- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الخامس من دروس سورة الأنعام .
الآية التالية جمعت كل التوحيد وفحوى دعوة الأنبياء جميعاً هو التوحيد :
مع الآية السابعة عشرة ، وهي قوله تعالى :
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(17) ﴾
كأن هذه الآية جمعت كل التوحيد، والدين كله توحيد، وفحوى دعوة الأنبياء جميعاً هو التوحيد .
﴿ وَمَا أَرْسَ
(( لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. ))
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2) ﴾
الشرك هو ضعف التوحيد :
حينما توقن يقيناً يظهر في السلوك أنه لا معطي ولا مانع، ولا رافع ولا خافض، ولا مُعزّ ولا مُذلّ إلا الله تتجه إليه وحده، وما لم يكن التوحيد قوياً فلن تتجه إليه وحده، يكون الشرك، الشرك هو ضعف التوحيد، والشرك ليس معناه أن تزعم أن هناك إلهاً آخر، لا، حينما تتوهم أن زيداً بإمكانه أن يرفعك، وأن عبيداً بإمكانه أن يخفضك، وأن فلاناً بإمكانه أن يعطيك، وأن علاناً بإمكانه أن يحرمك .
حينما تؤمن إيماناً قطعياً أن المعطي هو الله، والمانع هو الله، والخافض هو الله، والرافع هو الله، والمعز هو الله، والمذل هو الله، تكون مؤمناً، عندئذٍ لا تتوجه إلا إلى الله، ولا تعبأ بغير الله .
﴿ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِى فَطَرَنَا ۖ فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ
سحرة فرعون يخاطبون جبار الأرض ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾
وقال ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾
يعني أن يواجه هؤلاء السحرة جباراً كبيراً لولا اعتقادهم أن الله بيده كل شيء ما قالوا هذا الكلام .
لن تذوق طعم الإيمان ولن تقطف ثماره إلا إذا كنت موحداً :
﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) ﴾
أيها الأخ الكريم، لن تذوق طعم الإيمان إلا إذا كنت موحداً، ولن تقطف ثماره إلا إذا كنت موحداً، ولن تكون صادقاً معه إلا إذا كنت موحداً، ولن تكون في منجاة من النفاق إلا إذا كنت موحداً .
في القرآن الكريم قصص دقيقة ومعبرة جداً ساقها الله لتكون دروساً لنا :
يعني في القرآن قصص دقيقة ومعبرة جداً، حينما يصبح الأمل صفراً، فرعون من ورائهم، والبحر من أمامهم، فرعون بقوته، وجبروته، وجنوده، وأسلحته، وحقده، وشرذمة قليلون مع سيدنا موسى، البحر أمامهم، وفرعون وراءهم، وقالوا :
﴿ فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
سيدنا يونس وهو في بطن الحوت :
﴿وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ
سيدنا رسول الله في الغار، عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ :
(( لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا ، فَقَالَ : مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ؟ ))
أهل الكهف في الكهف. إبراهيم في النار .
﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ(69) ﴾
سيدنا يوسف في البئر، في الجُبّ، هذه القصص ليست لأخذ العلم، ولا لمعرفة الماضي، ولكن هذه القصص إنما ساقها الله في القرآن الكريم لتكون دروساً لنا، ليس إلا الله، هو المعطي، هو المانع، هو الخافض ، هو الرافع ، هو المعز ، هو المذل ، هو الضار ، هو النافع.
كل ما يساق لنا في الدنيا مسٌ أي حالة مخففة جداً من عذاب الله تعالى يوم القيامة :
أيها الإخوة ، الآية تقول :
الزلزال الذي أصاب جنوب آسيا لو أنه انطلق قريباً من اليابسة لأمات الملايين المُملينة، لكنه انطلق بعيداً عن اليابسة ألفاً وستمئة كيلومتر، لذلك أصاب من مئة وخمسين ألفاً إلى مئتي ألف تقريباً، هذا مسّ .
كل ما يساق لنا في الدنيا مس، يعني حالة مخففة جداً، أحياناً آلام الكلية لا تحتمل، تأتي نوبات، آلام الأمعاء لا تُحتمل، تأتي نوبات، هذا كله مسّ :
الحقيقة أن الإنسان لضعف توحيده يبحث عن جهات قوية تعطيه الأمن، هذا الإنسان يعالَج بطريقة دقيقة، جهة أمنه تخذله، الشيء الذي اعتمد عليه يزلزله، الجهة التي وثق بها تُخيّب ظنه، وهذه معالجة إلهية
الإيمان هو أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء :
أنت حينما تعتمد على جهة أرضية وتثق بها، وتستغني عن الله عز وجل فلله علاج دقيق، هذه الجهة القوية تخيب ظنك، وتُحبط مسعاك، وتُنسيك كل الأسباب التي اتخذتها، ينبغي أن تأخذ بالأسباب، وأن تتوكل على رب الأرباب، ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
الابن حينما يمرض يجب أن تبحث عن أفضل طبيب، ويجب أن تطبق أدق التعليمات، ويجب أن تعطيه الدواء بكل التفاصيل، لكنك تعتقد اعتقاداً جازماً أن الشافي هو الله، لذلك تدعو الله عز وجل أن يشفيه، وقد تتوسل إلى الله بصدقة لعل الله سبحانه وتعالى يأذن لهذا المرض أن يزول،
سهل جداً أن تأخذ بالأسباب وأن تنسى الله عز وجل، إن أخذت بالأسباب واستغنيت عن الله بعقلك الباطن دون أن تشعر، فهذا ليس من الدين في شيء.
الغرب:
والشرق:
فأنت على طريق دقيق، عن يمينك وادٍ سحيق، وعن يسارك وادٍ سحيق، الوادي الذي عن يمينك؛ أن تأخذ بالأسباب وأن تعتمد عليها فتسقط في وادي الشرك، والوادي الذي عن يسارك ألا تأخذ بها فتسقط في وادي المعصية .
الإنسان حينما يأخذ بالأسباب ويعتمد عليها ويستغني عن الله عز وجل يقع في وادي الشرك :
مثلاً: الطبيب الذي درس اختصاصاً نادراً يظن أنه لن يمرض بهذا الاختصاص، من أعجب العجب أن هذا الذي اعتمد على علمه، وظن أنه لن يمرض بهذا الاختصاص الذي هو متفوق فيه لا يمرض إلا بالمرض المختص فيه، والمهندس الذي ظن أن علمه يقيه أي خطأ في بناء بيته، أنا مع الإتقان، ومع الدراسة، لكن لست مع الشرك .
طبيب في بلاد بعيدة، وهو مُحق فيما يقول، يرى أن الجري أفضل طريق لصيانة القلب من الأمراض، فكان يجري في اليوم عشرين كيلومتراً، أقام ندوات على الشاشة، وكتب مقالات، وحضر مؤتمرات، كل يوم يجري عشرين كيلومتراً، الجري صحيح ومفيد وضروري، لكنه ظن أن الجري وحده يلغي كل الأمراض، مات وهو يجري وهو في الثانية والأربعين من العمر.
الإنسان حينما يأخذ بالأسباب، ويعتمد عليها، ويستغني عن الله عز وجل يكون قد وقع في وادي الشرك، الآن وقعت مصيبة، لا يخافن العبد إلا ذنبه ، ولا يرجون إلا ربه.
هذه الجهة مخيفة، موقف المؤمن: يخاف منها أم لا يخاف؟ كلاهما خطأ، يخاف ولا يخاف، من أجاب عن هذا السؤال؟ رب العزة على لسان سيدنا إبراهيم :
﴿ وَحَآجَّهُۥ قَوْمُهُۥ ۚ قَالَ أَتُحَٰٓجُّوٓنِّى فِى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَىٰنِ ۚ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّى شَيْـًٔا
هذه الجهة القوية لا أخافها إذا أراد الله أن يحميني منها، أما إذا أراد الله أن تصل إليّ ينبغي أن أخافها، فالأمر بيد الله .
الوضع تماماً كمجموعة وحوش رُبِطت بأزِمَّة محكمة بيد جهة قوية، فعلاقة الإنسان ليست مع الوحوش، ولكن مع من يملكها، فلو أن الذي يملكها أرخى الزمام وصلت إلي، لو أنه أبعدها عني نجوت منها، فعلاقتي ليست معها، ولكن مع من يملكها .
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) ﴾
لن نصل إلى الله إلا إذا كفرنا بالطاغوت :
وقع مصاب، الذي أوقعه هو الله عز وجل لحكمة أرادها، النجاة منه تكون بالعودة إلى الله، وبالثقة بالله، وبالأخذ بأسباب إزالته مع الدعاء، وأحياناً الله جل جلاله يربّي عباده المؤمنين، تقع مشكلة، فهذا المؤمن يبحث عن حل أرضي، توهّم حلاً في هذه الجهة، ذهب إليها فصدته، توهّم حلاً آخر في جهة ثانية، التجأ إليها فخيبت ظنه، توهّم حلاً ثالثاً في جهة ثالثة، تضعضع أمامها فصدته، فحينما تتوهّم أن هناك جهة في الأرض تنقذك مما أنت فيه، فالطرق كلها مسدودة، أما حينما تتجه إلى باب السماء، وتسأل الله عز وجل تُفتح كل هذه الطرق، وهذا معنى قوله تعالى :
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍۢ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍۢ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا
وكلمة:
لذلك أيها الإخوة، لن نصل إلى الله إلا إذا كفرنا بالطاغوت، وما دام عند المسلمين جهة قوية يخافون بطشها، ويرجون رضاءها ولو على حساب دينهم، فالطريق إلى التحرر منها طريق مسدود، قال تعالى:
﴿
يعني من فضل الله علينا أن هؤلاء الأقوياء بعد الحادي عشر من أيلول أعانونا على أن نكفر بهم، وهذا أكبر إنجاز تحقق بعد الحادي عشر من أيلول للإسلام، لم يبقَ في ساحة القيم والمبادئ إلا الإسلام .
حينما تشرك تتجه إلى جهة لا تملك شيئاً أما حينما تؤمن تتجه إلى جهة تملك كل شيء :
﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
لا يمنع حينما أفهم هذه الآية فهماً عميقاً أن أشكر الناس، من لم يشكر الناس لم يشكر الله، لا يمنع أن أعرف قدر الناس، أن أعرف عطاء الناس، ولكن هذا من باب العبادة، أنا مُكلّف أن أشكر من أسدى إلي معروفاً، أما أن أعتقد أن هذا المعروف من هذا الإنسان دون أن أفكر أن الله سخّره، وألهمه، وسمح له أن يقدم لي خدمة، هذا نوع من الشرك ، لذلك قالوا : اتق شر من أحسنت إليه
الله فعال ليس خلاقاً فقط :
أقول لكم أيها الإخوة ، أحد أكبر عذابات الدنيا ، قال تعالى :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾
من اعتمد على ماله ضل، أحياناً يتوهم الإنسان أنه بالمال تُحل كل المشكلات، كنت عند طبيب قلب، وجاءه هاتف من إنسان ثري يقول هذا المتكلم : أي مكان في العالم ، أي مبلغ ، قال لهم : والله لا يوجد أمل، الحالة مستحيلة المعالجة، من يعتمد على ماله يؤدبه الله تأديباً بحيث يسوق له مشكلة لا تُحل بالمال.
مرةً إنسان أظنه مؤمناً لكنه أخطأ ، قال : بالمال يحل كل شيء ، وقع في مشكلة فبقي في المنفردة ستين يوماً ، والمال عندئذٍ لا يفعل شيئاً ، أحياناً بصحته ، يأتي خلل بالصحة لا يُحَل بالمال .
قضية التوحيد أيها الإخوة هي الدين كله ، أنت مؤمن إذا كنت موحداً ، أما إذا اعتقدت أن الله خلق السماوات والأرض فهذا الاعتقاد اعتقده إبليس أيضاً ، هذا الاعتقاد يعتقده كل أهل الأرض الآن ، لا تجد أحداً لا يقول: إن الله خلق السماوات والأرض ، أما حينما تعتقد أن الله فعّال ليس خلاقاً كما يتوهمه الغربيون ، عندهم الله خلّاق وليس فعالاً ، لا علاقة له بالأرض .
الآن مات بالزلزال مئتا ألف ، وقد يصل الرقم إلى ثلاثمئة ألف ، وقد يصل إلى خمسمئة ألف ، والخسائر تقترب من خمسين ملياراً ، ولن تعود هذه البلاد إلى نشاطها السابق قبل عشر سنوات من العمل الدؤوب ، هناك من يعتقد أن لوحَين تصادما فكوّنا هذا الزلزال ، الله عز وجل ما له علاقة ، هذا الاعتقاد مطروح ، لذلك :
﴿ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ
إذا جئت بتفسير توحيدي إيماني يرفضه الناس، وإن يُشرك به يؤمنوا، أما إذا اكتفيت بتحليل علمي فقط أن لوحين تصادما، كوّنا مداً أمواجه أتت على السواحل فدمرت كل شيء، فقط ، معنى ذلك أن الله خلاق لكنه ليس فعالاً .
﴿ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَآ إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا
سقوط ورقة من شجرة لا يعلمها إلا هو، فكيف بهذا الزلزال ؟!!
التوحيد أن ترى أن يد الله فوق يد البشر :
أيها الإخوة، قضية التوحيد هي أخطر قضية في الدين، التوحيد أن ترى أن يد الله فوق يد البشر .
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ
التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، كل هؤلاء الطواغيت، وكل هؤلاء المجرمين، هؤلاء بيد الله عز وجل، يحركهم أو يمنعهم، فالضُّر بيد الله، والخير بيد الله، لكن علماء العقيدة يقولون: لا ينبغي أن تقول الله ضار مع أن من أسمائه الضار، ينبغي أن تقول الضار النافع، مثنى مثنَى، المانع المعطي، الخافض الرافع، لماذا ؟ لأنه يضر لينفع، ويبتلي ليجزي، ويخفض ليرفع، ويذل ليعز، وهذه سياسة الله .
امتحن إيمانك بقدر توحيدك لأن التوحيد هو الدين كله :
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾
لا تمتحن إيمانك بقدر ما تحفظ من حقائق، امتحن إيمانك بقدر توحيدك ، والتوحيد هو الدين كله، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، يعني الأخطار كلها بيد الله، نجاتك منها متوقف على أن الله سبحانه وتعالى يتولى حمايتك، وطموحاتك كلها بلوغك إياها متوقف على تيسير الله عز وجل، أنت حينما ترى أن الضر والنفع بيده، والمنع والعطاء بيده، والرفعة والانخفاض بيده تتجه إليه، وهذا المطلوب منك؛ أن تتجه إليه وحده، وأن تكفر بمن سواه، ثم يقول الله عز وجل :
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) ﴾
لا قهراً مكانياً
التوحيد إذا صحّ في الإنسان صحّ عمله وسلم ونجا :
الله عز وجل قال :
﴿ فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ
نخبة أغنياء العالم تذهب في هذه الأيام إلى سواحل المحيط الهندي، وهذه السواحل من أجمل سواحل الأرض، وحجزوا في أرقى المنشآت السياحية، وكل المحرمات تُفعل هناك، كل المُتع المحرّمة في الشرائع السماوية الثلاث تُفعل هناك، استُدرجوا والرقم يقترب من خمسة وعشرين ألفاً، نخبة أغنياء العالم، والرقم يقترب من خمسة وعشرين ألفاً ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾
أيها الإخوة، لا بد من توضيح ، ليس كل من هلك في الزلزال مذنب، التعميم من العمى، كل إنسان يموت على نيته، وعلى عمله، الحديث عن الذين هلكوا في الزلازل يجب أن يكون دقيقاً، فهذه المصيبة للمذنب عقاب، وللمؤمن ابتلاء، وقد يُكتب شهيداً، وللناجي من غير المؤمنين تحذير وإنذار، هذا كلام دقيق، لا أحب أن يتورط أحد في أن يصف كل الذين هلكوا في الزلزال بأنهم مذنبون، هذا الصواب،
﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِنۢ بَعْدِ نُوحٍۢ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًۢا بَصِيرًا
الآيتان اللتان شُرحتا في هذا الدرس تتحدثان عن التوحيد، والتوحيد إذا صحّ في الإنسان صح عمله، وسلم ونجا ، قد يسأل أحدكم: ما الطريق إلى التوحيد؟ الطريق إلى التوحيد أن تزداد معرفة بالله، أن تتعرف إلى الله عز وجل من خلال خلقه، ومن خلال أفعاله، ومن خلال كلامه، فكلامه أي قرآنه طريق إلى معرفته عن طريق التدبر، وأفعاله طريق إلى معرفته عن طريق النظر، وخلقه طريق إلى معرفته عن طريق التفكر، فإذا ازدادت معرفتك بالله، ثم إذا استقمت على أمر الله، ورأيت فعل الله كيف أن الأمور تجري لصالح المؤمن، عندئذٍ يزداد توحيدك، الدعاء يقوي العقيدة، أنت حينما تدعوه ويأتي الجواب توفيقاً، أو صرفاً لأذى عنك، وهذا الأمر كبير فوق طاقتك توقن أن الله سمعك، واستجاب لك وأن الأمر بيده ، فكلما زدت في تعاملك معه ورأيت من آياته الباهرة، كلما ازددت توحيداً .
أيها الإخوة، نتابع هذه الآيات في درس قادم إن شاء الله تعالى .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين