وضع داكن
25-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 10 - اتخاذ الأسباب
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام من جديد، هذه بحوله تعالى هي الحلقة العاشرة من سلسلة مدارج السالكين، وعنوانها: "الأخذ بالأسباب" اتخاذ الأسباب كيف أن يكون طريقاً للوصول إلى الرب سبحانه وتعالى؟
 نبدأ حلقتنا بقول الخالق من سورة الملك بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾

[ سورة الملك: 15]

 مرحباً بكم دكتور محمد.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 ما الرابط بين اتخاذ الأسباب وبين الوصول إلى الله عز وجل؟

 

الرابط بين اتخاذ الأسباب وبين الوصول إلى الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 كان من الممكن أن يلغى الأخذ بالأسباب، لكن إذا ألغي الأخذ بالأسباب صار هناك فوضى، وصار تعمية في العلاقة مع الله عز وجل، لكن الله جلّ جلاله جعل لكل شيء سبباً، وجعل هذا الكون مبنياً على الأسباب، لماذا؟ لأن هذا العقل البشري الذي وهبه الله للإنسان، وهو أعقد آلة في الكون، هذا العقل البشري لا يفهم ما حوله إلا بالأسباب.
 أنت عندما تغادر مغادرة كلية لقضاء شهر في مصيف مثلاً، وتطفئ الكهرباء بأكملها، وتعود إلى البيت بعد شهر، فإذا بالإضاءة متألقة، تقول لك زوجتك: ألم تطفئ الأضواء كلها؟ إذاً هناك إنسان دخل للبيت، العقل البشري لا يقبل أن الإضاءة تألقت من ذاتها، هذا القانون.
 العقل لا يفهم شيئاً بلا سبب، وكذلك لا يفهم شيئاً بلا غاية، هذه البقرة يحتاج وليدها إلى لترين من الحليب، أو ثلاثة لترات، تعطي ستين كيلو من الحليب، لمن البقية؟

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾

[ سورة النحل: 5]

 خصيصاً لكم، الوليد يأخذ من ثدي أمه ثلاثة كيلو باليوم، هي تعطي ستين كيلو، فكلمة لكم هي غاية، فالعقل مبني على السببية والغائية، عندك غائية.
 أنت مثلاً ترى سائق سيارة شاحنة، وراءها سلسلة على الأرض، لماذا؟ أنت لا علاقة لك علاقة بالشاحنات إطلاقاً، لكن عندك حاجة عقلية لِمَ هذه السلسلة تُجر على الأرض؟ هذه من أجل إذا جاءت صاعقة هذه الصاعقة تُفرغ في الأرض، من خلال هذه السلسلة.
 فأنت عندك حاجة إلى فهم الأسباب، والغايات، وإذا كان هناك إنسان محكوم متهم بارتكاب جريمة في حلب، والقاضي جاءه تقرير من جهة رسمية صادقة أن هذا الشخص كان بالشام، إذاً يعفى من الجريمة، العقل لا يقبل أن يكون بآن واحد بحلب وبالشام، هذا عدم التناقض.
 فالعقل له ثلاثة مبادئ، السببية، والغائية، وعدم التناقض، وهذه المبادئ تتطابق مع الدين تماماً، فالعقل لا يقبل شيئاً بلا سبب، ولا يقبل شيئاً بلا غاية، ولا يقبل التناقض، هذه الأسباب، الله جعل لكل شيء سبباً، صار هناك نظام، المال له سبب بالتجارة، والعمل، والوظيفة، والمنافع العامة، السرقة خلاف القانون الإلهي، العلاقة بين الزوجين هذه مشروعة، لكن العلاقة مع غير زوجته صارت زنا، عندما صار هناك أسباب، وقوانين، صار عندنا معاص وآثام، نحن في دار ابتلاء لا دار استواء، نحن جئنا للدنيا للابتلاء.

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[سورة المؤمنين: 30]

 فالإنسان يبتلى، عنده شهوات، الشهوة يمكن أن تنفذ بمئة وثمانين درجة، مسموح لك بمئة درجة فقط، فالمؤمن حصر إرواء شهواته بمئة درجة فقط، وفق ما سمح الله به، إن كان بالمرأة، كان بالمال، بكل شيء، يوجد شهوات يمكن أن تلبى بمئة وثمانين درجة، القوة، قد تملك قوة على قتل الناس، وقد تملك قوة على العدل بين الناس، فأنت عندك دوافع عامة، هذه الدوافع العامة لها قنوات طاهرة، عندي حقيقة لكن من المهم جداً أن أقولها: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفةً طاهرة تسري خلالها.
 صفيحة البنزين، سائل متفجر، هذه الصفيحة إذا وضعت في المستودع المحكم في السيارة، وسالت في الأنابيب المحكمة، وانفجرت في البستونات، في المكان المناسب، والوقت المناسب، ولّدت حركة نافعة، قد تقلك في العيد إلى مكان جميل، ما الذي يحصل في السيارة؟ انفجارات، الصفيحة نفسها صبها على السيارة، أعطها شرارة، تحرق المركبة ومن فيها.
 فالشهوات إما أنها قوة دافعة، أو قوى مدمرة.
المذيع:
 جميل! دكتور ملف اهتمام الإنسان بالأخذ بالأسباب نربطه بقصة القضاء والقدر، والفهم الصحيح أو الفهم الخاطئ أحياناً؟

 

ضرورة الأخذ بالأسباب ثم التوكل على الله :

الدكتور راتب :
 يوجد أمر إلهي أن نأخذ بالأسباب، هذه القاعدة الأصولية، وعندنا قواعد فقهية أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
المذيع:
 نوضحها بمثال دكتور.
الدكتور راتب :
 أنت مثلاً عندك سفرة طويلة، تراجع المحرك، تراجع العجلات، الزيت، المكابح، تراجع كل شيء مراجعة تامة، بعد المراجعة التامة بأعلى درجة من القرب إلى الله: يا رب أنت المسلم والحافظ، أخذت بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم توكلت على الله وكأنها ليست بشيء، شخص قادم باتجاهك و اصطدم بك لأنه نائم، وأنت مراجع المحرك، ومراجع كل شيء.
المذيع:
 ارتباط هذا الملف دكتور بالقضاء والقدر كفهم كيف يكون؟

القضاء علم و القدر عمل :

الدكتور راتب :
 القضاء والقدر الحقيقة له مفهوم دقيق جداً، القضاء علم، والقدر عمل، فالله حينما علم من هذا الإنسان أن دخله حلال هذا قضاء، قدر له النجاة من كل متاعب الحياة، هذا الدخل حرام، رشوة كبيرة، اشترى سيارة عملت حادثاً، راح فيها أولاده مثلاً، هذه مقابل هذه، أي أنت عندما تمشي بشكل صحيح الله سيقدر لك أشياء كلها إيجابية، تمشي بشكل خاطئ و إن كنت ذكياً، مع الله لا يوجد ذكي، بالمناسبة مع الله يوجد مستقيم، ينجح مع الله المستقيم و ليس الذكي، يؤتى الحذر من مأمنه، وهناك ألف قصة في أعلى درجة من الحذر من جهة مأمنه يؤتى، مع الله لا يوجد ذكي، مع الله يوجد مستقيم فقط، تستقيم لك معاملة خاصة، يحفظ لك مالك أحياناً، يحفظ لك أولادك، يحفظ أهل بيتك، يحفظك من أمراض خطيرة، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ فالأدب مع الله أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء هذه ليست سهلة.
 بالمناسبة: الغرب أخذ بالأسباب بأعلى مستوى لكن اعتمد عليها وحدها وألهها، فوجئ بكوارث، وحروب عالمية، والمسلمون لم يأخذوا بالأسباب وقعوا بالمعصية، فبين أن تأخذ بها وبين أن تعتمد عليها وقعت في الشرك، وبين ألا تأخذ بها ولم تسع إليها وقعت في المعصية.
المذيع:
 أحياناً يكون هناك خسارة الدنيا والآخرة، لم يأخذ بالأسباب ولم يتوكل على الله أي إن ترك الأولى والثانية.
 دكتورنا الكريم، الدول قد تصلح بغير الإيمان، الغرب اليوم دكتور كما تفضلت أخذوا بالأسباب، يوجد عدالة اجتماعية، وحرية للأفراد لحد ما ليست مطلقة؟

الدنيا تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم :

الدكتور راتب :
 إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة - كلام ابن تيمية، هذا عملاق في الإسلام- على الأمة المسلمة الظالمة، وتنجح الدنيا بالكفر والعدل ولا تنجح بالإيمان والظلم، هل يوجد أوضح من ذلك؟
 الآخرة موضوع ثان، نتكلم عن الدنيا فقط، هذه الدنيا لمن أتقنها.

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 105]

 لإدارتها، هنا يوجد معنى دقيق جداً.
المذيع:
 الصالحون المتدينون؟
الدكتور راتب :
 لإدارتها، عمل هذا الحاكم تأميناً اجتماعياً، شيء جميل، أي مرض يعالج مجاناً، عمل عدالة اجتماعية، عمل فرص عمل، هيأ فرص عمل للشباب، يأتي شخص غير دين – كافر- لكن يوجد عنده ذكاء، يتعامل مع ذكائه، يؤمن حياة مرفهة للناس، يحبه الناس، والله يقويه.
سمعت أن حاكم اليابان أمضى في الحكم سبعين سنة، سبعون سنة مستمرة معنى هذا أنه جيد جداً.
 الدنيا تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم.
المذيع:
 هذه قوانين الدنيا، أما الآخرة فتحتاج إلى إيمان بالله، لو اجتمع الإيمان والعدل دكتور؟
الدكتور راتب :
 أعلى شيء.
المذيع:
 يكون تاريخنا كما كان في فترة الخلافة، تفوق في الدنيا، وإرضاء لله في الآخرة، أما اليوم بالعموم فواقعنا فيه ظلم، فيه أكل حقوق، وتقصير.
الدكتور راتب :
 حاكم ملحد، يعمل تأميناً صحياً للناس كلهم، يعمل تكافؤ فرص، الله مكنه لأنه أعطاه مصالح الدنيا.
المذيع:
 دكتورنا موضوع الأخذ بالأسباب- حتى تكون الفكرة واضحة- هل سيقود الإنسان إلى فهم دوره في الحياة في الاستخلاف وإعمار هذه الأرض؟

 

العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :

الدكتور راتب :
 يجب أن يفهم الإنسان علة وجوده، ما الدليل؟

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56 ]

 علة وجوده العبد العبادة، وليس الرفاه، عفواً الآن كلمة دقيقة أقولها: كنت مرة بأمريكا وعدت قيل لي: ماذا وجدت هناك؟ قلت: والله شعب يبحث عن الرفاه فقط، يحب ذاته، يبحث عن الرفاه فقط، لا يوجد عنده شيء ثان، والعالم كله يمشي بهذا الطريق، يريد الرفاه فقط، والإيمان بالذات فقط، يحب ذاته فقط، المؤمن إنسان آخر، الفرق بينه وبين المؤمن من الأرض للسماء، عنده أهداف بعيدة، عنده أهداف اجتماعية، أهداف نفسية، أهداف سلوكية، أهداف أخلاقية، حامل همّ الأمة، حامل همّ المجتمع، المؤمن الحقيقي إنسان آخر.
المذيع:
 قضية الأخذ بالأسباب ارتباطها بملف القضاء والقدر أن الإنسان يتوكل على الله سبحانه وتعالى ويأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم يتركها ويخلع قلبه منها، ويتوكل على الله كأنها لا وجود لها، هذا هو الفهم الحقيقي للأخذ بالأسباب.

 

الفهم الحقيقي للأخذ بالأسباب :

الدكتور راتب :
 بين أن تحمل همّ نفسك فقط، بيتك، وسيارتك، و أولادك فقط، لا يهمك المجتمع، وبين أن تحمل همّ الأمة الضائعة، المتخلفة، الجاهلة، وتسهم في وضع لبنة في بناء الأمة.
المذيع:
 إذاً دكتور في حديثنا عن التوكل قد يكون المفهوم في الوسط، يوجد تطرف ألا وهو التواكل، و تطرف آخر ألا وهو الكفر بالله، فالمطلوب من الإنسان أن يتوكل.
الدكتور راتب :
 أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، أنا أخذت موضوع السيارة، عندك سفرة للعقبة بالعيد مثلاً، نفحص المحرك هل يوجد به مشكلة؟ الزيت، العجلات، تراجع السيارة مراجعة تامة، وعندك إيمان، إذا الله أحبّ أن يعالج إنساناً رغم أخذه بالأسباب يعالجه، يا رب أنت المسلم، وأنت الحافظ، هذه ليست سهلة، الغرب أخذ بالأسباب، واعتمد عليها، وألهها، وقع في الشرك، نحن لم نأخذ بها أصلاً وقعنا في المعصية.
المذيع:
 جميل! قضايا خطيرة حساسة، وارتباطها بالقضاء والقدر، وإيمان الإنسان بالمصائب، وكيف لملف الأخذ بالأسباب أن يكون سبيلاً للوصول إلى الله، نطرح كل هذا الحديث بتوسع شيخنا الكريم مع فضيلتكم حديثنا في السلسلة التي نسير بها منذ عشر حلقات، وهذه الحلقة العاشرة من مدارج السالكين وعنوانها:" الأخذ بالأسباب ".
 دكتورنا الكريم، ملف الأخذ بالأسباب وارتباطه بالتوكل أصبح قضية واضحة ومفهومة عند الجميع، المسلم الذي يقصر بالأخذ بالأسباب ويعتقد أن هذا مستوى أعلى من الإيمان وقع في معصية، يترك الأشياء مثلاً إن كان مريضاً لا يبحث له عن علاج باعتقاده أن ربنا إذا كتب له الشفاء يكتب له ذلك، وربنا إذا أراده أن يموت سيموت، هذا فهم خاطئ، عليه أن يعالج نفسه ويأخذ الأدوية.

الفرق بين الهجرة و الإسراء :

الدكتور راتب :
 مثل واقعي، النبي في الهجرة سار أولاً مساحلاً- الاتجاه بالعكس- ليضلل من يتبعه، واستأجر خبيراً في الطريق رجح فيه الخبرة لا الولاء، غير مسلم، وسار في طريق معين، يوجد تفاصيل بالهجرة مذهلة، فأخذ بالأسباب كلها، ثم توكل على الله، هذه الهجرة، أما الإسراء فهو موضوع ثان، نقل نقلة، لماذا لم ينقل للمدينة كالإسراء؟ ألغى الله عز وجل الأخذ بالأسباب، فالإسراء علمنا القدرة الإلهية المعجزة، أما في الهجرة فقد علمنا الأخذ بالأسباب.
المذيع:
 الحياة البشرية الطبيعية.
الدكتور راتب :
 سيدنا عمر ما تخفى قال: أنا سأهاجر، من أراد أن تثكله أمه فليتبعني، لكن سيدنا عمر ليس مشرعاً، لو قُتل لدفع ثمن خطئه، النبي مشرع، النبي أشجع منه بمليار مرة، لكن النبي مشرع، سيدنا عمر هاجر جهاراً نهاراً متحدياً، أما سيدنا محمد فهاجر بالقدوة، وكمشرع، فعلمنا بهجرته الأخذ بالأسباب، عتم على الموضوع، اتخذ صاحباً، استعان بخبير، مشى بطريق معاكس للمتوقع، قبع بغار ثور فترة طويلة، ثلاثة أيام حتى بعث الطلب، أخذ بالأسباب التفصيلية، وهو النبي المرسل ليعلمنا الأخذ بالأسباب.
المذيع:
 أنا هذا كان سؤالي: أن الحكمة من هذا أن نحن نتعلم أن نأخذ بالأسباب بحياتنا .
الدكتور راتب :
 أما بيان قدرة الله بالإسراء فقد علمنا الأخذ بالأسباب .
المذيع:
 شيخنا نتوقف عند مشهدين ذكرتهم ولهم ارتباط لصيق بحلقتنا عن الأخذ بالأسباب، الأول أنت ذكرت شيخنا أنه أخذ بالأسباب ثم توكل على الله، هل الترتيب هنا مقصود؟

التقصير في الأخذ بالأسباب معصية :

الدكتور راتب :
 أنا أريد أن أسافر سفرة طويلة، قبل أن أسافر أراجع السيارة مراجعة تامة، أنا طبعاً متوكل على الله، لكن الله قال لي: خذ بالأسباب.
 أنا لي قريب، عنده خمسة أولاد لم يرجع سيارته، انفجر دولابان وماتوا كلهم، هو دفع الثمن، تريد أن تسافر سفرة طويلة إلى اللاذقية، عنده مشكلة راحوا كلهم، أراجع العجلات، أراجع المحرك، الزيت، الأمور كلها أراجعها.
المذيع:
 التقصير المتعمد لهذه الأسباب يعتبر معصية كبيرة.
الدكتور راتب :
 لا يوجد متعمد، لكن يوجد تقصير، شخص فرضاً عنده مأخذ كهربائي مكشوف، والتيار مئتان و عشرون، وبالحمام، إذا دخل الطفل إلى الحمام من دون حذاء، ومسه يموت فوراً، لو ابنه مات، لا يقل: قضاء وقدر، لا، يقول: أنا أخطأت، لا أريد أن أعزو تقصيري للقضاء والقدر، هذا الحمام فيه مأخذ كهربائي، والتيار مئتان و عشرون، وإذا الطفل دخل للحمام من دون حذاء، ورجله بالماء ومس التيار إذاً يكون المأخذ عميقاً، ومغلقاً.
المذيع:
 هذا هو الأخذ بالأسباب، إذا ربنا قدر أن الولد كسرها دون قصد أو فلتت أو كذا هنا نقول: قضاء وقدراً.
الدكتور راتب :
 أما القضاء والقدر فيأتي بعد الأخذ بالأسباب.
المذيع:
 لكن أنا الذي فهمته منك شيخنا أن عدم الأخذ الكامل بالأسباب يعتبر معصية.
الدكتور راتب :
 طالب لم يدرس فلم ينجح، قال: الله لم يكتب لي أن أنجح، هذا اسمه: كلام فارغ، أنت عندما تدرس دراسة تامة، ويصير معك حادث سير قبل خمس دقائق تذهب إلى المستشفى هذا قضاء وقدر، أما الأول فليس قضاء وقدراً، جزاء التقصير.
المذيع:
 ووضعه وهو يتحجج بالقضاء والقدر باطل.
الدكتور راتب :
 كذب، لم يدرس فلم ينجح، طبعاً لن ينجح، وليس أن الله كتب عليه ألا ينجح، لا، لأنه هو لم يدرس، هذا اسمه جزاء التقصير.
المذيع:
 هذا الملف شائك مجتمعياً، شاب مثلاً يسير بمركبة سريعة جداً ويكون، أرعن في القيادة، ويموت، يقول: لله كتب له ذلك، قضاء وقدر.
الدكتور راتب :
 هذا كله كلام غير صحيح، أنا أسميه بدل القضاء والقدر جزاء التقصير.
المذيع:
 أما القضاء والقدر فلو كان يسير بالسرعة القانونية.
الدكتور راتب :
 أخذ بالأسباب كلها ثم صار معه حادث: نقول عندئذ: قضاء وقدراً، لم يدرس- أوضح شيء- فلم ينجح، وليس: الله كتب عليه ألا ينجح، لا ليس صحيحاً، بل لأنه لم يدرس، أما إذا درس وصار معه حادث سير قبل الفحص بربع ساعة وأخذوه إلى المستشفى، لم يعد يستطيع أن يقدم الامتحان .
المذيع:
 الأخذ بالأسباب عنوان حلقتنا، لا يجوز أن ينعت أن هذا قضاء وقدر من الله تبارك وتعالى.
الدكتور راتب :
 والعوام سيدي مجمل العوام كل أخطائهم الكبيرة تعزا للقضاء والقدر، هذه البنت ما كتب لها زوج صالح، أنتم اخترتم شخصاً غنياً، لم تختاروا شخصاً صالحاً، أنتم عندما زوجتم ابنتكم أردتم شخصاً غنياً فقط لتعتزوا به، لم تهتموا بدينه إطلاقاً.
المذيع:
 هذا ليس قضاء وقدراً، أن ربنا قدر عليها أن يكون زوجها سيئ، أنتم اخترتم إنساناً كان المراعاة لجانب المال وليس لأخلاقه.
الدكتور راتب :
 شخص زوج ابنته لرجل غني جداً، وعنده بيت، ثم اكتشفوا أنه دينه قليل، أو لا يملك ذرة من الدين إطلاقاً، قال: أنتم سألتم عن بيتي، وعن دخلي، وعن مالي، ولم تسألوا عن ديني، عرف نقطة ضعفهم، رأوه غنياً جداً، بيته فخم، وله سيارة فارهة، فأعطوه ابنتهم، فعاملها معاملة سيئة جداً، قال لهم: أنتم لم تسألوا عن ديني، سألتم عن مالي، وسيارتي، وبيتي فقط.
المذيع:
 هذا كله كما تفضلت تقصير بالأخذ بالأسباب.
الدكتور راتب :
 أنا لا أسميه قضاء أبداً، أوضح شيء لم يدرس فلم ينجح، وليس الله كتب عليه ألا ينجح.
المذيع:
 دكتور، فتاة لم تتزوج، وصلت لسن كبيرة ولم تتزوج، أيضاً في هذا الشيء هل نقول هنا: قضاء وقدر؟

الرضا بقضاء الله و قدره :

الدكتور راتب :
 جزء منها ليس قضاء وقدراً، هي طلبت درجة من الغنى كبيرة جداً، فلم يأخذها أحد.
المذيع:
 هي كانت ترفض، إذا عفواً شيخنا لم يتقدم لها إنسان كفء، ليس القصد مالياً، هذا الإنسان ليس كفئاً.
الدكتور راتب :
 ساعتئذ قدر إلهي، ينبغي أن ترضى بقضاء الله وقدره.
المذيع:
 أنا أتحدث وصوبني شيخنا إذا كان فهمي صحيحاً أم لا، إذا أنا إنسان أخذت بالأسباب كاملة ومضت الأمور فالحمد له، أما إن لم تمش بشكل جيد نقول: قضاء وقدر، التقصير المتعمد والإهمال لا يوضع تحت القضاء والقدر.
الدكتور راتب :
 إذا أخذت بالأسباب كلها ولم تحقق النتيجة هذه حكمة إلهية عليك أن ترضى بها.
المذيع:
 أنا كنت سألت شيخاً قبل قليل: أنت تعمدت أن تذكر الأخذ بالأسباب أولاً، وثانياً التوكل على الله لماذا لا يكون الترتيب بالعكس دكتور؟ لماذا لا أتوكل على ربنا أولاً ثم آخذ بالأسباب.

التواكل هو توكل قبل الأخذ بالأسباب :

الدكتور راتب :
 التوكل أولاً تواكل، التوكل قبل الأخذ بالأسباب يكون تواكلاً، الأخذ بالأسباب أول شيء، ثم التوكل.
المذيع:
 ومثال ذلك السيارة الذي ذكرته شيخنا بالتفصيل كان واضحاً، وأنا حسب الأسباب تفقدت المركبة.

على الإنسان أن يأخذ بالأسباب المتاحة و ليس المكافئة :

الدكتور راتب :
 هنا سؤال فيه ملمح دقيق، في معركة بدر رفع النبي يديه إلى السماء ودعا، حتى وقع الرداء من على كتفه، جاء الصديق وقال: إن الله ناصرك، هذه القصة تحير، الصديق أشدّ إيماناً من رسول الله؟! مستحيل! دعا هذا الدعاء بحرارة، فسر العلماء: خاف النبي الكريم أن يكون الأخذ بالأسباب أقل مما يجب.
 بالمناسبة يوجد فكر جميلة جداً، أنت لست مكلفاً أن تأخذ بالأسباب المكافئة، المتاحة فقط، مسافة كبيرة جداً، جيش عرمرم أربعمئة ألف أو خمسمئة، وأنت معك ما يقارب الثلاثين ألفاً فقط في بعض المعارك، لا يوجد تكافؤ، أنت لست مكلفاً بالتكافؤ، أنت مكلف:

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾

[ سورة التغابن: 16]

 أحد القادة الكبار طلب مدداً من سيدنا الصديق، يريد حوالي خمسين ألفاً، لأنه كان يواجه ثلاثمئة ألف من الفرس، فبعث له شخصاً واحداً هو القعقاع بن عمرو، قال له: أين المدد؟ قال: أنا المدد، قال له: أنت؟ قال له: أنا، لكن يوجد معه كتاب من الصديق، قال له: يا بن الوليد والله إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم، أرسل له شخصاً واحداً هو القعقاع بن عمرو، قال له سيدنا الصديق: والله إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم، كان الواحد كألف، والآن الألف كأف.
المذيع:
 اسمح لي إن كان خارج الموضوع شيخنا، لماذا كان القعقاع إذا كان بجيش لا يهزم؟ هل هذا لقوته العسكرية أم قوة إيمانه أم لكليهما معاً؟
الدكتور راتب :
 لقوة إيمانه، بالمعركة يوجد إيمان فقط، القوة بيد الله عز وجل.
المذيع:
 أين الأخذ بالأسباب دكتور؟
المذيع:
 الأدب مع الله أن تجمعها بالأخذ بالأسباب، وإذا كانت غير متاحة؟
المذيع:
 سيدنا القعقاع كان صحابياً وهو ذو إيمان مرتفع وأيضاً كان مقاتلاً؟
الدكتور راتب :
 إيمانه القوي جداً جعله على صلة مع الله قوية جداً، تأتيه إلهامات لصالحه، والإيمان القوي جداً يعمل قرباً من الله، تأتيه توجيهات، بتعبير آخر إلهامات.
المذيع:
 لكن هذا استثناء صح أم خطأ؟ لو كان في زماننا مثلاً علينا أن نأخذ بالأسباب وأن نحضر جيشاً مكافئاً قدر ما نستطيع؟
الدكتور راتب :
 الآن لا يوجد عندنا منهم.
المذيع:
 كانوا مرتبطين بالله فكان هناك كرامات.
 شيخنا الفاضل يوجد ملمح آخر ذكرته فضيلتكم عندما كنت تتحدث عن الهجرة أن النبي عليه الصلاة والسلام اتخذ دليلاً يعينه على الطريق وكان معياره الكفاءة وليس الإيمان، فلم يكن مؤمناً.

 

تفضيل الخبرة على الولاء و الإيمان :

الدكتور راتب :
 أنت مسموح لك أن تستعين بخبرات الأجانب، بحاجة إلى مشروع، إلى بناء، بناء مهم جداً، تحتاج إلى مهندس خبير بهذا البناء، مسموح لك.
المذيع:
 هل يشترط أن يكون مسلماً أو مؤمناً؟
الدكتور راتب :
 لا هنا الخبرة فقط، الخبرة مع الولاء حد أدنى من الولاء، أي لا يكون عدواً.
المذيع:
 إذا تكافأت الخبرة دكتور بين مشرك وبين مسلم الأولى للمسلم، إذا تكافأت الخبرة، أما إذا كان مسلماً وخبرته ضعيفة، ومشركاً وخبرته عالية نأخذ صاحب الخبرة.
 هذه دكتور سامحني لسنوات تربينا عليها فكرياً وإسلامياً على العكس إذا أردت أن تصلح تلفازك يجب أن تأخذه عند شخص متدين، تريد أن تصنع كذا تذهب لإنسان متدين، وحين تكون كفاءته متدنية يضرنا، إذاً أنا كمسلم عليّ أن أبحث عن صاحب الكفاءة، فإن وجدت كفاءته عالية.
الدكتور راتب :
 أنا هذا إيماني كل حياتي والله، إذا القضية معقدة، طبيب مثلاً غير ديّن لكن يوجد معه بورد باختصاص نادر جداً، أذهب لعنده.
المذيع:
 ليس عند الدكتور الشيخ، لكن إذا كان الطب على نفس المستوى من الكفاءة المؤمن أولاً؟
الدكتور راتب :
 إذا تساوت الكفاءات مع المؤمن.
المذيع:
 هذا التفكير شيخنا يدعو المسلمين أن يرفعوا كفاءتهم، بينما الركون لصاحب الدين جعلنا لفترة نهبط بكافأتنا.
الدكتور راتب :
 ثم عنده أجوبة يقول لك: هكذا الله يريد، الله ما كتب لك الشفاء، يعطيه أجوبة سخيفة، يعزو تقصيره للقضاء والقدر، هذا المسلم الضعيف، يعزو تقصيره للقضاء والقدر.
المذيع:
 جميل! هذا الطبيب الذي لم يتقن العلاج بدلاً من أن يعترف أنه لا يعرف وينصحه بطبيب آخر يعزو خطأه للقضاء و القدر، البعض حتى تكون الفكرة واضحة.
الدكتور راتب :
 والله يوجد أطباء يخافون من الله، مرضك ليس عندي، عند فلان، يستطيع أن يقول له: عندي، ويأخذ مبالغ طائلة.
المذيع:
 فيأخذ بالأسباب ويتوكل على الله، الله يفتح عليك.
الدكتور راتب :
 قبل أن نتابع ، لما أخذ النبي الكريم خبيراً بالطريق غير مسلم، هذا فضل الخبرة على الولاء، على الإيمان.
المذيع:
 لم يتخذ مسلماً لكن اتخذ خبيراً.
الدكتور راتب :
 اتخذ خبيراً بالطريق، هذه من فعل النبي.
المذيع:
 دكتورنا الحبيب، حتى نلملم الأفكار موضوعنا عن الأخذ بالأسباب، وهو سبيل من سبل التقرب إلى الله تبارك وتعالى، المسلم عليه أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأن الأسباب لا شيء في حياته، تفكيره بهذه المنهجية، واتخاذه الأسباب أولاً يجعله يراعيها ويعطينا كامل الاهتمام فيتفوق، ثم يعزو هذا التفوق لله، وهذا هو الفهم الصحيح.
الدكتور راتب :
 لكن بحالات نادرة حينما لا يتاح له إطلاقاً أن يأخذ بالأسباب يأتي التوكل ويغني عن الأخذ بالأسباب، استثناء لكنه نادر جداً.
المذيع:
 جميل، الله يفتح عليكم يا شيخنا للتوضيح: قضية القضاء والقدر، القضاء هو علم الله تبارك وتعالى، والقدر؟

تقصيرنا في الأخذ بالأسباب إذا وضعناه تحت بند القضاء والقدر افتراء ودجل :

الدكتور راتب :
 تقدير علاج له.
المذيع:
 لكن تقصيرنا في الأخذ بالأسباب إذا وضعناه تحت بند القضاء والقدر هذا افتراء منا؟
الدكتور راتب :
 هذا افتراء، وهذا دجل، وهذا تبرير سخيف.
المذيع:
 جميل، الله يفتح عليكم يا دكتور.
الدكتور راتب :
 ما درس، قال: الله لم يكتب لي أن أنجح، لا، لأنك ما درست فقط، أما القضاء والقدر فصار معه حادث.
المذيع:
 شيخ، الطالب الذي لا يدرس لم يأخذ بالأسباب الدنيا تقول: لن ينجح، والطالب دكتور الذي يدرس ولا يؤمن بالله تبارك وتعالى بقوانين الدنيا هل ينجح؟
الدكتور راتب :
 قد ينجح لحكمة بالغة، وقد لا ينجح تأديباً له.
المذيع:
 إن تدرس تنجح، إن درس وتوكل على الله هل نقول: جمع الحسنيين وهذا أعلى مراتب الذكاء؟
الدكتور راتب :
 أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
المذيع:
 الموضوع دقيق للغاية دكتور وحساس كثيراً في فهم الإنسان لدينه وفكره، لكن كيف يمكن لملف اتخاذه للأسباب أن يكون سبيلاً للوصول إلى الله الذي هو عنوان سلسلة مدارج السالكين؟

الدنيا بيد الله لا يعطيها بلا سبب :

الدكتور راتب :
 لأنه أطاع الله في عطائه للدنيا، الدنيا بيد الله، لا يعطيها بلا سبب، يا رب اجعلني أستاذاً بالجامعة، وهو لم يحصّل أية شهادة، هذا شيء مضحك، تريد أن تكون أستاذ جامعة الله يوفقك بالدراسة ادرس، طالب أستاذ جامعة، يجب أن يكون معه دكتوراه، التوفيق يأتي في أثناء أخذه بالأسباب، في أثناء الأخذ بالأسباب يقبل بجامعة محترمة، وينجح مع دراسة متقنة، الآن هو ماذا فعل؟ طلب منصباً رفيعاً، ومقابلها أخذ بالأسباب، الله حقق له هدفه، أما طلب دكتوراه من دون أن يدرس فهذا شيء مضحك، طلب دكتوراه ولم يدخل للجامعة، مضحك أكثر، نحن عندنا هذه المشاكل بشيء متفاقم جداً، نريد أن ينصرنا الله بلا سبب، نحن مسلمون يا رب، الطرف الآخر أتقنوا دنياهم أكثر منك بمئة مرة، أعدوا لكل شيء عدته، ما دليلها القطعي؟

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 60]

 أنت ما أعددت لهم، أعدوا لك ولم تعد لهم، أعدوا لك أقماراً صناعية، أعدوا لك طائرات، وسلاح جو، أعدوا لك استخبارات، أعدوا لك تضعيف الهمم عن طريق إشاعات كاذبة، أعدوا لك مليون بند، أنت ما أعددت شيئاً، قلت: الله ينصرني، أنا مسلم، لا، غير صحيح هذا الكلام، ينبغي أن تعد لهم كما أعدوا لك، ما دليلها؟

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾

 قرآن.
المذيع:
 لدي سؤال دكتور، لماذا خلق الكون في ستة أيام ولم يقل له: كن فيكون والله قادر على هذا؟

 

تحريك الله الأمور وفق قوانين الأرض :

الدكتور راتب :
 يوجد رأي دقيق جداً، هذه ليست أياماً زمنية، أربعة فصول وليل ونهار، نظام الكون نظام الأرض أي يوجد عندنا أربعة فصول، عندك ليل ونهار، هذه لها معنى ثان، ليس موضوعاً زمنياً، التفسير له أنواع كثيرة، الله عمل لكل شيء زمناً محدداً، فالله أيضاً حرك الأمور وفق قوانين الأرض.
 أوضح مثل قلته في لقاء سابق، بالإسراء ألغيت القوانين، هذه القوانين كلها، بالهجرة أخذ بها.
المذيع:
 والتأمل فيها حقيقة تأمل عميق.
الدكتور راتب :
 بالإسراء معجزة، أما بالهجرة فليس معجزة، بل أخذ بالأسباب.
المذيع:
 سؤال دكتور، لو نحن فهمنا الدين بهذه الطريقة الشاملة والواسعة الإنسان يشعر أن دينه جزء من حياته، العفو دكتور لفترة وكأننا نعيش في علمانية، نصلي لكن صلاتنا ليس لها تأثير على حياتنا.

على الإنسان أن يفهم الدنيا كما فهمها الغرب ويطبق الدين بمعاملاته :

الدكتور راتب :
 ينبغي أن نفهم دنيانا كما فهمها الغرب، أخذ بالأسباب، وأن نفهم ديننا كما فهمه الصحابة، نفهم دنيانا كما فهمها الغرب، أخذ بالأسباب، عملوا طرقاً، قطارات، إنجازات مذهلة، بالصين شيء لا يصدق، هذا كله إنجاز، أن نفهم دنيانا كما فهمها الغرب، وأن نفهم آخرتنا كما فهمها الصحابة، أما إن فهمنا ديننا كما يفهمه الناس الآن فالدين فيه ضعف كبير.
المذيع:
 فهذا الذي يجعلنا دكتور لحد كبير نخسر الدنيا والآخرة.
الدكتور راتب :
 نعاني من تخلفين، تخلفنا عن دنيا الغرب فتفوقوا علينا، وتخلفنا عن ديننا فلم نستحق نصر الله لنا.
المذيع:
 ولا نشعر فيه بالروحانية، حتى نكون إيجابيين دكتور، إذاً مطلوب من الإنسان أن يفهم الدنيا كما فهمها الغرب، نأخذ بالأسباب، ونتطور في الصناعة، وفي العلوم، ونهتم بها، حتى العلوم الدنيوية البحتة، ثم نتوكل على الله، ونطبق الدين بمعاملاته، وعباداته كما فعل الصحابة.
الدكتور راتب :
 عندما تقع طائرة، تأتي لجان من كل أنحاء العالم، لماذا وقعت؟ يتلافون كل خطأ بالموديل الثاني.
المذيع:
 لو قلنا: قضاء وقدراً، غير مقبول هذا الجواب شرعاً.
الدكتور راتب :
 آخر طائرة بإندونيسيا، وفود جاءت من العالم كله أين الخطأ؟ هم أخذوا بالأسباب بالدنيا بشكل مذهل.
المذيع:
 أما أن نعزو السبب أن ربنا قدر هذا، فهذا جهل، واستغلال للدين، أو توظيف خاطئ للمصطلحات الشرعية الموجودة عندنا.
 كلام بغاية الأهمية دكتور وحساس في فكر الإنسان، وفي فهم الإنسان لدينه وحياته، أعتقد لو كان الإنسان بهذه القوة يصبح داعية بنجاحه للآخرين، وعندما يبتعد عن النجاح يصبح...؟

على كلّ مؤمن أن تكون يده العليا لا السفلى :

الدكتور راتب :
 عفواً، اقبل مني هذه الفكرة، أنا حينما ألقي دروساً في المسجد، لا أقبل من أخواني ألا يكون لهم عمل، ابحث عن عمل، من أجل أن تكون يدك هي العليا، من أجل ألا تكون السفلى دائماً، وابحث عن زواج ناجح، وابحث عن بيت ملك، هذا بناء حياتك، أنت بحاجة إلى بيت ولو كان صغيراً، المهم ألا تدفع أجرة كل شهر، إن ضاق دخلك تسكن ببيت، تستطيع أن تأكل أقل طعام فيه، و لكنك مستور، تملك بيتاً صغيراً، وعندك حرفة تملكها، وعندك حد أدنى من العلم، أن تعرف الله به.
المذيع:
 إذاً شيخنا الكريم، الإنسان الذي يرضى مثلاً بعمل بسيط، وأجر بسيط، ويبقى طول عمره يفكر بهذه الطريقة البسيطة هذا يعتبر تكاسلاً؟

العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :

الدكتور راتب :
 لكن يوجد جواب دقيق جداً؛ لأن علة وجودك في الدنيا الوحيدة العمل الصالح، والعمل الصالح يحتاج إلى قوة، قوة علم، أو مال، أو منصب، لذلك إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن أكون قوياً، إما في علمي، أو في منصبي، أو في مالي، لأن الإنسان في علمه ينشر الحق، بماله يحلّ مشاكل الناس، بمنصبه بتوقيع يحل مشكلة، فإذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن أكون قوياً، لأن فرص القوي بالعمل الصالح لا تعد ولا تحصى، ولأن علة وجودك الوحيدة العمل الصالح، فأنت عندما تكون قوياً فإنك تمشي بطريق العمل الصالح.
 الآن وزير يمنع الدخان مثلاً، إذا كان له إشكال مع الأمة، فإذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لأن فرص العمل الصالح لا تعد، أما إذا كان القوة على حساب مبادئك وقيمك فالضعف وسام شرف لك.
 إذا كانت القوة تحتاج إلى كذب، واحتيال، ومنافقة، ورياء، وأكل مال حرام، لا، ابق ضعيفاً، عندئذٍ الضعف وسام شرف لي.
المذيع:
 إذا لم يستطع الإنسان في منصب أن يحقق الاستقامة التامة مئة بالمئة فهل يترك هذا المكان أو يصلح قدر المستطاع؟

خير الناس من عرف الشرين وفرق بينهما واختار أهونهما :

الدكتور راتب :

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾

[ سورة التغابن: 16]

 إذا استطاع أن يحقق ستين بالمئة عليه أن يضحي بالثلاثين.
المذيع:
 أما إذا غلب الشر فالأولى هنا أن يبتعد.
الدكتور راتب :
 إذا كان يستطيع أن يفعل ما لا يستطيع.
المذيع:
 كان قصدي جزءاً من الاشتراطات أن يكون مسؤولاً في مكان فيمرر بعض الأخطاء، لأن هذا نظام دولة غير إسلامية، أما إذا كانت الأخطاء كبيرة ومؤذية فهنا يبتعد.
الدكتور راتب :
 هنا يوجد جواب دقيق: ليس بخيركم من عرف الخير، ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشرين وفرق بينهما، واختار أهونهما.
المذيع:
 هذا قول الفاروق عمر بن الخطاب.
الدكتور راتب :
 هذا شيء مهم جداً، يجوز بهذا المنصب لا يستطيع أن يعمل كل شيء، يعمل ثمانين بالمئة.
المذيع:
 دكتورنا أختم الحلقة بالآية التي بدأنا بها وأستمع لتفسير فضيلتكم لها وهي قوله عز وجل:

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾

[ سورة الملك: 15]

 ما علاقتها باتخاذ الأسباب؟

 

علاقة الآية السابقة باتخاذ الأسباب :

الدكتور راتب :
 خذوا بالأسباب،

﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ﴾

 أي خذوا بالأسباب، أما الرازق فهو الله، أنت حينما تأخذ بالأسباب يجب أن تعتقد يقيناً أن الأخذ بالأسباب ليس سبباً لهذا الذي أنت فيه ولكنه تنفيذ أمر إلهي، الله قال لك: خذ بالأسباب، أخذت بالأسباب.
المذيع:
 جميل، شيخنا نلخص الأفكار لحساسية الموضوع في عقيدة الإنسان، نحن نأخذ بالأسباب ليس لأنها تقدم ولا تضر وتنفع، وإنما لأن الله أمرنا بالأخذ بها.

 

تلخيص لما سبق :

الدكتور راتب :
 أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شي، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
المذيع:
 وفضيلتك جعلت الأخذ بالأسباب بالمرتبة الأولى حتى يعطيها الإنسان حقها الكامل ثم القلب يتوكل على الله بإيمان تام أن الله وحده الضار والنافع.
الدكتور راتب :
 حينما لا تستطيع أن تأخذها كلياً الله يوفقك إلى تحقيق نتائجها.
المذيع:
 من أخذ بالأسباب كاملة وربنا كتب عليه شراً بعد ذلك نقول: هكذا قضاء الله وقدره، أما من قصر وأهمل عمداً فلا يجوز أن ينسبها لا للقضاء ولا للقدر، لا تفهم هكذا، لا يوجد موت، ولا حوادث، ولا فشل في الدراسة، اتخاذ الإنسان للأسباب يجعله متفوقاً في الدنيا فيحترمه الآخرون، وهذا شيء غائب عنه لفترة معينة بعض المتدينين.
 في رحلة الهجرة ذكرت دكتورنا الحبيب، أن النبي عليه الصلاة والسلام وهو نبي مرسل، لكنه أخذ بالأسباب وغير الطريق، واتخذ رفيقاً، ليعلمنا نحن قاعدةً أن نأخذ بالأسباب في حياتنا، وهو سيد الشجاعة عليه الصلاة والسلام، واتخذ دليلاً لم يكن مؤمناً وإنما كان بارعاً.
الدكتور راتب :
 رجح الخبرة على الولاء.
المذيع:
 جميل، لكن إذا تساوت الخبرة بين المؤمن والمشرك فالمؤمن أولى، ولكن إذا كانت خبرة المشرك أعلى من المؤمن فالأولوية له بحثاً عن خبرته لا عن دينه.
الدكتور راتب :
 موضوع جيولوجيا، نريد أن نحضر خبيراً أجنبياً يعرف أرض النفط مثلاً.
المذيع:
 لو لم نملك خبيراً مؤمناً يوازي كفاءته، فهذا يدفع الإنسان المسلم والمؤمن إلى البحث عن الكفاءة والتفوق، نختم الحلقة بالدعاء.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الجنة راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بعطائك عن عطاء الآخرين، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، اجعل هذا البلد آمناً، وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات الطيبة، نور الله قلبكم بالإيمان، وجعل مجلس العلم هذا في ميزان حسناتكم، لهذا التوضيح الفكري المبسط لقضية بغاية الأهمية والدسامة.
 جزاك الله كل خير شيخنا الحبيب.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور