وضع داكن
27-12-2024
Logo
الدرس : 08 - سورة الأنعام - تفسير الآيات 27-31 ، الندم بعد فوات الأوان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن من دروس سورة الأنعام .


حذف جواب(لو)في الآية التالية إشارة إلى أن اللغة أحياناً تكون عاجزة عن وصف الواقع :


 مع الآية السابعة والعشرين، وهي قوله تعالى :

﴿  وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 أيها الإخوة الكرام، قد يقول لك أحدهم: رأيت شيئاً لا يوصف، يقول لك أحدهم: اللغة عاجزة عن التعبير عما في نفسي .

كأن اللغة بكل مفرداتها لا يمكن أن تنقل لنا الصورة التي يكون عليها الكفار يوم القيامة من الذل :

 وكأن الله سبحانه وتعالى يقول لنا: هؤلاء الطغاة، هؤلاء المجرمون الذين طغوا، وبغوا، واستكبروا، واستعلوا، ألم يقل فرعون؟

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24). ﴾

 

[ سورة النازعات  ]

 ألم يقل فرعون ؟

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّى صَرْحًا لَّعَلِّىٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّى لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ(38) ﴾

[ سورة القصص ]

 هؤلاء الأقوياء الذين استهانوا بحياة البشر، وبكرامة البشر، يقول الله عز وجل: يا محمد، لو ترى وضعهم يوم القيامة، تصوّر إنساناً طاغية، يمكن أن يُفني نصف شعبه، وُضع في يديه القيد، تصور حاله، تصور مشاعره، تصور ذله، تصور قماءته، تصور خضوعه، 

﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ أحياناً مجرم يسطو على البيوت، ويأخذ الأموال، ويُرهِب الناس، إلى أن يقع في أيدي العدالة تجده ذليلاً لا يستطيع أن ينظر إليك، خافض الطرف، الآية دقيقة جداً، أن هذا الذي يطغى، هذا الذي يستعلي، هذا الذي يتغطرس، هذا الذي يتكبر، هذا الذي يدّعي الألوهية، هذا الذي يقول كما قال فرعون: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ هذا الذي يقول: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ قوم عاد حينما قالوا:

﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجْحَدُونَ(15) ﴾  

[ سورة فصلت  ]

 وليس بعيداً عنكم ما يقوله أقوياء الأرض الآن، ما يتبجّحون به، ما يرددونه، ما يهددون به، الفراعنة كثيرون ولكل عصر فرعون، ولكل عصر وحيد القرن، هؤلاء أيها الإخوة، ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ لو ترى خِزيهم، لو ترى ذلهم، لو ترى خوفهم، لو ترى خضوعهم، لو ترى صَغَارهم، لو ترى تضعضعهم، كأن اللغة بكل مفرداتها لا يمكن أن تنقل لنا الصورة التي هم عليها، يعني الذي أُتيح له أن يتابع التاريخ الحديث، حينما يقع الطاغية بيد خصومه، وحينما يبالغ الخصم في فحص حامضه النووي، وحينما يبالغ الخصم في فتح فمه ليرى أسنانه، هذا ذل ما بعده ذل .


بلاغة الآية التالية في حذف الجواب :


أيها الإخوة، الآية فيها بلاغة ما بعدها بلاغة، بلاغة الآية في حذف الجواب، الآن أحياناً تقول: رأيت شيئاً لا يُصدَّق، تقول أحياناً: رأيت شيئاً لا يُوصَف، تقول أحياناً: اللغة عاجزة عن الوصف، درسنا في علم اللغة، بل في فقه اللغة، أو ما يسمى فلسفة اللغة أنه في أحيانٍ كثيرة من سلبيات اللغة أنها عاجزة عن نقل الصورة الحقيقية، الآن في البرمجة العصبية يقولون: إن النص المكتوب لا ينقل من الواقع إلا 6 % فقط، إذا رافقه صوت يُضاف إليه 35 %، فإذا أضيفت له الصورة يصل إلى 100 %، لكن رأيت أن بعض الأهوال في بلد عربي في جنوبه، وقد دامت فيه الحروب الأهلية 40 عاماً، قلت: والله إن النص المكتوب، والنص المسموع، والنص المرئي لا يساوي 10 % من الواقع الذي رأيته، أحيانا اللغة تعجز عن نقل الصورة الحقيقية.

 في اللغة تعبيرات كثيرة تستخدم أسلوب العجز عن الوصف كأسلوب للوصف، هذه الآية بلاغتها في حذف الجواب، لعلي أنقل لكم آيةً مشابهة:

﴿  أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى(9)عَبْداً إِذَا صَلَّى (10) ﴾

[  سورة العلق  ]

 أين الجواب؟ يعني انظر إلى أحواله، هذا الذي ينهى عبداً إذا صلى انظر إلى مواثيقه، إلى عهوده، إلى استقامته، ليس مستقيماً ولا يفي بالعهد، ولا ينجز الوعد، مادي، دنيء، شهواني ، يخون ، ينافق ، يكذب، يحب ذاته، لشدة النقائص التي فيه ، لكثرة العيوب التي تلبّس بها، لشدة الحقارة التي تغطيه من رأس إلى قدمه الله عز وجل حذف الأوصاف كلها ، قال: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى) (عَبْداً إِذَا صَلَّى).


لأسلوب الحذف طريق إيجابي أيضاً :


 لهذا الأسلوب طريق إيجابي أحياناً، تلقى النبي عليه الصلاة والسلام وهو في سدرة المنتهى تجليات من الله عز وجل، تجلّيات مُسعِدة، يا ترى هذه التجليات مسعدة فقط ، فيها نور، فيها معرفة، فيها قرب، فيها سعادة، فيها إطلالة كبيرة على الكون، فيها كمال لا ينتهي ، قال :

﴿  إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى(16) ﴾

[ سورة النجم  ]

 هذا أسلوب آخر ﴿إذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى﴾ ليس هناك تفاصيل، أحياناً تقول لأحدهم: آه لقد أصابني ما أصابني، ماذا أصابك؟ إذا قال لك: لقد أصابني ما أصابني، تظنه مرضاً عضالاً، تظنه فقراً مُدقِعاً، تظنه سجناً مديداً، تظنه شقاء أُسرياً، تظنه، تظنه، لقد أصابني ما أصابني ﴿إذ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى﴾ .

﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ لو ترى حالهم يا محمد، لو ترى ذلّهم، لو ترى تضعضعهم، لو ترى ندمهم، لو ترى حسرتهم، لو ترى عِظَمَ خسارتهم، لو ترى ندمهم، كأن اللغة لا يمكن أن تعبر عن حال هذا الإنسان الذي خسر الأبد .

 والله الذي لا إله إلا هو لو أن الإنسان في الدنيا أصابته كل أنواع المصائب من دون استثناء، ووصل إلى القبر ناجياً فهو الرابح الأول.


كل إنسان مؤمن فيه خير مبتلى :


 أيها الإخوة الكرام، لا تحزنوا على ما فاتكم حينما يكشف الله لكم حكمة الذي ساقه إليكم، كل إنسان مبتلى، كل إنسان مؤمن فيه خير مُبتلى، أما الذي شرد عن الله شرود البعير تنطبق عليه الآية الكريمة:

﴿  فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 استنباطاً من هاتين الآيتين، إذا رأيت الله يتابعك، ويؤدبك، ويعاتبك، ويعاقبك، ويشدد عليك، ويضيق عليك، ويحاسبك على الخاطر، إن رأيت الله يعاملك هذه المعاملة فاستبشر، فإنك تنطبق على الخير، ولو لم تكن كذلك لَمَا أدّبك، ولَمَا عاقبك، بل تركك تستمرئ هذا الطريق الذي ينتهي إلى الهلاك، فخير لنا ألف مرة أن نكون في العناية الإلهية المشددة، من أن نكون قد أُخرِجنا من هذه العناية.

 يعني طالب يدرس في الجامعة، ويُعِدّ نفسه لمنصب رفيع، ولدخل كبير، ولمكانة اجتماعية كبيرة، إذا شكا لك ضيق الوقت، وكثرة الواجبات، وصعوبة متابعة الدروس، وقسوة الأساتذة، وثقل الوظائف، والدوام الطويل، والأعمال التي يُكلّف بها الطالب مِن قِبل أستاذه وقد لا يجد وقتاً لها، إذا شكا لك هذا الطالب هذه الشكاوى المتعددة، وقال لك آخر لا يقرأ ولا يكتب: أنا ما عندي مشكلة أبداً، أنام إلى الظهر، ثم أتمطّى، ثم آكل، ثم أذهب إلى السينما، ثم أعود لألعب الورق مع رفاقي حتى منتصف الليل، يجب أن تعلم أن هذا الثاني خارج الحسابات كلها، هذا الذي يقول لك : أنا ما عندي مشكلة هو نفسه مشكلة . 

 إن لم تشعر أنك مكلف بمعرفة الله وطاعته، ونيل رضوانه فأنت خارج الحسابات .


أحاديث من السُّنة الشريفة تبين أن الرخاء مؤقت والشقاء مؤقت :


 أيها الإخوة، في الآية هذا الملمح الكبير ملمح حذف الجواب في الآية : 

﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ لو ترى حالهم، لو ترى ذلهم، لو ترى ندمهم، لو ترى حسرتهم، لو ترى خنوعهم، لو ترى خوفهم، لو ترى تقصيرهم، ورد في بعض الأحاديث : 

((  إن العار ليلزم المرء يوم القيامة، حتى يقول: يا رب ، لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب  ))

[  أخرجه السيوطي عن جابر رضي الله عنهما  ]

 إخواننا الكرام، حالة الندم التي تعتري الإنسان حينما يغادر الدنيا، وكان ساهياً ولاهياً لا توصف، حتى أن الإنسان الشارد عن الله إذا رأى مكانه في النار بعد أن وافته المنية يصيح صيحة لو سمعها أهل الأرض لصعقوا " . بل إن النبي عليه الصلاة والسلام في بعض أحاديثه يقول : 

(( يُؤْتَى بأَنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيا مِن أهْلِ النَّارِ يَومَ القِيامَةِ، فيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقالُ: يا ابْنَ آدَمَ، هلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ، ويُؤْتَى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنْيا مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فيُقالُ له: يا ابْنَ آدَمَ، هلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ، ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ. ))

[ صحيح مسلم ]

 ينسى كل المتاعب، والذي كان في أعلى مرتبة، وكان في أبهى زينة، وكان في أجمل بيت، يركب أجمل مركبة، إذا وافته المنية، ورأى مكانه الآخر في العالم الآخر يصيح صيحة، ويقول : لم أرَ خيراً قط .


حالة الندم لا توصف عند من خسر شيئاً من الدنيا فكيف بمن خسر الآخرة ؟


 صدقوا أيها الإخوة، ما رأيت عاقلاً قط أعقل ممن أعد لساعة الموت ما تستحق، أحياناً إنسان يعزي  إنساناً رآه أين دُفن، ثم دخل إلى بيته في التعزية، مسافة كبيرة جداً، بيت واسع، وازنه مع قبر، ونحن جميعاً مصيرنا إلى القبر، واقرأ كل النعوات، وسيُشيَّع إلى مثواه الأخير، ماذا تسمي بيتك إذاً؟ المثوى المؤقت، هذا المثوى المؤقت. 

﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ هذه حالة الندم التي لا توصف، الإنسان أحياناً يعمل في التجارة، يشتري صفقة لا يربح منها شيئاً، يبذل من أجلها جهوداً جبارة لسنوات عديدة، يقوم بحساباته، لا يجد ربحاً، يصدر صوتاً خارجاً من أعماق أعماقه، يا ليتني لم أشترِ هذه الصفقة، لأنه لم يربح، فكيف إذا خسر؟ فكيف إذا عمل سنوات طويلة، وحقق خسارة كبيرة؟ هذا هو الندم أيها الإخوة، الندم لا يوصف، الإنسان يخسر بيتاً، أحياناً يخطب فتاة مناسبة جداً، يتردد بالقرار، يذهب إليهم موافقاً، يقولون والله خُطِبت، وانتهى الأمر، يبقى سنوات والحسرة تملأ قلبه، أحياناً يفرّط بتجارة، ببيت، بزوجة، بمنصب أحياناً، يرتكب حماقة أحياناً ويطلق زوجته، وهي جيدة جداً، يندم ندماً لا يوصف، فكيف إذا خسر الأبد؟ فكيف إذا خسر الآخرة كلها ؟!!

﴿  وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) ﴾

[  سورة الفرقان  ]


في الآيات التالية يخبرنا الله عز وجل عن حال أهل النار :


 أيها الإخوة الكرام :

﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ هذا الكلام يتلى علينا الآن ، نحن أحياء، والفرص كلها مفتوحة، بإمكانك أن تتوب، وأن تستغفر، وأن تصلي، وأن تقرأ القرآن، وأن تعمل الصالحات، وأن تنفق الأموال، وأن تدعو إلى الله، وأن تطلب العلم، وأن تكون باراً بوالديك، وأن تربي أبناءك، كله ممكن، مادام في العمر بقية كله ممكن. في هذه الآيات يخبرنا الله عز وجل عن حال أهل النار: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ نحن أحياء الفرص كلها مفتوحة أمامنا، فرص التوبة والعمل الصالح، والتزام درس العلم، وطلب العلم مفتوح أمامنا .

﴿ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 الله عز وجل هو العليم يخبرنا أنه لو أرجعناهم إلى الدنيا لعادوا إلى المعاصي والآثام، لأنهم لم يعرفوا الواحد الديان، لو أنهم عرفوه لأطاعوه، لكنهم ما عرفوه في الدنيا، فلو عادوا إلى الدنيا لأخذتهم الدنيا، وسيطرت عليهم شهواتهم .

﴿  قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَآلِّينَ (106) ﴾

[  سورة المؤمنون  ]


أمثلة من الواقع عن أشخاص أكرمهم الله بالإنذار المبكر فلم يستفيدوا منه :


﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ الإنسان دائماً تحت التعذيب يتكلم الحقيقة، أما إذا رُفِع التعذيب عنه عاد إلى كفره، أوضح مثل: ركاب سفينة عصاة، فُجّار، هاج البحر واهتزت وكأنها ريشة، وكانوا على وشك الغرق، يا رب، يا رب، أقسم لي أحد كان في طائرة، وقد دخلت في غيمة مكهربة، واهتزت، وكادت أن تسقط، فيها خبراء ملحدون، عادوا إلى فطرتهم، وقالوا: يا رب، أنقذنا، ملحدون، بعد إن حطت الطائرة على الأرض عادوا إلى إلحادهم ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ .

 ركب رجل سيارته في دمشق في طريق صاعدة قليلاً، والإشارة حمراء وقف، فإذا به يهوي على المِقوَد، وقد أصابته جلطة، أو جُلطة، الصواب جُلطة بالضم، وإلى جانبه زوجته، ومن غرائب الصدف، وراءه صديقه، فصاحت الزوجة، فجاء الصديق، وحمل صديقه، وأخذه إلى المستشفى، إلى العناية المشددة، هذا بعد أن صحا من غفوته، وشعر بدنو أجله، طلب مسجلة وكاسيت، طلب مسجلة وشريطاً، وقال، هو أكبر إخوته، واغتصب ثروة أبيه، وحرم إخوته من حصصهم: المحل الفلاني ليس لي هو للورثة، البناء ليس لي هو للورثة، صرّح بكل الأموال غير المنقولة والمنقولة التي اغتصبها من إخوته، بعد يومين شفي من مرضه، لأن الجُلطة بعد أخذ الدواء أحياناً تذوب وتتلاشى، عاد إلى نشاطه وقوته، قال: أين الشريط ؟ أعطوه إياه فكسره، جاءت القاضية وتوفي بعد ثمانية أشهر، لقد رحمه الله بالإنذار المبكر فلم يستفد منه .

 لذلك الإنسان يجب أن يصحو من غفلته وأن يستقيم على أمر الله عز وجل ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ .


الإنسان غير المؤمن عاش الدنيا فقط ويذوب ندماً عندما تُكشف له الحقائق عند الموت :


 هم يرون :

﴿  وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 هم مع الواقع، الواقع فيه صحة، وفيه دخل، وفيه بيت جميل، وفيه مركبة، وفيه نساء جميلات، وفيه سهرات ماجنة، وفيه اختلاط، وفيه غناء، وكل الشهوات، ودخله كبير، يعيش هذا الواقع، لكن غفل عن المستقبل، من هو العاقل؟ هو الذي يعيش المستقبل، من هو الغبي؟ هو الذي يعيش الواقع، من هو الأغبى؟ هو الذي يعيش الماضي، كنا وكنا، يظل يتغنى بهذه الأمة، ووضضع الأمة متردّي، دعك من التغني، وقم وتحرك، وأسهم في نصرة هذا الدين العظيم، فلذلك أخطر حدث مستقبلي هو الموت، وهذا الموت قدر كل إنسان، ماذا أعددت له؟ كل نشاطك ومكانتك، وبيتك، وهيمنتك، ومكتبك، ومراكبك، وبيوتك، وأملاكك المنقولة وغير المنقولة منوطة بميلي وربع قطر الشريان التاجي، إذا سُدَّ هذا الشريان، ولم تتحرك وقت انسداده بشكل صحيح، كُتب على النعوة: المرحوم فلان، كان إنساناً صار مرحوماً، صار خبراً ، قال الله :

﴿  فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَٰهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّكُلِّ صَبَّارٍۢ شَكُورٍ(44) ﴾

[  سورة المؤمنون  ]

 كل هيمنتك، وقوتك، ومالك، وحجمك المالي، وممتلكاتك، وسلطتك، مبنية على سيولة الدم، فإذا تجمد الدم في أحد الأوعية انتهت الحياة، ساعة يقول لك: سكتة قلبية، ساعة سكتة دماغية، ساعة خثرة بالدماغ، ساعة تشمع في الكبد، ساعة فشل كلوي، تنوعت الأسباب والموت واحد  

﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ لذلك الإنسان غير المؤمن عاش الدنيا فقط، متى يذوب ندماً ؟ حينما تكشف له الحقائق عند الموت ، والدليل :

﴿   لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍۢ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ﴾

[  سورة ق  ]

 (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ) وأنا أؤكد لكم أن أكفر كفار الأرض عندما يأتيه ملك الموت يصدق بكل ما جاء به الأنبياء، ولكن بعد فوات الأوان أيضاً .


الأمور بيد الله دائماً ولكن تكون خافية عن الغافلين :


﴿  وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)﴾

[ سورة الأنعام ]

 أخواننا الكرام ، في الآية السابقة ملمح : 

﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾ الإنسان بفطرته يؤمن أن الأمر بيد الله، لأن المصائب أحياناً تأتي عقابات، لكن حتى يستمد راحة موهومة يدّعي خلاف ذلك، يُخفي إيمانه بأن الله بيده كل شيء، ويعلن شركه، الأمر بيد زيد، أو عبيد، أو فلان، أو علان، وظروف صعبة، ونحن ما لنا علاقة، الصهيونية العالمية سببت لنا هذه المشاكل، يُعزي دائماً أخطاءه وحماقاته إلى جهات موهومة، لكن عندما يأتيه ملك الموت، هذا الذي كان يخفيه عن الناس ظهر صارخاً، من أدق المعاني في قوله تعالى :

﴿  صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلْأُمُورُ(53) ﴾

[  سورة الشورى  ]

 بيد من كانت؟ هي بيد الله سابقاً ولاحقاً، ولكن في الدنيا يرى الشاردون الأمر بيد هذه القوة، وذاك القطب، وفلان، بيد وحيد القرن فرضاً، هو يقصف المدن، ويقيم الحصار الاقتصادي، هكذا يظن الناس.

﴿  وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفْتَدَوْاْ بِهِۦ مِن سُوٓءِ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ (47) ﴾

[  سورة الزمر  ]

 بدا لهم أن الأمر بيد الله وحده، لذلك الأمور بيد الله، ولكن كانت خافية عن الغافلين، أما المؤمن يراها في الدنيا بيد الله، أما يوم القيامة الذي كان يتوهمه الناس يصبح حقيقة صارخة: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾ .


الله تعالى لم يدع وسيلة لهداية الكفار إلا أعطاهم إياها ومع ذلك لم يؤمنوا :


 الحقيقة الثانية: أن الله لم يدع وسيلة لهدايتهم إلا أعطاهم إياها، ومع ذلك لم يؤمنوا: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ)

﴿ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ(29) وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِٱلْحَقِّ ۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(30) ﴾

[ سورة الأنعام  ]

 الطريقة السابقة: ﴿وَلَوْ تَرَىٰٓ) يامحمد (إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ) أذلاء .

﴿  وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَآءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَٰٓؤُاْ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ(94) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 الطغاة في العالم يحركون أساطيل، يحركون مئات الطائرات، يحركون قنابل ذرية أحياناً، يفرضون قرارهم على كل الخلق، لكن يوم القيامة ﴿ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾


العقيدة المناسبة للمتفلِّت أخلاقياً أنه ليس هناك يوم آخر :


﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾ أليس هذا الدين بحق؟ أليس هذا القرآن بحق؟ أليس تحريم الزنا حق؟ دولة إسلامية تطمح أن تدخل في السوق المشتركة، لا تُقْبَل إلا إذا صرّحت أن الزنا ليس جريمة، سلوك طبيعي، كأن تشرب كأس ماء، أليس الزنا جريمة؟ أليس الربا جريمة؟ كل شيء الله حرمه، وكل شيء الله ذكره، هذه الحقائق يراها الإنسان عند الموت: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ(22))  ويراها يوم القيامة ثانية: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا﴾ مع القسم.

﴿قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ الباء باء السبب، يعني بسبب كفركم بهذا الدين، وبهذه العبادات وبهذه التشريعات﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾

﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ(31) ﴾

[ سورة الأنعام  ]

 (قد)حرف تحقيق، هؤلاء الذين كذبوا بلقاء الله، الذي كذب بلقاء الله، هو يكذب ليفعل ما يشاء، مادامت شهوته تتحكم فيه، العقيدة المناسبة للمتفلِّت أخلاقياً أنه ليس هناك يوم آخر، الآن لا نجد إنساناً متفلتاً إلا ويعتقد أن هذه هي الآخرة، من مات ورجع الآن؟ يريحه أن يكذب باليوم الآخر . 


العقل السليم لا يقبل أن تنتهي الدنيا بلا حساب والقرآن يؤكد ذلك :


 طالب لا يدرس إطلاقاً تصدر إشاعة أن الامتحان سيتأخر شهراً، أو نظراً للظروف العصيبة قد يُدمَج الامتحان مع العام القادم، الكسول يصدقها فوراً من دون دليل، هذه مريحة له، وأي فكرة تريح الإنسان من عذاب نفسه، أو من الندم يتشبث بها، يسمع من درس علم ـ لا يدقق ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأمته، لا يفهم من الدين غير الشفاعة، مريحة هذه الشفاعة ، وإذا قرأ الحديث : 

((  شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي  ))

[ رواه أبو داود والترمذي والبيهقي عن أنس  ]

 يطير عقله فرحاً، صار عنده مجال لفعل الكبائر الآن، الإنسان يصدق شيئاً يريحه دائماً.

 الآن اشترى واحد سيارة، وقال له واحد: سيصدر قرار يخفضون فيه الجمرك مئة بالمئة فقط، لا بمئتين وخمسين بالمئة، يقول لك: غير معقول، لمَ كذّب الخبر؟ لأن الخبر لو كان صادقاً يزعجه، والذي لم يشترِ يصدقه، تذيع خبراً أنت واحد يصدقه مئة بالمئة، والثاني يكذبه مئة بالمئة، أنت تلحق راحتك النفسية، فلذلك : 

﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ﴾ الذي كذب بلقاء الله، أولاً أيها الإخوة، اسمعوا هذه الكلمات: مستحيل وألف ألف مستحيل أن يكون في الدنيا غني وفقير، وقوي وضعيف، وصحيح ومريض، وظالم ومظلوم، وتنتهي الدنيا ولا شيء بعد الدنيا، لا بد من أن تسوى الحسابات، مستحيل إنسان يهدم سبعين ألف بيت فوق أصحابها، ويتصدر المؤتمرات، وهو في أقوى مركز، وأن يموت، ولا شيء بعد الموت، مستحيل أن يقصف الناس بالقنبلة الحارقة، وتبيد عشرة آلاف إنسان في ثوانٍ وتنتهي الحياة ولا شيء عليه، مستحيل أن تُلقى قنبلة على اليابان تزهق أرواح ثلاثمئة ألف إنسان في ثلاث ثوانٍ، وتنتهي الحياة، ولا شيء بعد الموت، هذا شيء يتناقض مع الكون كله، هذا الكون ينطق بعظمة الخالق، والعدل من كمال الخالق، لذلك أحد العلماء ينفرد أنه يعتقد أن الدليل على الآخرة ليس نقلياً فحسب، بل هو عقلي، يعني العقل السليم لا يقبل أن تنتهي الدنيا بلا حساب، والقرآن يقول ذلك :

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) ﴾

[ سورة المؤمنون  ]


الله تعالى لم يخلقنا عبثاً بل خلقنا ليحاسبنا :


 أنت تجرب الدواء على شعب ضعيف، وتبعث بخبراء لتعرف نتائج هذا الدواء، إذا كان مسرطناً تمنعه في بلدك، وإذا كان غير مسرطن تسمح به، هؤلاء حقل تجارب، وتموت ولا شيء عليك؟ مستحيل، تبعث باخرة كلها مواد غذائية، وربعها مواد غذائية، وثلاثة أرباع نفايات ذرية، وتلقيها بسواحل بلد متخلف، ويتضاعف السرطان عشرة أضعاف، وتموت ولا شيء عليك؟ مستحيل، تقتنص سبعمئة ألف فتاة كل سنة ساذجات، ويعملن في الدعارة في بلاد الغرب، وتأخذ عشرين ضعفاً من أجورهن، وأنت مرتاح، ولا شيء عليك؟ مستحيل، الإنسان حينما يتوهم أن الإنسان يموت، ولا يُحاسب يكون كتلة غباء.

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115) فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ ۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ (116) ﴾

[  سورة المؤمنون  ]

 تعالى الله أن يخلقكم عبثاً، آية ثانية :

﴿  أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36) ﴾

[  سورة القيامة  ]

 مستحيل، هؤلاء الذين دخلوا وسرقوا خلال ساعات أُلقي القبض عليهم، والأموال عادت فيما سمعت إلى أصحابها، ممكن أن يسرق أربعة وخمسين مليوناً، شكراً، مستحيل! في النظام الأرضي مستحيل، عند الملك العادل يكون ذلك؟ 


الاعتداء على أي مخلوق كائناً من كان يحاسب الإنسان عليه حساباً عسيراً :


 لذلك يا أيها الإخوة، عدّ للمليون قبل أن تظلم نملة، نملة، عدّ للمليون قبل أن تدوس على نملة، لأن ملك الملوك بطشه شديد، لوحان اصطدما بالزلزال قوتهما الانفجارية مليون قنبلة ذرية، شيء مخيف، مدن بأكملها، جزر اختفت، قطع بحرية تلاشت، قواعد نووية غرقت، اصطدام لوحان، الله كبير جداً، عد للمليون قبل أن تعصي، عد للمليار قبل أن تعتدي على مخلوق . 

(( دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ ، فِي هِرَّةِ رَبَطَتْهَا ، فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا ، وَلاَ هِيَ أرْسَلَتْهَا تَأَكلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ))

[  متفق عليه عن أبي هريرة ]

 بربكم فما قولكم بما فوق الهرة؟ على هرة الله سيحاسبها، واحد غني كبير ببلد عربي مات، وأولاده قلقون عليه، فبلغهم أن أول ليلة أصعب ليلة بالقبر، فسألوا واحداً فقيراً جداً يموت من الجوع، تأخذ عشر جنيهات وتنام مع أبينا أول ليلة بالقبر، وافق وتمدد إلى جانبه، جاء الملكان، ووجدا اثنين، وهذه جديدة عليهم، هذا من خوفه حرك قدمه، قال له: الثاني طيّب وليس ميتاً، تعال نبدأ به، أجلسوه وكان يلبس كيس خيش من فقره مفتوحاً من أعلاه ويظهر رأسه منه، ومن الطرفين تظهر يداه، وربطه بحبل من فقره، بدؤوا بالحبلة من أين جلبتها؟ وجدا أنه أخذها من بستان، تركوا البستان، كيف دخلت إلى البستان؟ ضربوه ضرباً مبرحاً، الآن كيف دخل للبستان، ثم كيف أخذ الحبل، من أين أتى بهذا الكيس؟ خرج في اليوم الثاني باكراً، وقال لهم :  كان الله بعون أبيكم . 

﴿  فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾

[  سورة الحجر  ]

 أنا والله لا أحب أن أروي مناماً أبداً لكن للاستئناس، لي قريب أعتقد أن له خالة أو عمة يحبها حباً جماً، ماتت، حسب ما قال لي ثمان سنوات يراها بحالة صعبة بالمنام، تحترق، بعد هذا رآها بحالة طيبة، لابسة أبيض ومبتسمة، سألها: ما الذي حصل؟ قالت له: الحليب يا بني، فدقق، هي خالة امرأة أب، عندها أولادها وأولاد زوجها، كانت تعطي أولادها كأساً مليئاً بالحليب، وتعطي أولاد زوجها كأساً نصفه حليب ونصفه ماء .

 عد للمليون قبل أن تعصي الله، لكن عد للمليار قبل أن تعتدي على مخلوق كائناً من كان ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾﴿عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ .


الله عز وجل يعرض علينا شريط أعمالنا في الدنيا :


 ﴿ولَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ ﴿َ قدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ حدثني إنسان كان ببلد شرقي بأوربا، ارتكب مخالفة، فلما جاؤوا به للتحقيق، أسرع طريقة للتحقيق، أروه فيلماً وهو يرتكب المخالفة، انتهى الكلام .

﴿  اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً(14) ﴾

[  سورة الإسراء  ]

 الله عز وجل يعرض لك شريط أعمالك، قالوا: هو ملون أيضاً، من وقت ولادتك إلى وقت الوفاة، انتهى، ليس فيه مناقشة، الله عز وجل يعرض عليك شريط أعمالك التي عملتها في الدنيا . إذاً : 

﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ ساعة الموت ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ هذه الأحمال سوف تسوءهم، الكذب، والنفاق، والغش، والتدليس، وأكل المال الحرام، ومعاونة الظلام، هذا كله سوف يدفعون ثمنه.

﴿  وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(32) ﴾

[  سورة الأنعام ]

 هذه الآية إن شاء الله سوف نشرحها في الدرس القادم. 


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور