- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني من دروس سورة الأنعام.
مخاطبة الله سبحانه وتعالى آدم من خلال ذريته:
مع الآية الثانية وهي قوله تعالى :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ(2) ﴾
بعد أن قال الله عز وجل:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ(1) ﴾
يعدلون عنه إلى غيره: يعني يشركون به.
الحكمة التي أرادها الله من تغييب الموت عنا :
وقد رأى مرة بعض العلماء ملك الموت فسأله: كم بقي لي من أجلي؟ أشار له هكذا، يعني خمساً، فلما استيقظ ازداد حيرة يا ترى خمس سنوات، أم خمسة أشهر، خمسة أسابيع، خمسة أيام ؟ فلما سأل عالماً من علماء التعبير عن الرؤيا قال: يقول لك : يا إمام، إن ملك الموت يقول لك: إن هذا السؤال من خمسة أسئلة لا يعلمها إلا الله.
فالإنسان قد تُنسَج أكفانه وهو لا يدري، وقد يبقى له عدة ساعات وهو في أتم صحته، وقد يخرج ولا يعود، وقد يعود ولا يخرج، وقد يعود ويخرج في نعش، وقد يسافر ولا يعود، وقد يشتري بيتاً ولا يسكنه، وقد يخطب امرأة ولا يتزوجها، وقد ينال شهادة ولا ينتفع بها، وقد يجني ثروة طائلة ولا ينفعه منها شيء.
إذاً: الموت غيّبه الله عنا، وحكمة تغييبه عنا أن نسعى جاهدين لطاعة الله عز وجل، وأن نكون جاهزين لاستقبال الموت، حتى إن بعض الآيات الكريمة وهي قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) ﴾
وكأن الموت بيدنا، لكن علماء التفسير قالوا: لا يأتينَّكم الموت إلا وأنتم مسلمون، ينبغي أن تستعدوا لاستقباله في أية لحظة، والإنسان لا يدري هل يعيش ساعة بعد الساعة التي هو فيها ؟
قصص تؤكد أن الإنسان يجب أن يكون مستعداً للقاء الله تعالى :
وقد ذكرت لكم قصة مرات عديدة لكنها مناسبة في هذا المكان؛ أنني جلست مع إنسان، وحدثني عن مشاريعه المستقبلية، ولا أبالغ حدثني عن عشرين عاماً قادمة، وسوف يسافر، وسوف يقيم في هذا البلد خمس سنوات، وسوف يزور في الصيف هذا البلد في أول صيف، وهذا البلد في ثاني صيف، وهذا البلد في ثالث صيف، وهذا البلد في رابع صيف، ويعود، ويقدم استقالته، ويأخذ التعويض، وينشئ محلاً تجارياً يبيع فيه التحف، ويجعله منتدىً فكرياً، ساح معي عشرين عاماً قادمة، وأقسم بالله العظيم أنني رأيت نعوته في اليوم نفسه.
وأذكر قصصاً عديدة تؤكد هذا المعنى، يعني في جلسة من جلسات الإخوة الطيبين قال لي أحدهم : إنني لن أموت مبكراً، اعتمدَ على شيء علمي، على صحته الطيبة، وعلى رشاقته، وعلى خفة وزنه، وعلى طعامه الصحي، وعلى عنايته بالرياضة وبالسباحة، وعلى بعده عن الشدّة النفسية، وهذا كلام علمي، يعني ذكر كل أسباب طول الحياة، ذكر هذا يوم السبت، وكان في السبت التالي تحت الأرض.
طبيب بأمريكا يرى أن الجري هو الطريق الوحيد لوقاية القلب من الاحتشاء والنوبات القلبية والجلطات، يجري في اليوم الواحد عشرين كيلومتراً، وأقام ندوات في التلفاز، ومقالات في الصحف، وألقى محاضرات في المنتديات، وهو يزعم أن الجري هو السبيل الوحيد لوقاية القلب، وهذا كلام صحيح، وكلام علمي، وله ثمار طيبة، لكنه عدّ الجري مانعاً للموت، مات وهو يجري، في الثانية والأربعين من عمره، مات وهو يجري.
وأحياناً الطبيب المختص باختصاص نادر يتوهّم أنه بعيد عن أمراض اختصاصه، ولحكمة بالغة يُصاب المختص بالمرض بالمرض نفسه، لأنه ألّه الجري، وجعله عاصماً من الموت، على كلٍ لا أحد يعلم متى سيموت ؟ وقد أخفى الله أجل الإنسان ليكون مستعداً في كل لحظة للقاء الله عز وجل، هذا ينتج عنه أن تُكتب وصية، الأموال التي باسمك وليست لك، والديون التي عليك، والأمانة المودعة في بيتك، والأموال التي أودعتها في صندوق في حوزتك مفتاحه، لو أن الإنسان مات فجأة، هذا المال يُظن أنه له، فأي قضية عالقة مالية، أمانة، تسكن بيتاً ليس لك، سُجّل باسمك بيت هروباً من ضريبة معينة، فأي علاقة مالية ينبغي أن تكون واضحة في وصية لأن الإنسان لا يدري متى سيموت .
حدثني أخ أودع عند إنسان مبلغاً من المال ليغير له نوع العملة بعد ساعتين، في هاتين الساعتين جاءته المنيّة، وليس مع أهله إيصال إطلاقاً .
وحدثني أخ أيضاً أنه أُودِع عنده مبلغاً فلكياً لاستثماره، وليس في حوزة الأهل علم ولا إيصال، ومات فجأة صاحب المبلغ، ولولا أن الذي أُودِع عنده المال أمين لأكله على ورثته .
فهذا الكلام يعني أن تكون مستعداً للقاء الله دائماً، مستعداً بتوبة، مستعداً بطاعة، مستعداً بأداء عبادة، مستعداً بتوضيح العلائق المالية التي يمكن أن تكون سبباً إما أن تطعم الناس مالاً حراماً، أو أن تأكل أنت مالاً حراماً وأنت لا تدري .
الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه:
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً﴾
لكل واحد منا أجل لا يُقدم ولا يُؤخر، يعني في بعض برامج الكمبيوتر تعطيه تاريخ الميلاد، يقول لك بعد ثوانٍ: أنت بلغت من العمر فرضاً ثلاثة وخمسين عاماً وثمانية أشهر، وأربعة أيام، وخمس ساعات، وسبع دقائق، وثمان ثواني، والإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
* * * *
تعريف الإنسان:
لذلك أدق تعريف للإنسان أنه بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، وما من يوم يُنشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
الإنسان إذا نام قد لا يستيقظ، أحد علماء دمشق الكبار آوى إلى الفراش، وقبل أن يؤوي إلى الفراش تسلّم رسالة مني، وبعث إليّ بسلام حار، وأثنى على خطبة العيد، وفي الصباح قيل لابنه: أيقظ والدك على صلاة الفجر، فكان ميتاً.
يعني الإنسان يموت فجأة، قد ينام ولا يستيقظ، قد يستيقظ ولا ينام، قد يذهب ولا يعود، والإنسان يقرأ كل يوم نعوة الآخرين، هذا عميد أسرتهم، وهذا الطبيب، وهذا المهندس، وهذا العالم، وهذا الصيدلي، وهكذا، وفي أحد الأيام لا بد من أن يقرأ الناس نعوتنا، شئنا أم أبينا، وندخل كل يوم إلى المسجد لنصلي، وسوف ندخله مرةً ليُصلّى علينا، ومرةً قرأت كلمة أعجبتني: صلِّ قبل أن يُصلى عليك .
أعلى أنواع الذكاء أن تتكيف مع الموت بالتوبة والاستقامة وإتقان العبادة :
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً
ودائماً أقول: أدق تعريف جامع مانع للذكاء: هو التكيف، ولأن أخطر حدث سيكون هو الموت، فأعلى أنواع الذكاء أن تتكيّف مع الموت، تتكيّف مع الموت بالتوبة، والاستقامة، وإتقان العبادة، والإنفاق من مالك، وتربية أولادك، ورعاية من حولك، هكذا تستعد للموت، ودائماً أحب أن أوضح هذا المثل:
يعني إنسان فقير جداً، جاءه عرض مغرٍ جداً، أنك إن نلت الدكتوراه يمكن أن تكون في أعلى منصب، وفي أجمل بيت، وتقترن بأجمل امرأة مثلاً، ولك بيت في المصِيف، وبيت على البحر، ومركبة فارهة...إلخ ـ هذا الذي يحلم به الناس دائماً ـ وذهب إلى بلد غربي ليدرس، فقير جداً، اضُطرّ أن يعمل في المطاعم، اضُطرّ أن يكون حارساً، يعمل ساعات طويلة في البرد والحر، وقد يعمل عملاً مُهيناً أحياناً، ويدرس في الليل، ويذهب إلى الجامعة في النهار، ويسهر إلى ساعة متأخرة لتحضير ما عليه، وأمضى سنوات طويلة حتى نال الدكتوراه، وأخذ الشهادة وصدقها من الخارجية والقنصلية، وما إلى ذلك، ثم قطع بطاقة العودة، وذهب إلى المطار، ونودي على الركاب أن يتجهوا إلى الطائرة، ومعه بطاقة الصعود، فإذا وضع رجله في درج الطائرة هو بحسب وضعه، وطموحاته، والوعود التي وُعِد بها، هو الآن أسعد إنسان في الأرض، لأنه حينما وضع رجله على سلّم الطائرة، مضت مرحلة الشقاء، مرحلة التعب، مرحلة الهم، مرحلة القلق، مرحلة الجهد الكبير، والدخل القليل، وجاءت مرحلة الغنى والعز، والراحة، وما إلى ذلك، هذا حال المؤمن حينما يأتيه ملك الموت .
أجل الإنسان قد يُعلم لكن أجل يوم القيامة لا يعلمه أحد إلا الله:
الموت عرس المؤمن
(( تُحفَةُ المؤمِنِ الموتُ ))
(( لمّا ثَقُل النبي ﷺ جعل يتغشاه الكرب، فقالت فاطمة رضي الله عنها: واكرب أبتاه. فقال: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما مات قالت: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه! يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه! يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه! فلما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها: أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله ﷺ التراب؟! ))
التعب انتهى، الجهد انتهى، التكليف انتهى، مجاهدة النفس والهوى انتهت، معاناة الدعوة انتهت، خصوم الإيمان انتهينا منهم، أعداء الدين انتهينا منهم، كل متاعب الدنيا تنتهي، فلذلك:
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26) ﴾
وشيء آخر، حينما يأتيه مرض عُضال يُتوقع أن يموت بعد حين، وقد يقول الأطباء: بقي له أسابيع، وقد تأتي توقعاتهم صحيحة، فالأجل أجل الإنسان يُعلَم، لكن الأجل أجل يوم القيامة لا يعلمه أحد إلا الله أبداً.
إذاً هناك يوم مفقود
إعجاز كتاب الله يشهد أنه كلامه سبحانه :
﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَٰبَ
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36) ﴾
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً
إذا آمنا باليوم الآخر الإيمان الذي أراده الله عز وجل لا بدّ من أن تنعكس كل مقاييسنا:
ما لم نؤمن باليوم الآخر لا نفلح، إذا آمنا باليوم الآخر الإيمان الذي أراده الله عز وجل، لا بد من أن تنعكس كل مقاييسنا، تنعكس، إذا آمنت باليوم الآخر رأيت الإنفاق هو الذكاء، وليس أخذ المال، رأيت بذل الجهد لخدمة الخلق هو الذكاء، وليس أن تستخدم جهود الآخرين، رأيت أن التواضع هو الذكاء، وليس أن تستعلي على عباد الله، فإذا آمنت باليوم الآخر، لا بد من أن تنعكس كل المقاييس التي تقيس بها الأمور:
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾
يعني هل هناك جامعة في الأرض من دون امتحانات؟ ما من مؤسسة في الأرض للخريجين فيها ميزات كبيرة من دون امتحانات، هل سمعت عن جامعة أن طالباً يقدم طلباً يقول فيه: أرجو أن أُمنح الدكتوراه ؛ من دون دراسة، من دون تأليف أطروحة، من دون مناقشة، من دون جهد كبير؟ مستحيل .
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾
لا يعلم السر إلا الله فهو يعلم ما ظهر وما خفي :
﴿ وَوُضِعَ ٱلْكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلْكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَىٰهَا ۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا
معنى
﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ
إله في السماء، وهو في الأرض إله أيضاً، أمرنا بيده.
﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُۥ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى
يعلم الذي تُسِرّه، ويعلم الذي يخفى عنك أنت .
الحركة في الحياة هي الكسب:
﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾
الكسب هنا العمل الذي ينتهي بمنفعة، أو العمل الذي ينتهي بمضرة، هذا هو كسب الإنسان، كل إنسان له عمل في الحياة، بالمعنى المطلق، يعني إنسان في حرفته صادق، ومتقن، وأمين، ولا يغش أحداً، وفي بيته إنسان صالح، ومعتنٍ، ورحيم، وحليم، فمجموع هذه الشخصية في البيت، وفي الطريق، وفي العمل، وفي الفرح، وفي الترح، وفي الحضر والسفر، وفي كل نشاطات الإنسان هذا إنسان صالح، ويوجد إنسان آخر له موقف مع الناس، وله موقف مع ذاته، هذا النفاق، ويوجد إنسان سيء مع الجميع، هذا الفاجر الذي لا يبالي بسمعته إطلاقاً إذاً :
التحليل التوحيدي للأمور يبين أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة :
ثم يقول الله عز وجل :
﴿ وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) ﴾
ما أكثر العِبر وما أقل المعتبرين، العبر تترى، أحياناً تجد قصصاً صارخة، تبيّن عدل الله، وتبيّن رحمته، وتبيّن فضله، وتبيّن غضبه أحياناً، تبين بطشه، تبين إكرامه، فهناك عبر لا تعد ولا تحصى، والله عز وجل يسوقها لعباده كي يعرفوا أنه :
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٌ وَفِى ٱلْأَرْضِ إِلَٰهٌ
وأن الأمر كله بيده، وأن الأمر راجع إليه .
﴿ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ
التحليل الأرض الشركي مقبول عند أهل الدنيا أما التحليل التوحيدي فغير مقبول:
أما إذا حللت الأحداث تحليلاً أرضياً وشركياً، وزيد وعبيد، وفلان وعلان، والقوة الفلانية، والقوة الفلانية، التحليل الأرضي مقبول عند المشركين، والتحليل الأرضي مقبول عند من يئِس من الآخرة، والتحليل الأرض الشركي مقبول عند أهل الدنيا، أما التحليل التوحيدي فغير مقبول، قد تجري أحداث طاحنة في بلاد مجاورة، طبعاً هناك آلاف التحليلات، لكن حينما تقرأ قوله تعالى :
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112) ﴾
هذا تحليل قرآني لأحداث جسيمة ظهرت، لذلك المؤمن يُرضيه التحليل التوحيدي الإيماني، بينما الذي لا يؤمن بالآخرة لا يرضيه أبداً التحليل التوحيدي الإيماني، بل يبحث عن تحليل شركي أرضي .
كل الحقائق التي جاء بها الأنبياء يكشفها الإنسان عند الموت :
﴿ وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ(4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(5) ﴾
الحقيقة أيها الإخوة، أن كل الحقائق التي جاء بها الأنبياء يكشفها الإنسان عند الموت.
﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍۢ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ
الحقائق التي جاء بها الأنبياء يعرفها أكفر كفار الأرض عند الموت، الدليل فرعون الذي قال :
﴿ فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ
والذي قال :
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى
حينما أدركه الغرق قال :
﴿ وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسْرَٰٓءِيلَ
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط:
الشيء المؤلم أيها الإخوة أن خيارك مع الإيمان خيار وقت فقط، لا بد من أن تؤمن عند الموت، ولكن بعد فوات الأوان .
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِىٓ إِيمَٰنِهَا خَيْرًا
خيارك مع ملايين الأشياء خيار قبول أو رفض، إلا مع الإيمان خيار وقت؛ إما أن تؤمن قبل فوات الأوان، أو أنه لا بد من أن تؤمن بعد فوات الأوان.
﴿ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(5) ﴾
يعني مثلاً: طالب يعلم علم اليقين أن الأستاذ نزيه جداً، ومِعطاء في الدرس، وأن هناك امتحان دقيق، وتصحيح أدق، وهناك نجاح بجدارة، وهناك رسوب بجدارة، يعني ما درس، يقول لك: رسب بجدارة، مثلاً درس، أمضى كل العام بالدراسة، فلما جاء الامتحان هو مستعد له، ليس عنده مفاجأة، سؤال الامتحان أجاب عنه، والثاني أجاب عنه، والمسألة حلها، والتحليل حلله، وإكمال الجمل أكملها، وملء الفراغات أملأها، وعلامته تامة. الطالب الثاني قال له صديقه: الأستاذ من عادته أن يعطي الأسئلة لمن يقدم له هدية قبل الامتحان، فجلس، ووجد أنه لا داعي للدراسة، أمضى العام الدراسي كله في النزهات، وفي النوادي، والملاهي، وفي اللعب، اعتماداً على وهمه أن الأستاذ سوف يعطي الأسئلة لمن يقدم له هدية ثمينة، فجاء بالهدية وقدمها إليه فتلقّى منه صفعتين، وعرف الحقيقة قبل الامتحان بيوم واحد، هذه القصة كلها، إنسان علم ما سيكون، فتكيف مع ما سيكون، وإنسان جهل ما سيكون، وفوجئ بما سيكون، فما هو العقل؟ العقل: هو التكيف مع المستقبل، أو الذكاء: هو التكيف .
أخطر شيء في حياة الإنسان صحة الرؤيا أو خطأ الرؤيا:
﴿فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾
يعني عندما يرتكب إنسان جريمة لا يمكن لمجرم أن يرتكب جريمة إلا وهو يتوهم أنه سينجو من العقاب، كل أحلامه بهذا المال الذي سيسرقه من هذا المقتول، بعد أيام صار في السجن، بعد عشرين يوماً على حبل المشنقة، هذا الواقع، لذلك أخطر شيء في حياة الإنسان صحة الرؤيا
﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ(6) ﴾
القرن قالوا: ستون سنة، سبعون سنة، ثمانون، حتى المئة، مئة عام تقريباً الناس كلها التقت مع بعضها بعضاً، نحن في هذه البلدة الطيبة، الناس كلهم يعرف بعضنا بعضاً، هذا يموت قبل هذا، هذا بعد هذا، لكن هناك تعارف إما حقيقي باتصال مباشر، أو فكري وإعلامي، القرن كما قلت من ستين إلى مئة عام، يعني الزمن الذي يجمع الناس، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ))
العطاء الدنيوي ليس دليلاً على أن الله راضٍ عن هؤلاءالناس :
فقال الله عز وجل:
الله عز وجل يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب :
فالدنيا تُعطى لمن يحب، ولمن لا يحب، أعطاها الله لقارون، وهو لا يحبه ، قال :
﴿ قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِىٓ
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلْأَرْضَ
أعطاها لفرعون، وهو لا يحبه، لكن الذي يحبهم ماذا أعطاهم ؟ قال :
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً
الذين أحبهم أعطاهم العلم .
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍۢ ۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا
الذين أحبهم أعطاهم الحكمة، الذين أحبهم أعطاهم السكينة، الذين أحبهم أعطاهم الأمن، هذه ثمار الإيمان اليانعة، أن ترضى عن الله، أن تكون آمناً في سربك، معافى في جسمك، عندك قوت يومك، أن تكون حكيماً، أن تكون راضياً عن الله عز وجل، أن يكون لك سمعة طيبة .
قوة الأمم والشعوب ليست دليلاً على أنها قريبة من الله عز وجل :
إذاً:
﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى(6) ﴾
ما تحت الثرى الثروات .
أيها الإخوة ، نتابع هذه الآيات إن شاء الله في درس قادم.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين