وضع داكن
18-04-2024
Logo
تركيا - ديناً قيماً 2 - الحلقة : 02 - الصدقة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور راتب :
  مع لقاء جديد في برنامج: " ديناً قيماً " وبصحبة العالم الجليل والداعية الكبير عمر عبد الكافي، نبدأ هذه الحلقة، والموضوع حول الصدقة، فبارك الله بكم جميعاً..

المال مال الله والخلق عيال الله :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 أهلاً وسهلاً فضيلة الدكتور، أحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم.
يقول بعض الفلاسفة الكبار: الحيوان خطير حينما يجوع، والإنسان أخطر عندما يشبع، إذا لم يتصل الإنسان بقيم السماء فإنما يأخذ ما كتب الله له وما كتب لغيره، أو ما أمره الله به، أي لا ينسى أخوانه في حقوقهم، ويظن أنه إذا بخل واستغنى أنه فائز في الدنيا، قضية أصحاب الجنة هذه قضية عالمية، قال تعالى:

﴿ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴾

[ سورة القلم:17-18 ]

 أي الفقراء:

﴿ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ﴾

[ سورة القلم:24 ]

 ثم دائماً الحرام والخطأ يصنع من وراء الكواليس، قال تعالى:

﴿ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ ﴾

[ سورة القلم:25 ]

 وذهبوا ليلاً فكأنهم ضلوا الطريق، قال تعالى:

﴿ قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾

[ سورة القلم:26 ]

 لأنهم ليسوا كذلك، قال تعالى:

﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾

[ سورة القلم:19 ]

نائمون عن ماذا؟ نائمون إما حقيقة، أو نائمون عن حقائق وأمور أن الذي أغناهم والذي أعطاهم إنما قال لهم: يا فلان أنت لك هذه الألف، بها خمسة وعشرون هذا حق أخيك فلان، فلما أخذ الألف كلها جمع الحرام على الحلال ليكثره، دخل الحرام على الحلال فبعثره، فلما بخل واستغنى محق الله عز وجل هذه الجنة، هكذا ينطلي على الدول والمجتمعات إذا بخلت ونسيت حظ الفقير، نسيت هؤلاء اللاجئين، والذين تعرضوا للأعاصير، أو للفيضانات، أو للتهجير بسبب أو بآخر سبحان الله يمحق الله البركة، لأن المال مال الله، والخلق عيال الله، فكيف يبخل الغني الذي آتاه الله من فضله على أخيه الفقير؟ فالقضية كل القضية أن هذا الإنسان الذي ينسى موضوع الصدقة هو إنسان يتصدق على نفسه، ليست القضية أنه يتصدق على الغير، لا ليس الغير سبحان الله! لأنه يتصدق على نفسه، لا أدري هذا الإنسان عندما يبخل بالمال يبخل بمال من؟ لأنه نزل من بطن أمه لا يملك لا فتيلاً ولا نقيراً ولا قطميراً، ورب العباد الذي أعطاه قال له: انظر إلى هذا؟ الله عز وجل جعل ميزاناً في الكون قوت الفقير في فضل مال الغني، فما جاع فقير إلا بتخمة غني، وهذا الغني لم يتمتع بما جمع، فقد يأتيه الموت فجأة، وقد تأتيه جائحة، تحدث أزمة عالمية، خبطة كبيرة في البورصة، فالإنسان يجب أن يتنبه، فلذلك سبحان الله وجب على الدعاة، وجب على المخلصين، وجب على العلماء، وجب على الزوجات والأولاد أن ينبهوا الآباء، وأن ينبهوا ولي الأمر على قضية الزكاة هذه والصدقة، لأن سبحان الله:

((...وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا... ))

[ ابن ماجه عن ابن عمر]

 لكن القضية هل البخيل أو الغير متصدق لا يرى هذا أمامه على الشاشة أم ماذا؟ ما الذي يغويه فيتعامى عن حق الفقراء؟ ما الذي يتخيل له؟

 

العاقل من يدخل الموت في حساباته :

الدكتور راتب :
 فيما أتصور أستاذنا الجليل يقع على رأس الهرم البشري زمرتان هم الأقوياء والأنبياء، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء يمدحون في غيبتهم، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي، فطوبى لمن كانوا من أتباع الأنبياء، هذه الدنيا زائلة، الدنيا ساعة اجعلها طاعة، فالإنسان أنا أعجب أشدّ العجب اشترى بيتاً، تزوج، أمّن كل أموره الدنيوية، لكن فاته موضوع الموت، هذا ينتقل من كل شيء إلى لا شيء مبدئياً، غير الحساب والعذاب، أما الإنسان إذا لم يدخل الموت في حسابه فعنده مشكلة كبيرة مع ربه.
 أحد الصالحين في بعض المدن حفر قبراً في بيته الكبير- بيت عربي كبير- كان يضطجع فيه كل يوم خميس ويتلو قوله تعالى:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

العمل الصالح علة وجود الإنسان بعد معرفة الله :

 الحقيقة يوجد مصطلح دقيق هو علة الوجود، إنسان أرسل ابنه إلى باريس ليدرس في جامعة السوربون، باريس مدينة عملاقة، فيها متاحف، فيها معاهد، فيها مسارح، فيها دور سينما، فيها أسواق، فيها جامعات، نقول: هذا الطالب علة وجوده في باريس هي الدراسة، أنا أتصور قياساً على هذا أن الإنسان علة وجوده الوحيدة بعد معرفة الله العمل الصالح، وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، والعمل الصالح من شروطه الإخلاص والصواب، ما كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، لذلك علة وجود الإنسان عند الله العمل الصالح، يصلح للعرض على الله، وحجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح، قال تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

الدكتور عمر عبد الكافي:
 الصدقة في أي المواقع؟ تقع في سلم العمل الصالح؟

 

الصدقة تؤكد صدق الإنسان :

الدكتور راتب :
 من اسمها سيدي تؤكد صدق الإنسان، هناك أعمال كثيرة لا تكلف شيئاً، أحياناً لباسه، بيته، ترتيباته، مركبته، هذه أشياء لا تقدم ولا تؤخر، لكن الصدقة فيها إنفاق، والله عز وجل أودع فينا حب المال، هذه الشهوات في الحقيقة هناك من يذمها دائماً، لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسموات، الشهوة قوة دافعة، بالضبط كالمحرك في المركبة، أما المقود فللشيوخ، والشرع هو الطريق، فالبطولة أن تنطلق هذه السيارة بقوة المحرك وبقيادة العلماء على منهج الله الشرعي.

 

ضرورة الارتقاء بحسّ الأمة و حسّ الأغنياء :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 الذين جاؤوا أيام أبي بكر، وفي أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومنعوا الزكاة لهم أحفاد اليوم، أي ردة وليس لها أبو بكر، هؤلاء الذين منعوا الزكاة عن مستحقيها وقاتلهم أبو بكر قتالاً عنيفاً، وجيش أحد عشر جيشاً تحت القيادة العامة لخالد بن الوليد، القضية ماذا نقول لأحفاد هؤلاء الذين يعيشون بيننا وعندهم من المليارات والملايين المملينة ما يغنون به؟ مثال بسيط، كل الدول المسلمة معرضة لأشياء كثيرة، معرضة لزلازل، لكوارث، معرضة لتهجير، لحرب أهلية، معرضة لأي شيء من هذا القبيل، هلا وضع القادرون بأموالهم في ذهنهم أنها قد تأتي جائحة لهم فيحموها بأن نعمل صندوقاً نسميه صندوق الأزمات، هذا الصندوق أقترح أنا على الأمة أن يضع كل مسلم من المليار والسبعمئة مليون دولاراً واحداً في كل يوم في هذا الصندوق، قد لا يستطيع مئات الفقراء، لكن الغني يستطيع أن يضع عشرة أو مئة دولار يومياً، بالنيابة عن بقية عائلته أو أسرته، آخر العام أنا حصلت على مبلغ ما شاء الله مليارات، هذا يوضع تحت جامعة الدول العربية، منظمة الدول الإسلامية- الأربعة والخمسون دولة- عندما تحدث مصيبة لشعب من الشعوب لا ننتظر حتى نتكفف الحاجة من هنا ومن هناك، ما الذي يرقى بحس الأمة وبحس الأغنياء؟ أنا أعرف دولة فيها تقريباً خمسة عشر مليون شاباً وشابة فوق سن الثلاثين لم يتزوجوا لقلة الإمكانيات، عمر بن عبد العزيز ألم ينفق من ضمن بيت المال على من لا يستطيع أن يتزوج أو عليه دين أو هكذا؟ حتى أنه اشترى غذاء ووزعه على الجبال، حتى لا يقال إن في زمن عمر بن عبد العزيز أو في زمن المسلمين الطيور قد جاعت، متى نزكي هذا الحس عند هؤلاء القوم؟ هل نعلّم الولد من صغره والبنت من صغرها على حبّ العطاء؟ الولد عندما تركز الأم عليه وهو يلعب مع أخوته الصغار يحب أن يستأثر باللعب لنفسه، يحمي لعبته في الخزانة، لكن يريد أن يلعب بلعبة أخيه، يريد أن يقتنص مصروف أخيه ولا ينفق هو، هذه الأم يجب أن تلاحظ هذا الولد، هذا بخيل المستقبل، الولد عندما يكون مستأثراً على أخوته والعياذ بالله نحن نصنع طاغية جديداً، عاهة من ضمن العاهات، ألا تلفت انتباهنا مثل هذه؟
الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الإسلام دين الفطرة، أي أمر أمر الإنسان به برمج وولف على محبة هذا الأمر، وأي نهي نهانا الله عنه برمج وولف على كراهيته، والدليل قال تعالى:

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾

[ سورة الحجرات: 7]

الدكتور عمر عبد الكافي:
 فضيلة الشيخ كل الناس أم لطائفة المؤمنين؟ هناك شخص لا يحب الإيمان، ولا يحب المساجد، ولا يحب الشيخ راتب، ولا يحب الشيخ عمر، مثلاً والكل يحبك، أقصد هل حبب الإيمان لكل البشر أم لطائفة من البشر؟

 

كلّ إنسان في كيانه فراغ للإيمان شاء أم أبى :

الدكتور راتب :
 سيدي أنا أقول كلمة وسطاً هي الفطرة، قال تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم : 30]

تقيم وجهك للدين حنيفاً هذا ما فطرت عليه، لذلك أحياناً الذي لا يؤمن بالله أصلاً قد يعمل عملاً كبيل كيت مثلاً دفع ثلاثين بالمئة من ثروته، لأن في كيانه فراغاً للإيمان شاء أم أبى، هناك من يعمل أعمالاً صالحة بدافع الحاجة إلى التوازن، الإنسان إذا لم يعمل عملاً صالحاً يحصل عنده انهدام بكيانه، لذلك أحياناً أناس أغنياء جداً يتصدقون أو يدفعون شيئاً من أموالهم حتى يحصل عندهم توازن.

 

خاتمة و توديع :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 لذلك أولادنا الفنيون والمخرجون مفطورون على حبّ إنهاء الحلقات فيشيروا إلينا أن الحلقة فطرت وانتهت، جزاك الله خيراً.
الدكتور راتب :
 سعدنا بكم كثيراً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 جزاك الله خيراً، وجعلنا وإياكم من المتصدقين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور