمة استجابة، ونحن عندئذ خير أمة أخرجت للناس.
 أيها الإخوة الكرام، ورد في الأثر أنه عليه الصلاة والسلام قال:
 " كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ قالوا: يا رسول الله، وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشدّ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر، ونهيُتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأَشدّ،ُ كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً؟ "
 وهذا حال المسلمون اليوم، هناك من ينكر عليك إذا أطعت الله، هناك من ينكر عليك إذا حررت دخلك من الشبهات، هناك من ينكر عليك إذا اخترت حرفة ذات دخل قليل، ولكنها مشروعة، وركلت بقدمك حرفة ذات دخل كبير، لأنها غير مشروعة.
 الناس اليوم يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف.
 أيها الإخوة الكرام، ومن أسباب هلاك الأمم:

7- ترك الجهاد ومطاوعة النفوس:

 ترك الجهاد والإخلاد إلى الأرض..
 وإذا ذكرت كلمة الجهاد فهناك أربعة مستويات للجهاد، إذا طبقنا المستوى الأول والمستوى الثاني والمستوى الثالث، ينتظر أن ننجح في المستوى الرابع.
 جهاد النفس والهوى هو الجهاد الأساسي، والمهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يقاتل نملة، ثم الجهاد الدعوي:

 

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

 

( سورة الفرقان: الآية 52)

 وسمى الله الجهاد بتبليغ القرآن الكريم، وتعزيز تعاليم الإسلام والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، سمى الله هذا الجهاد جهاداً كبيراً، وقد ورد في الأثر أن النبي عليه الصلاة والسلام عاد من غزوة فقال: " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، مجاهدة العبد هواه ".
 ثم الجهاد البنائي، قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾

( سورة الأنفال: الآية 60 )

 يجب أن نعد العدة المتاحة، وقد رحمنا الله عز وجل، فلم يكلفنا أن نعد العدة المكافئة، قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

( سورة الأنفال: الآية 60 )

 عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعتُ رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، يقول:

(( إِذا تبايعتم بالعِينَةِ ))

 أي بالتحايل على الشرع، ومثاله أن تبيع رجلاً حاجة بيعاً شكلياً، بإيجاب وقبول ديناً، ثم تشتريها منه نقداً بمبلغ أقل، وفرق الثمنين مسجل عليه ديناً، فهذا ربا وهو حرام.

 

(( وأخذتم أذناب البقَر، ورضيتم بالزرع ))

 أي ركنتم إلى الدنيا.

 

 

(( وتركتم الجهاد: سَلّط الله عليكم ذُلاً لا يَنْزِعُهُ عنكم حتى ترجعوا إِلى دينكم ))

 

حديث صحيح، أخرجه أبو داود

 أيها الإخوة الكرام، دققوا في هذه الكلمة: إذا هان أمر الله علينا هنّا على الله.
 ومن أسباب هلاك الأمم:

8- مخالفة أمر النبي عليه الصلاة والسلام:

 قال تعالى:

 

﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

 

( سورة النور: الآية 63 )

 بشارة في القرآن:

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

 

( سورة الأنفال: الآية 33

 قال علماء التفسير: ( وأنت فيهم ) يعني: إذا كانت سنتك فيهم، في نفوسهم، في بيوتهم، في أعمالهم، في سيرهم، في فرحهم، في ترحهم، في سفرهم، في حلهم، في ترحالهم، في كسب أموالهم، في إنفاق أموالهم، ما كان الله ليعذبهم.
 الله عز وجل أنشأ لكم حقاً عليه، طبِّقْ سنة النبي عليه الصلاة والسلام فأنت في مأمن من عذاب الله، ولو زلت قدمك فمعك فرصة ثانية:

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

 

( سورة الأنفال: الآية 33 )

 

 أيها الإخوة الكرام، ومن أسباب هلاك الأمم:

9- الغلو في الدين:

 والغلو هو التنطع، وقد قال عليه الصلاة و السلام:

 

(( هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ ))

 قالها ثلاثاً.

 

 

حديث صحيح، أخرجه مسلم

 وقال:

 

 

(( وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ))

 

حديث صحيح، أخرجه النسائي وابن ماجة

 الغلو في الدين: التشديد غير المعقول على جزئيات صغيرة جداً، وترك الكليات، والتدقيق في حركات وسكنات وإيماءات، والتفريط في مقاصد الشريعة، هذا هو الغلو في الدين، أنت تأخذ فرعاً من فروع الدين، وتجعله أصلاً من أصوله، ثم تقاتل من أجله، هذا غلو في الدين، وهو سبب الهلاك.

حتى لا نهلك كما هلكت الأمم:

 أيها الإخوة الكرام، شيء دقيق، وهو أننا إذا سألنا عن ورقة عمل، ماذا نعمل؟ هذا حالنا، والكرة بملعبنا، والتهديد قائم، فقد قال تعالى:

 

﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾

 

( الأنفال: من الآية 19)

معالم في طريق النجاة:

 هذا الذي يجري على المسلمين ليس قهراً، إنه وفق شروط، والتسليط بيد الله، لو قرأنا آيات القرآن، لوجدنا أن:

 

1- الأمر كله بيد الله عز وجل:

 

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾

( سورة الزخرف: الآية 84 )

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾

( سورة الكهف: الآية 26 )

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْه ﴾

( سورة هود: الآية 123 )

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾

( سورة الزمر: الآية 62 )

﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

( سورة الزمر: الآية 63 )

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾

( سورة فاطر: الآية 2)

 أيها الإخوة، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، من بديهيات الإيمان أنه لا معطي، ولا مانع، ولا رافع، ولا خافض، ولا معز، ولا مذل، إلا الله:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْه ﴾

( سورة هود: الآية 123 )

 ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه، هذا التوحيد أيها الإخوة الكرام فيه راحة للقلوب، علاقتنا مع إله واحد

2- وعد الله للمؤمنين بالاستخلاف:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

( سورة النور: الآية 55 )

 وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

( سورة النور: الآية 55 )

3- مخالفة واقع المسلمين للشروط:

 نحن لسنا مستخلَفين، ولسنا ممكَّنين، ولسنا آمنين، لأننا نقضنا عهدنا مع الله:

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

 

( سورة مريم: الآية 59 )

 وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا تعني تركها، تعني تفريغها من مضمونها، ليس كل مصلٍّ يصلي:

(( إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل على خلقي ولم يبت مصراً على معصيتي، وقطع نهاره في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب، ذلك نوره كنور الشمس أكلأه بعزتي وأستحفظه ملائكتي أجعل له في الظلمة نوراً وفي الجهالة حلماً ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة ))

حديث أخرجه البزار، عن عبد الله بن عباس، ورجاله ثقات إلا واحداً، وثقه أحمد

 ورد في الأثر:
 " عبدي خلقت لك ما في السماوات والأرض، و لم أعي بخلقهم أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين؟
 لي عليك فريضة، ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، فعزتي وجلالي، إن لم ترضَ بما قسمته لك، فلأسلطنَّ عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك، ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً.
 أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلّمتَ لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلّم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ".

 

خطوات عملية لابد منها للنجاة:

 لا بد لكي ننجو أن نقوم بخطوات عملية، أهمها:

 

1- لابد من العودة إلى الكتاب والسنة:

 أيها الإخوة الكرام، ورقة العمل العودة إلى القرآن والسنة للعلم والعمل معاً، هذا هو البند الأول، لابد من فهم صحيح لهذا الدين، أحد كبار علماء الغرب التقى بالجالية الإسلامية في بريطانية، وقال:
 " أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لأن في الإسلام خلاص العالم"
 لكن بشرط ـ هذا الشرط هو ورقة العمل ـ أن نحسن فهم الإسلام، و أن نحسن تطبيقه، وأن نحسن عرضه على الطرف الآخر، هذا هو الفهم.
 إمام مسجد في بريطانية، نقل إلى خارج لندن، يركب مركبة كل يوم مع السائق نفسه، في إحدى المرات أعطى السائق قطعة نقد كبيرة، ردّ له السائق البقية، عدّها فإذا هي تزيد عشرين بنساً عما يستحق، قال في نفسه: سأرد الزيادة إلى السائق حينما أنزل، جلس في المقعد، وجاءه خاطر شيطاني: إنها شركة عملاقة، ودخلها كبير، وهذا المبلغ زهيد جداً، فلا عليَّ أن آخذه، لكن لما أراد أن ينزل، ودون أن يشعر مدّ يده إلى جيبه، وأعطى السائق العشرين بنساً، ابتسم السائق، وقال له: ألست إمام هذا المسجد؟ قال له: بلى، قال: والله حدثت نفسي قبل يومين أن آتيك في المسجد لأتعبد الله، ولكنني أردت أن أمتحنك، صعق الإمام، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد أن يقترفها لو أبقى المبلغ في جيبه، فلما صحا من غفوته قال: يا رب، كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً، فلك الحمد أن أنقذتني.
 كم من المسلمين اليوم يبيع دينه بيمين كاذبة، باغتصاب شركة، بالاستعصاء في بيت، مع أنه أصدر عهوداً أنه يخرج عند الطلب، لأن المسلمين ضيعوا أمانة التكليف فهانوا على الله.

 

 

2- لا بد من تجديد الإيمان:

 أيها الإخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم ))

 

حديث، أخرجه الطبراني بإسناد حسن

 نحن في أمسّ الحاجة إلى تجديد للإيمان، إلى مسح للتصورات، إلى تقويم للعادات والأعمال حتى نعود إلى ينابيع الدين.
 أيها الإخوة الكرام، اذهبوا إلى ينبوع نهر بردى، واذهبوا إلى مصبه، ماء صاف عذب زلال، وماء أسود آسن، هذا مثلٌ بين أيديكم، ارجعوا إلى أصول الدين.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( بَدَأَ الإِسلامُ غريباً، وسَيَعُودُ غريباً كما بدَأَ، فطُوبَى للغرباءِ ))

حديث صحيح، أخرجه مسلم

3- لا بد من الأخوة والتعاون:

 لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، العودة إلى القرآن، وتجديد الإيمان، والأخوة الإيمانية، هل يحب بعضنا بعضاً؟ هناك دعوة إلى الله خالصة أساسها التعاون، وأي إنسان ينتمي إلى غير مجموع المؤمنين فليس مؤمناً، من علامة إيمانك أن تنتمي إلى مجموع المؤمنين، لقوله تعالى:

 

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

 

( سورة الحجرات: الآية 10 )

 لذلك هناك دعوة إلى الله خالصة أساسها التعاون، وأساسها الاتباع، وأساسها الاعتراف بالآخر، وهناك دعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله، أساسها الابتداع، وأساسها التنافس، وأساسها إلغاء الطرف الآخر.
 عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))

حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم

4- لا بد من اقتران العلم بالعمل:

 أيها الإخوة الكرام، المسلمون اليوم ظاهرة صوتية، وما لم يحول هذا العلم إلى واقع، إلى ممارسة، فلن نفلح، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قرآناً يمشي، والكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، وما لم نجد مسلماً يمشي صادقاً إذا حدثك، أميناً إذا عاملك، عفيفاً إذا أثيرت شهوته، فلن ننجو:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (*) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

 

( سورة الصف، آية 3،2 )

5- لا بد من تجديد الثقة بالله:

 أيها الإخوة الكرام، ورقة العمل أن نجدد الثقة بالله، النبي عليه الصلاة والسلام في أثناء الهجرة هدر دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، تبعه سراقة ليقتله، قال: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ أي أنا سأصل إلى المدينة، هذه ثقته بالله، وسأنشئ دولة، وسأحارب أكبر دولتين، وسأنتصر عليهما، وسوف تأتيني الغنائم، ولك يا سرقة سوارا كسرى!!.
 ينبغي أن نستعيد ثقتنا بالله عز وجل، لن يضيعنا.
 نثق بالله وأنه لابد سينصر الضعيف، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾

 

( سورة القصص: الآية 4)

 دققوا في الآية التي بعدها:

 

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (*) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

 

( سورة القصص، آية 6،5 )

 نسأل الله أن نكون من المستضعفين الذين يرجى خيرهم، ونأمل من الله التوفيق والنصر.
 أيها الإخوة الكرام، قضية الثقة بالله تحتاج إلى استقامة:

 

6- لا بد من الاستقامة على منهج الله:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (*) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (*) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾

( سورة فصلت، الآيات 32،31،30 )

وأخيراً:

 أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

 الخطبة الثانية:
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

معجزة انشقاق القمر:

 أيها الإخوة الكرام، في مقابلة تلفزيونية مع عالم من علماء الجيولوجيا، وهو متخصص بالإعجاز العلمي، سأله مقدم البرنامج عن هذه الآية:

 

﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾

 

( سورة القمر: الآية 1)

 هل فيها إعجاز قرآني علمي؟ فأجاب العالم المسلم: هذه الآية لها معي قصة، فمنذ فترة كنت أحاضر في جامعة كاردييف في غرب بريطانيا، وكان الحضور خليطاً من المسلمين وغير المسلمين، وكان هناك حوار حي للغاية عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وفي أثناء هذا الحوار وقف شاب من المسلمين، وقال: يا سيدي هل ترى في قول الحق تبارك وتعالى:

﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾

( سورة القمر: الآية 1)

 لمحة من لمحات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؟ فأجابه هذا العالم الجليل المتخصص بالإعجاز العلمي: لا، لأن الإعجاز العلمي يفسر بالعلم، بينما معجزات الأنبياء ليس لها تفسير علمي، إنها خرق للنواميس والقوانين، أي إذا قال الله عز وجل:

﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (*) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴾

( سورة الرحمن، آية 20،19 )

 بعد ألف وأربعمئة عام اكتشف علماء البحار أن كل بحر له خصائصه، ومكوناته، وكثافته، وملوحته، وأن مياه كل بحر لا تختلط بالبحر الآخر.
 هذه الآية فيها إعجاز علمي، لأنها إشارة متقدمة جداً لما تقدم العلم فسرها، أما صعود النبي عليه الصلاة والسلام إلى السماوات العلا فهذا خرق لنواميس الكون، العلم لا يملك تفسير ذلك، فأجاب هذا العالم: لا، قضية اقتربت الساعة، وانشق القمر لا تندرج تحت الإعجاز العلمي.

قصة انشقاق القمر:

 جاء في كتاب الله هذه الآية، وجاء في سنة النبي عليه الصلاة والسلام قصة انشقاق القمر، في كتب السنة يروى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر من مكة إلى المدينة بخمس سنوات جاءه نفر من قريش، وقالوا له: يا محمد، إن كنت حقاً نبياً ورسولاً فأتنا بمعجزة تشهد لك بالنبوة والرسالة، فسألهم ماذا تريدون؟ قالوا: شق لنا القمر، على سبيل التعجيز والتحدي، فوقف النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ربه أن ينصره في هذا الموقف، فألهمه ربه تبارك وتعالى أن يشير بإصبعه الشريف إلى القمر، فانشق القمر إلى فلقتين، تباعدتا عن بعضهما البعض لعدة ساعات، ثم التحمتا، فقالت قريش: سحرنا محمد، لكن بعض العقلاء قالوا: إن السحر قد يؤثر على الذين حضروه، لكنه لا يؤثر على كل الناس، فانتظروا الركبان القادمين من السفر، فسارع أهل مكة إلى مخارج مكة ينتظرون القادمين من السفر، فحينما قدم أول ركب سألهم أهل مكة: هل رأيتم شيئاً غريباً حدث لهذا القمر؟ قالوا: نعم في الليلة الفلانية رأينا القمر قد انشق إلى فلقتين تباعدتا عن بعضهما، ثم التحمتا، فآمن منهم من آمن، و كفر منهم من كفر.

 

رواد الفضاء يثبتون انشقاق القمر:

 يقول عالم الجيولوجيا المتخصص بالإعجاز العلمي:
 وفي أثناء المحاضرة وقف شاب مسلم بريطاني عرف بنفسه، وقال: أنا (داود موسى بيتكوك) رئيس الحزب الإسلامي البريطاني، ثم قال: يا سيدي، هل تسمح لي بإضافة، قلت له: تفضل، قال: وأنا أبحث عن الأديان قبل أن أسلم، أهداني أحد الطلاب المسلمين ترجمة لمعاني القرآن الكريم، فشكرته عليها، وأخذتها إلى البيت، وحينما فتحت هذه الترجمة كانت أول سورة أطلع عليها سورة القمر، وقرأت قوله تعالى:

 

﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾

 

( سورة القمر: الآية 1)

 فقلت: هل يعقل هذا الكلام؟ هل يمكن للقمر أن ينشق، ثم يلتحم، وأية قوة تستطيع عمل ذلك؟ يقول هذا الشاب: فصدتني هذه الآية عن متابعة قراءة القرآن، وانشغلت بأمور الحياة، ووضع الكتاب في مكان متطرف، ونسي الموضوع، هذه الآية صدته عن متابعة القرآن الكريم، ولكن الله عز وجل يعلم مدى إخلاصي بالبحث عن الحقيقة.
 الآن دققوا أيها الإخوة الكرام، الآن بدأ أهم ما في الموضوع:
 قال: فأجلسني ربي أمام التلفاز البريطاني، وكان هناك حوار يدور بين معلق بريطاني وثلاثة من علماء الفضاء الأمريكيين، وكان هذا المذيع يعاتب هؤلاء العلماء، هذه الندوة لا علاقة لها بالدين أصلاً، ولا علاقة لها بالإسلام مطلقاً، ولا علاقة لها بالقرآن، والإسلام مغيب عن هذه الندوة، حوار بين مذيع بريطاني وثلاثة رواد فضاء، فقال هذا المذيع، وهو يعاتب هؤلاء العلماء على الإنفاق الشديد على رحلات الفضاء في الوقت التي تمتلئ فيه الأرض بمشكلات الجوع والفقر والمرض والتخلف، وكان يقول: لو أن هذا المال الغزير أنفق على عمران الأرض لكان أجدى وأنفع للناس، وجلس هؤلاء العلماء الثلاثة يدافعون عن وجهة نظرهم، ويقولون: إن هذه التقنية تطبق في نواح كثيرة من الحياة، حتى إنها تطبق في الطب والصناعة والزراعة، فهذا المال ليس مالاً ذهب هدراً، لكنه أعاننا على تطوير تقنيات متقدمة للغاية، ومن خلال هذا الحوار جاء ذكر رحلة إنزال رجل على سطح القمر، باعتبار أنها أكثر رحلات الفضاء كلفة، فقد كلفت أكثر من مئة ألف مليون دولار، فهنا صرخ المذيع البريطاني، وقال: أي سفه هذا، مئة ألف مليون دولار كي تضعوا علمكم على سطح القمر؟ فقالوا: لا، لم يكن الهدف وضع العلم فوق سطح القمر، كنا ندرس تركيب القمر الداخلي، فوجدنا حقيقة لو أنفقنا أضعاف هذا المال لإقناع الناس بها لما صدقنا أحد، فقال لهم: ما هذه الحقيقة؟ قالوا: هذا القمر انشق في يوم من الأيام، ثم التحم، فقال لهم: كيف عرفتم ذلك؟ قالوا: وجدنا حزاماً من الصخور المتحولة يقطع القمر من سطحه إلى جوفه على طول سطحه فاستشرنا علماء الأرض، وعلماء الجيولوجيا فقالوا: لا يمكن أن يكون هذا قد حدث إلا إذا كان هذا القمر قد انشق ثم التحم.
 يقول هذا الرجل المسلم رئيس الحزب الإسلامي البريطاني: فقفزت من الكرسي، ووقفت، وقلت: هذه معجزة حدثت لمحمد صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمئة سنة، يسخر الله لها أقوى الأمم، لإنفاق أكثر من مئة ألف مليون دولار لإثباتها للمسلمين، لا بد أن يكون هذا الدين حقاً، ثم أسلم.
 أيها الإخوة الكرام، قال تعالى:

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾

( سورة فصلت: الآية 53 )

الدعاء:

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
 وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور