وضع داكن
29-03-2024
Logo
ندوة : 1 - الوسطية والاعتدال في الدين.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، صلى الله عليك يا حبيب الله، صلى الله عليك يا خير من خلق الله، قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 أخواني أخواتي؛ أعزائي المشاهدين؛ خير ما أحييكم به في هذا اللقاء المبارك تحية الإسلام، تحية من عند الله طيبة مباركة، قال تعالى:

﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ﴾

[ سورة الأحزاب: 44 ]

 فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، مرحباً و أهلاً بكم في عدد جديد متجدد من برنامجكم الأسبوعي:" لقاء الجمعة "، لقاؤنا في هذا الأسبوع المبارك لقاء مميز لتميز ضيفه الذي حلّ علينا، يحل علينا في هذا اللقاء ضيف عزيز علينا هو محب الجزائر، هو عالم من علماء الأمة، هو علّامة الشام فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بك دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، و أعلى قدركم.
المذيع:
 جزاكم الله خيراً شيخنا على قبولكم للدعوة أولاً لزيارتكم للجزائر، وثانياً بقبولكم دعوة قناة البلاد في هذا اللقاء المبارك.
الدكتور راتب :
 الدعوة سنة أما الاستجابة ففرض، من دعي ولم يلبِّ فقد عصى أبا القاسم.
المذيع:
 بارك الله فيك شيخنا، والجزائر كلها تفتح ذراعيها لكم حباً لكم.
الدكتور راتب :
 وأنا أحبها كذلك.
المذيع:
 شيخنا الفاضل قد لا يخفى على أحد منا ما تعانيه الأمة من تشرذم وتمزق وانحطاط في هذه السنوات الأخيرة خاصة، نحن في هذا الوقت كثيراً ما نحتاج إلى خطاب يجدد فينا الثقة، يجدد فينا الأمل بغد مشرق إن شاء الله تعالى.
 بادئ ذي بدء كما تقول شيخنا ألا تظن أن انحطاط أمتنا ربما يكون من أكبر الأسباب التي أدت إلى ذلك بعدنا عن الوسطية والاعتدال، بعدنا عن الدين من حيث الإفراط أو التفريط، الكلمة إليكم شيخنا.

 

أسعد الناس من عالجه الله في الدنيا فاستحق الجنة :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الطبيب إذا جاءه مريض يعاني من التهاب معدة حاد، يأمره بحمية قاسية جداً ستة أشهر، والشفاء مؤكد، أما إذا جاءه مريض معه ورم خبيث منتشر يقول له: كُلْ ما شئت، أيهما أفضل أن نخضع لحمية قاسية جداً لعلم الله بنا أن هناك خيراً كامناً فينا وسوف يتفجر طاقات وعمل صالح أم يقال لنا خذوا الدنيا كما تريدون؟ قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 44]

 أنا أتمنى أن أعالج في الدنيا، وأن أصل إلى نهاية الحياة طاهراً مطهراً:

(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحبّ أن أرحمه، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه))

[ ورد في الأثر ]

 فإذا انتهى بنا المطاف مع معالجات إلهية حكيمة ومتنامية إلى الطهر الكامل واستحقاق الجنة نحن من أسعد الناس.
المذيع:
 أستاذنا الله عز وجل يقول:

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾

[ سورة البقرة: 143]

 فيم تتجلى هذه الوسطية شيخنا؟

 

الوسطية هي الجمع بين الدنيا و الآخرة :

الدكتور راتب :
 والله كل شيء له حد أعظمي وحد أصغري، وكأن الفضيلة وسط بين طرفين، الكرم، إتلاف المال خطأ والبخل خطأ، بينهما الكرم، كل صفة بالإنسان فيها نهاية عظمى ونهاية دنيا، والحق في الوسط، قال تعالى:

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾

[ سورة البقرة: 143]

 أي جمعنا بين الدنيا والآخرة، يوجد أديان آخرة فقط، وأديان دنيا فقط، جمعنا بين الدنيا والآخرة، وبين الشهوة والعقل، كل الأشياء المتقابلة نحن في الوسط وهذا أكمل شيء، الكمال المطلق في الوسط، أحياناً يكون الإنسان موقعه بمسافات واحدة مع كل الأطراف، هذه الوسطية، لا يوجد انحياز.
المذيع:
 أستاذنا لو نتطرق إلى هذه الوسطية، ربما قد يخفى على كثير منا أن الوسطية تتجلى في عدة مجالات، بشمول الإسلام وبعدل الإسلام، هل يستطيع أن يقتصر فهمنا للشمولية في العبادات فقط أم في الشعائر التعبدية فقط؟

 

الإسلام وسطي في كل شؤونه :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الإسلام وسطي في كل شؤونه، في التشريع، في العبادات، في المعاملات، في الأعمال الصالحة، إتلاف المال خطأ، إنفاق المال كله خطأ، عدم الإنفاق خطأ، المودة غير المعقولة بلا مهددات، بلا أسباب موضوعية خطأ، تنقلب إلى عداوة أحياناً، فالإنسان عندما يكون عنده نور من الله.

الحكمة أكبر مكافأة للمؤمن من ربه :

 النقطة الدقيقة جداً أكبر مكافأة للمؤمن إذا أخلص في دينه أن الله يلهمه الحكمة، الحكمة أكبر عطاء إلهي، بالحكمة تجعل العدو صديقاً، وبالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، بالحكمة تجعل العدو صديقاً، ومن دون حكمة تجعل الصديق عدواً، بالحكمة تتدبر أمرك بمال محدود، من دون حكمة تتلف المال الكثير، كأن أكبر عطاء إلهي هو الحكمة، إلا أنها لا تؤخذ ولا تكون بلا سبب، قال تعالى:

﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

 هي مكافأة من الله، أكبر مكافأة للمؤمن ألهمه الحكمة بين أمه وزوجته، لو انحاز إلى زوجته أغضب أمه، لو انحاز إلى أمه أغضب زوجته، بينهما، أنت حينما تقف الموقف الكامل المعتدل الوسطي بين الطرفين دائماً تكون حكيماً، وهذا يكون فضلاً عن اختيارك أن تكون حكيماً بمعونة الله عز وجل.
المذيع:
 أستاذنا كما قدمت في مقدمتي أمتنا تعاني الويلات، بظنكم أو برأيكم ما هو الخطاب الذي يجب أن يكون في هذا الوقت كي نعيد الأمل في القلوب؟

 

ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة :

الدكتور راتب :
 أنا مؤمن إيماناً قطعياً أنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، أما أنني أفهم ظروفاً خارجية، الله بيده كل شيء، إذا كنت تقول: هناك ظروف خارجية، هناك جهات قوية جداً مجرمة، هذا الكلام يقال أحياناً، لكن لو تعمقنا الله هو إله مع البشر كيف سمح لهؤلاء الأقوياء ان ينالوا منا؟ كن مع الله تر الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟

كن مع الله تر الله معك  واتـرك الكل وحاذر طمعك
و إذا أعطـاك من يمنعه  ثم من يعطـي إذا ما منعك؟
* * *

المذيع:
 شيخنا الحديث معكم شيق، قبل أن أختم هذا اللقاء ولقد اقتطعنا الكثير من وقتكم الغالي عندي سؤالان أريد أن أطرحهما عليك، لماذا تحبون الجزائر؟

 

ميزات مدينة الجزائر :

الدكتور راتب :
 والله أنا أشعر أن هذا البلد عانى من الاستعمار القاسي غير المعقول مئة وثلاثين سنة وانتصر، عنده اعتزاز، انتصر على دولة عظمى لا تعرف الله أبداً، واعتمدت القسوة البالغة، ثلاثة وأربعون ألفاً قصفوا، واثنا عشر ألفاً في بعض أحياء الجزائر، هذه القسوة البالغة هم صبروا وتحملوا وانتصروا، هذا أورثهم شيئاً من العزة والكرامة، أنا أراها دائماً في معاملاتهم، هذه نعمة كبيرة جداً، والحقيقة انتصار الأخوة الجزائريين على فرنسا كان بادرة جيدة، هذا من بعض ميزات هذا البلد الطيب.
 وأنا والله أحبّ هذا البلد أشعر أن- وهذه أهم نقطة - التدين في هذا البلد ليس تهمة تحاسب عليها، هذه نعمة كبيرة، وهذا البلد فيه أطياف، ليس بين طيفين أحقاد تاريخية، كما في بعض الدول، ثم هناك دولة قوية تحاسب وتعاقب ولا يوجد عندها قتل، ثلاث نعم، هذه النعم ألفت فنسيت، النبي صلى الله عليه وسلم نبهنا أن نشكر النعم التي ألفت، أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها، حينما تزول النعمة تراها صارخة، أما هي فموجودة، زوج له زوجة صالحة، سافر إلى أمريكا، غاب شهرين، لا يخطر في باله لثانية واحدة أن هناك رجلاً أجنبياً دخل بيته، هذه نعمة كبيرة، لكنه ألفها فنسيها، النبي صلى الله عليه وسلم تمنى علينا أن نشكر النعم المألوفة، أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها، أنا أقول: قبل أن تتكلم بالسلبيات، الإيجابيات درستها؟ في كل بلد يوجد إيجابيات، الإنسان يمشي آمناً في الطريق، هذه نعمة كبيرة، يوجد حق وباطل، والأخطاء موجودة أينما كان، لكن المشكلة بنسب الأخطاء، بين أن تكون نسب الفساد عشرة أو عشرين بالمئة وبين أن تكون تسعين بالمئة، هنا المشكلة.
المذيع:
 أستاذنا برأيكم ما السر وأنتم تجوبون مساجد الجزائر ما السر في ذلك الإقبال الهائل للمصلين رجالاً ونساء وولداناً على محاضرتكم؟

 

سرّ إقبال الناس على الدين هو حاجتهم إلى خطاب ديني ناجح :

الدكتور راتب :
 أشعر أن الإنسان بحاجة إلى خطاب ديني ناجح، الدين توقيفي لا يزاد عليه، إن زدت عليه اتهمته بالنقص، ولا يحذف منه، الخطاب الديني خطاب توفيقي، خطاب وسطي، خطاب يجمع لا يفرق، يقوي ولا يضعف، هذا الخطاب هو المشكلة الأولى في حياتنا، الدين ثابت لا يتغير، أين التجديد؟ في الخطاب الديني، وبعضهم قال: التجديد في الخطاب الديني أن تنزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، هذا التجديد، وأن تخاطب عقل الإنسان وقلبه معاً وجسمه، العقل غذاؤه العلم، والقلب غذاؤه الحب، والجسم غذاؤه الطعام والشراب، الذي اشتري بمال حلال، الإنسان إذا غذى عقله وقلبه وجسمه تفوق، إذا اكتفى بواحدة تطرف.
المذيع:
 أستاذنا سؤالنا الأخير ما هي نصيحتكم للجزائريين وللشباب خاصة كي نحافظ على هذه النعم، ونحافظ على وحدتنا، ونحافظ على بلدنا؟

نصيحة لأبناء الجزائر للمحافظة على وحدتهم و بلدهم :

الدكتور راتب :
 أنا أريد خطاباً دينياً غير متطرف، خطاباً دينياً وسطياً للشباب كي يقنعوا بالدين، إذا الشاب سمع خطاباً دينياً متطرفاً، فيه تطرف كبير يرفض الدين دون أن يقصد، إذا جاءه خطاب متوازن يحقق له سعادته في الدنيا، واستقراره، وفرصة عمل، وزواج صالح، ومسكن، هذا الشاب هذه طموحاته، وطموحاته متواضعة جداً، يريد فرصة عمل، يريد زواجاً، يريد مسكناً عبارة عن ستين متراً، أعطيت هذا الشاب كل طموحاته صار قوة بيد الأمة، إذا كانت الطرق مسدودة صار هناك تطرف، تطرف تفلتي إباحية، وتشددي تكفير وتفجير، أبداً، إما أن تعطي هذا الشاب طموحه الطبيعي المعتدل الوسطي، فرصة عمل، وبيت، وزوجة، أو يتطرف، إذا تطرف عنده تطرف تشددي التكفير والتفجير، أو تفلتي الإباحية.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 جزاك الله خيراً على تلبيتكم للدعوة.
الدكتور راتب :
 أقل واجب.
المذيع:
 جعلها الله في ميزان حسناتك أستاذنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 وألهمكم الله الصحة، ما أحوج الأمة لعلمائها.
الدكتور راتب :
 نرجو الله أن نكون كذلك.
المذيع:
 جزاكم الله كل خير أخواني أخواتي، إن شاء الله نكون استفدنا من هذا اللقاء المبارك مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أجدد تشكراتي له على تلبيته للدعوة في هذا اللقاء المبارك لقاء الجمعة مع قناة البلاد، كما أشكر كل من ساهم من قريب وبعيد في إنجاح هذا اللقاء المبارك، وعلى رأسهم هيئة الإعجاز العلمي فرع الجزائر.
 أخواني أخواتي؛ نلتقي في لقاءات متجددة من موعدكم الأسبوعي لقاء الجمعة إلى ذلك الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور