مقدمة :

الدكتور عمر عبد الكافي:
  أحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد؛ حلقة جديدة في: " ديناً قيماً "، مع عالمنا الجليل ومعلمنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، ونحن نسعد فضيلة الشيخ سعادة غامرة يغبطني كثير من الناس.
الدكتور راتب :
 أنا تلميذ تلميذك..
الدكتور عمر عبد الكافي:
رضي الله عنك، و بارك بك، فضيلة الشيخ الناس حينما يستمعون إلى العلماء و الدعاة في قضية الصبر، يمصمص المشاهدون والمستمعون شفاههم إما أعجبوا بالقصة أو النظرية، ولكن عندما يدخل في أتون الامتحان والتجربة يولي الصبر، أي أقول شيئاً واقعياً حدث في فندق من الفنادق ذات النجوم الخمس، عملوا مرة حفلات زواج في خلال ستة أشهر ست عشرة حفلة، فكلف العرس الواحد خمسة ملايين، لن أقول العملة، خمسة ملايين وانتهى، بعد مرور عام أرادت إدارة الفندق أن تعمل احتفالاً لمرور عام على من تزوجوا عندهم بهذه الملايين المملينة، ست عشرة حالة، حضرت حالة واحدة زوج وزوجة، خمس عشرة حالة طلاق في هذا العام، لأن الصبر قد تبخر من البيوت، فنريد أن تحدثنا عن الصبر.

من بنى زواجه على طاعة الله تولى الله التوفيق بين الزوجين :

الدكتور راتب :
إذا بني الزواج على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، و إذا بني الزواج على معصية الله تولى الشيطان التفريق بينهما.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 هو يقول: يا سيدي الشيخ أنا مطيع وأصلي، وهي مطيعة ومحجبة، أنتم تريدون طاعة ماذا؟
الدكتور راتب :
 الصلاة عبادة شعائرية يا سيدي، هناك معاملات دقيقة جداً، الزوجة لها حقوق، وعليها واجبات، الزوج كذلك، يوجد حدود، فنحن عندما نطبق منهج الصانع، هناك تعليمات الصانع هي أحكام الزواج، معاملة الزوجة، الأولاد، التربية، مئات الأحكام التفصيلية في البيت.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 عدم تنفيذ هذه لقلة الصبر؟

عدم تطبيق تعليمات الصانع بسبب الجهل و غلبة الشهوة على المبدأ :

الدكتور راتب :
 أولاً: للجهل، ولغلبة الشهوة على المبدأ، دائماً عندنا صراع بين الشهوات والمبادئ، فالمؤمن يتحرك بشهوته وفق منهج الله، تقريباً عندنا شهوة معينة، أي شهوة لها مئة وثمانون درجة، جاء الشارع الحكيم سمح لنا بمئة وعشر درجات، هذه مباحة، التسعون محرمة، فالمؤمن يبقى في المنطقة المباحة، ضماناً لدينه وعرضه، غير المؤمن يريد أن يمارس هذه الشهوة بالقسم الثاني فيدفع الثمن باهظاً، ما من شهوة أودعها الله فينا إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، والعش الزوجي الأصل فيه السعادة، وأنا أقول كلمة دقيقة: إذا لم يقل الزوج: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، عنده مشكلة مع ربه، هذا بيت إسلامي، معنى هذا أن الصانع الحكيم أعطى تعليمات للزوج والزوجة، إن طبقت هذه التعليمات كان الوفاق بينهما.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 هل لنا أن ننصح أبناءنا وبناتنا إذا كان الصبر، نحن نستمع كثيراً عن الصبر، نحن نريد الصبر في البيوت، لأن البيوت تبنى فيما أرى فضيلة الشيخ لا أدري هل توافقني على هذا الأمر أم لا، أن البيوت لا تبنى على الصبر فقط ولا على العدل، البيوت تبنى على الفضل، على أن يأذن الإنسان بمساحة في فضل الذي أمامه، ويتحرك فيها، مثلاً يقولون في علم النفس: إن المرأة تكون سوية نفسيتها متزنة إذا جاملها زوجها وأبناؤها على الأقل خمس مجاملات في اليوم، أين هذا البيت الذي فيه خمس مجاملات في اليوم؟

بناء البيوت على الفضل و العدل :

الدكتور راتب :
والله دكتور في علم النفس كان أستاذنا يقول: ما لم يضم الطفل الصغير إلى صدر أمه عشرين مرة باليوم هناك مشكلة نفسية معه.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 ووالده الموجود في البيت؟
الدكتور راتب :
 إذا قال الزوج لزوجته: إني أحبك، ماذا يحدث؟ لا يحدث شيء أبداً، سيدي الإنسان عندما يكون مع الله يلهم الصواب، إذا كان مع غير الله يلهم الأخطاء الكثيرة.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 هل الأخطاء فيها إلهام؟
الدكتور راتب :
 وسوسة.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 الصبر له مفتاح، الصبر مبنى وأنا أريد أن أدخل بيت الصبر، وأريد أن أكون صابراً، وأكون من الصابرين، والذي يوفون أجرهم بغير حساب، الصبر صعب.

ثقة الإنسان المطلقة بحكمة الله تدفعه إلى الصبر :

الدكتور راتب :
 لكن له قاعدة سيدي، كل شيء وقع في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة أراده الله، لا تعني أنه أمر به، ولا فرضه، ولا رضيه، لكنه سمح به، بالضبط فأنا حينما أرى أن هذا الفعل سمح الله به معنى هذا أن هناك حكمة قد تغيب عني الآن، فأنا لثقتي بحكمة الله ورحمته وعلمه وعظمته أنا أستسلم لهذا الشيء دون أن أفهم الحكمة، لكنني أفترض أن لها حكمة.

أخطاء الأبناء تنسب إلى الآباء و الأمهات :

الدكتور عمر عبد الكافي:
هو يواجه بسلوك معين، نحن مازلنا داخل بيت الصبر وبيت الزوجية، مثلاً هو دخل البيت فرأى أبناءه وهم يهللون بوصول أبيهم، يحصل لهم إحباط من الأم الغاضبة من الليلة السابقة، تقول ماذا هناك؟ رئيس الدولة وصل أم الملك أم الأمير؟ هو في هذه المنطقة ملك وأمير حقيقة، هذا الإحباط تسحب من الرصيد دون أن تدري، ساعة الود لا يوجد رصيد تسحب منه.
الدكتور راتب :
 مثل آخر لو سمحت لي؛ ذهبت الأم مع ابنتها لتزور الجيران، و أطالت الجلوس، عادت متأخرة والطعام غير جاهز، جاء الزوج غاضباً، أين كنتم؟ قالت له: لم نذهب إلى أي مكان، هذه الصغيرة شربت الكذب من أمها، تكلمت بخلاف الواقع، فالحقيقة أنا أرى أن كل أخطاء أطفالنا تنسب إلى الآباء والأمهات، بشكل أو بآخر.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 نحن إذاً لا نصبر على التربية، الصبر إذا كان عن المعصية فالنفوس الطيبة تصبر عن المعصية، لكن الصبر على الطاعة وحسن التعامل، هذا شيء لا يفعله إلا الكبار، كيف نتعلم هذا؟

الحكمة أحد أكبر ثمار الإيمان :

الدكتور راتب :

﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

 الحكمة لا تؤخذ، لا يوجد إنسان كنت حكيماً، قال تعالى:

﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 269 ]

 أحد أكبر ثمار الإيمان الحكمة..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 وضع الأمر في نصابه..
الدكتور راتب :
 معاملة الزوجة بحكمة بالغة، والله هناك حالات من الخطأ في البيوت لا تحتمل، بحكمة الزوج أصلح الموضوع.

لكل إنسان شخصيتان ظاهرة و مستترة :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 من تعاملات الإنسان سنوات طويلة ثم من القراءات ثبت لي أن لكل إنسان شخصيتين، شخصية ظاهرة يتعامل فيها مع الناس، وشخصية مستترة تظهر في الوقت المناسب، فأحياناً تكون المرأة وديعة في بداية الزواج، أو يكون الرجل هادئاً في بداية الزواج، بعد سنتين أو ثلاث تتقلب الأمور، وتقلب عليه الأمور والمناورات والمناوشات من هنا، ووضع أنوف الآخرين من أسرة ألف، أو أسرة باء في هذا البيت، وهذه المؤسسة، تظهر شخصيات أخرى، فإذا جلسنا لنصلح بين الطرفين تقول: يا سبحان الله هؤلاء الذين زوجناهم من سنتين أو ثلاث؟ الشخصية الثانية يجب أن يستعد لها الطرف الأول عندما تظهر، حتى قال أبو بكر في طريقه إلى سقيفة بني ساعدة: كنت أعلم أن عمر فيه حدة، وكنت أجهز كلاماً لأقوله عندما يحتد، ويقول عمر: كنت أعلم أن في أبي بكر حدة، وكنت أجهز كلاماً عندما يحتد، إذاً الشخصيات متكاملة إذا كان هذا بين الصحابيين الجليلين قدوة لنا يكون بين الزوجين، أي إذا احتد تهدأ سبحان الله.
 يقول الغرب: الرجل إذا غضب يتقوقع، التنين دخل إلى الكهف، المصيبة في حرم التنين أنها تريد أن تخرجه من الكهف، هل عندما يخرج سيأخذها بالحضن، لا، سوف يعمل لها مصيبة، لا يوجد صبر، تصبر حتى التنين يخرج لوحده، اتركيه يوم إلى أن يهدأ، لا تتابعه.

كلّ مشكلة تحتاج إلى صبر :

الدكتور راتب :
 أنا أقول: هناك مشكلة تحتاج إلى صبر قليل، خرج من البيت يرجع بعد يوم أن يومين يرمم الأمر، أو صار هناك مناسبة، أما فجأة كما تفضلت فهذا صعب، الرضا فجأة صعب يحتاج إلى فترة.
الدكتور عمر عبد الكافي:
هذه مبنية على الصبر، يقال أن عنترة حينما قيل له: أنت أشجع العرب، قال: لا، إنما القضية قضية صبر، قالوا: كيف؟ قال: هاتوا لي شخصاً قوياً، جاؤوا بإنسان قوي شجاع، فقال له عنترة: أنا أضع سبابتي بين أسنانك، وتضع أنت سبابتك بين أسناني، وكل يضغط على سبابة الآخر، فضغط عنترة وضغط الآخر، حتى قال الذي أمام عنترة: آه، قال عنترة: لو صبرت لحظة لقلتها أنا، مسألة صبر، لكن الذي يدمر البيوت تبخر الصبر، ولذلك طرفة حدثت مع أحد الدعاة في أوروبا بارك الله فيه، من تلاميذنا الفقهاء، قال له: يا شيخ ما حكم الطلاق المكره؟ قال له: مكره ماذا؟ قال: زوجتي وضعت رجلها على النافذة في الطابق العشرين إما أن تطلقني وإما أن ألقي نفسي في الشارع، والسلطات تقبض عليك على أنك دفعتني، فقال له الشيخ: ماذا عملت؟ قال: طلقتها، قال له: يا بني لماذا طلقتها؟ المسألة تحتاج لصبر، تقول له: إن كنت رجلاً فطلقني، يقول: أنا رجل وابن رجل، حتى تهدأ الأمور، هي عندما تطلب الطلاق ويطلقها، أنت مجنون، أنا أقول لك: طلقني تطلقني؟!
الدكتور راتب :
 أعظم عطاء الحكمة في معاملة الزوجة، والزوج كذلك.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 لذلك قال عمر رضي الله عنه لمن طرق بابه ووجد زوجة عمر تعنفه، قال: طباخة لطعامي، غسالة لثيابي، مربية لأولادي، أعف نفسي بها عن الحرام، وإن صبرت على سوء خلقها أدخلني الله الجنة، فلما لا أصبر عليها؟ ولما تحمل الصحابة والصالحون ثمرة العافية هانت عليهم مرارة الألم، فالإنسان تهون عليه مرارة الألم إذا..
الدكتور راتب :
 قال تعالى:

﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

خاتمة و توديع :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 نسأل الله أن يأتينا الحكمة جميعاً مع المشاهدين والمشاهدات، شكر الله لكم حسن إصغائكم، وشكر الله لأستاذنا الجليل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.