وضع داكن
25-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 021 - على باب الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على رسولنا ونبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الأكارم على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعتكم حياة fm في مجلس العلم والإيمان، مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، فأهلاً وسهلاً بكم مستمعينا، ومرحباً بكم فضيلة الدكتور محمد، أهلاً وسهلاً يا دكتور.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع :
 أهلاً وسهلاً شيخنا والحمد لله على السلامة، يكون حديثنا تحت عنوان:" على باب الله عز وجل "، فهل يمكن للمسلم أن يعيش على باب الله عز وجل؟ أن يعيش طارقاً حتى يؤذن له بالقبول؟ أن يبقى مستغفراً تائباً منيباً حتى يتقبله الله عز وجل؟ وحتى يشعر أن الذنوب قد أزيحت عن قلبه وأنه أصبح أخف في حياته وقد فتح له أن يدخل إلى باب الله عز وجل عابداً مصلياً؟ وعلى باب الله الفقراء الضعفاء فهل على المسلم أن يكون مسكيناً أم الأصل أن يبتعد عن ذلك وما معنى هذا؟ يدور نقاشنا حول هذا مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حينما نقول على باب الله عن ماذا نتحدث؟

الإنسان كائن متحرك خلق للرحمة و السعادة :

الدكتور راتب:
 الإنسان كائن متحرك، أما هذه الطاولة فكائن ساكن، معنى متحرك أي عنده دوافع تحركه، الدافع الأول الحاجة إلى الطعام والشراب، يتحرك للبحث عن رزقه، فالأنبياء كما وصفوا في القرآن الكريم:

﴿ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾

[سورة الفرقان: 20 ]

 أي مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ويمشون في الأسواق، ومفتقرون أيضاً إلى ثمن الطعام، الافتقار إلى الطعام، وإلى ثمن الطعام، جعلك كائناً متحركاً، الآن هذه الحركة أحد أخص خصوصيات الإنسان، كائن متحرك، هذه الطاولة كائن ساكن، هذه الحركة إما أن تأتي وفق منهج الله، وفق الصانع، وفق الخبير، وفق العليم، وفق الرحيم، وفق الذي خلقنا ليسعدنا، وفق الذي خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض، وفق الذي قال:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود :119]

 خلقنا ربنا ليرحمنا بنص الآية الكريمة، وأي كلام آخر تردده العامة أن الحياة كلها شقاء ضعه تحت قدمك، هذا كلام الله عز وجل:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود :119]

 ولكن حينما يخلق الإنسان للرحمة، للسعادة، لسعادة الدارين الدنيا والآخرة، ويقصر في هذا الطلب تقتضي رحمة الله، وتقتضي حكمته أن يسوق لهذا الإنسان شيئاً يعينه على طلب الحق، إنها المصائب، أية مصيبة وقعت في الأرض من آدم إلى يوم القيامة لها هدف نبيل، هذا الهدف هو سوق الإنسان إلى باب الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 21]

سياسة الله عز وجل في معاملة عباده :

 كأن الله عز وجل جعل الإنسان أمام أربعة خيارات، الخيار الأول أنا أسميه الهدى البياني، أنت ساكن في بيت، أمامك زوجتك، أولادك، بناتك، أحفادك، مكانتك الاجتماعية جيدة، دخلك معقول، لا يوجد عندك أية مشكلة، دعاك الله إليه، دعاك إليه بالقرآن، دعاك إليه بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، دعاك إليه بمعاملة الله لك، معاملة الله دعوة إليه، أحياناً يشدد عليك، أحياناً يضيق عليك، أحياناً يسوقك إلى باب الجنة، هذا الإنسان حينما يتنعم، أو حينما يقف الموقف الكامل من الهدى البياني أي يستجيب، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾

[ سورة الأنفال : 24 ]

ليس من مات فاستراح بميت  إنما الميت ميت الأحياء
***

 والله عز وجل وصف الذين شردوا عنه بأنهم:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[سورة النحل: 21]

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

 وصفهم بوصف خصّ به اليهود، قال تعالى:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة : 5 ]

 هذا الملمح الأول الهدى البياني، فالإنسان إن لم يستجب للهدى البياني يخضع لشيء آخر، كأن يقول طبيب الهضم لمريض بالقرحة: عليك بالحمية التامة الشديدة الملزمة على الحليب فقط ستة أشهر تشفى من هذه القرحة، وإن آثرت أن تأكل ما تشتهي فلا بد من عمل جراحي، إذاً عندنا معالجة من دون عمل جراحي بالحمية، ومعالجة أخرى بعمل جراحي، المرحلة الثانية أن الله يسوق لهذا الذي شرد عنه من المصائب ما يرجعه إليه، شاهدها من القرآن الكريم:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 21]

 جاءه العذاب الأدنى، جاءته الشدة، جاءه التضييق، جاءه شبح المصيبة لم يستجب، لم يتب، يوجد مرحلة ثالثة إنها الإكرام الاستدراجي، يعطيه الدنيا كما يشتهي، مكانة اجتماعية على دخل فلكي على زوجة رائعة على بنات على أولاد على مراكب على نزهات ومؤتمرات و لقاءات إلى آخره، المرحلة الثالثة الإكرام الاستدراجي الهدف منه أن يشكر، الآن إن لم يستجب في الهدى البياني، ولم يتب بالتأديب التربوي، ولم يشكر بالإكرام الاستدراجي، بقي القصم، هذا الذي أرجو الله عز وجل، وأرجو لكل الأخوة المستمعين أن نكون بعيدين عنه، أن نبقى في المرحلة الأولى.
المذيع :
 حينما نقول على باب الله عز وجل هل يفترض بالمسلم أن يبقى على باب الله يطرقه باستغفاره، بدعائه، بإنابته حتى يقبله الله؟

 

الحال شيء مهم جداً في الدين :

الدكتور راتب:
 الحقيقة الدقيقة أن أحد الصحابة قال لسيدنا الصّديق: نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن والجنة كهاتين، فإذا عدنا إلى بيوتنا وعافسنا الأهل ننسى، فسيدنا الصديق من كماله، ومن رقيه، قال له: أنا كذلك يا حنظلة، انطلق بنا إلى رسول الله، فانطلقا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وحدثاه بهذا الحال، فقال عليه الصلاة والسلام: "نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا، أما أنتم يا أخي فساعة وساعة، لو بقيتم على الحال التي أنتم بها عندي، لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم".
 عندما تقول مؤمن ساعة وساعة تقول: نبي اتصال دائم.
المذيع :
 ما المقصود ساعة وساعة؟
الدكتور راتب:
 الإقبال على الله، أنت عندك معلومات، مركزها الدماغ، وعندك قلب، هذا القلب منوط به الإقبال على الله، فالأنبياء إقبال مستمر، عندما تقول: نبي، أي إقبال مستمر، عندما تقول: رسول، أي إقبال مستمر مع رسالة، مع كتاب سماوي، مع دعوة جديدة، عندما تقول: مؤمن، ساعة وساعة، هذه الساعة والساعة قد تكون ثلاثاً وعشرين ساعة إقبال وساعة فتور وليس غفلة، أو اثنتي عشرة باثنتي عشرة.
 أنت حينما تصلي، وحينما تقرأ آية تتأثر بها تأثراً بالغاً، وتبكي في الصلاة، هذه حالة تألق، حالة إقبال شديد على الله، أحياناً لا تبكي في الصلاة، الحد الأدنى من الصلاة هذا الفتور، لا أقصد بالفتور أن هناك معصية، إطلاقاً، هناك عبادة معها تألق، وعبادة بلا تألق، أما أنتم يا أخي فساعة وساعة، لو بقيتم على الحال التي أنتم بها عندي، معنى ذلك أن الصحابي في مجلس رسول الله له حال، وفي بيته له حال آخر، والمؤمن الآن هو في المسجد يستمع إلى درس علم، يستمع إلى خطبة جمعة رائعة جداً من خطيب عالم، كبير، ورع، ومتألق مع الله، له حال، فإذا عاد إلى البيت له حال آخر، لو بقيتم على الحال التي أنتم بها عندي، لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم.
 إذاً الحال شيء مهم جداً جداً في الدين، الحال مثل الوقود، الرؤية الصحيحة بالحال، الإخلاص بالحال، إلا أن الحال لا يكون حكماً على شيء آخر كل شيء حكم عليه، أي شخص ماله حرام، يقول: أنا حالي مع الله طيب، لا نصدقه، ليس الحال حكماً على أي شيء، لكن الاستقامة، والمنهج، والكتاب، والسنة، والذي جاء به القرآن الكريم، وجاء به النبي صلى الله عليه وسلم العدنان، وجاء به العلماء الربانيون، هذه حَكَم على الحال، لأن أي إنسان يدّعي الحال، الحال أن تدّعيه قضية سهلة جداً، لكن أن يكون الحال نتيجة استقامة، نتيجة تضحية، نتيجة بذل، نتيجة معرفة بالله، هذا شيء ثان، نحن عندنا حال وعندنا قال، والحال لا يكون حكماً على شيء، بل كل شيء أصلي، منهجي، قرآني، نبوي حكم عليه.
المذيع :
 كيف يعرف المسلم أن باب الله قد فتح له؟

من أحبه الله يلقي في روعه أنه يحبه :

الدكتور راتب:
 أنا لا أصدق أن يأتي الابن إلى بيته في آخر العام معه الجلاء، وقد نال علامات تامة في جميع المواد، ونال تعليقاً من معلمه أنه في أحسن حال، أخلاقياً لا استطيع أن أصدق أن أباً يقرأ جلاء ابنه هكذا ويبقى ساكناً، لا بد من أن يقبّله، وأن يحتضنه، وأن يكافئه، فإذا المخلوق هكذا مع ابن تفوق في الدراسة، فكيف إذا كان خالق الأكوان مع عبد أقبل عليه وطهر نفسه، وطبق منهجه، واتقى أن يعصيه وأحسن إلى خلقه؟ لذلك يودع في روع كل مؤمن أن الله يحبه، أما العلماء فقد قالوا: من وقف في عرفات، ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له. إذا غفر لك يلقي في روعك أنه غفر لك، إذا كان يحبك يلقي في روعك أنه يحبك، الله عز وجل يرضى عن إنسان والإنسان لا يعرف من هو؟ هذه غير صحيحة، هذه بخلاف قواعد التربية من بني البشر، أنا قلت: معلم، الابن معه علامات تامة، وأثنى عليه أخلاقياً، والأب لا يضمه، ولا يقبّله، هذه لا تصير، فلذلك لا يمكن أن تكون قريباً منه دون أن يلقي في روعك أنه يحبك، هذه ليس لها ضوابط إلا الاستقامة، أنا لا أصدقها من مرتكب معصية.
المذيع :
  نريد أن نتحدث ما معنى أن تكون قريباً من الله وقد فتح لك لتدخل إلى باب الله؟
 إذا كان المسلم بعيداً عن الله عز وجل، لم يكن مصلياً، لم تكن محجبة، لم يكن مواظباً على فرائض الله عز وجل كيف له أن يكون على باب الله؟

 

هدف المصيبة دفع الإنسان التائه الشارد إلى باب الله :

الدكتور راتب:
 أنا أقول له هذه الآية وهذه تكفي:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الزمر: 53 ]

 لم يقل عصوني، لم يقل ارتكبوا بعض المخالفات، أسرفوا:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾

[ سورة الزمر: 53 ]

 الله عز وجل ينتظرنا:

(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين؟ ))

[ورد في الأثر]

 الله عز وجل رحيم ونحن عباده، ورحمته تقتضي أن يعالجنا، قال تعالى:

﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين﴾

[سورة الأنعام:147]

 تقتضي رحمته الواسعة ألا يرد بأسه عن إنسان قد يأتي يوم القيامة مجرماً، يسوق له الشدائد كي تعيده إلى جادة الصواب، أنا أقول: ما من مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا وهي مصيبة هادفة، هدفها دفع هذا الإنسان التائه الشارد الغافل العاصي إلى باب الله، بطريقة أو بأخرى.
المذيع :
 على الإنسان ألا يتوقف عن طرق باب الله ويبقى ملحاً.

 

من شرد عن الله ثم عاد إليه لقي تكريماً لا يوصف :

الدكتور راتب:
 أرى بشكل آخر أن الابن الصالح يلقى من أبيه كل تكريم، لكن الابن الذي شرد عن الله ثم عاد إليه يلقى من التكريم ما لا يوصف، لأن الله عز وجل:

(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد))

[ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

 إنسان أضاع شيكاً بمليون دينار، ضاع منه ولا يعوض ثم وجده، من الضال الواجد، ومن العقيم الوالد، سبع سنوات لم ينجب ثم أنجب طفلاً غاية في الجمال، والظمآن الوارد على وشك الموت عطشاً ثم وجد نبع الماء:

(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد))

[ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

المذيع :
 لماذا؟
الدكتور راتب:
 لأن الله رحيم، لماذا الأب إذا له ابن شرد عنه، لعب القمار، انغمس في الملاهي والموبقات، ثم اكتشف الأب أن ابنه تاب إلى الله توبة نصوحة، بماذا يشعر الأب؟ بفرح لا يمكن أن يتصور.
المذيع :
 حديثنا تحت عنوان: " على باب الله " لعلنا نكون وإياكم أقرب إلى باب الله عز وجل، ماذا عن غير المسلم عن قوم لم يؤمنوا بالله ولا يؤمنون بوجوده؟ كيف لنا كمسلمين أن نجعلهم أقرب إلى الله عز وجل؟

 

كلّ إنسان مفطور على منهج الله عز وجل :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.
 الحقيقة الدقيقة أن الإنسان عقل وقلب وجسم، إن أردت أن تملكه غذي عقله بالعلم، وغذي قلبه بالحب، فهذا الآخر مقيم في بلد أجنبي، إنسان فطر فطرة سليمة، قال تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه﴾

[ سورة الروم: 30]

 أنت مبرمج، أو مولف، أو مجبول، أو مفطور وفق منهج الله، هذه نقطة دقيقة، فأي أمر أمرك الله به جبلت على محبته، وكرهت معصية الله، قال تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾

[ سورة الروم: 30]

 أي أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هذا ما فطرت عليه، لذلك الغرب عنده كآبة، لا يدري ما سببها، لأنه هو مبرمج على منهج الله، أي إنسان في الأرض من السبعة المليارات والمئتي مليون إنسان فطروا على منهج الله، فإن طبقوه ارتاحوا.
المذيع :
 لماذا الغرب يبتعد عن الفطرة؟

 

الابتلاء علة وجود الإنسان في الدنيا :

الدكتور راتب:
 الحقيقة هي أن الصراع بين الشهوات والمبادئ، فهذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، دقق الآية، قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك : 2 ]

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

 علة وجودك في الدنيا أن تمتحن، عندك مبادئ وعندك شهوات، الشهوات الكلام دقيق، إنسان يركب دراجته في طريق مستو، وصل إلى مكان فوجد فيه طريقين، طريق هابط وطريق صاعد، الطريق الهابط فيه ورود ورياحين وحشيش أخضر وهو طريق معبد، وأنت راكب دراجة، شيء مريح أن تنطلق في هذا الطريق الهابط، لكن مكتوب لوحة في البداية أن هذا الطريق الهابط المريح الذي يدغدغ مشاعرك، ينتهي بحفرة مالها من قرار، فيها وحوش كاسرة وجائعة، أما الطريق الصاعد ففيه صعوبات، فيه أكمات، فيه تعرج، فيه غبار، فيه عقبات، فيه تعرق شديد، لكن ينتهي بحديقة غناء، هي ملك من وصل إليه، موضوع منظار وهناك لوحة، إن شئت أن تقرأ فاقرأ، يوجد عندك كتاب وسنة، وإن شئت أن ترى، فأنت حينما تقبل على الله ترى الحق حقاً، والباطل باطلاً، القصة كلها بين طريق صاعد فيه متاعب، وطريق هابط فيه ملذات، البطولة في النهاية، نهاية الطريق الصاعد جنة عرضها السماوات والأرض، نهاية الطريق الهابط نار لا ينفذ عذابها، فهي طريقة اختيار ذكي، الذي يختار الآخرة اختياره ذكي جداً.
المذيع :
 إذا كانت بهذا الوضوح دكتور لماذا لا يسلم كثير من أشركوا بالله في الغرب هل الخلل منا لم ننقل لهم الإسلام؟

 

مشكلة الغرب ليست في الإسلام بل في الخطاب الديني :

الدكتور راتب:
 والله الذي لا إله إلا هو أن المشكلة في الغرب ليست في الإسلام، بل في الخطاب الديني، الخطاب الديني الخاص بنا غير مقنع، المشكلة أنه عندما ينجح الخطاب الديني، عفواً الإسلام يجدد؟ لا يجدد، إن أضفت عليه اتهمته بالنقص، وإن حذفت منه اتهمته بالزيادة، الإسلام لا يجدد، لكن التجديد في الخطاب الديني.
المذيع :
 الخلل الأكبر في عدم إسلام جزء من الغرب الكافر فينا، نحن كمسلمين ما أوصلنا الإسلام لهم أم هم بلاد الكفر؟

كل إيجابيات الغرب إسلامية لأن مصلحتهم تقتضي أن يتقنوا عملهم :

الدكتور راتب:
 قبل أن نقول كلمة نحن بلاد متخلفة أولاً، ضعيفة، تملك نصف ثروات الأرض، ومتحاربة فيما بينه، هذا الوضع مأساوي وضع الخصومات بيننا، ليس نموذجاً مغرياً للآخر أن يكون منا، هذه المشكلة، نحن لو طبقنا الإسلام ولو صمتنا، الغرب يقلدنا، لذلك قال أحد كبار الفلاسفة البريطانيين- جيب- قال: أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لا لأنهم أقوياء، هم ضعاف، ولكن لأن خلاص العالم بالإسلام.
 دقق الاتحاد السوفيتي العملاق ثاني أكبر قوة في الأرض، قبل سقوطه بخمسة أعوام حرم الخمر، معلومة ثابتة، ليس لأسباب دينية أبداً، فكلما تقدم العلم اقترب من الدين، لذلك مثلاً وضعنا مديراً لمعمل يحمل دكتوراه في إدارة الأعمال، ثم هذا المعمل سلمناه لمؤمن إيمانه عال جداً، المفاجأة التي لا تصدق أن النتائج واحدة، الدوافع مختلفة، المؤمن عبد ربه في إقامة العدل في هذا المعمل، وفي الإحسان للموظفين، وفي تكافؤ الفرص، وفي جعل المبادئ فوق الأشخاص، والذي معه إدارة أعمال فعل نفس الشيء، فالعمل الذكي يلتقي مع العمل العبادي، وأنا أقول لك كلاماً صريحاً: كل إيجابيات الغرب هي إسلامية لا لأنهم يعبدون الله أبداً، لأنهم يعبدون الدولار من دون الله، تقتضي مصلحته أن يتقن عمله.
المذيع :
 لك تجربة شخصية دكتور في كثير من زياراتك وسفرك للغرب كنت تزور أماكن غير إسلامية، ومجموعة كنائس، وكان لك تجربة في أن تنقل لهم الإسلام عبر الإعجاز العلمي.

مصدر الأديان واحد و هو الإله العظيم :

الدكتور راتب:
 كان هذا في أستراليا دعيت إلى مؤتمر إسلامي مسيحي يهودي، وأنا مثلت الإسلام، ألقيت محاضرة والله لاقت قبولاً وتألقاً لم يسبق له مثيل، حتى أن أحد الأخوة المسيحيين قال لي: هذه الصلاة على النبي ما هي؟ أي كأنه يريد أن يأخذ مأخذاً، قلت له: هذه عندكم موجودة، ألم يقل السيد المسيح: أنا الطريق والحق والحياة وكل غصن لا يثبت في يقطع ويلقى في النار، الأديان مصدرها الإله، أنت في الرياضيات لا تبتعد إذا كان هناك حد يساوي حداً، وحد آخر يساوي الحد الأول فالحدان فيما بينهما متساويان، الأديان مصدرها واحد الإله، لكن نحن عندما نغير ونبدل نشأت المشكلة، لكن الله تولى بذاته العلية حفظ القرآن الكريم، قال تعالى:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 9]

 تولى الله بذاته الحفاظ على كلامه، قال تعالى:

﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴾

[ سورة المائدة: 44]

 أي أوكل الأمر لأتباع الديانات السابقة أن يحفظوا كتابهم فلم يحفظوا.
المذيع :
 أنت وجدت أن لغة الإعجاز العلمي هي أقرب الطرق لإيصال الإسلام للغرب؟

 

الإعجاز العلمي أقرب الطرق لإيصال الإسلام للغرب :

الدكتور راتب:
 عندما صعد رائد الفضاء إلى القمر، في أول رحلة، معنا الآن أبحاث تنفي الوصول للقمر، ومعها أدلة قوية، ولكن أنا أعتبر كما سمعنا وشاهدنا، صاح رائد الفضاء بأعلى صوته بعد حين من إطلاق المركبة وسمع هذه الصيحة أحد كبار علماء الفلك المصريين فاروق الباز في القاعدة في فلوريدا، قال: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً؟ ما الذي حصل؟ الذي حصل أنهم تجاوزوا طبقة الهواء التي تبلغ ستة وخمسين ألف كيلو متر، فلما تجاوزوا طبقة الهواء انعدم الهواء، انعدم تناثر الضوء، ما انتثار الضوء؟ أشعة الشمس حينما تسلط على ذرات الهواء، هذه الذرات تعكسها إلى مكان آخر، وفي أي بيت في الأرض افتح نوافذه تجد فيه ضوءاً ولا يوجد أشعة شمس، إلا يكون باتجاه القبلة، أو باتجاه الشمال إذا كان بالنصف الآخر من الكرة الأرضية، إذا البيت ليس في اتجاه الشمس ولكن فيه ضوء شمس ما هذا الضوء؟ هذا انتثار الضوء، فلما تجاوز رواد الفضاء ستة وخمسين ألف كيلو متر، وانعدم الهواء انعدم تناثر الضوء، فدخلوا في ظلام دامس، فصاح الرائد: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً. كتاب أنزل قبل ألف وأربعمئة عام، يقول الله عز وجل:

﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 15]

 ما هذا التطابق بين حدث تمّ في أول رحلة للقمر وبين آية قرآنية نزلت قبل ألف وأربعمئة عام؟!
 الآن في علم الأحياء تبين خلال مئة عام في النهاية أن الذي يحدد جنس الجنين ذكراً او أنثى ليس البويضة لكنه الحوين فقط، تفتح القرآن قبل ألف وأربعمئة عام:

﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى*مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾

[سورة النجم: 45-46]

 تقرأ بالجغرافيا بعد اكتشاف أشعة الليزر أن أعمق نقطة في الأرض إطلاقاً غور فلسطين، والمعركة بين الفرس والروم تمت في غور فلسطين، فإذا قال الله عز وجل:

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾

[ سورة الروم: 2-3]

 كيف تقرأ قوله تعالى:

﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ ﴾

[ سورة الحج : 27]

 لو أنت نسيت أن تتمة الآية تقول من كل فج بعيد، الآية:

﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾

[ سورة الحج : 27]

 لأن الخط إذا استمر على الكرة لا بد من أن ينحني إلى العمق لا إلى البعد لأنه كرة، إشارة قرآنية، يوجد من هذا النوع ألف وثلاثمئة آية قرآنية تدل على الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
المذيع :
 وهذا الكلام عندما ترجم ونقل إلى الغرب تعرف على الإسلام بشكل جديد.
الدكتور راتب:
 والله يا سيدي أنا أعتقد أن كبار كبار علماء الغرب حينما كشفوا هذه الحقائق أسلموا.
المذيع :
 معنا الأخ أبو خليل...
 حلقة الأسبوع الماضي وهذه الحلقة كانت مميزة الله فتح على الدكتور وعلى الأخ نديم الحسن، أريد أن تعاد..
أختي رنا...
 سؤالي بمناسبة قرب الإسراء والمعراج ما هي أوجه الإعجاز والعبر من الإسراء؟

 

أوجه الإعجاز والعبر من الإسراء و المعراج :

الدكتور راتب:
 هناك قوانين قننها الله عز وجل، لكن حينما قال تعالى:

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾

[سورة الإسراء: 1]

 حينما قال: سبحان، معنى ذلك أن هذا الحدث لا يخضع لقوانين الأرض، أن ينتقل إنسان من مكة إلى بيت المقدس، وأن يعرج به إلى السماء، وأن يعود إلى بيت المقدس، وإلى مكة، ومكان جلوسه ما يزال ساخناً، هذا شيء لا يقبل في قوانين الأرض، عندما قال تعالى:

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾

[سورة الإسراء: 1]

 أي أن هذا الحدث ليس وفق قوانين الأرض، لكن:

﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾

[سورة الإسراء: 1]

 لنريه لا لنا، ذلك هذا الإسراء أتى بعد إذا كان هناك خط بياني للدعوة، كان هذا الخط في نهايته الصغرى، توفيت زوجته، عمه أبو طالب توفي، المشركون ازدادوا شراسة وإيذاء له، أصعب لحظة في تاريخ الدعوة الإسلامية كانت هذه اللحظة، فكان هذا الإسراء إكرام السماء بعد جفوة الأرض، إكرام الله عز وجل لهذا النبي الكريم على أثر جفوة الأرض له:

﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾

[سورة الإسراء: 1]

 وفي هذا المعراج اتضح أنه سيد الأنبياء والمرسلين.
المذيع :
 أخي طارق تفضل..

﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ﴾

[سورة هود: 108]

بقاء الإنسان في الجنة منوط بمشيئة الله :

الدكتور راتب:
 القصد ما يلي إذا أنت أعطيناك قصراً وأنت قدمت ثمن مفتاحه، أنت لم تقدم ثمن القصر، عملك في الدنيا بأكمله يساوي ثمن المفتاح، فإذا أنت ظننت أن هذا القصر ملكك بسبب عملك وقعت في وهم كبير، فجاءت ما شاء الله كي تشير لك بهذا المعنى ما أنت فيه في الجنة ليس ثمناً لعملك، هو سبب لعملك، بين السبب والثمن شيء كبير، أيضاً بقاؤك فيها منوط بمشيئة الله، الله عز وجل أخبرنا:

﴿ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾

[سورة الحجر: 48]

 آية توضح آية.
المذيع :
 أختي تغريد ما الفرق بين لها وإلى، قال تعالى:

﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾

﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾

﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي﴾

  ما الفرق بين لها وإلى؟

 

أنواع الوحي :

الدكتور راتب:
 الوحي إذا اتجه إلى الجماد أنه جعلها كذلك، وإذا اتجه إلى كائن حيواني فهو الغريزة، وإذا توجه إلى إنسان فهو الإلهام، الكلمات واحدة وحي الأشياء جعل، وحي الحيوانات غريزة، ووحي الإنسان الإلهام، ووحي الأنبياء رسالة، أربع أنواع من الوحي.
المذيع :
 هل يغلق باب الله أم يبقى مفتوحاً؟

باب الله لا يغلق أبداً :

الدكتور راتب:
 الآية تقول ليس للمؤمنين الخطاب بل لمن أسرف في معصية الله ولو كان كافراً، قال تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الزمر: 53 ]

 الدليل رجل من ألد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم، أحد الأشخاص اسمه عمير بن وهب التقى مع صفوان بن أمية خارج مكة، فقال له عمير: والله يا صفوان لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد أخشى عليهم العنت من بعدي، لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، فصفوان سمع هذا وليس بينهم أحد فقال: أما ديونك فهي عليّ بلغت ما بلغت، وأما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر، فامضِ لما أردت، عندئذ سقى سيفه سماً، ووضعه على عاتقه، وتوجه إلى المدينة، ليقتل محمداً، لكن تحت غطاء أن له أخاً أسيراً لو سئل: لماذا؟ فيقول: لأفك أسر أخي، هذه القصة كلها، لما وصل رآه عمر رضي الله عنه، وقال: هذا عدو الله عمير جاء يريد شراً، قيده بحمالة سيفه، وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، أما النبي فقال: يا عمر أطلقه، ادنُ مني يا عمير، قال له: ألم تقل لصفوان لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه؟ فوقف عمير وقال: أشهد أنك رسول الله، لأن هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه أحد إلا الله، وأنت رسوله، ليس هنا الشاهد، الشاهد هو ما قاله سيدنا عمر، قال: دخل عمير على رسول الله والخنزير أحب إليّ منه، وخرج من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض أولادي، هذا الدين، لا يوجد عداوة بالدين، لما آمن صار أخاك، فإن آمنوا فأخوانكم في الدين.
المذيع :
 إذاً باب الله لا يغلق حتى يموت الإنسان.
الدكتور راتب:
 ولا ثانية:

(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين؟ ))

[ورد في الأثر]

المذيع :
 كيف نعرف أن الله قبلنا؟

 

فتح أبواب الطاعات علامة قرب الإنسان من الله تعالى :

الدكتور راتب:
 لا يمكن أن يقبلك الله دون أن يلقي في روعك أنه قبلك، ويوجد عندي دليل من الحج: " من وقف في عرفات، ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له ". قلت لك: مستحيل أن يأتي الابن إلى بيته في آخر العام معه الجلاء وقد نال علامات تامة في جميع المواد، ألا يضمه والده ويقبله، ويقول: أنا أفتخر بك يا بني، إله عظيم تعمل عملاً طيباً، تقترب منه، تخدم عباده، تنصحهم، ما يقربك منه.
المذيع :
 هل من علامة بشرية أعرف أن الله قد قبلني وأنا على بابه قد قبلت، يفتح لي أبواب الدنيا أو أبواب الطاعات.
الدكتور راتب:
 يفتح لك أبواب القرب منه، طبعاً أنت عندما عملت عملاً طيباً صار الطريق إلى الله سالكاً، وصار هناك خط ساخن بينك وبينه، أغلى هاتف يباع إذا لم يكن به خط لا قيمة له، وإذا هاتف قديم فيه خط ساخن، أنت عندما عملت عملاً طيباً صار معك خط ساخن إلى الله.
المذيع :
 من يفتح له أبواب الطاعات هل هذه علامة قرب من الله؟
الدكتور راتب:
 طبعاً.
المذيع :
 إذا فتح الله للعبد مساعدة الناس، أخت تنصح هي من علامات الخير؟
الدكتور راتب:
 قال تعالى:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾

[سورة الليل5-7]

 الرد الإلهي التيسير، قال تعالى:

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾

[سورة الليل8-10]

 الرد الإلهي التعسير.
المذيع :
 لو سمحت دكتور كلمات قليلة قبل الدعاء أن تنصحني وتنصح الناس كيف نكون أقرب إلى الله بكلمات؟

 

أسعد إنسان من كان قريباً من الله عز وجل :

الدكتور راتب:
 والله ما من شيء يسعد الإنسان أكثر من أن يكون قريباً من الله، لذلك إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله:

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور نختم حلقتنا بالدعاء؟

 

الدعاء :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم أصلح لنا شؤوننا يا رب العالمين، اللهم انصر المؤمنين في كل مكان، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، باب الله مفتوح لا يغلق، فلنقبل على الله عز وجل بتوبتنا، باستغفارنا، وبالتزامنا أوامره، إلى هنا مستمعينا ينتهي هذا اللقاء، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور