- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الرابع من دروس سورة الأنعام .
الكلمة الجامعة المانعة الشاملة التي تغطي كل مخلوق أنه سَكَنَ :
ومع الآية الثالثة عشر، وهي قوله تعالى:
﴿ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(13) ﴾
هذا القلب الذي هو مظنّة الحركة من طور الرحم إلى القبر، ومع ذلك في حالة سكون بين النبضتين، فالكلمة الجامعة، المانعة، الشاملة، التي تغطي كل مخلوق أنه سكن ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ﴾
﴿ وَءَايَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ(37) ﴾
مطلق العلم مع مطلق المكان والزمان كله ملك لله عز وجل :
﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أي شيء تقوله يسمعك، فإذا آثرت الصمت يعلم ما في نفسك، يعني مطلق العلم مع مطلق المكان والزمان كله ملك لله عز وجل، فلذلك كيف يتوازن الإنسان وهو يبعد عن الله، وأمره كله بيد الله؟ من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه، أمرك بيده، سلامتك بيده، رزقك بيده، سعادتك بيده، من حولك بيده، من فوقك بيده، من تحتك بيده، أقرب الناس إليك بيده، أكبر قوة في الكون بيده، الأمراض بيده، الفيروسات بيده، عوامل المرض بيده ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾
ماذا يُبنى على هذه الحقيقة الخطيرة؟ يُبنى على هذه الحقيقة الخطيرة :
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً
ما دام الأمر بيده، والأمر إليه، وهو المالك، مالك كل شيء، مالك أي شيء سكن، مالك أي شيء تحرك، مالك أي شيء في الليل، مالك أي شيء في النهار، إن سكتَّ يعلم ما في نفسك، إن تكلمت يسمع كلامك، هذا الإله المُطلَق في ملكه، وفي علمه، وفي قدرته، تتخذ غيره ولياً؟
الفرق بين كلمة
أيها الإخوة من أعجب العجب أن يتخذ الإنسان ولياً غير الله عز وجل.
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) ﴾
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى ٱلْأَسْوَاقِ
أدلة من القرآن الكريم عن أن الأمر كله بيد الله وحده :
ونحن جميعاً مفتقرون في وجودنا، وفي استمرار وجودنا إلى الطعام الذي نأكله، وفضلاً عن ذلك نحن مفتقرون إلى أن نمشي في الأسواق، كي نكسب ثمن الطعام، أنت مفتقر مرتين: مفتقر إلى الطعام، وإلى ثمن الطعام، إذاً أنت مضطر أن تعمل، وهذا شأن العبد، لكن الله سبحانه وتعالى فرد صمد.
﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3) ﴾
﴿يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ما بال الناس اليوم يتخذون بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله! يتخذون بعضهم بعضاً أنداداً لله عز وجل، لذلك ما من إنسان يسقط سقوطاً مريعاً كالذي يشرك بالله، يتوجه إلى مخلوق ضعيف، لو توجهت إلى سيد الخلق، إلى حبيب الحق، إلى سيد ولد آدم، إلى قمة البشر، يقول الله عنه قل :
﴿ وَلَآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ
﴿
يقول الله عز وجل:
﴿ قُلْ إِنِّى لَآ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا
يقول الله عز وجل :
﴿ قُلْ إِنِّىٓ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍۢ (13) ﴾
خيارك مع الإيمان خيار وقت :
لذلك سيدنا الصديق لما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى قال قولته الشهيرة :"من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت".
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) ﴾
والذي قال :
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى
آمن:
﴿ وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسْرَٰٓءِيلَ
ولكن بعد فوات الأوان، فقال الله له :
﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(91) ﴾
على الإنسان ألا يجعل بين الذنب والتوبة أمداً طويلاً لأنه إذا طال عليه الأمد قسا قلبه :
قضية أن نؤمن بعد فوات الأوان شيء مفروغ منه، ولكن كل البطولة أن تؤمن قبل فوات الأوان، أن تؤمن وأنت صحيح، قوي، غني، شاب في مقتبل حياتك، من أجل أن توقع حركتك في الحياة وفق منهج الله عز وجل، من أجل ألا يكون الموت أكبر المصائب، من أجل أن يكون الموت انتقالاً إلى الجنة، من أجل أن تأتي نِعَم الدنيا متصلةً بنِعَم الآخرة:
﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ
في حياتنا أربعة أشياء إن صحت لا نندم على ما فاتنا وإن اختلت واحدة خسرناها كلها :
إذاً :
مرة ثانية أؤكد لكم أيها الإخوة،
إن صحت العلاقة مع الله لعلها تنعكس علاقة طيبة مع جسمك، ومع عملك، ومع أسرتك.
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) ﴾
عذاب الله عظيم نراه في الدنيا قبل الآخرة :
نحن نرى في الدنيا قبل الآخرة كيف أن عذاب الله عظيم، سمعتم لا شك بهذا الذي جرى في آسيا، سواحل هذه البلاد من أجمل بلاد العالم، في منطقة استوائية دافئة في الشتاء، نباتاتها غزيرة، جوها لطيف، حرارتها دافئة، فيها أجمل منتجعات العالم، بدقائق أصبح كل ما عليها :
﴿ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا(106)لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً
هذه الهزة التي ظهرت قبل تقريباً ألف كيلومتر من مكان الحوادث، قوتها تعادل مليون قنبلة ذرية :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ(11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ(12) ﴾
هذا الغلاف متصدع، فهذه الحمم إذا اندفعت نحو الأعلى هذا الغلاف مؤلف من ألواح، يعني أستراليا كلها لوح واحد، آسيا لوح، لوح آسيا اسمه اللوح الأوريانسي،
أدلة من الواقع عن عذاب الله في الدنيا :
﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ
ثلاثة آلاف وستمئة إنسان ماتوا في برجي التجارة في أمريكا فقامت الدنيا ولم تقعد، وبدأت الحروب، على أفغانستان حرب، وعلى العراق حرب، وحصار اقتصادي، ومكافحة الإرهاب، والدنيا قامت ولم تقعد، بل إن تاريخ الأرض الحديث يُقسم إلى قسمين قبل الحادي عشر من أيلول، وبعد الحادي عشر من أيلول، لكن هذا الحادث الذي وقع في أمريكا جُيّر إلى العرب والمسلمين، لذلك أُعلِنت عليهم حرب عالمية ثالثة، أما المئتا ألف وفيهم تقريباً عشرة آلاف أوربي، من ألمانيا خمسة آلاف، من إيطاليا ألف وخمسمئة، مجموع السياح هؤلاء نخبة المجتمع الأوربي، أجمل بلاد العالم، أجمل منتجات العالم، والأسعار طبعاً غالية جداً، منازل كبيرة، أماكن، وسواحل، ومنتجعات، ورفاه يفوق حدّ الخيال، والبحر هادئ في المحيط الهادئ، والشمس ساطعة، والجو لطيف، والنساء شبه عاريات، وجاء بلاء الله عز وجل في دقائق، دقائق.
الشيء الذي لا يُصدق، وقد سمعت الخبر بأذني أنه لم يُعثر على جثة حيوان واحد، الإنسان، وعظمة الإنسان، ومختبرات الإنسان، والجامعات، الإنسان لا يستطيع أن يتنبأ بوقوع هذه الهزة ولا قبل ثانية، لكن لو كان هناك مراصد بعد ألف كيلومتر لعرفوا بعد أن ظهرت، أما الحيوانات يعلمون الخطر قبل وقت كافٍ لخروجهم من المنطقة، والخبر لا يُصدق، لم يُعثر على جثة حيوان واحد، ليسوا مُكلَّفين، وليس عندهم معاص وآثام .
عذاب الله تعالى عقاب للمذنبين وابتلاء للمؤمنين وإنذار للناجين :
أيها الإخوة ، لعل هذا الذي حدث يُجسِّد هذه الآيات :
على كلٍ: هذه الموجة عقاب للمذنبين، وابتلاء للمؤمنين، لأنه يوجد مؤمنين، إندونيسيا مسلمة، وفيها مؤمنون، ابتلاء، وإنذار للناجين، وهذا التفسير التوحيدي الإلهي لا يتناقض مع التفسير العلمي، من أمر الألواح أن تتحرك وأن تتصادم ؟ الله عز وجل، تصادم الألواح سبب، والله مُسبِّب الأسباب.
ركاب طائرة، راكب متجه فرضاً من دبي إلى تايوان، ليشتري قماشاً يستورده للمسلمين في أيام الحج، مثلاً: راكب آخر يذهب إلى هذه البلاد ليرتكب الفاحشة، تحترق الطائرة، كل راكب يموت على نيته، المؤمنون كان هذا الهلاك امتحاناً لهم، والمذنبون كان هذا الهلاك عقوبة لهم، والناجون كان هذا الهلاك إنذاراً لهم، ومن السذاجة أن تظن أن تلك المناطق فيها زلازل، مئة عام أو أقل من مئة عام لم يحدث شيء.
وبلادنا منطقة زلازل، قرأت في التاريخ أن زلزالاً وقع في حلب قضى على مئتين وثلاثين ألف إنسان، ودمشق جاءها زلزال لم يبقِ فيها شيئاً، حتى الجامع الأموي هُدِم وأعيد بناؤه.
يعني أي مكان في الأرض مُعرَّض لزلزال، أو لهزة، أو لبركان، أو لجفاف، فلذلك المؤمن الناجي عليه أن يصطلح مع الله، وقد رأيتم قدرة الله بأم أعينكم، سومطرة جزيرة تفوق مساحة سورية انزاحت ثلاثين متراً، جزر كثيرة ظهرت لم تكن من قبل، جزر انشقت شِقّين، أصبحت جزيرتين، حدث تأثير على حركة الأرض.
﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ قَرَارًا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ ۚ
بطش الله عز وجل شديد ويتجلى باسم الجبار :
الله عز وجل من أسمائه الجميل، يتجلى على الوردة باسم الجميل، ويتجلى في الزلزال باسم الجبار.
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ(13) ﴾
الحديث عن الدمار يفوق الخيال، الحديث عن الضحايا والأرقام فلكية، آلاف الجثث تفسّخت، المياه ملوثة لا تُشرب، المشكلة الأولى الآن ماء الشرب، المياه الآن غير صالحة للشرب، الدواء، المأوى، خمسة ملايين مُشرَّد الآن بلا مأوى، خمسة ملايين .
﴿ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15) ﴾
يوجد مدينة في المغرب اسمها أغادير، منتجع للأوربيين، فيها نوادي عراة، كل أنواع الموبقات التي يندى لها الجبين في هذه المدينة، حتى إن سكان المدينة ممنوع أن يدخلوا إلى تلك المنتجعات لعظم الفواحش التي فيها، جاءها زلزال استغرق أربع ثوان أصبحت:
ليست الدنيا دار جزاء لكنها دار ابتلاء :
أيها الإخوة الكرام، الناس يخافون من بعضهم بعضاً ولا يخافون الله عز وجل، هذا الحدث الضخم لعله أزهق أرواح عشرة آلاف إنسان أوربي من نخبة المجتمع، يُعادون من؟ هل وراءه عمل إرهابي؟ فعل الله، الله عز وجل كما يقال بالتعبير المعاصر جيّره له، لا يستطيع أحد أن ينطق بكلمة، أما أي حدث آخر يقول: وراءه عمل إرهابي، الدولة الفلانية هي السبب، الجهة الفلانية هي المخططة لهذا العمل، هذا العمل، كل عمل إرهابي يقع يُعزى إلى بلد، وتُتَّهم مجموعة، أما هذا الذي حدث لمن يُعزى؟ إلى الله وحده.
أيها الإخوة، الحقيقة آية دالة على عظمة الله عز وجل، وتتبُّع أخبار هذا الزلزال مما يزيد الخوف من الله، ويزيد الخشوع لله عز وجل، طبعاً حتى يكون كلامي دقيق قد يقول أحدكم: هناك مناطق فيها فِسق أشد، في أوروبا ومونتيكارلو وغيرها فساد أشد، الله عز وجل يقول: ليست الدنيا دار جزاء، لكنها دار ابتلاء، قد يُبتلى بعضهم بهذا الدمار ردعاً للباقين، وقد يُكافئ بعض المحسنين بعضهم تشجيعاً للباقين، إذا قلنا ـ والكلام الدقيق ـ هناك حكمة من وقوع هذا الزلزال، هو للبعض عقاب، ولبعضهم الآخر ابتلاء، ولبعضهم الثالث الذين نجوا إنذار، وليس معنى هذا أن هؤلاء يستحقون وغيرهم لا يستحق، لا، نحن في دار ابتلاء لا في دار جزاء، فشاءت حكمة الله أن يختار هذا المكان، وقد يكون مكان آخر ينتظره حَدَث آخر، بدليل قوله تعالى :
﴿ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً(58)﴾
بعض أفعال الله سبحانه تجير لجهة أرضية وبعض أفعاله لا تجير إلا له :
قال تعالى :
﴿ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ
هذه الصواعق، قد تنزل صاعقة تُحرق كل شيء في البيت مع أهل البيت، الصواعق، والصواريخ قصف جوي، قنابل حرارية، قنابل عنقودية، قنابل انشطارية، قنابل ذكية، يوجد قصف من طرف الدنيا الآخر على الكومبيوتر
الفوز أن نكون في الدنيا وفق منهج الله عز وجل وأن تكون حركتنا مطابقة لأمر الله ونهيه :
﴿ مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) ﴾
اسأل نفسك أيها الأخ الكريم: ما مقياس الفوز عندك؟ بل ما مقياس الفوز في عقلك الباطن؟ متى تشعر أنك تفوقت، أو فزت، أو كنت ناجحاً، أو فالحاً، أو ذكياً، أو عاقلاً؟ لو فرضنا إنسان مقاييسه مادية، يشعر بالفوز إذا جاءه دخل فلكي، أو إنسان يشعر بالفوز إذا تزوج امرأة تروق له، أو يشعر بالفوز إذا بلغ منصباً راقياً، أو يشعر بالفوز إذا استمتع بالحياة، الإله العظيم هو الخبير يقول لك:
﴿ كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ(185) ﴾
عطاء الله تعالى لا يمكن أن يكون منقطعاً بالموت فعطاء الله الحقيقي هو العطاء الأبدي :
والحياة الدنيا أيها الإخوة تنتهي بالموت، والموت يُلغي غنى الغني، وفقر الفقير، وقوة القوي، وضعف الضعيف، وصحة الصحيح، ومرض المريض، ووسامة الوسيم، ودمامة الدميم، الكل سيموتون، والموت يوحّد بينهم جميعاً، وعطاء الله عز وجل لا يمكن أن يكون منقطعاً بالموت، فعطاء الله الحقيقي هو العطاء الأبدي، عطاء الله الحقيقي هو ما بعد الموت، هذه الدنيا جيفة، طلابها كلابها .
(( الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له ))
لأنها لا تستقر على حال، أوحى ربك إلى الدنيا أنه من خدمني فاخدميه، ومن خدمك فاستخدميه، والدنيا متحولة، وكل إنسان بنعمة في الدنيا عنده قلق عميق، إما أن يزول عن هذه النعمة بالموت أو أن تزول عنه، الغني قد يفتقر، والصحيح قد يمرض، والإنسان قد يكون في أعلى درجات الصحة، فجأة ورم خبيث، انتهى، ورم بالدماغ انتهى، فإما أن تزول عنه، وإما أن يزول عنها.
إذاً: لا تصفو لإنسان، لكنك إذا كنت مع الله عز وجل و جاء الموت
فقالت فاطمة رضي الله عنها:
(( واكرب أبتاه. فقال: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما مات قالت: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه! يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه! يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه! فلما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها: أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله ﷺ التراب؟ ))
حينما أتى بلالاً الموت .. قالت زوجته: "وا حزناه". فكشف الغطاء عن وجهه وهو في سكرات الموت .. وقال: "لا تقولي واحزناه، وقولي وا فرحاه"، ثم قال: "غداً نلقى الأحبة ..محمداً و صحبه".
المؤمن ألقى الله في قلبه أمْناً لو وُزِّع على أهل بلد لكفاهم ، هذه الآيات :
﴿ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ(16) ﴾
ونتابع الآيات في درس قادم إن شاء الله .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.