وضع داكن
18-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 018 - فضل مجالس العلم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على نبينا ورسولنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعتكم حياة fm، مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، فأهلاً وسهلاً بكم مستمعينا، ومرحباً بكم فضيلة الدكتور محمد، أهلاً وسهلاً يا دكتور.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع :
 دكتورنا الكريم سيكون حديثنا بحول الله عز وجل في مجلس العلم هذا عن مجالس العلم، عن فضلها، وعن كيفيتها، يقول الله عز وجل:

﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الزمر:9 ]

 يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

(( من سلك طريق يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ))

[ الترمذي عن زر بن حبيش]

 نسأله أن يجعلنا من طلبة العلم، وحديثنا معكم دكتور في هذا اللقاء عن طلب العلم وكيف يمكن أن نحققه بهذا الزمن؟

تميز الإنسان بقوة إدراكية تلبى بطلب العلم :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين.
 الحقيقة التي أرجو أن تكون واضحة عند أخوتي المستمعين، هو أن الإنسان له حاجات دنيا، يحتاج إلى الطعام والشراب، يحتاج إلى الزواج، يحتاج إلى تأكيد الذات، هذه حاجات تلبى، والشرع العظيم سمح بتلبيتها ولكن لأن الله عز وجل حينما خلق الجماد، الجماد شيء مادي له وزن، وله أبعادٌ ثلاثة، بماذا يتميز النبات عنه؟ بالنمو، له وزن، و له أبعادٌ ثلاثة، ويشغل حيزاً بالفراغ، نضيف فقط النمو، الآن الحيوان، له وزن، وله أبعادٌ ثلاثة، ويشغل حيزاً بالفراغ، وينمو كالنبات لكنه يتحرك، الآن الإنسان، هو كيان مادي وزن، طول، عرض، ارتفاع، وينمو مثل النبات، ويتحرك كبقية المخلوقات، بماذا تميز؟ بقوة إدراكية أودعها الله فيه، هذه القوة الإدراكية إذا لباها بطلب العلم هنا ارتقى عند الله، إن لم يلبها هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، لمجرد أن يعزف الإنسان عن طلب العلم، هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، لذلك الأوصاف التي وردت عن الذين عزفوا عن طلب العلم مخيفة، قال تعالى:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[سورة النحل: 21]

 المؤمن يحيا قلبه بالعلم، قال تعالى:

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة : 5 ]

 الإنسان يتميز عن بقية كل المخلوقات بالقوة الإدراكية التي وهبه الله إياها بالعقل، هذه القوة الإدراكية تحتاج إلى تلبية، كيف تلبى؟ بطلب العلم، فلذلك طلب العلم من خصائص الإنسان، لذلك يجب أن يعلم الإنسان فضلاً عن طعامه وشرابه وزواجه وإنجاب أولاده وتربية أولاده الهموم المشتركة في الأرض، عنده طلب يتميز به، من خلقني؟ لماذا خلقني؟ ماذا في الدنيا؟ لماذا جاء بي إلى الدنيا؟ ما هو الموت؟ ماذا بعد الموت؟ هذه الأسئلة الكبيرة، أسئلة عملاقة يجب أن يجيب الإنسان عنها، فإذا أجاب عنها صحت حركته في الحياة، وإن صحت حركته سلم وسعد.
المذيع :
 كيف يمكن للإنسان أن يعرف الإجابات الصحيحة لهذه الأسئلة؟

اكتشاف الحقيقة من خلال التأمل و الوحي :

الدكتور راتب:
 يمكن من خلال التأمل أن تكتشف الحقيقة، ويمكن من خلال الوحي أن تكتشفها أيضاً، إما أن تصل إليها ذاتياً عن طريق التأمل، قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾

[ سورة آل عمران : 190]

 السماوات والأرض دعوة إليه، السماوات والأرض آيات دالة على وجوده، ووحدانيته، وكماله، لو تركنا النصوص واكتفينا بهذا الكون هو الثابت الأول، هذا الكون يشير إلى وجوده، وإلى كماله، وإلى وحدانيته، لكن ربنا عز وجل رحمة بنا تفضل علينا، منّ علينا بإرسال الرسل، الرسل معهم كتب سماوية، والكتاب يبين لك علة وجودك، يبين لك أنك أنت مخلوق للجنة، قال تعالى:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]

 خلقنا ربنا ليرحمنا، ليسعدنا، أنا إما أن أصل للحقيقة بتفكيري وتأملي، فمادمت صادقاً في طلب الحقيقة لا بد من أن أصل إليها، قال تعالى:

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾

[ سورة الليل: 12 ]

 وحيثما جاءت كلمة على مع لفظ الجلالة أي أن الله عز وجل تولى بذاته العلية هداية خلقه،

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾

  الآية واضحة تماماً، فأنت حينما تسأل في أعماق نفسك يا رب لماذا خلقتني؟ ما الذي ينبغي أن أفعله في الدنيا؟ ماذا بعد الموت؟ هذه أسئلة كبيرة لا بد من أن تلتقي بمن يجيبك عنها، لأن الله عز وجل تولى بذاته هداية خلقه، ولا يشرد عن الله إلا إنسان جاحد يعيش لشهوته، يعيش لمصالحه، يعيش للمادة، فالإنسان إذا عاش للمادة ولمصالحه ولغرائزه هذا خرج من منظومة البشر الذين خلقوا لسعادة الدنيا والآخرة، إذاً القضية مصيرية، قضية أبد، والأبد من الصعب جداً أن نفهمه، أي مليار سنة لا شيء، مليار مليار مليار مليار حتى تنتهي النفس، أكبر، مليار مليار حتى ينتهي العمر، أكبر، لأنه لا نهاية، لذلك أي رقم ينسب إلى اللانهاية قيمته صفر، واحد في الأرض والأصفار للشمس، وكل مليمتر صفر، كم هذا الرقم؟ هذا الرقم العملاق إذا وضع صورة لكسر عشري والمخرج لا نهاية فقيمته صفر، أنت تعيش في زمن محدود لكن الله خلقك للامحدود، خلقك للأبد، قال تعالى:

﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾

[سورة الزخرف: 77]

 النفس البشرية تذوق الموت ولا تموت، قال تعالى:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾

[سورة الأنبياء: 35]

 أن تذوق الموت شيء وأن تموت شيء آخر.
المذيع :
 وما الفرق؟

الموت نهاية الحياة النفسية :

الدكتور راتب:
 الموت نهاية الحياة النفسية انتهى، شيء اختفى، أما الموت بمعناه المادي فهو انفصال الجسد عن النفس، عن الروح، الإنسان نفس ذاته، هو المخير، هو المطالب، هو المكلف، هو الموفق، هو الذي يؤدب، هو الذي يكرم، ذاتك هي نفسك، هي أنت، هذا غلاف، هذا غلاف مادي يخلع، فإذا خلع لا يلغى صاحب الغلاف، موجود، لكن بين أن يكون موجوداً في جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وبين أن يكون موجوداً في أسفل سافلين، فالقضية قضية سعادة أو شقاء، نجاة أو وقوع في فخ الشهوة.
المذيع :
 والعلم الشرعي هو البوابة للنجاة في هذا الامتحان الصعب.

القوة الإدراكية أخطر شيء يملكه الإنسان :

الدكتور راتب:
 لأن الله أودع فيك قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية أخطر شيء تملكه، الغرب استخدمها لمصالحه في الدنيا، وصل إلى القمر، غاص في أعماق البحار، صنع مركبات فضائية وصل بها إلى القمر، يوجد إنجازات علمية للغرب تفوق حدّ الخيال لأنه استخدم العقل البشري لمصلحته، أعطاه هذا العطاء، فكيف إذا استخدمت هذا العقل البشري لمعرفة سرّ وجودك، وكمال وجودك، لمعرفة ربك، لمعرفة الجنة والنار، كلاهما يصنع لهدف، فبين أن يستخدم العقل من أجل مصالح، ونزوات، وغرائز، وشهوات، وسيطرته على الآخرين، وبين أن يكون هذا العقل دليلاً إلى رب العالمين.
المذيع :
 هل نحن مطالبون باستخدام العقل فقط للوصول إلى طريق الله عز وجل والعلم أم أننا مطالبون بالعلم الدنيوي لبناء هذه الدنيا؟

الإنسان عقل و نفس و روح :

الدكتور راتب:
 الحقيقة كل فصل بين هذه الشروط الذي تفضلت بها فصل مصطنع، الحقيقة أنت كيان واحد، فأنت عندك عقل، وعندك نفس، وعندك روح، الروح تماماً كالكهرباء في المسجلة، قوة تعمل بها المسجلة، إذا سحبت المأخذ من مصدر الكهرباء تسكت المسجلة، هذه الروح، الغلاف البلاستيكي هو الجسم، أما البرامج التي تسمعها في المسجلة فهي النفس، فهناك نفس وروح و جسد، الجسد ينتهي عند الموت تخلعه، والنفس ذاتك لا تفنى ولا تنتهي إلى أبد الآبدين، إما إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفذ عذابها، وأما الجسم فيبلى كثياب مهترئة، والنفس هي ذاتك، والروح هي قوة ممدة انقطعت، الإنسان حينما يموت ينقطع الإمداد فيموت، وحينما يقتل تحطم أداة الاستقبال فيموت، أما هو كلاهما انتهت حياته الدنيوية.
المذيع :
 في بحثنا للعلم كمسلمين هل يفترض فقط أن نتوجه نحو العلم الشرعي، القرآن الكريم والسنة؟

كل العلوم من دون استثناء تدل على الله :

الدكتور راتب:
 العلماء قالوا: المطلق على إطلاقه، أنا أعتقد يقيناً أن كل العلوم من دون استثناء بالنهاية تدلك على الله، أني الذي درس الطب، ورأى أن بشبكية العين يوجد عشر طبقات، و مليون وثلاثمئة ألف مستقبل، ورأى الحدقة واتساعها الآلي، ورأى خصائص العين، ثم رأى خصائص الدماغ، مئة وأربعون مليار خلية استنادية سمراء لم تعرف وظيفتها بعد حتى الآن، هذا الدماغ أعقد مكون في الحياة، الدماغ عاجز عن فهم ذاته، خلق الإنسان، أعضاؤه، أجهزته الهضمية، والتنفسية، والكلوية، وما إلى ذلك، الإنسان وحده أكبر آية دالة على عظمة الله، قال تعالى:

﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات: 21 ]

 الماء آية، حليب الأبقار آية، المواشي آية، الأغنام آية، الشمس آية، القمر آية.

وفي كل شيءٍ له آيةٌ  تدل على أنه واحـد
***

 أي شيء في الكون يدلك على الله.
المذيع :
 حديثنا عن العلم الشرعي وفضل مجالس العلم، الله عز وجل وعد من يلتمسون مجالس الذكر بالأجر العظيم، أحاديث نبوية كثيرة منها:

(( إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم))

[ الشيخان عن أبي هريرة]

 في هذا الحديث ما المقصود بمجالس الذكر؟ والنقطة الثانية لماذا هذه المكانة؟

ضرورة الإكثار من ذكر الله عز وجل :

الدكتور راتب:
 المطلق على إطلاقه، أنت في هذه المجالس ذكرت الله وحدك خالياً، المعنى مقبول، وإن ذكرت الله لعباده، ذكرت آياته الكونية والتكوينية والقرآنية، بينت عظمة الخالق، بينت شرعه، بينت منهجه، أيضاً تنطبق على هذا المعنى نفسه.
المذيع :
 حتى الإنسان على صعيد فردي إذا ذكر الله ينطبق عليه الأجر؟
الدكتور راتب:
 طبعاً هذه الآية واسعة جداً، ذكر الله كالظل أينما ذهبت في أي شأن، كنت مع أهلك، في بيتك، في الطريق، مع قوي بمعركة، أينما كنت، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 41 ]

 ولكن بكلمة ذكراً كثيراً لأنه يوجد منافقون وصفهم الله عز وجل فقال:

﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾

[ سورة النساء: 142 ]

 إذاً نحن مكلفون ليس بمطلق الذكر بالذكر الكثير، لذلك أكثروا ذكر الله عز وجل، الإنسان إذا أكثر ذكر الله برئ من النفاق، وإذا حمل حاجته بيده برئ من الكبر، حاجته، محفظته، حملها بيده.
المذيع :
 ما المقصود بذكر الله؟ هل أن تعدد لا إله إلا الله أم كل ما يشمل الأحاديث؟

الذّكر يدور مع الإنسان في كل شؤون حياته :

الدكتور راتب:
 المطلق على إطلاقه إذا قرأت القرآن الكريم فأنت ذاكر لله، إذا قرأت كتب السنة الصحيحة فأنت ذاكر لله، إذا وعظت زوجتك فأنت ذاكر لله، إذا جلست مع صديق لك وبينت له عظمة الخالق فأنت ذاكر لله، لا يوجد شيء يدور مع الإنسان بكل شؤون حياته حتى في علاقته مع ربه، في غرفة نومه يذكر الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 41 ]

 لا تحتاج إلى طلب مقابلة، ولا إلى موافقة، كن مع الله تـر الله معك، فلأن اله معك مطلع على قلبك، قد تذكره في قلبك، أحياناً الإنسان يكون في موقف عصيب جداً، لا يستطيع أن يحرك شفتيه، بإمكانه أن يذكر الله ذكراً كثيراً بقلبه، حدثني أخ أقسم بالله يميناً معظماً أنا كنت مسافراً إلى اللاذقية، وجدت مسجداً على الساحل بمنطقة جميلة جداً، ولا يوجد حوله بيوت أبداً، في العراء، فصليت في هذا المسجد ، رجل وقور في هذا المسجد دعاني إلى شرب فنجان قهوة في بيته، قال لي: أنا عمرت هذا المسجد، ثم قال لي: والله الذي لا إله إلا هو أنا من أفقر عباد الله، أختي باعت سوارها الذهبي لأشتري بهذا السوار بطاقة طائرة إلى الخليج، قال: أنا بالطائرة ما حركت شفتي، قلت بنفسي: إذا الله أكرمني بالخليج سوف أعمّر مسجداً له فقط، حدثني القصة بساعة، تفاصيل مذهلة، ممنوع بأنظمة الأوقاف أن ينشئ مسجداً بلا مدينة أو قرية، على البحر، أخذ موافقة من محافظ طرطوس، كيف أخذها لا يعرف، والله أكرمه وأنشأ المسجد من أجمل المساجد، قلت: سبحان الله! الله ينتظرنا، خاطر خطر في باله الله علم به ولباه.
المذيع :
 وهذا يعد من ذكر الله؟
الدكتور راتب:
 تسأله ذاكر، تدعوه ذاكر، تستجير به ذاكر، تستغفره ذاكر.
المذيع :
 أنت ذكرت، إذا وعظت زوجته هذا ذكر، وإن وعظت هي زوجها أيضاً من الذكر.
الدكتور راتب:
 هناك أشياء تؤكد ذلك.
المذيع :
 معنا اتصال أخي خالد تفضل..
 حديث المفلس..إنسان يقوم بالعبادات ولكن في المعاملات عنده قليل من المخالفات يشتم هذا ويسب هذا، هل هو خالد مخلد في النار؟

الأعمال غير الصالحة يكفر عنها في الدنيا :

الدكتور راتب:
 دقيقة، هذه الأعمال غير الصالحة يكفر عنها في الدنيا:

(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحبّ أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه))

[ ورد في الأثر ]

 هناك أغلاط ترتكب تحاسب عنها في الدنيا وتنتهي المحاسبة.

((المفْلسَ مَنْ أتى بصلاة, وصيام, وصدقة, وحج, وقد شَتَمَ هذا، وضرب هذا، وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته...))

[مسلم والترمذي عن أبي هريرة]

 يوجد عدوان، أنا أتحدث عن إنسان لا يعتدي على أحد، أخلص ذكره لله، وأدى الواجبات، أما هناك اختلاس، قنص، غش، تدليس، هذه كلها سيئات تحاسب عنها في الدنيا..
المذيع :
 المطلوب أن يؤدي الحقوق لأصحابها ثم يستغفر الله ويتوب.
أختي أم فهمي تفضلي..
 بالنسبة لحفظ القرآن كيف نحفظ القرآن الكريم بالتسلسل؟

القرآن الكريم كتاب هداية و المطلوب الأول تطبيقه :

الدكتور راتب:
 أولاً: هذا الكتاب كتاب هداية، المطلوب الأول تطبيقه، فإن طبقت القرآن أديت التي عليك، إن حفظته هذا عمل طيب، لكن يضاف إلى فضل تطبيقه، الأصل تطبيقه، احك كلاماً معاكساً لو شخص حفظه وما طبقه لا ينتفع به، العبرة بالتطبيق، القرآن منهج افعل ولا تفعل، فيه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فيه تحرير الدخل، فيه أن يكون الإنسان باراً بوالديه، الزوج يكون وفياً لزوجته، يربي أولاده تربية عالية، القرآن الكريم منهج تفصيلي لحياة الإنسان، تطبيقه هو الأصل، لكن لو حفظته نور على نور، لكن الاكتفاء بالحفظ فقط دون تطبيقه هذا شيء لا يمنع عن العبد المعالجة الإلهية.
المذيع :
 لمن أراد نور على نور وأراد أن يحفظ القرآن الكريم ما هي نصيحتك كيف له أن يبدأ؟

نصيحة لحفظ القرآن الكريم :

الدكتور راتب:
 لا بد من أن يعقل الآيات، معنى يعقل الآيات أي يفهمها، الإنسان عندما يفهم الآيات، قال تعالى:

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾

[سورة الزمر: 71]

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾

[سورة الزمر: 73]

 لماذا هنا فتحت وهنا وفتحت؟ إن فهم الحكمة قرأها بشكل صحيح، إن لم يفهم لا يقرأ بشكل صحيح، يقرأ القرآن مئة سنة يغلط بهذه، مرة يقول: فتحت، ومرة يقول: وفتحت، هذا جاء بحالة إسعافية، إذا جاؤوها فتحت أبوابها، أما الثاني فهو ضيف معزوم إذا وصل هناك من يستقبله؟ فالواو هنا لها معنى وهنا حذف الواو له معنى، مثلاً قال تعالى:

﴿ فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ ﴾

[سورة آل عمران: ١٣٧]

 يوجد آية ثانية، قال تعالى:

﴿ قُل سيروا فِي الأَرضِ ثُمَّ انظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ ﴾

[سورة الأنعام: ١١]

 معنى ذلك ممكن أن يرتكب الإنسان معصية ويتعاقب فوراً، وممكن أن يرتكب معصية ويتعاقب بعد ثلاثين سنة، أذكر مرة أخاً حدثني عن شخص محكوم بالإعدام شنقاً حتى الموت، صعد على منصة الشنق، وضع الحبل في رقبته، فقال كلمة، قال: أنا الآن سوف أشنق لأنني متهم بقتل إنسان، أنا لم أقتله، ولكنني قتلت إنساناً منذ ثلاثين عاماً، فهو ما قتل هذا الشخص - القصة طويلة ولها ملابسات، الأدلة غلبت أنه هو الذي قتله ولكن هو ما قتله- بل قتل شخصاً منذ ثلاثين عاماً، إنسان يركب جملاً، أخذ جمله وباعه، و بعد أن باعه قتل من اشتراه و استعاد جمله، قصة طويلة، فلذلك قال تعالى:

﴿ فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا ﴾

[سورة آل عمران: ١٣٧]

 فوراً، يوجد شخص حلف يميناً كاذباً، وضع يده على المصحف شلّ فوراً، حدثني بهذا القاضي بعد حلف اليمين الكاذب شل فوراً، وهناك شخص بعد ثلاثين سنة عوقب، يوجد حكمة، قال تعالى:

﴿ فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا ﴾

[سورة آل عمران: ١٣٧]

﴿ قُل سيروا فِي الأَرضِ ثُمَّ انظُروا ﴾

[سورة الأنعام: ١١]

المذيع :
 أخونا طارق تفضل..
 بنو آدم عنده شيطان أو قرين، لا أعرف التفاصيل لكن الشياطين تصفد في رمضان، فما هي الأفعال التي تظهر من هذا الإنسان وتكون سيئة؟ حتى لو كان يصوم ويصلي ويزكي ويخاف الله لكن عنده أفعال سيئة يحاول أن يتخطاها، ولكن تكون في حياته ومن الصعب أن ترجع له، أريد أن أفهم هذه السورة هل الإنسان أم أفعاله أم قرينه؟
 أخي أبو محمد تفضل..
 إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، ما تفسير هذه؟

الإنسان مخير في أن يستمع إلى قرين الخير أو قرين الشر :

الدكتور راتب:
 الجواب قرآني، قال تعالى:

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 22 ]

 للتوضيح شخص يرتدي ثياباً بيضاء جميلة جداً في الصيف، وكل شيء من أعلى مستوى، غالية جداً، وقع في حفرة مياه سوداء آسنة، وانتهت كل أناقته وثيابه، ذهب إلى مركز الشرطة ليشتكي على إنسان، سأله القاضي: هل دفعك؟ قال له: لا والله حرام ما دفعني، هل شهر عليك مسدساً وقال لك: انزل بها؟ لا والله، قال له: هل أمسكك وأنزلك بها؟ قال له: لا والله، قال له: لمَ تشتكي عليه؟ قال: قال لي انزل، هذا يحتاج إلى مستشفى مجانين.

﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم ﴾

[ سورة إبراهيم: 22 ]

 الشيطان ليس له علينا سلطان، لا يمكن أن يكون له علينا سلطان، لكن الشيطان يوسوس وهناك ملك يلهم، عندما أصغيت إلى وسوسة الشيطان ولم تصغ إلى إلهام الملك، كل إنسان يوجد معه قرينان، قرين يأمره بالخير وقرين يأمره بالشر، فالإنسان مخير، إما أن يستمع إلى قرين الخير، أو يستمع إلى قرين الشر، عندما يلغى اختيار الإنسان يلغى وجوده، التغت الأمانة، التغى التكليف، التغى الخير، التغى الشر، التغى كل شيء.
المذيع :
 وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تصفد في رمضان فلماذا نقترف المعاصي؟

تصفيد الشياطين حكمي :

الدكتور راتب:
 الحقيقة التصفيد حكمي، كيف؟ إذا كان هناك بائع خمر بحيّ، وكل أبناء الحي صائمون، وبعدما صاموا تابوا عن الخمر، ماذا يفعل صاحب المحل؟ يغلق محله، ويلغي الموضوع، الإغلاق حكمي، تصفد حكماً، العباد في رمضان تابوا إلى الله، وأقبلوا عليه، واصطلحوا معه، وسعدوا بقربه، لم يعد له عمل.
المذيع :
 من يعصي في رمضان هل هي وسوسة من الشيطان أم ضعف من الإنسان؟

معصية الله في رمضان ضعف من النفس :

الدكتور راتب:
 لا، ضعف من نفسه، الشيطان ليس له سلطان، الشيطان يوسوس، يوسوس في كل لحظة في رمضان وغير رمضان، قال تعالى:

﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾

[ سورة الأعراف: 16-17 ]

 ما قولك؟
المذيع :
 إذا كان يوسوس لنا في رمضان ما المقصود بتصفيد الشياطين؟
الدكتور راتب:
 المسلم عندما صام واستقام ألغى عملهم وكأنه صفدهم.
المذيع :
 أبو محمد تفضل.. إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، ما تفسير هذه؟

من يعبد مصالحه و ذاته ينتهك حرمات الله :

الدكتور راتب:

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثوراً، قيل: يا رسول الله جلهم لنا؟ قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

 أي دينه اجتماعي، أمام الناس يصلي، يخاف على سمعته إذا صلى الناس وثقوا فيه، أعطوه أموالاً للاستثمار، الإنسان أحياناً يتاجر بالدين، وليس ديناً، هؤلاء الذي يتاجرون في الدين إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، لأنه لا يعبد الله يعبد ذاته، يعبد مصالحه، أمام الناس يقول لك: صائم، وقد يكون غير صائم.
المذيع :
 هل هذا هو النفاق؟
الدكتور راتب:
 طبعاً.
المذيع :
 هناك أناس لا تكذب على الله حينما يصلي يصلي بحق، وحينما يصوم يصوم بحق، لكنه كنفس بشرية ضعيفة حينما يخلو بنفسه يذنب، لا يستحضر رقابة الله في كل لحظة، هل ينطبق عليه هذا الحديث؟

باب التوبة مفتوح دائماً على مصراعيه :

الدكتور راتب:
 إذا تاب إلى الله يعفو عنه عما سلف، وقع بالذنب مرة ثانية أيضاً يتوب مرة ثانية، لا يوجد غير التوبة إلى ما شاء الله، يظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً، وحتى الغرغرة، حتى خروج الروح باب التوبة مفتوح على مصراعيه، لكن أول توبة أهون توبة، لمجرد أن تقول: يا رب لقد تبت إليك، يلقى في روعك أن يا عبدي وأنا قبلت، أما عندما يقع في الذنب الذي تاب منه مرة ثانية فهذه أصعب، فأنا أنصح الذي وقع مرة ثانية أن يضيف إلى توبته عملاً صالحاً كصدقة، وقع مرة ثالثة صدقة أكبر، كلما زلت قدمه يرمم توبته بصدقة، لعل الله عز وجل يقبله ويعينه على الاستقامة.
المذيع :
 ما الذي توجب علينا معرفته كمسلمين حينما نتحدث عن العلم الشرعي؟ أي ما الفريضة على كل مسلم أن يتعلمه من علمه الإسلامي الشرعي؟

العلم الشرعي هواء يتنفسه الإنسان :

الدكتور راتب:
 أريد أن أقول كلمة دقيقة أفضل ألا يتوهم أخوتي المستمعون أن العلم الشرعي وردة حمراء توضع على ثياب الإنسان، العلم الشرعي هواء يتنفسه الإنسان، فإذا ما تنفس العلم الشرعي كالنفس تماماً سيقع بالغلط أكيد، سوف يأكل مالاً حراماً، سوف يكذب، سوق يحلف يميناً كاذباً بالبيع أن رأسمالها أغلى، سوف يملأ عينيه من محاسن امرأة لا تحل له.
 طبيب يفحص مريضة، سمح الشرع له أن ينظر إلى مكان المرض، لكن اختلس النظر إلى مكان آخر لا تشكو منه المريضة، من يكشفه؟ ليس على وجه الأرض كلها جهة تستطيع أن تكتشف خائنة العين، قال تعالى:

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾

[سورة غافر: 19]

 أنت تحت المجهر، تحت المراقبة، أنت حينما تعلم أن الله يعلم حلت مشكلتك.
المذيع :
 من الأساسيات التي يطلب من الجميع معرفتها ما يرتبط بفرائضنا الصلاة والصيام؟

الإسلام منهج تفصيلي :

الدكتور راتب:
 هذه عبادات شعائرية يجب أن أتكلم كلاماً دقيقاً، هذه العبادات الشعائرية كأن أقول: بني الإسلام على خمس، الإسلام غير الخمس، الخمس هي الصلاة والصوم والحج والزكاة والنطق بالشهادة، أما الإسلام فهو منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، كسب المال فيه مئات الأحكام؛ إنفاق المال، اختيار زوجة للإنسان، تربية الأولاد، علاقتك بالجيران، علاقتك بمن يشتري من عندك البضاعة، والله مئات الألوف من الأحكام الشرعية، منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، هذا المنهج طلب العلم فيه ضروري جداً، نريد الدين زينة، صورة الكعبة موضوعة، وصورة الحرم النبوي، ومسبحة بيدنا، ومصحف بالسيارة، وما طبقنا شيئاً من الدين، نريد ديناً حقيقياً، نريد أن نخضع للمنهج.
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور نختم حلقتنا بالدعاء؟

الدعاء :

الدكتور راتب:
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم أعنا على الصيام، والقيام، وغض البصر، وحفظ اللسان، وأدخلنا الجنة بسلام، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، إلى هنا مستمعينا ينتهي هذا اللقاء، وحديثنا عن طلب العلم الشرعي، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور