وضع داكن
25-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 151 - الشبهات1 – مقدمة وتعريف.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلِّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الأكارم على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعتكم حياة fm، في حلقة جديدة وإطلالات أول حلقة بعد هذا الشهر الفضيل، تقبل الله طاعتكم، كل عام وأنتم بخير، في برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، ونرحب باسمكم بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 حديثنا في هذه الحلقة سيكون عن الشبهات، ونبدأها بمقدمة في الحلقة الأولى عن الشبهات، ما هي؟ وكيف يتعامل المؤمن معها بالعموم؟ نبدأ حلقتنا بقول الخالق عز وجل:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة النحل: 43]

 وقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم :

((إنّ الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينها أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعِرْضهِ ))

[النسائي عن أبي داود]

 شخنا الكريم حياكم الله، كثير من الناس في هذا الزمان يدور في باله، أو من حوله شبهات، فيه دين، وهناك إيمانه، وعقيدته، وإسلامه، ووجود الخالق عز وجل، ما هي الشبهة بداية كتوضيح لهذا المفهوم لمستمعينا الكرام؟

 

الإنسان مفطور على حبّ طاعة الله و كراهية معصيته :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين.

((إنّ الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن))

 السبب أن الله سبحانه وتعالى ما من أمر أمرنا به إلا أودع في نفوسنا محبته، ما من أمر نهانا عنه إلا أودع الله في نفوسنا كراهيته، الدليل:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم: 30]

 أي كل شيء الله أمرك به جبلك، برمجك، فطرك، على محبته، الدليل الأقوى:

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾

[ سورة الحجرات: 7]

 أنت بالأصل أي أمر أُمرت به أنت مبرمج على محبته، وأي أمر نُهيت عنه مبرمج على كراهيته مثلاً لو شخص دخل إلى البيت الساعة الواحدة ليلاً، أمه طلبت منه دواء، قال لها: الصيدليات مغلقة كلها الآن، لكنه يعلم أن هناك العديد من الصيدليات المناوبة، تكاسل، سكتت أمه، أما لو ذهب، ولم يجد هذا الدواء في الصيدليات المناوبة يرجع وينام مرتاحاً، هذه الفطرة، أول حالة لا تنام مرتاحاً لأنك تتأكد أو لم تخبر أمك أن هناك صيدلية مناوبة فسكتت.

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

،

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾

  شخص نجا من سفينة، هو كان صغيراً، نجا مع والدته، عمره كان عدة أيام، عاش بجزيرة وكبر، ومعه أمه، اصطاد أرنباً، لو أكل هذا الأرنب وحده بحس بكآبة، ما تلقى درس دين بحياته، وإذا كان أطعم أمه نصف الأرنب يحس براحة نفسية.
 فأنت مبرمج، مولف، مفطور على حب طاعة الله، وكراهية معصيته، هذا اسمه الكآبة.
 قال لنا دكتور في الجامعة من كبار علماء النفس، قال: نسب الكآبة بالعالم الغربي مئة و اثنان و خمسون بالمئة، هذه نسبة غريبة علينا، قلنا: ما شرح هذه النسبة؟ قال: مئة معهم كآبة، واثنان وخمسون يعانون من كآبتين.
 المعصية تورث كآبة، لذلك المؤمن عنده سعادة لا تقدر بثمن، لأنه اصطلح مع فطرته، مع مبادئه، وغير المؤمن عنده كآبة شاء أم أبى، الكآبة مرض العصر، نسبتها مئة و اثنان و خمسون بالمئة، هذا الكلام من عالم نفس كبير.
المذيع:
 شيخنا الآن إن جاز التعبير من الأمراض النفسية المنتشرة كثيراً في هذا الزمان قصة الشبهات، وبدأت تدخل إلى المسلمين أكثر من غيرهم، تدخل إلى المتدينين تحديداً، تسمع فلاناً من المسجد وابنه عنده شبهات حقيقية في وجود الخالق، وقناعته بالإسلام ، وفلانة مسلمة وأبوها داعية وهي ترفض أركان الإسلام.

 

توافق الدين الإسلامي مع أساسيات النفس :

الدكتور راتب:
 عندنا أشياء هي فرض، كلمة فرض بالضبط، أنا أقول: استنشاق الهواء فرض في حياة المسلم، أي أساسي، أما أكل فاكهة اسمها الكرز ليست فرضاً، تأكلها أو لا تأكلها، عندنا أساسيات، الحقيقة الدين الإسلامي متوافق مع أساسيات النفس قطعاً، متوافق، راحة الإنسان عندما يصطلح مع الله لا توصف،

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾

(( ما من مخلوق يعتصم بي من خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيدوه أهل السماوات والأرض إلا جلعت له من بين ذلك مخرجاً، ما من مخلوق يعتصم بمخلوق من دوني أعرف هذا من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه))

[ ورد في الأثر]

 سأقول كلمة لا تعدها مبالغة: إن لم يقل المؤمن المستقيم: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، صدقه، اصطلح مع الخالق، مع القوي، مع الغني، مع الرحيم، مع الحليم، مع العليم، مع نافذ الأمر، الله عز وجل أمره نافذ، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟
المذيع:
 شيخنا في ظل هذه المشاعر الإيمانية التي يفترض أن يتحلى بها كل مسلم ومسلمة، لماذا بات كثير من الناس يشك في دينه؟ ما الذي اخترقنا؟ نريد أن نشخص حتى نصل إلى نتيجة.

 

الابتلاء علة وجودنا في الدنيا :

الدكتور راتب:
 سيدي لأنه يوجد ثقافة معاصرة تهاجم الدين، لأن الله عز وجل - وكلامي دقيق- واجب الوجود، وما سواه ممكن الوجود، كان من الممكن أن يجعل الكفار بكوكب آخر، لا يوجد مشكلة، كان من الممكن ألا يكونوا بقارة واحدة، أو بحقبة واحدة، لكن شاءت حكمة الله المطلقة أن يعيش الكفار مع المؤمنين في وقت واحد، وفي مكان واحد، الجواب الدقيق: الحق لا يقوى إلا بالتحدي، ولأن أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية، فنحن الشبهات قدرنا، والابتلاء قدرنا، والمصائب قدرنا، ما من إنسان يصل إلى الجنة إلا يكون قد امتُحن امتحاناً دقيقاً جداً، الإنسان يأخذ أبعاده الكاملة بالدنيا.
مثلاً: هتلر قتل خمسين مليوناً، هذه أبعاده الحقيقية، وهو مستعد لبقائه في المنصب أن يقتل خمسين مليوناً أيضاً، هذه أبعاده، فنحن نأتي إلى الدنيا لنأخذ أبعادنا الحقيقية كلها، فالدنيا ابتلاء.

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون: 30]

 العلة الأولى والوحيدة الابتلاء، هو:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك:2]

 أنا لا أصدق إنساناً يصل للجنة من دون ابتلاء، لذلك البطولة لا ألا تبتلى، أن تنجح في الابتلاء، الغني مبتلى بالغنى، هل تكبر؟ هل استأثر؟ هل قسا قلبه؟ هل استغنى عن الناس؟ هل أهمل من حوله؟ الفقير مبتلى بالفقر، ممتحن بالفقر، والقوي ممتحن بالقوة، والضعيف بالضعف، والوسيم بالوسامة، والدميم بالدمامة، وكل إنسان ممتحن بما هو فيه.
 لذلك الدعاء الجامع المانع: " اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله عوناً لي فيما تحب، وما زويت عني ما أحب فاجعله فراغاً لي فيما تحب ".
 في الحالتين، آتاك صحة لتكن هذه الصحة في طاعة الله، في العمل الصالح، في قيام الليل، في الصلوات، في الحج، يعاني من عاهة لابأس، مبتلى بهذه العاهة، اصبر عليها، والصبر لا يقل عن الشكر، جناحا المؤمن الصبر والشكر.
المذيع:
 دكتورنا الكريم، هل حينما يتبادر في داخل الإنسان أسئلة قد تكون شبهة في دينه في وجود الخالق عز وجل الأصل أن يخفيها أم أن يسأل عنها؟

 

السؤال مفتاح العلم :

الدكتور راتب:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾

  أبداً، أنت لا تستطيع أن تدخل عند طبيب لا يوجد معك مال، ولا محام، ولا مهندس، إلا رجل الدين، أي مسجد فيه إنسان تسأله مئة سؤال يجيبك مجاناً،

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

المذيع:
 أي سؤال يتبادر إلى ذهنه؟ شعر بأن قلبه غير مطمئن، شعر بأي بصفة غير عادلة من أوامر الله سبحانه وتعالى، وهكذا ظن في باله عليه أن يسأل.
الدكتور راتب:
 نحن معاشر الأنبياء، تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا، أما أنتم يا أخي فساعة وساعة، ـدقق الآن: " ولو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة ". فأنت مع النبي بحال، ضمن الجامع بحال، مع درس علم فيه إخلاص، مع عالم رباني فيه حال، يجوز بالبيت يكون لك حال آخر، هبط مستوى الحال.

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

  والله عز وجل ما أمرنا أن نسأل إلا بخطة إلهية حكيمة، لا يوجد مكان إلا و فيه إنسان على حق، ولكل عصر شخص يسمو به، لا يوجد عصر مهما كان متخلفاً إلا وفيه أهل للحق، وكل إنسان يبحث عنهم من سابع المستحيلات ألا يعثر عليهم، هذا إيماني.
المذيع:
 شيخنا نقف مع فضيلتكم مع فاصل قصير مع مستمعينا الكرام، بعد ذلك في حديثنا عن الشبهات سنتحدث دكتور عن بعض الأمور التي أدت إلى هذه الشبهات، كالقراءة في كتب الأديان الأخرى هل هو صواب أم لا؟ اختلاط الإنسان بأشخاص غير متدينين أدى إلى وجود شبهات عنده، وهو لا يمتلك العلم والمنهج حتى يرد عليهم، سنتوسع مع فضيلتكم بهذه النقطة الله جزاكم الله كل خير.
 حياكم الله مستمعينا الأكارم، مرحباً بكم على الهواء مباشرة، وعبر أثير إذاعتكم حياة fm، متواصلين نحن وإياكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، كل يوم ثلاثاء بعد موجز الثالثة بتوقيت العاصمة الأردنية عمان، ويعاد في ذات الليل في الحادية عشرة مساء، والجمعة مساء بحول الله تعالى، وبإمكانكم مستمعينا الأكارم العودة إلى جميع حلقات البرنامج من خلال قناة إذاعة حياة، على موقع اليوتيوب، وعبر صفحتنا للبث المرئي والمسموع مباشرة صفحة تلفزيون حياة، أهلاً بكم.
 شيخنا الكريم أهلاً وسهلاً بفضيلتكم من جديد.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 أنوه إلى مستمعينا الراغبين بمشاركتنا هذا الحوار في موضوعنا لهذا اليوم عن الشبهات في حلقتنا الأولى وهي مقدمة عامة، مرحباً باتصالاتكم الآن وحتى الرابعة.
 شيخنا الكريم بدأنا بالحديث عن الشبهات، أنا الآن سأطرح على فضيلتكم بعض النقاط التي أدت إلى وجود بعض الشبهات عند مجموعة من الناس.
 النقطة الأولى منها شيخنا كتمان الإنسان ما لديه سواء برغبة منه، أو من ولي أمره، أي شاب عمره أربع عشرة سنة يخطر في باله أسئلة عن الإسلام، عن الجيوش العسكرية، وهل الإسلام كان دين سيف، يخطر في باله أسئلة عن شبهات حول مكانة المرأة في الإسلام، يمنع من أهله، اسكت، ممنوع أن تسأل، هذا الدين دين ربنا لا تسأل شيئاً، فيقمع وتبقى الشبهات في داخله، ما رأي فضيلتكم؟

 

بطولة الإنسان أن يصغي إلى السؤال و أن يجيب بأسلوب صحيح و راق :

الدكتور راتب:
 حينما يقول الله عز وجل:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

 حُسم الموضوع، السؤال مفتاح العلم، السؤال مقدس، وأنا أقول للدعاة وللمدرسين أو للمعلمين: حينما تستهزئ بسؤال ارتكبت جريمة في حق عملك، مهما السؤال بدا لك سخيفاً يجب أن تجيب عنه بأدب، لأنك أنت تشجع الآخرين، إذا كان هناك سخرية من السؤال لا أحد يجرؤ أن يسألك، وهذا أفضل لك طبعاً، البطولة أن تصغي إلى السؤال المحرج، وأن تجيب عنه بأسلوب راق.
المذيع:
 ولو لم يكن يمتلك إجابة؟

 

بطولة الإنسان استحضار الدليل عن كل سؤال يُسأل عنه :

الدكتور راتب:
 دقيقة، لا يوجد إجابة عود كل من حولك أنا أجيبك في الدرس القادم إن شاء الله، هذا الدرس معد لإلقاء هذا الدرس، بالدرس القادم أخصص ربع ساعة للأسئلة، فأنت إذا كنت لا تعرف الجواب الدقيق السؤال لا تتجرأ، لا تخاطر بسمعتك، ادرسه بالبيت وفي الدرس الثاني أعطه الجواب.
 جاء وفد من المغرب إلى الشرق، إلى الإمام أحمد بن حنبل، معهم خمسون سؤالاً أو معهم حوالي سبعة و ثلاثين سؤالاً، أجابهم عن سبعة عشر سؤالاً، قالوا: والباقي؟ قال: لا أعلم، قالوا: الإمام أحمد بن حنبل لا يعلم؟! قال: قولوا لهم الإمام أحمد بن حنبل لا يعلم.
 كلمة لا أعلم وسام شرف، أما الذي يعلم كل شيء فلا يعلم شيئاً، لا تعود من حولك من طلاب المدارس، أو الأخوان بالجوامع أن أي سؤال تجاوب عنه، لا ، معك جواب دقيق، معك دليل قوي، قرآن وسنة جاوب، ما معك قل: سأجيبك في الدرس القادم، عودهم دائماً الجواب الدقيق في الدرس القادم، فأنت حضر حالك.
 سيدنا عمر قال: كنت قد أعددت كلاماً قاله عني أبو بكر.
 معك أسئلة أخذتهم من الطلاب، أو من طلاب العلم بالجامع، أنت معك أسبوع للدرس القادم، راجع الكتب، راجع التفاسير، راجع كتب الفقه، وهيئ جواباً مع الدليل، أهم شيء أن تكون دعوتك مدللة، معها دليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، كل بطولتك بالدليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء.
المذيع:
 أما مبدأ شيخنا فأن يمنع الأب، أو الأم، أو المعلم، أو الخطيب، أو الإمام هذا الطالب أو الابن إذا أراد أن يسأل سؤالاً فيه شبهة شرعية؟

الحكمة في الإجابة عن أي سؤال :

الدكتور راتب :

 إذا وقع في حيرة، وقع بحالة اسمها" انفصام شخصية، سأل أباه و لم يجبه، وأمه لم تجاوبه، وعنده حاجة، يريد من يجاوبه، حتى الأجوبة الجنسية لها إجابات راقية جداً، لا تخدش الحياء أبداً، إذا شخص طلب من الله الحكمة، يؤتى الحكمة، يجيب إجابة جنسية بأدب جمّ.
المذيع:
 وأحياناً شيخنا حتى في جانب عقيدته وإيمانه بربنا، والمشكلة مرات لا يُجاب وأحياناً يعنف إذا طرح هذه الأسئلة.
الدكتور راتب :
 السؤال مفتاح العلم، وأي إنسان يمنع الأسئلة هو نزل عن مرتبته كعالم.
المذيع:
 فالأصل أن يسمح لأي إنسان أن يطرح أي سؤال.
الدكتور راتب :
 أنا أقول لك: قد يكون جاءك سؤال لا تعرف جوابه الآن، لا يوجد عندك جواب دقيق مع الدليل، قل له: يا بني في الدرس القادم، إن كان شيخاً بجامع، أو كان معلماً بصفّ.
المذيع:
 أو الأب في المنزل لا يجيب بنفس اللحظة.
الدكتور راتب :

 الله قال:

﴿ فَاسْأَلُوا ﴾

 معنى هذا لا تعلموا، والآية مطلقة، والمطلق على إطلاقه.
المذيع:
 بعض هؤلاء الشباب حينما لا يُجاب على هذه الأسئلة، أو يعنف بها يذهب إلى زوايا أخرى، أو مصادر معلومات أخرى تكون مضللة له، فيُتبع الخطأ بخطأ أكبر ويقترب والعياذ بالله من الإلحاد.
الدكتور راتب :
 عندما لا تجيبه تقلل قيمة الدين عنده.
المذيع:

 

 هل هناك أي مانع شرعي شيخنا من أن يقرأ الإنسان في غير الإسلام في الديانات؟ في العقائد؟ أن يقرأ للمخالفين؟ أو يجب أن يقرأ فقط في الدين؟

القراءات في الديانات الأخرى مرهونة بالتسلح بقوة الإيمان :

الدكتور راتب :
 والله انظر، الإنسان الذي إيمانه قوي يقرأ ما يشاء، ضعيف الإيمان لعله إذا قرأ صار عنده شبهات كبيرة جداً، الطرف الآخر ذكي أيضاً، وعنده شبهات يثيرها حول الإسلام فيحتاج الإنسان إلى قوة إيمان، عندك قوة إيمان اقرأ ما شئت، لا يوجد عندك

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾

المذيع:
 إذاً القاعدة لمن لديه علم وإيمان يقرأ، قبل ذلك لمن لا يمتلك يتسلح بالعلم والإيمان ثم يقرأ.
الدكتور راتب :
 قد يقرأ شبهة ويقتنع بها، ويبتعد عن الدين كلياً.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا شيخ إن شاء الله ، ننتقل إلى مشاركات المستمعين الكرام، في موضوعنا اليوم بالتعامل مع الشبهات، عاصم حياك الله.
السائل:
 السلام عليكم.
المذيع:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
السائل:
 أريد أن أسلم على الشيخ، أكرمكم الله، وأسأل الله أن يمد بعمرك، ويعطيك الصحة وطول العمر، وتظل لنا، ونتعلم من دروسك، الله يكرمك.
الدكتور راتب :
 بارك الله بك، وأنالك مرادك.
السائل:
 شيخنا الله يكرمك نصيحة لنا كشباب ملتزمين، أحياناً سبحان الله نواجه من عوام الناس من يأتي ويسألنا سؤالاً فالواحد أحياناً يستحي، أو لا سمح الله تجاوب و هو مستح، ويقول: أنا لا أعرف، هل توجه نصيحة لنا؟

 

كلمة لا أعلم وسام شرف للمتعلم :

الدكتور راتب :
 أنا قلت قبل قليل: إن الإمام مالك جاءه وفد من المغرب يريدون أن يسألوه خمسين سؤالاً، أجاب عن سبعة عشر سؤالاً، والباقي؟ قال: لا أعلم، قال: الإمام مالك لا يعلم؟ قال: قولوا لهم الإمام مالك لا يعلم، كلمة لا يعلم وسام شرف للمتعلم، معك جواب أو أمهلني للدرس القادم يا بني.
السائل:
 أحياناً شخص يسأل نفسه:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

 من نحن من أهل الذكر؟ سبحان الله.

 

أهل الذكر هم من لم يتخذوا الدين تجارة :

الدكتور راتب :
 العلماء الربانيون، العلماء الذين لم يتخذوا الدين تجارة.
السائل:
 أطال الله بعمرك يا شيخ.
المذيع:
 حياك الله أخي عمر وشكراً لك ولمشاركتك الجميلة.
 شيخنا إذا لم أكن أنا عالماً، لكن طُرحت مسألة وأنا أعرف جوابها، ولا يوجد شخص غيري هل هنا يصبح عليّ واجب أن أطرح الجواب؟

عدم قبول أي شيء بالدين دون دليل :

الدكتور راتب :
 طبعاً مع الدليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، نعود أنفسنا ألا تقبل بالدين شيئاً من غير دليل، وبالمقابل ولا ترفض شيئاً من دون دليل، ديننا مدلل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء.
المذيع:
 الإنسان لا يحاول أن يتنطع.
الدكتور راتب :
 لا يقبل من داعية، ولا من عالم كلام من دون دليل، هذا دين، الدليل: " إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينك، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذي مالوا ".
المذيع:
 إذاً أنا أحاول شيخنا ألا أسابق الآخرين لأكون مفتياً، أو لأجيب عن الناس، لكن أنا إذا جلست بين أصحابي وكنت - إن جاز التعبير - أكثرهم علماً فهنا الواجب أن أقدم المعلومة حتى لا تحجب.
الدكتور راتب :
 إما أن تقدمها مع الدليل، أو أن تقول: لا أعلم، و هذا وسام شرف لك، الإمام أحمد ابن حنبل قال: قولوا لهم: إن أحمد بن حنبل لا يعلم.
المذيع:
 سبحان الله! رحم الله علماء هذه الأمة، نايف مرحباً بك باتصال جديد.
السائل:
 أهلاً وسهلاً.
المذيع:
 حياك الله أخي تفضل.
السائل:
 السلام عليكم، أريد أن أسأل فضيلة الدكتور أن يوضح لنا ما معنى:

﴿ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾

[ سورة الواقعة: 80 ـ 81]

الله تعالى خبير و عليم و شرعه لكل زمان و مكان :

الدكتور راتب :
 دقيقة، كلمة الرزق دقيقة جداً، نتوهمها المال، والطعام، والشراب، التكذيب رزق سلبي،

﴿وَتَجْعَلُونَ رزقكم - من الله - أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾

 فالتصديق هو الرزق، بالدين يكذب، هذا الدين ليس لهذا العصر، لعصور الناقة، والجمل، والصحراء، هذا منهج الله للأبد، صالح للتطبيق في أي مكان، وفي أي زمان، منهج الصانع، والصانع هو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها، إله أمر ونهى، و ليس إنسان عمل قانوناً ثم عدله، وجد فيه خطأ، كل أعمال البشر التشريعية تُعدل من أخطاء لم تكن متوقعة، أما الله فخبير، عليم وخبير، شرعه لكل مكان ولكل زمان.
المذيع:
 تمام أخي نايف؟
السائل:
 واضح، لكن هذه الآية :

﴿ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾

التكذيب بالدين أكبر خسارة للإنسان :

الدكتور راتب :
 تجعلون نصيبكم من الله أنكم كذبتم بدينه، هذه أكبر خسارة، رزقكم نصيبكم من الله أنكم كذبتم بدينه.
المذيع:
 وكما قال الشيخ: لا يعني الرزق دائماً المبلغ المالي، الرزق مفهوم أوسع من المال.
 شكراً أخي نايف ولسؤالك معنا. تفضل شيخنا.

الفرق بين الكسب و الرزق :

الدكتور راتب :
 هناك نقطة دقيقة: ليس لك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، والذي لم تنتفع منه هذا هو الكسب، والإنسان يحاسب على كسبه، مع أنه لم ينتفع منه، معه مئة مليون، صرف عشرة ملايين، قسم للطعام فني، وللباس اهترأ، الصدقة هي الباقية، أي بقي لك الثلث الذي انتفعت به، والباقي كسب تحاسب عليه ولم تنتفع منه، شيء مخيف، الكسب حجمك المالي تحاسب عليه وإن لم تنتفع منه، الرزق ما انتفعت منه، لكن يوجد قسم ينتهي كالطعام والشراب، قسم يهتري كالثياب، وقسم يبقى كالصدقة، أي واحد من ثلاثة الذي انتفعت به والباقي كسب.
المذيع:
 شيخنا الكريم نواصل في حديثنا عن الشبهات، وذكرتم فضيلتكم قبل قليل أن الإنسان الأصل إذا وجد في نفسه شبهة، وجد في نفسه قضية.

أهل الذكر هم العلماء الربانيون :

الدكتور راتب :

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

المذيع:
 وأهل الذكر هم العلماء الربانيون.
الدكتور راتب :
 وبلا مقابل، لا يوجد عالم يقبل منك أجرة بالأرض كلها.
المذيع:
 أيضاً الإنسان إذا منع شخصاً آخر من السؤال فقد وقع في خطأ دليل ضعفه، ومن لا يعرف لا يجيب.
الدكتور راتب :
 لكن غير معقول أن تعلم كل شيء، أمهله للدرس القادم، أو للخطبة القادمة.
المذيع:
 شيخنا الكريم، هل نشر الشبهة فيها إثم شرعي؟

من نشر الشبهة فقد وقع في إثم كبير :

الدكتور راتب :
 طبعاً كبير جداً، يا سيدي ما هي المعاصي الكبيرة؟ القتل، الزنا، إلخ... أعلى معصية:

﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 169]

 هذه هي، أن تقول على الله ما لا تعلم، الله لا يغفر لك، لماذا لا يغفر لك؟

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الزمر: 53]

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

 لا تعرف لا تجيب.
 أذكر مرة أن أحد العلماء بالشام كان بمصر، وحضر وفاة أحد أكبر علماء مصر، أعلى منصب ديني في مضر، شيخ الأزهر، أقسم بالله وهو على فراش الموت، رفع يديه هكذا وقال: يا رب أنا بريء من فتاوى المصارف، أكبر عالم بالعالم الإسلامي، على فراش الموت رفع يديه إلى الله وقال: يا رب أنا بريء من فتاوى المصارف، أي فتى بغير علم.
 بالمناسبة الإنسان قد يفتي بغير علم، لكن من هو المجرم؟ الذي يفتي بخلاف ما يعلم لمصلحة ما.

﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾

[ سورة الأحزاب: 39]

 فإذا خشي العالم أو المفتي غير الله، نطق بالباطل تملقاً، وسكت عن الحق خوفاً، انتهت دعوته كلها، العالم له مليون صفة، الله صفة واحدة، هذه الصفة اسمها بالبلاغة مترابطة مع الموصوف ترابط وجودي، إن ألغيت ألغي الموصوف، لمَ سميت السيارة سيارة؟ لأنها تسير، إن لم تمش لم تعد سيارة.

﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾

 فإذا خشي العالم أو المفتي غير الله تكلم بالباطل تملقاً، وسكت عن الحق خوفاً انتهت دعوته.
المذيع:
 والعياذ بالله، الله يفتح عليكم دكتور، نستأذن من فضيلتكم ومن المستمعين الكرام إلى فاصل ومن بعده نعود نحن وإياكم مشوارنا في طلب العلم، مع فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي عبر حياة fm ، فابقوا بالقرب.
 حياكم الله مستمعينا الكرام من جديد على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعتكم حياة fm لنواصل مشوارنا مع فضيلة العلّامة محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا من جديد، وحديثنا في الحلقة الأولى من ملف الشبهات في مقدمة عامة، تفضل دكتور.

 

بطولة الإنسان بما سيكون لا بما هو كائن :

الدكتور راتب :
 هناك مداخلة صغيرة، أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي، عندما تولى الخلافة، ذهب الناس يهنئونه لتوليه خلافة المسلمين، فدخل عليه واعظ اسمه مقاتل بن سليمان، فلما رآه أبو جعفر قال: جاء مقاتل ليعكر علينا صفونا- لأنه يعظ الناس - فقال: سأبدؤه قبل أن يبدأني، قال: عظنا يا مقاتل، قال: أعظك بما رأيت أم بما سمعت؟ والإنسان حدود الرؤية عنده محدودة جداً، أما السماع فلا تنتهي، فقال: الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز ترك أحد عشر ولداً، وقد خلف ثمانية عشر ديناراً بالضبط، كُفن منها بخمسة، واشتُري له قبر بأربعة، ثم وزع الباقي على ورثته، تسعة دنانير على أحد عشر ولداً.
 ومات هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي، فكان نصيب إحدى زوجاته الأربع ثمانين ألف دينار، هذه إحدى الزوجات، أربع زوجات ضرب أربعة، الزوجات لهن الثمن، ضرب ثمانية، المجموع انثان ونصف مليون دينار، ويا أمير المؤمنين رأيت بعيني هاتين ولد عمر بن عبد العزيز يغزو على خمسين جواداً، وأحد أولاد الخليفة هشام يسأل الناس، يتكفف، الله كبير الذي تعفف الله أغنى أولاده، والذي مدّ يده أفقر أولاده، البطولة بما سيكون، لا بما هو كائن.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، دكتورنا الكريم، في حديثنا عن الشبهات نلخص ما بدأنا فيه حلقتنا لليوم أن الإنسان يمكن في لحظة من اللحظات أن يشعر بشيء غير مستقر في معرفته، أو في دينه، عليه أن يسأل أهل الذكر، وهم العلماء الربانيون لا للتشدد.

تلخيص لما سبق :

الدكتور راتب :
 وهم لكل مكان، ولكل عصر شخص يسمو به، في كل مكان وكل زمان يوجد أناس ربانيون، وإذا بحثت عنهم تجدهم، والله يهديك لهم أيضاً.
المذيع:
 على ولاة الأمور والدعاة والآباء أن يسمحوا لأولادهم أن يسألوا، والأصل على الإنسان ألا ينشر شبهة إلا إذا كان معه دليلها للرد عليها، بعض الأشخاص دكتور ينشرون الإسلام بالسيف، ينشر شبهة ويرد عليها كي يزيد عدد الذين يفتنون بها.
الدكتور راتب :
 فقط الإسلام بالسيف؟ هو منع حرية التدين.
المذيع:
 شيخنا، هل إحساس الإنسان إن جاز التعبير بالعشوائية في داخله، أو أنه قد غلط في معرفته الشرعية، أو في دينه، أو في عقيدته، هل هو إحساس طبيعي لو بدر في باله؟

 

عدم تعارض الإيمان المستقر في القلب مع سؤال الإنسان عن أشياء لا يعرفها :

الدكتور راتب :
 إذا كان علمه قليل فالإحساس طبيعي، و عليه أن يسأل.
المذيع:
 فلو تبادرت له أسئلة مثلاً: أين عدل الله فيما يحصل في هذه الأمة الإسلامية؟ هل هذا معرفة وإيمان أم علامة ضلال وفسوق؟
الدكتور راتب :
 لا بالعكس علامة حرص على العقيدة الصحيحة، مفتاح العلم السؤال، عفواً لا يوجد سؤال مهما بدا لك أن إجابته مستحيلة إلا وله جواب مقنع، أنت مع خالق الأكوان، مع دين سماوي، ليس دين من صنع البشر، كم مرسوم تشريعي تعدل ثم التغى ويأتي مرسوم ثان؟! أما هذا القرآن فهو كلام خالق الأكوان، الكمال فيه مطلق.
المذيع:
 في قصة إحياء الطير شيخنا.

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾

[ سورة البقرة: 260]

 هل يتعارض وجود الإيمان المستقر في القلب مع سؤال الإنسان عن أشياء لا يعرفها؟
الدكتور راتب :
 لا يتعارض أبداً.
المذيع:
 أي إذا أنا سألت أين عدل الله في هذه القضية؟ هذا لا يعني أنني كافر بعدل الله .
الدكتور راتب :
 بالعكس، تريد أن تزداد إيماناً، أن تحصن إيمانك.
المذيع:
 جاءت امرأة لتسأل لماذا:

﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾

[ سورة النساء: 11]

 لا يصح أن نقول لها أنت فاسقة، منافقة، حقها أن تسأل.
الدكتور راتب :

 

 أبداً، الله جعل الإنفاق على الذكر فقط، والأنثى يُدفع لها المهر.
المذيع:
 إذا تبادر في داخلها هذا السؤال لا مانع شرعي من سؤاله.
الدكتور راتب :
 تسأل، وكل إنسان يتهرب من الإجابة عن سؤال لا يكون داعية كما ينبغي أبداً.
المذيع:
 وكما تفضلت إذا كان لا يعلم عليه أن يقول: لا أعلم، فيسأل ويشرح العلم بالدليل ويعود.
الدكتور راتب :
 ممكن أن يقول لها: أنا لا يوجد معي جواب الآن، غداً إن شاء الله أجيبك.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، شيخنا هل لانتكاس أوضاع الدول الإسلامية ودولها علاقة بارتياد الشبهات في هذه الأيام؟

طرح الشبهات أحد أكبر أسباب محاربة الدين :

الدكتور راتب :
 طبعاً، الشبهات إذا كثرت شك الناس في دين الله عز وجل، والحقيقة الطرف الآخر لا يعول على المتقدمين في السن بالأمل، بل على الصغار، فطرح الشبهات أحد أكبر أسباب محاربة الدين، أو أحد أكبر خصائص محاربة الدين طرح الشبهات، ليزهدوا الناس بهذا الدين.
المذيع:
 بعض الأشخاص دكتور قد يكون لديه فهم خاطئ لبعض النصوص الشرعية، مثلاً في الصدقة أنه إذا تبرع بأن الله سيعطيه عشرةأضعاف، يتبرع صباحاً بدينار ولا يأتيه في المساء عشرة، فيدخل في قلبه شبه أنه لا وجود للخالق، والعياذ بالله.

الجزاء التام العدل المطلق يوم القيامة :

الدكتور راتب :
 الجواب: الله يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، أما الجواب الحقيقي فهو القيامة:

﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

[ سورة آل عمران: 185]

 والله يكافئ بعض المحسنين في الدنيا قبل الآخرة، ويعاقب بعض المسيئين، أما الجزاء التام العدل المطلق يوم القيامة.
المذيع:
 ما يجول في بالنا دكتور من أسئلة مرتبطة بالله عز وجل، من هو الله؟ كيف شكله؟ أين الله سبحانه وتعالى؟ ماذا يفعل الإنسان مع هذه الأسئلة؟

 

لكل سؤال جواب :

الدكتور راتب :
 هناك إجابات لكل سؤال، لكن تحتاج إلى هدوء، وتحتاج إلى فرصة مناسبة، أحياناً يكون هناك سؤال، انتهى الدرس والناس قاموا، والسؤال يحتاج شرح ساعة، لا ينتهي بكلمتين، يا بني أنا أجيبك عنه الدرس القادم، إذا الداعية أو المعلم بالصف، أو الأستاذ في الجامعة تهرب من الإجابة لم يعد عالماً، أنا لست مكلفاً أن أعطي لكل سؤال جواباً، قولوا: الإمام مالك لا يعلم، الإمام مالك أحد أكبر العلماء.
المذيع:
 إذاً عدم الإجابة على أسئلة الناس؟
الدكتور راتب :
 لو أنا سألت شخصاً وقف في بيروت على البحر المتوسط: كم لتر البحر؟ إذا كان جاهلاً يعطي رقماً، وإذا كان عالماً يقول: لا أدري، أحياناً لا أدري قمة العلم، البحر المتوسط من بيروت لإسبانيا كم لتر؟ إذا قلت: أعلم، فأنت لا تعلم، إذا قلت: لا أعلم، فأنت العالم، إذاً كلمة لا أعلم هي العلم.
المذيع:
 هل لكل سؤال شرعي لدينا جواب أم أن هنالك أسئلة غيبية جوابها يوم القيامة؟

إخفاء الأشياء المتعلقة بالذات الإلهية :

الدكتور راتب :
 شرعي طبعاً، أما البحر كم لتر؟!
المذيع:
 لا أتحدث عن الطبيعة، أقصد في شريعتنا، جميع الأسئلة، ألا يوجد هناك أشياء الله أخفاها لحكمة معينة؟
الدكتور راتب :
 الدليل:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

المذيع:
 وهل يعلم أهل الذكر كل شيء دكتور؟
الدكتور راتب :
 يجب أن يعرفوا، ويسألوا، ويتعلموا، لكن غير مكلفين أن يعطوك جواباً فوراً، غير مكلفين.
الدكتور راتب :
 لا توجد أسئلة إجاباتها في حكمة الله عز وجل لم تُعلم للخلق؟
الدكتور راتب :
 هناك أشياء متعلقة بالذات الإلهية، الأسئلة المتعلقة بالذات الإلهية ممنوع الإجابة عنها، هو أخفاها طبعاً، أنا كلفني الله أن آمن به من خلقه، خلقه أمامي أما بذاته فلا، بذاته مستحيل، كيف يعلم؟ لا أعرف، يعلم، كيف يسمع الناس كلها بلمحة واحدة؟ لا أعرف، أعرف أنه يسمع لكل عباده.

 

أنواع اليقين :

 لذلك نحن عندنا يقين حسي، أدواته الحواس الخمس واستطالاتها، الميكروسكوب استطالة، التليسكوب استطالة، هذا اليقين حسي لشيء ظهرت عينه وآثاره، يوجد كأس ماء أمامي عينه وآثاره، اليقين الحسي أدواته الحواس الخمس واستطالاتها، التليسكوب والميكروسكوب.
 أنا كنت بقطر قبل أسبوعين ذكرت قلب العقرب، أخذوني إلى مرصد رأيته بعيني، المرصد جانب مكان إلقاء المحاضرة، رأيت قلب العقرب بعيني.
 إذاً الحواس الخمس واستطالاتها، المراصد، والميكروسكوب، هذا يقين حسي، وهناك يقين عقلي، شيء غابت عينه، بقيت آثاره، يوجد جدار، وراء الجدار دخان، المنطق يقول: لا دخان بلا نار، أؤمن بالنار لا لأني رأيتها، لا، ما رأيتها، رأيت آثارها، معظم إيماننا بالله من النوع الثاني، الثالث يقين إخباري، يوجد مكتبة ببيت صديقك، مغلقة بباب خشبي، قلت له: ماذا يوجد في هذه المكتبة؟ قال لك: كتب قديمة، هذا يقين إخباري، أنت بين اليقين الحسي، أدواته الحواس الخمس، واليقين العقلي شيء غابت عينه، وبقيت آثاره، هذا يقين عقلي، لا دخان بلا نار، ويقين إخباري غابت عنك عينه وآثاره معاً، ماذا يوجد في هذه المكتبة؟ كتب قديمة.
المذيع:
 جزاكم الله خيراً دكتور، إذاً في ختام حلقتنا دكتور الفكرة أن الإنسان من الطبيعي أن يمر عليها تساؤلات مرتبطة بدينه وعقيدته، الأصل ألا يكتمها، يسأل أهل الذكر، وهم العلماء الربانيون، وهؤلاء إن عرفوا أجابوا بالدليل، وإن لم يعرفوا لا حرج أن يقولوا: لا نعلم ، ويجمع المعلومة ويجب الناس، أما منع الأسئلة وعدم الإجابة عنها فيثير الشبهات أكثر فأكثر في قلب السائل.

الشبهات تقوي الطرف الآخر :

الدكتور راتب :
 يقوي الطرف الآخر.
المذيع:
 وهذا شيء طبيعي، يمكن أن يأتي لدى الإنسان وكما تفضلت أكثر ما يحاول خصوم الدين أن يثيروه شبهات فعلينا أن نستوضحها حتى نكون على بينة في ديننا.
 جزاكم الله خيراً دكتور ، نختم حلقتنا بالدعاء.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، هذا اللقاء يعاد الليلة في الحادية عشرة مساءً، والجمعة في الخامسة مساءً وعلى قناة حياة، على موقع اليوتيوب.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، السلام عليكم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور