وضع داكن
29-03-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 026 - الحب في الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتمّ الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام، في مجلس علم إيماني جديد مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، فأهلاً وسهلاً بكم مستمعينا، ومرحباً بكم فضيلة الدكتور محمد، أهلاً وسهلاً يا دكتور، الحمد لله على السلامة.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع :
 حديثنا عن الحب في الله، وعن ثمرات الأخوة في الله عز وجل، وكيف يمكن أن نكون من المتحابين في الله عز وجل، ما معنى ذلك؟ وما ثمراته؟ وما هي مواصفاته وشروطه؟ مع دكتورنا الكريم ما معنى الحب في الله؟

الحبّ في الله :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
الحقيقة الدقيقة أن الله عز وجل خالقنا، ومربينا ومسيرنا، حياتنا بيده، موتنا بيده، من حولنا بيده، الأقوياء بيده، الضعفاء بيده، رزقنا بيده، ومع ذلك ما أرادنا أن نعبده إكراهاً، قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256 ]

 أراد أن تكون علاقة المحبوبية هي العلاقة التي بيننا وبينه، قال تعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54 ]

﴿ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾

[سورة البقرة: ١٦٥]

 فكأن الله مع أنه خالقنا، وحياتنا بيده، وكل شيء بيده، مع كل ذلك ما أراد أن نعبده إكراهاً، قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256 ]

 بل أراد أن نعبده حباً، فلذلك الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، دعك من العقل مبدئياً والجسم، هو قلب يحب، أي إنسان لا يجد حاجة إلى أن يُحِب، أو إلى أن يُحَب، ليس من بني البشر، لذلك الحب أصل في هذا الدين، الله أراد أن نحبه، أن نعبده حباً، أراد العلاقة به علاقة حب، أراد أن نأتيه بمبادرة منا، ما أراد الإكراه في الدين، فلذلك الذي بيده كل شيء ما أراد الإكراه في الدين، أيعقل لواحد أن يكرهك على حبه؟ مستحيل، الحب حاجة نفسية في الإنسان، الحب علاقة شعورية، فالإنسان كما أنه عقل هو قلب، وكما أن العقل يسمو به والقلب يسمو به، وحينما تغطى حاجات العقل والقلب والجسم معاً يتفوق الإنسان، أما حينما يكتفي بواحدة لو توسع فهمه وضعف قلبه وحبه تطرف، لو توسعت عضلاته كان أقوى الأقوياء، وضعف عقله وقلبه تطرف، فلذلك أريد أن أقدم ملاحظة دقيقة هناك حضارة، وهناك تطور، الحقيقة الغرب متطور تطوراً مذهلاً لكنه ليس ذا حضارة حينما يستخدم مقياسين في علاقته بنا، الإنسان في الأصل حينما يرى لنفسه ما ليس لغيره، بل يرى على غيره ما ليس عليه، هذا عنصري، فأي أمة، أي مجتمع، أي كيان يرى له ما ليس لغيره، ويرى على غيره ما ليس عليه فهو عنصري، و الحقيقة المرة مادامت العنصرية قائمة في حياتنا فالحروب لن تقف، فإذا أردنا السلام لا بد من مقاييس موحدة.
المذيع :
 حينما نقول إني أحب فلاناً في الله ما معنى ذلك؟ هل معنى ذلك أنه لا يوجد أي مصلحة دنيوية؟

 

تعريف الإنسان الرباني :

الدكتور راتب:
 أنا لا أتصور أن هناك علاقة بين اثنين تفوق هذه العلاقة الحب في الله والبغض في الله، أن تصل لله وأن تقطع لله، وأن تحب في الله وأن تبغض في الله، أن تعطي لله وأن تمنع لله، وأن تغضب لله وأن ترضى لله، هذا هو الإنسان الرباني، الحقيقة الدقيقة عندنا مصطلح في الدين خطير جداً، قال تعالى:

﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾

[ سورة آل عمران:79 ]

 من هو الإنسان الرباني؟ الذي يعطي لله، ويمنع لله، ويصل لله، ويقطع لله، ويغضب لله، ويرضى لله، يتودد لله، ويكون قاسياً مع أعداء الله.
المذيع :
 ما المقصود لله هل ينضبط بعلاقاته وفق شرع الله؟

 

الدعوة إلى الله دعوتان :

الدكتور راتب:
 لا، يبتغي بذلك وجه الله، هذه النية:

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.. ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

 فالإنسان حينما يتحرك قبل الحركة هناك تصور، إما أن يكون خالصاً لله أو يكون بخلاف ذلك، أنا أطبقه على الدعاة لله، هؤلاء الدعاة إلى الله يوجد صنفان، دعوة إلى الله خالصة، ودعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله، الدعوة الخالصة أساسها الاتباع، اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع، أساس العلاقة الخالصة بين المؤمنين الاتباع لرسول الله، ولمنهج الله، أما الدعوة إلى الذات فأساسها الابتداع، ابتدع حتى تنفرد، وتقول: أنا الوحيد، الدعوة إلى الله الخالصة أساسها التعاون، قال تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾

[ سورة المائدة :2]

 التعاون حضارة، قوة، رقي، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

[ سورة المائدة: 2 ]

 أما الدعوة إلى الذات فأساسها التنافس لا التعاون، الدعوة إلى الله الخالصة أساسها الاعتراف بالآخر، أما الدعوة إلى الذات فأساسها إلغاء الآخر، هؤلاء الدعاة إلى الله إذا تعاونوا، وتواصلوا، وتبادلوا الخبرات، واعترف بعضهم ببعض، يرتقون عند الله جميعاً، وعند الناس، أما إذا تنافسوا، وتراشقوا التهم، سقطوا من عين الله جميعاً، ومن عين الناس.
المذيع :
 كيف لي أن أختبر حبي لفلان إذا كان صادقاً وأنها محبة في الله؟

 

الحب في الله والبغض في الله أرقى علاقة بين اثنين على وجه الأرض :

الدكتور راتب:
 العلاقة التي لا تتأثر بتقصير أحد الطرفين، لا تتأثر بالمنفعة المادية، لا تتأثر بضعف المنفعة المادية، أعطاك ولم يعطك، أكرمك، قصر في الإكرام، هذه العلاقة فوق جميع العوامل الطارئة، فوق كل مسببات السلبية، الحب في الله والبغض في الله هذه أرقى علاقة بين اثنين على وجه الأرض، من آدم إلى يوم القيامة، لذلك أحد الصحابة قال لأخيه عن صحابي آخر: ذاك أخي حقاً، الحقيقة أخي الكريم يوجد تحليل علمي دقيق جداً، نحن عندنا في علم النفس روائز، معنى روائز أي خارطة للإنسان، قد تكتشف هذه الخارطة بمئة سؤال، كل جواب يعطي سمة أو صفة، مثلاً كيف تحب أن تمضي عطلة نهاية الأسبوع مثلاً؟ إنسان يحب أن يمضيها بنزهة مع أهله، إنسان بإصلاح ما فسد من بيته، إنسان بلقاء مع أصدقائه، إنسان برحلة، إنسان بمطالعة مسرحية، مثلاً هذه الصفات والسمات بكل شخصية لو وضعنا لها إشارات على خط عامودي، وإنسان آخر وضعنا له إشارات، أنا أمام خطين عاموديين، الأول يمثل الأول، والثاني الثاني، فكلما وجدنا صفتين متشابهتين عملنا خطاً عرضياً، إذا كان هذا الخط الطولي مئة بند، والثاني مئة بند، والخطوط العرضية التي تتشابه فيما بينها سبعون كان هناك حب، ثمانون حب أعلى، فكلما تقاطعت الصفات والسمات بين شخصيتين كان هناك حب، طبقها على الأزواج، إذا كان هو نظيف جداً وزوجته كذلك، يكون هناك مودة، إذا كان هو لا يحب المزاح الذي لا يليق بالإنسان، وزوجته كذلك، فكلما توافقت الصفات والسمات بين الزوجين كان الحب بينهما بأعلى درجة، وكلما تنافرت هذه الصفات والسمات بين الزوجين كان الشقاق وما شاكل ذلك، أنا أقول: هذا قانون الحب، والذي لا يجد حاجة في نفسه إلى أن يحِب أو أن يحَب ليس من بني البشر.
المذيع :
 قرأت قولاً ليحيى بن معاذ رحمه الله يقول: علامة الحب في الله ألا يزيد بالبر وألا ينقص بالجفاء، هل لك أن تشرح ذلك؟

علامة الحبّ في الله ألا يزيد بالبر وألا ينقص بالجفاء :

الدكتور راتب:
 لو فرضنا لك أخ في الله تحبه، تحبه على إيمانه، تحبه على استقامته، تحبه على عمله الصالح، تحبه على وده، لو فرضنا هذا الأخ الكريم أصابه شيء عارض في الدنيا، فقصر في زيارتك، الحب في الله لا يتأثر لا بزيارة متتابعة، ولا بقلة زيارة، أحياناً قد تقصده ولا يملك ما أنت طالب منه، لا تتأثر، هذا الحب في الله أكبر من أن يهتز بحدث عارض، لذلك يمكن أرقى علاقة بين إنسانين على وجه الأرض الأخوة في الله عز وجل.
المذيع :
 إذاً من هذا الكلام أفهم من فضيلتكم ألا تعني الأخوة في الله أنك لا تحتاج صديقك، لكن إذا ساعدك أو لم يساعدك، أعطاك أو لم يعطك، يستوي ذلك في قلبك، أنت دائم العطاء بالخير معه لأن هناك محبة لوجه الله عز وجل.
الدكتور راتب:
 هناك توافق، تماثل، تقاطع بين الصفات والسمات.
المذيع :
 بعض الذي يتآخون في الله يخافون أن تكون هناك أي مصالح بينهم خوفاً من أن تتحول من علاقة لله إلى علاقة دنيوية، هل إذا احتجت أخي في الله فقصدته في خدمة، هنا تحولت من علاقة لله إلى علاقة دنيوية؟

المصالح بين الأخوة لا تتعارض مع المحبة في الله :

الدكتور راتب:
 أنا أقول لأخواني الذين أقدرهم تقديراً عالياً جداً، والله إذا احتجت إلى شيء مني ولم تقل لي لا أسامحك، نحن نعيش لبعضنا بعضاً، المؤمنون متعاونون، متواصلون، متفاهمون، متناصحون.

(( وَجَبَتْ محبَّتي للمُتَحَابِّينَ فيَّ، والمُتجالِسينَ فيَّ، والمُتزاورينَ فيَّ، والمتباذلينَ فيَّ المتحابُّون في جلالي لهم منابرُ من نُور، يغبِطهم النبيُّون والشهداءُ ))

[الترمذي ومالك عن معاذ بن جبل]

المذيع :
 إذا أنا قصدت أخاً لي في حاجة لم تتحول من علاقة محبة في الله إلى علاقة دنيا هذا جزء من صدق العلاقة، إن لم يلبّ هذه الحاجة لا أنقطع عنه؟
الدكتور راتب:
 هذه المحبة والعلاقة الراقية والسامية بالعطاء والمنع.
المذيع :
 حديثنا عن المحبة في الله إننا نحبكم في الله.
الدكتور راتب:
 إن شاء الله الله يجعلني عند حسن ظنكم.
المذيع :
 علمتنا عن معنى الحب في الله، وكيف لي أن أختبر حبي إن كان لله أو للدنيا، وكيف المصالح بين الأخوة لا تتعارض مع المحبة في الله، ذكرت مصطلحاً أن يحب في الله وأن يبغض في الله، ما معنى البغض في الله؟

 

البغض في الله :

الدكتور راتب:
 الإنسان حينما يؤمن بالله، ويستقيم على أمره، ومن خلال أعماله الصالحة يتصل به، يشتق منه الكمال، فالكمال في المؤمن مشتق من أصل الكمال، هو الله عز وجل، هذا الاشتقاق للكمال من الله يجعله على صفات راقية جداً، هذا المؤمن بعد أن استقام على أمر الله، وخطب ود الله عز وجل، واشتق منه الكمال، ارتقت نفسه إلى مستوى رفيع، هذا المؤمن لا يحتمل في جلسة مزاح رخيص لا يليق بالإنسان، لا يحتمل الكذب، لا يحتمل الغدر، لا يحتمل الخداع، هذه الصفات الخسيسة التي تظهر على غير المؤمنين لا يحتملها، ولا يستسيغها، ولا يقبل أن يقيم علاقة حميمة مع إنسان متلبس بها، هذا هو البغض لله، تبغض لله لكمالك.
 أخي الكرم؛ الإنسان حينما ينضبط لسانه فإذا جلس في سهرة وإنسان طرح طرفاً منحطة جداً، هذا الإنسان الكريم هل يحتمل هذه الجلسة؟ فلا تقعد معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، فالإنسان حينما يقبل أن يجلس مجلساً فيه غيبة، فيه نميمة، فيه بذاءة، فيه فحش، فيه قصص ساقطة، وقصص مثيرة، وعلاقات مشينة، هذا الإنسان يبغض في الله، الذي لا يبغض في الله ليس مؤمناً، كما أنك تحب في الله تبغض في الله، هل يحب المؤمن الكذب؟ لا يحب الكذب، المبالغة؟ الافتخار؟
 إنسان في جلسة وثلثا الحاضرين من أصحاب الدخل المحدود، إذا حدثنا عن رحلاته إلى أوروبا، وكل رحلة كلفت مئات الألوف من الدولارات، ونزل بأرقى الفنادق، وركب بأرقى السيارات، هذا الحديث ما فائدته؟ فيه استعلاء، فكلما الإنسان كان أكثر كمالاً كان أكثر قرباً من الناس، فإذا أراد أن يتباهى،  أن يستعلي، أن يعرض عضلاته أمام الآخرين، هذا الموقف يسبب بغضاً للآخرين، هذا الموضوع تنظمه آية كريمة رائعة يقول الله عز وجل:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً معهم، فلما كنت ليناً معهم التفوا حولك، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

قانون الالتفاف و الانفضاض :

 لو كان الإنسان بعيداً عن الله، منقطعاً عن الله، يمتلئ القلب قسوة، وهذه القسوة تنعكس على الناس غلظة وفظاظة، إذاً ينفض الناس من حولك، هذه الآية تشير إلى قانون في القرآن الكريم الالتفاف والانفضاض، فالإنسان حينما يكون متصلاً بالله، كلامه طيب، علاقاته طيبة، علاقته بجيرانه طيبة، بزملائه، بأقربائه طيبة، علاقته بمن هو فوقه طيبة، فيها احترام، فيها أدب، ومن هو دونه فيها رحمة، شفقة، هذا الإنسان الناجح في الحياة تنعكس نجاحاته مودة ورحمة من الطرف الآخر، فلذلك المؤمن محبوب، ولا يوجد مؤمن موصول بالله لا يتمتع بالكمال، والآية دقيقة:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

 أنت على ما عندك من كمالات، ويوحى إليك، ومعك الكتاب، وكلامك سنة، مع كل هذه الخصائص الرائعة أنت أنت بالذات:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

الدين رقي نفسي ورؤية صحيحة :

 هذا الدين كله كمالات، يا أخي الكريم الدين رقي نفسي، الدين رؤية صحيحة، أذكر مرة جئت من المغرب إلى سوريا بالطائرة، فلما دخلت إلى بلدي سوريا من طرابلس رأيت بعيني طرطوس وصيدا على ارتفاع عشرة آلاف متر، رأيت ما مسافته أربعمئة كيلو متر، تعلمت درساً بليغاً من هذه التجربة، الإنسان كلما ارتفع اتسعت رؤيته، وكلما اتسع عمقت عاطفته، لذلك الأنبياء أحبوا البشر جميعاً، نحن أحياناً نقول: فلان إنساني، أقل من إنساني قومي، أقل من قومي وطني، أقل من وطني عشائري، أقل من عشائري عائلي، أقل من عائلي أسري، أقل شيء أهل بيته، أقل شيء نفسه، فكلما ارتقت مكانته عند الله اتسعت رؤيته، واتسعت مشاعره وعواطفه، هذا قانون، أنت حينما تنتمي إلى بلد، إلى وطن، إلى أمة، إلى إنسانية، إلى دين عظيم، إلى دين أممي كالإسلام، فأنت تحب الخلق جميعاً، والحب أصل في العلاقة، وأنا أرى أن الحب المحرك الأول، لكن أسيء فهم هذا المحرك فكان متجهاً إلى الجنس، هذه مشكلة كبيرة جداً، ما من شهوة أودعها الله فينا إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها.
المذيع :
 البغض في الله عز وجل، هل الأصل حينما نبغض إنساناً في الله أن نبغض ذات الإنسان أم الفعل الذي يخالف المنهج؟

 

البغض في الله هو بغض فعل الإنسان الذي يخالف المنهج :

الدكتور راتب:
 نبغض فعله فقط، إنسان آلمته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فنوى أن يقتل النبي وهو في مكة، ما الذي حصل؟ سقى سيفه سماً، ووضعه على عاتقه، وتوجه إلى المدينة، ليقتل محمداً، لما وصلها رآه عمر رضي الله عنه، وقال: هذا عدو الله عمير جاء يريد شراً، قيده بحمالة سيفه، وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، أما النبي فقال: يا عمر، أطلقه، ادنُ مني يا عمير.. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألم تقل لصفوان لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه؟ فوقف عمير وقال: أشهد أنك رسول الله، لأن هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه أحد إلا الله، وأنت رسوله، وأسلم.
 الشاهد هنا، يقول سيدنا عمر: دخل عمير على رسول الله والخنزير أحب إليّ منه، وخرج من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض أولادي. إذاً البغض يزول فوراً لأنه بغض في الله، فلا يستمر.
المذيع :
 كان البغض معاداته للنبي، فلما أسلم انتهى البغض، إذا هل تشرح لنا قول النبي صلى الله عليه وسلم:

((من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان))

[أبو داود عن أبي أمامة الباهلي]

الإيمان الكامل للإنسان غايته إرضاء الله عز وجل :

الدكتور راتب:
 الإيمان الكامل أن يكون المحرك لك فقط إرضاء الله عز وجل، أعطى لله إنسان ليس مستقيماً قد يكون فاسقاً، فما لم أشعر ببعد عنه أنا عندي مشكلة، إذا كان هناك ود بالغ بيننا، وهو مقيم على معاص كبيرة، أنا عندي مشكلة كبيرة، كيف أحبه وهو ساقط في حمأة الرذيلة؟ محبتي له تهمة لي، إذاً من أحب لله وأبغض لله، من يحب الكلام السيئ؟ من يحب المواقف السيئة؟ من يحب الغدر؟ من يحب الاستعلاء؟ من يحب الكبر؟ كنت أقول دائماً: شخص زاره عشرة ضيوف، وعنده كيلو لبن، قد يضيف لهذا اللبن أربعة أمثاله ماءً ويجعله عيران، أليس كذلك؟ هل يحتمل هذا اللبن نقطة كاز واحدة؟ لأن الإسلام لا يحتمل الكبر، الكبر قطرة كاز فوق كيلو لبن، المؤمن يحتمل أشياء كثيرة إلا الكبر يتناقض مع الإيمان.
المذيع :
 عن حد الحب في الله هل له حد أم أنه مفتوح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

((أحْبِبْ حبِيبَك هَوْنا مَّا، عسى أن يكونَ بَغِيضَكَ يوماً مَّا، وأبْغِضْ بغيضَك هَوْنا مَا عسى أن يكونَ حبيبَك يوماً ما))

[الترمذي عن أبي هريرة]

 هل هناك حدود للمحبة في الله؟

 

صفات الفرق الضالة :

الدكتور راتب:
 أنا إذا رسمت خطاً عامودياً، وأرسم على هذا الخط العامودي خطين، واحد أعلى وواحد أدنى، الحب في الله بين الخطين، أقل من الخط الأدنى احتقار، وفوق الخط الأعلى تأليه، البطولة أن تحب أخاك بين أن تزدريه لا سمح الله ولا قدر وبين أن تؤلهه، لذلك إذا سألتني عن صفة جامعة مانعة للفرق الضالة في الإسلام، الفرق الضالة أنا جمعت لها ثلاث خصائص، هذه الخصائص أولها: تأليه الأشخاص، ثانيها: نزعة عدوانية، ثالثها: تخفيف التكاليف، ما من فرقة ضالة على وجه الأرض في القارات الخمس إلا وهذه خصائصها، عندما قال له: ما شاء الله وشئت، قال: جعلتني لله نداً، قال له: بئس الخطيب. فالمؤمن متواضع أما حينما تكبر وتألهه فهذه أول بدايات الضلال، الفرق الضالة تؤله الأشخاص، ثانياً: تخفف التكاليف، ثالثاً: ذات نزعة عدوانية.
المذيع :
 أفهم من كلامك إذا شخص أحب إنساناً في الله وزاد من هذه المحبة هنا ندخل في الخلل؟

 

الدين لا يجدد لأنه من عند الله :

الدكتور راتب:
 يقول لك: شيخي يعلم ما أفعل في البيت، لا ليس صحيحاً هذا الكلام. أنت جعلته إلهاً، وإذا أنت استهنت بالداعية الوقور الورع الرباني أيضاً إساءة بالغة، بعض الجماعات الدينية قد تزل قدمها في تأليه الشيوخ، يقول: الشيخ يعلم ما أفعل في بيتي، هذا الكلام غير صحيح، الشيخ لا يعلم، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم:

(( بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ ))

[ متفق عليه عن علي]

 أي العقل لا يعطل، أنا حينما أتلقى توجيهاً يتناقض مع الدين يقول الصحابي: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ، كيف نقتحمها؟ لذلك الآية الدقيقة:

﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾

[سورة الممتحنة: 12]

 المعصية مقيدة في معروف، لا يوجد معصية مطلقة، لو الشيخ يحب هذا الطعام وأنت لا تحبه لا يوجد مشكلة أبداً، أبلغ من ذلك، كسفت عندما الشمس، وقد رافق هذا الكسوف موت ابنه إبراهيم، الصحابة الكرام من شدة محبتهم للنبي الكريم توهم بعضهم أنها كسفت من أجل إبراهيم، فخطب النبي بأصحابه وقال: " إن الشمس والقمر آيتان لا ينبغي أن تنكسفا لموت واحد من خلقه ولا لحياته ". الظاهرة الفلكية فصلها عن الفهم الخاطئ، هذا هو الدين.
 لذلك أنا أقول: من أدق التعريفات التجديد في الدين، والدين لا يجدد لأنه من عند الله، وأي إضافة عليه اتهام له بالنقص، وأنت أزلت هذا النقص، وإذا حذفت منه، أي حذف منه اتهام له بالزيادة، لذلك كلمة خطيرة جداً عندما أضفنا على الدين ما ليس منه تقاتلنا والدماء الآن تسيل بيننا، وعندما حذفنا من الدين ما يعلم منه بالضرورة ضعفنا، بالحذف تضعف، وبالإضافة تتقاتل مع المؤمنين هذا الذي يقع الآن، يوجد إضافات ليست من الدين.
المذيع :
 حديثنا متواصل تحت عنوان الحب والأخوة في الله:

(( أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْلَمْتَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَعْلِمْهُ. قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ. فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ ))

[أبو داود عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه]

 أنا أريد أن أسأل الإفصاح عن هذه المحبة هل يجب أن نفصح عنها أم يكفي أنها لله وهي في القلب؟

 

الإفصاح عن المحبة لمن تحب :

الدكتور راتب:
 لأن توجيه النبي صلى الله عليه وسلم أن تفصح عن هذه المحبة، إذاً يجب، أنت عندما تقول لأخ: والله أنا أقدرك، لك مكانة كبيرة عندي، أنت ماذا فعلت؟ وطدت العلاقة بينك وبينه، أنت حينما تخبره بمحبتك يتأثر تأثراً إيجابياً، أنا أقول دائماً: على كل طرف صديقان، رفيقان، موظفان في دائرة، زوجان، عندما يأتي الزوج إلى البيت، ويرى البيت نظيفاً ومرتباً، والمرأة تطبخ الطبخ الطيب، فيقول لها: أعطاك الله العافية وأدامك لنا، تبقى أسبوعاً متأثرة تأثراً كبيراً جداً، هذا الذي يضن بكلمة ثناء، كلمة حب، كلمة تقدير، كلمة شكر، كلمة عرفان، إنسان بعيد عن صفة الإنسانية الراقية، فالإنسان يشكر دائماً، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، عفواً هذه الزوجة تركتها اثنتي عشرة ساعة، جئت على البيت الأكل جاهز، قل لها: السلام عليكم، البيت نظيف، مرتب، الطبخ جاهز، الأولاد يلبسون أفضل الثياب، ينتظرونك، ابتسم يا أخي، لذلك أنا أقول دائماً: السلوك القويم في العمل أستطيع أن أسميه الآن بزنيس، مصلحتك أن تكون أنيقاً، وأن تكون معطراً، وتبتسم للشريك أو للزبون، تستقبله وتقدم له القهوة والشاي، وترحب فيه، هذا كله خارج البيت بزنس، أين أخلاقك الحقيقية؟ في البيت، من هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم:

((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))

[الترمذي عن عائشة أم المؤمنين]

 الأخلاق الحقيقية في البيت، في البيت لا سلطان عليك، لا يوجد إنسان أقوى منك، أنت القوي، أنت الأب، أنت المنفق، الكل يخضعون لك، الأخلاق الحقيقية تبدو في البيت، لذلك يقال: خارج البيت شحرور وفي البيت دبور، يجب أن تكون في البيت شحروراً وخارج البيت شحروراً.
المذيع :
 في ظل حديثكم عن البيت والعلاقة الزوجية هل للإنسان أن يحب زوجته في الله؟

 

الحبّ بين الزوجين من نعم الله الكبرى :

الدكتور راتب:
 صدق ولا أبالغ، أن يقول نبي هذه الأمة، أن يقول سيد الخلق وحبيب الحق: " الحمد لله الذي رزقني حب عائشة "، معنى هذا أن الحب للزوجة ضروري جداً، هي من لها غيرك؟ زوجتك، حلالك، أم أولادك، من أحق الناس بحسن صحابتك؟ بمودتك؟ بابتسامتك؟ بثنائك؟ بمحبتك؟ الزوجة، فهذه التي تجهد طوال حياتها في خدمتك وخدمة أولادك، ألا ينبغي أن تنال منك ثناءً ولطفاً ومودة؟
 أنا أرى والله حينما يكون الحب بين الزوجين قائماً هذا من نعم الله الكبرى، أما حينما يكون النفور، والحقيقة الإنسان إذا غض بصره عن محارم الله، المكافأة العاجلة في الدنيا قبل الآخرة، أن يحب زوجته ، و لا يوجد أروع من أن تحب حليلتك، أما أن تحب امرأة لا تحل لك فهذه مشكلة كبيرة جداً، فالمؤمن يحب أهله، ويستعين على هذا الحب بالدعاء، كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، أكرموا النساء، فو الله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم، ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً، كان النبي يقف لابنته فاطمة أهلاً بالحبيبة، حتى مما يندر ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة ركز لواء النصر أمام قبرها، ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر هي شريكته في النصر. هذا الود النبوي سيدي أنا أقول لأخوتي المستمعين والله لا أبالغ يستطيع كل زوج مؤمن أن يجعل بيته جنة، قد يكون البيت ضيقاً، والطعام خشناً، والدخل محدوداً، المرأة تريد حباً لا تريد غُماً، والحب الكلمة الطيبة، والابتسامة، هناك من يقول: إذا دخل الزوج لبيته فالبيت صار فيه عيد، وزوج آخر إذا خرج صار فيه عيد، البطولة أن يكون العيد في دخولك لا في خروجك.
المذيع :
 معي اتصالات هاتفية تفضلي أختي سجى..
 زميلتي في العمل أمامي تظهر أنها تحبني في الله، ومن ورائي تحاول أن تأخذ أغراضي الشخصية، من أجل أن تعمل لي سحراً تضرني به، هل تستطيع أن تضرني؟ وما الإجراءات الوقائية كي لا تضرني؟

علاقة كل إنسان مع الله فقط :

الدكتور راتب:
 الجواب القرآن الكريم:

﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾

[ سورة البقرة: 102 ]

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 22 ]

 لا يستطيع كائن ما كان في الأرض أن ينال إنساناً بالضر إلا بإذن الله، فأنا علاقتي مع الله هذه نقطة مهمة.
 آية أخرى في القرآن الكريم:

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ*إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود: 55-56 ]

 أنا أمام عدة وحوش، هذه الوحوش مربوطة بأزمة محكمة، بيد جهة رحيمة، عليمة، قديرة، فأنا علاقتي مع الوحوش أم مع هذه الجهة؟ هذه الجهة لو أرخت الزمام وصل الوحش إليّ، أما إذا أبعدته عني، لذلك:

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ*إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود: 55-56 ]

 انتهى الأمر..
المذيع :
 أنتقل إلى مجموعة من الأسئلة عبر الفيس بوك.
 محمد أبو نايف يقول: الصحابة الكرام أحبوا النبي صلى الله عليه وسلم حباً عظيماً، فهل حبهم كان سبب خلق النبي صلى الله عليه وسلم أم حبهم للنبي كان تكليفاً شرعياً لكمال إيمانه؟

 

الحبّ مشاعر لا تكليف :

الدكتور راتب:
 لا، الحب لا يكون تكليفاً، الحب مشاعر لا تملكها أنت، كما النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم يحبونه، عفواً لو فرضنا أنا لا سمح الله أسأت لإنسان، وأعطيته أمراً أن يحبني، هذا مضحك، لا يوجد قوة أن تجبرني أن أحبه، الحب شعور داخلي، الكمال من أحد نتائجه أن يحبك من حولك، كما النبي صلى الله عليه وسلم دفعهم إلى حبه، التكليف بعمل، الله كلفنا بالصوم، بالصلاة، بالحج، بالزكاة، أما ما كلفنا بالحب فالحب نتيجة للعلاقة.
المذيع :
 سؤال أختنا نور يوسف، تقول: كيف يقي الإنسان قلبه من الكره والأحقاد؟

كيفية وقاية القلب من الكره و الأحقاد :

الدكتور راتب:
 الإنسان حينما يتصل بالله تسمو نفسه، الأحقاد تتناقض مع أخلاق المؤمنين، أنت عندما تتصل بالله تسمو نفسك سمواً كبيراً، لا تحقد، ولا تكره، ولا تخادع، ولا تدبر مؤامرة، هذا كله انتهى من حياتك، الإيمان كمال، والإيمان أخلاق، والإيمان وفاء، والإيمان حب، والإيمان تواضع، والإيمان بذل، والإيمان سمو.
المذيع :
 أختنا أم زيد تقول: لي أختان يمنيتان تعرفت عليهم برحلة العمرة وأنا أخاف عليهم خوفاً شديداً فيما يحصل الآن في اليمن، هل هذه علامة محبة؟

الحبّ الحقيقي يتجلى بمحبة الآخرين و الخوف عليهم :

الدكتور راتب:
 إيمان حقيقي.
المذيع :
 معاوية بن عيسى يقول: أنا أحب شخصاً و أنا مستعد أن أقدم روحي له، أحبه منذ عرفته، والجميع يغبطونه لمكانته عندي، والله أعلم أنني أحبه في الله، حينما أتذكره أتذكر النبي صلى الله عليه وسلم، دلني كيف أغذي هذا الحب مع العلم أن هذا الشخص هو أنت يا دكتور محمد راتب النابلسي؟

الحبّ في الله أرقى علاقة لا تعدلها علاقة على الإطلاق :

الدكتور راتب:
 أستغفر الله، الله يخليك، الحب في الله أرقى علاقة لا تعدلها علاقة على الإطلاق، هذا الحب يأتي من التماثل، عفواً أنت جالس في جلسة، سمعت كلاماً فيه أدب، وفيه رقة، وفيه لطف، تحب صاحبه، بالمقابل سمعت كلاماً بذيئاً فيه إسفاف، تكره صاحبه، علامة إيمانك النضج الأخلاقي، فالمؤمن عنده مقياس حساس، يحب من كان كاملاً، ويبغض من كان غير كاملٍ، ليس بيده الأمر.
المذيع :
 أبو وسيم تفضل..
 إني أحبك في الله دكتور محمد، هل الاتصالات فيها حب في الله التواصل الاجتماعي؟

الاتصال أحد أسباب التعبير عن الحب :

الدكتور راتب:
 الاتصال أحد أسباب التعبير عن الحب، الحب تقدير وميل، أما الاتصال فتعبير عن الحب.
المذيع :
 لا توجد قناة واحدة للتعبير عن هذه المحبة يستطيع الإنسان اليوم مع وسائل التواصل الحديثة أن يعبر عن محبته للآخرين.
الدكتور راتب:
 برسالة، بدعاء...
المذيع :
 أكثر من آية وحديث شريف ركزت على كلمة الحب، قول النبي صلى الله عليه وسلم: " سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله؛ رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"، و: " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ" لماذا هذا التركيز في النصوص القرآنية والآيات على مصطلح الحب؟

الحكمة من تركيز النصوص الدينية على مصطلح الحب :

الدكتور راتب:
 لأن الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، هو شطران، وهناك شطر ثالث جسم يتحرك، أنت تحتاج إلى غذاء تأكله كل يوم، وتحتاج إلى زوجة تحصنك، إلى أولاد يساعدونك، هذه الدنيا، لكن أنت أمام مؤمن تحبه لأخلاقه، لتواضعه، لمودته، لوفائه لك، فأنت عقل به تدرك، وقلب تحب، وبالجسم تتحرك، كما أنك بحاجة ماسة إلى عقلك بأمس الحاجة إلى قلبك، غذاء القلب الحب، والذي لا يحب ليس من بني البشر.
المذيع :
تفضل أخي محمد...
 كيف الإنسان يكون شعوره صادقاً إذا كان يحب إنساناً بالله؟ ألا يظهر في تصرفاته وكلامه لعله يكون كاذباً؟

المحبة في الله فوق كل محبة ذات مصالح :

الدكتور راتب:
 مستحيل أن تحب إنساناً لله إلا ويشعر هذا الإنسان بحبك له، هذا الحب في الله أرقى أنواع الحب، لا يوجد فوقه حب إطلاقاً، هذا الحب في الله منزه عن المصالح، عن الحاجات، عن العلاقات، عن الأهداف، منزه عن كل شيء.
المذيع :
 سؤال من ملاك عبر الفيس بوك، ما حكم أن يقول رجل لامرأة: أحبك في الله، إذا كان لها شأن في الأمة، أو تقول فتاة لأحد علماء الأمة أو أحد كبار الشخصيات: إني أحبك في الله؟ هل هنا لدينا خلل أم تفهم ضمن هذا السياق التربوي بين تلميذة وشيخها؟
الدكتور راتب:
 والله بين تلميذة وشيخها يصعب أن تفسر بحبّ من نوع ثان، تقدير علمي فقط، هناك أستاذ يكون ناجحاً، أخلاقه عالية جداً، وعنده طالبة في الجامعة إذا قالت له: أستاذ أنا أحبك في الله لا يخطر في بال الأستاذ ولا واحد في المليار أن الحب الآخر الذي نحن نتصوره، لا أعتقد المحبة في الله فوق كل محبة ذات مصالح.
المذيع :
 ما تفسيركم لقوله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾

[سورة البقرة: 165]

الله عز وجل هو الجهة الوحيدة التي تستحق أن نحبها :

الدكتور راتب:
 الحقيقة أن الجهة الوحيدة التي تستحق أن تحبها الله عز وجل، الدليل:

﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ﴾

[سورة المدثر: 56]

 أي أهل أن تحبه، أهل أن تفني حياتك بمحبته، أهل أن تبيعه وقتك، ومالك، وعلمك، وجاهك، ونشاطك، الجهة الوحيدة التي تستأهل أن تحبها، وأن تفنى من أجلها، أما الجهات الأخرى فقد تكون منتفعة منك، تحبك ما دمت تعطيها، ما دمت تحرسها أو تدعمها، فكل حب معلول بمصلحة هبط المستوى، أما الحب الذي لا ينخدش بحاجة فهو أرقى حب.

فليتك تحلو والحياة مـــــــــــريـــــــرة  وليتك ترضى والأنام غضـــابُ
وليت الذي بيني وبينك عامــــــــر  وبيني وبين العالمين خـــــرابُ
إذا صحّ منك الوصل فالكل هين  وكل الـذي فوق التراب تـــراب
***

المذيع :
 نقف مع نصيحتنا الأخيرة في الختام ما هي مواصفات الذين نتحاب في الله معهم؟

 

مواصفات من نحبهم في الله :

الدكتور راتب:
 لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ولا يدلك على الله مقاله، لا تصاحب، نص آخر:

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري]

 نحن في حياتنا أخي الكريم يوجد علاقة حميمة، وعلاقة جوار، وعلاقة عمل، وعلاقة زمالة، يوجد مليون علاقة، هذه كلها علاقات لا بد منها، لك مدير عام في المؤسسة، تسلم عليه، تحترمه، توده، أما العلاقة الحميمة فلا تكون إلا بين المؤمنين، لأن هناك تطابقاً وتماثلاً، وذكرت قبل قليل: عندنا خارطة لكل مؤمن، إذا وضعنا خارطة مؤمن على السبورة وخارطة مؤمن آخر، وأجرينا خطوطاً عرضية بالتماثل، نفاجـأ أن تسعين بالمئة يوجد تماثل بكل شيء، هذا هو سبب الحب.
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور نختم حلقتنا بالدعاء؟

 

الدعاء :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل حياتنا في طاعتك، وفي محبتك، وفي نصرة دينك يا رب العالمين، اللهم أعطنا سؤلنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، ولا أقل من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله، اللهم استر عوراتنا، و آمن روعاتنا، وأحسن إلى والدينا يا أكرم الأكرمين، اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، كلمات عميقة وطيبة ومهمة جداً في حديثنا عن الأخوة والمحبة في الله عز وجل، أؤكد على ما قاله فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على أن المحبة في الله هي لله عز وجل لا تزداد ولا تنقص لا بعطاء ولا بجفاف بهذه العلاقة، فهي لله، ويمكن للإنسان أن يحب صديقه، وأن يحب زوجته، أن تكون محبة لله، فإن أكرمته بشيء أو قصرت تبقى المحبة لله، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا لنرتقي على منابر من نور، أحبكم في الله فضيلة العلّامة الشيخ محمد راتب النابلسي..
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم..
المذيع :
 جزاكم الله كل خير، وجعله مجلس علم في ميزان حسناتكم، وشكراً لكم، أنتم أيضاً مستمعينا الكرام إلى هنا ينتهي هذا اللقاء الإيماني المبارك، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، طيب الله مساءكم بالطاعات، السلام عليكم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور