وضع داكن
18-04-2024
Logo
الأسماء الحسنى - الدرس : 21 - اسم الله الصبور
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

من أسماء الله الحسنى:(الصبور):

لله عز وجل امتحانان صعبان:

 

 أيها الأخوة الكرام، مع اسم من أسماء الله الحسنى، وهو اسم الصبور.
 قد تدهش حينما ترى مجتمعاً كافراً أو مجتمعاً ملحداً وهو ينكر وجود الله عز وجل، ويبالغ في المعاصي والآثام، ويعتدي على الآخرين، ويتغطرس، ويتكبر، والله يمدّ له، هذه مفارقة حادة، قد يقول ضعيف الإيمان: أين الله ؟ ولحكمة بالغة الله عز وجل عنده امتحانان صعبان.

1 ـ الامتحان الأول:

 أنه يقوي الكافر، ويقويه إلى أن يتوهم الناس أنه يفعل ما يريد، ولا يدخل حساب الله في حساباته إطلاقاً، ويزداد قوة، ويزداد بطشاً، ويزداد تنكيلاً بالمؤمنين، قد تقول: أين الله ؟ الله ( صبور )

 

2 ـ الامتحان الثاني:

 حينما ترى مجتمعاً كافراً، أو ملحداً، أو ظالماً، أو معتدياً، يتفنن في إذلال الآخرين، يتفنن في تعذيبهم، في قتلهم، كما ترون فيما يجري في العراق وفلسطين، والقوة العظمى تزداد غطرسة وعنجهية وكبراً، وهؤلاء قائمون بالله عز وجل، عند الله عز وجل كن فيكون، زل فيزول، كلمة. أحياناً في معامل الحديد رافعة كهربائية يمكن أن ترفع خمسين طناً، وهذه الأطنان ملتصقة بالرافعة، بحيث لا تستطيع قوة في المعمل أن تزيحها، لكن العامل الذي على هذه الرافعة عنده زر، لو ضغطه نصف ميليمتر وقطع الكهرباء عن هذه الوشيعة الرافعة تسقط كل هذه الكمية من الحديد فوراً، اعتقدوا يقيناً أن كل قوي، وأن كل جبار، وأن كل متكبر، وأن كل متغطرس، وأن كل متعجرف، وأن كل طاغية حينما يصدر أمرٌ من الله عز وجل، كلمة كن للتقريب، لأن كلمة كن تحتاج إلى ثوان، كن حركة واحدة في ثانية، لكن تنفيذ الأمر عند الله أسرع من كلمة كن.

 

 

الله عز وجل صبور يؤخر كل إنسان إلى أجل مسمى:

 

 لذلك الله ( صبور )، وحكمته في أن الإنسان خلقه وخيره، ولابد من أن يأخذ الإنسان أبعاده، الدليل قال تعالى:

﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى ﴾

( سورة طه )

 الكلمة أن الله عز وجل خيّر الإنسان، جعله مختاراً، قال تعالى:

﴿ كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ﴾

( سورة الإسراء )

﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى ﴾

( سورة طه )

 هناك امتحان، طوال العام الدراسي قد يتفنن الطالب في التخلف، وعدم الدوام، وعدم الكتابة، والإساءة، لو أن المعلم قيّمه بعلمه لاحتج الطالب، لو امتحنتموني لكنت الأول، لذلك ينتظره المعلم إلى الامتحان ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة ينتظره، فالله (صبور)، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ (61) ﴾

( سورة النحل)

 ترى شعوباً، أمماً، ودولاً في بلاد الشذوذ تغلب على الحالات الطبيعية، أمم أخرى ينكرون وجود الله عز وجل، كل أمة لها معصية تقتضي الهلاك، والله ( صبور ) يؤخّرها إلى أجل.

 

الله عز وجل ليس غافلاً لكنه يتغافل ليأخذ الإنسان أبعاده:

 

 لذلك فإن الإنسان غير العميق حينما يرى العقاب متأخراً يظن أنه لن يعاقب، فيكون الرد الإلهي:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

( سورة إبراهيم )

 فالله ليس غافلاً، لكنه يتغافل ليأخذ الإنسان أبعاده.
  الموظف في محل تجاري، يا ترى هو أمين أم غير أمين ؟ موثوق أم غير موثوق ؟ يُعتَمَد عليه أم لا يعتمد عليه ؟ لو أن صاحب المحل يأتي كل يوم الساعة الثامنة فيفتح المحل بنفسه، ويجلس وراء الطاولة، والمال في الطاولة، ويغادر آخر إنسان، يا ترى هذا الموظف الذي عنده أمين أم خائن ؟ لا نعرف، أما لو أن صاحب المحل خرج من المحل، وزار المحل الذي يواجهه، وتغافل عن هذا الموظف، لكنه يراقبه من طرف خفي، أيأخذ من المال من دون إذن صاحب المحل ؟
 فمن أجل أن يمتحنه فلا بد من أن يتغافل، الإنسان يوطن نفسه، يمكن أن تعصيه، ولا ترى مكروهاً إلى أمد طويل، ويمكن أن تطيعه، ولا ترى مكافأة إلى أمد طويل، لولا ذلك لألغي الاختيار، ولو أن الناس أخطؤوا فدمرهم الله عز وجل جميعاً يستقيمون، ولكن هذه الاستقامة لا يرقون بها لأنها اضطرارية.

 

قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار:

 

 

 سيدنا عمر جاءه رجل شارب خمر فقال: أقيموا عليه الحد، فقال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليّ ذلك، قال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، و مرة لأنه افترى على الله، قال: ويحك يا هذا، إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
 لو أن العقاب يأتي عقب المعصية، والمكافأة تأتي عقب الطاعة لأقبل الناس على الدين أفواجاً أفواجاً، لا لأنهم يحبون الله، بل طمعاً بالمكافأة، أنت قل: من يدفع ألف ليرة يأخذ عشرة آلاف، لوجدت ملايين مملينة تنتظر  أن تدفع ألف لتأخذ عشرة آلاف، ليس هذا هو الدين، ولو قلت: أي إنسان ينظر إلى امرأة يقتل لن تجد أحداً ينظر، وألغي الاختيار، هذه استقامة اضطرار لا قيمة لها إطلاقاً، لكن يمكن أن تطيعه لأمد طويل، ووضْعك هو هوَ، ودخلك محدود، وعندك مجموعة مشكلات، ويمكن أن تعصيه إلى أمد طويل، وأنت ترى الأمور تجري كما تحب.

الله يمهل ولا يهمل:

 لذلك الله عز وجل ( صبور )، يمهل ولا يهمل، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾

( سورة الأعراف )

 المتانة مقاومة قوى الشد، لذلك نَصِفُ الحبلَ بأنه متين، وأمتن حبل هو الحبل الفولاذي المضفور، والمصاعد، والتلفريك، تستخدم أمتن عنصر في الأرض، الفولاذ المضفور، فكأن الإنسان مربوط بحبل مهما تحرك الإنسان فالحبل متين لا ينقطع، هو في قبضة الله عز وجل ، ونَصِفُ الماس بأنه قاس، القسوة مقاومة قوى الضغط، الله قال:

﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) ﴾

(سورة الأعراف)

خطة الله تستوعب خطة الكافر:

 

 لذلك قال تعالى:

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ﴾

( سورة الأنفال )

 معنى سبقوا أنهم فعلوا شيئاً ما أراده الله، وكل هذا الذي يجري في هذه المنطقة أراده الله، بمعنى أن الله سمح به لحكمة بالغة، ولا يمكن أن يفعل الإنسان فعلاً لم يسمح به اللهُ، معنى ذلك أن خطة الله تستوعب خطة الكافر، قال تعالى:

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ﴾

( سورة الأنفال )

الله عز وجل صبور يؤخر العقاب لحكمة بالغة:

 

 أيها الأخوة الكرام، يمكن أن نلخص معنى ( الصبور) أنه يؤخر العقاب تأخيراً، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

( سورة الأنعام )

 نذهب إلى بلاد بعيدة، واللهِ كأنها جنة، والمعاصي التي ترتكب لا يتصورها العقل، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) ﴾

( سورة الأنعام )

 ضربة ساطور، الله عز وجل ( صبور )

 

الفرق بين اسم الحليم واسم الصبور:

 

 قد يسأل سائل: ما الفرق بين اسم الحليم واسم الصبور ؟ في اسم ( الصبور ) يلمح تأخير العقاب فقط، أما في اسم الحليم يلمح مع تأخير العقاب العفو، اسم الحليم أوسع من اسم ( الصبور )، ( الصبور ) يؤخر العقاب، لكن العقاب واقع، بينما الحليم يؤخره، وقد يعفو.

حظنا من اسم الله الصبور:

 أيها الأخوة الكرام، ألا ينبغي للإنسان أن يكون صبوراً ؟ أول شيء قال تعالى:

﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) ﴾

( سورة المدثر)

 الضعيف يصبر لا لربه بل يصبر لأنه ضعيف، أنت ضعيف، وتهجم عليك إنسان، ولا تملك أن تقابله بشيء، تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، هذا صبر، لكن لأنك ضعيف، أما الصبر الذي ترقى به هو أن تكون قادراً، وتعفو، لذلك:

﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) ﴾

( سورة المدثر)

 والآية الثانية:

﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ (127) ﴾

( سورة النحل)

 الله عز وجل يهبك القوة على تحمل المصيبة، هذا صبر بمعونة الله عز وجل.

 

الصبر معونة إلهية:

 

 أيها الأخوة الكرام، وأنت مكلف أن تصبر، وأن تحمل الآخرين على الصبر، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا (200) ﴾

( سورة آل عمران)

 يجب أن تعتقد أن الصبر معونة إلهية:

﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ (127) ﴾

( سورة النحل)

 ويجب أن تعتقد أن الصبر ينبغي أن يكون لله، وأن تكون قوياً، وبإمكانك أن توقع الأذى، قال النبي صلى الله عليه و سلم في فتح مكة لقريش:

 

(( ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء ))

 

[السيرة النبوية لابن هشام]

الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر و المعصية مع الصبر طريق إلى القهر:

 حدثني أخ في هذا المسجد له زوجة سيئة جداً، شكاها إلى أخيها، قال له: طلقها.
 هناك إنسان ينبغي أن يدعو إلى الصبر، إلى إصلاح ذات البين، فأنت فضلاً عن أنك ينبغي أن تكون صابراً ينبغي أن تحمل الآخرين على الصبر، لأن الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر، لكن المعصية مع الصبر  طريق إلى القهر، ثم إلى القبر، فنحن بين أن نعصي ونصبر، ولا أمل، ولا فرج، ولا نتيجة، ولا بصيص ضوء، نمشي في نفق مظلم، أما حينما نطيع ونصبر فهذا طريق النصر، لكننا نجد في هذا النفق الصعب بقعة ضوء كبيرة في نهايته، معنى ذلك أننا اقتربنا من الطرف الآخر.
 لذلك أيها الأخوة الكرام، المؤمن حينما يرى الله عز وجل يمده ولا يعاقبه ينبغي أن يحذره، إذا رأيت ربك يتابع نعمه عليك، وأنت تعصيه فاحذره، ويجب أن تكون واعياً، وأن تكون متفحصاً لوضعك مع الله، يمكن أن تقصر، والله يصبر عليك، أما حينما يعالجك فعدّ هذا كرماً من الله عز وجل، وحرصاً منه عليك، ومداواة لك، ومعالجة إليك.

لن ترقى إلى الله عز وجل إلا إذا صبرت على من حولك:

 

 أيها الأخوة الكرام:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾

( سورة الأعراف)

 الله عز وجل ( صبور )، فأنت بصبرك على زوجتك، وعلى أولادك، وعلى جيرانك، وعلى شريكك أحياناً، بصبرك على هؤلاء الذين حولك يمكن أن ترقى إلى الله عز وجل، لأنك تقربت إلى الله بكمال مشتق من كماله، الله عز وجل ( صبور )، وينبغي أنت أن تكون صبوراً، صبور صيغة مبالغة، أي يصبر على مئات الأخطاء، بل ألوف الأخطاء، بل ملايين الأخطاء، ويصبر على خطأ لا يحتمل، إما نوعاً أو كماً.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور