وضع داكن
19-04-2024
Logo
محفوظات - مقدمات الكتب : 38 - مقدمة كتاب الشباب في الإسلام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة كتاب الشباب

 ينظر المسلم أحيانا يمنةً ويسرةً فيجد نفسه ضعيفاً، أو يجد نفسه مستضعفاً، لا يملك أن يمنع هذه القوى المخيفة التي تتحرك لتقضي على الإسلام، لكنه يملك أن يربي أولاده والإنسان إذا أراد ألا يموت، فعليه بتربية أولاده تربيةً إسلاميةً.
 هؤلاء الأولاد هم شباب المستقبل والشباب هم أمل الأمة في النهوض من كبوتها.

إلى الآباء كلمة:

 أما الآباء فلهم هذه الكلمة: لا شكَّ أن مهمة تربية الأولاد صعبة، لكن ما من عملٍ أعظم ولا أجدى ولا أدوم في حياة المؤمن من أن يربِّي المرء أولاده، فهم بضعةٌ منه، هم ثمرة قلبه، هم استمرار وجوده، وهناك آباء على مستوىً عالٍ من الفهم، وعلى مستوىً عالٍ من الكمال، وعلى مستوىً عالٍ من الإيمان، لكنَّهم يَشْقَون بشقاء أولادهم يوصيكم الله في أولادكم
فالابن يحتاج إلى انتباه شديد وهو في سنٍ صغير، ويحتاج إلى وقتٍ مديد، إلى معاينةٍ، إلى مراقبةٍ، إلى توجيهٍ، إلى وعظٍ، إلى اصطحابٍ، يحتاج إلى جهد كبير.. لكن والله الذي لا إله إلا هو، حينما ترى ابنك كما تتمنى ديناً وصلاحاً واستقامةً وتفوّقاً تشعر بسعادةٍ ما بعدها سعادة.
 الشاب هو ثمرة ذلك الابن الصغير في كنف والديه ولقد ورد في الأثر أن الابن الذي يهمله أبوه ويستحقُّ دخول النار، يقف بين يدي الله عزَّ وجلَّ ويقول: يا رب لا أدخل النار حتى أُدْخِل أبي قبلي، لأنَّه كان لي في دخولها سبباً.
 هذا الكلام سهل.. إلقاؤه سهل، واستماعه سهل، لكن من حباه الله منكم بأولاد، لا يجب أن ينشغل عنهم لأنه إذا شب أحدهم في غفلةٍ منه، ولم يتلقَّ التوجيه الكافي، يتفلَّت من بين يديه ولن يستطيع أن يفعل معه شيئا فهو لا يستمع، ولا يرعوي، ولا يصغي، ولا ينتبه، إلى أن يصبح هذا الشاب عبئاً على أهله، فلذلك كل أخٍ عنده أولاد يجب أن يمضي جزءاً من وقته في تعريفهم بالله، في إكرامهم، في ملاطفتهم، في التحبُّب إليهم كي يشبوا كما يرضي الله عز وجل.
 الكلمة مؤلمة التي يجب أن نسمعها جميعنا: نحن لا نملك سوى بيوتنا، فهل تملُك أن تغيِّر شيئاً في العالم ؟ لا تملك، إذا لا يوجد بأيدينا سوى هذا البيت الذي هو مملكة المؤمن فعليك أن تقيم فيه الإسلام.

إلى الشباب كلمة:

 طلب الحقيقة حاجة علينا لدى الإنسان
أما الشباب فأقول لهم: أكبر مشكلة تواجه شبابنا اليوم مشكلة العولمة، فنحن كمسلمين معنا منهج السماء، نحن معنا تعليمات الصانع، نحن معنا منهج حكيم من عند خالق الكون، لكن الغرب يطلع علينا بمؤتمرات يريدون من خلالها أن يكون الزواج لا بين رجل وامرأة ولكن بين شخصين، مطلقاً، يريدون أن تكون المرأة حرة في أن تسكن في بيت غير بيت زوجها، وأن تسافر إلى حيث تشاء، وأن تعمل أي عمل تشاء، ولا سلطان للزوج على زوجته، يريدون الإجهاض الآمن وغيرها من الأمور الخطيرة على مجتمعاتنا، هذه عولمتهم يريدون أن يعمموها على الشعوب المسلمة، على الشعوب التي معها منهج الله، على الشعوب التي معها وحي السماء، فكيف يجابه شبابنا هذا الغزو الثقافي؟ لا يجابه إلا بالتسلح بالعلم، فأنت كشاب حينما تعرف الحقيقة ولماذا أنت في الأرض كأنك ملكت الدنيا فطلب الحقيقة حاجة عليا لدى الإنسان، وأنت حينما تعرف أنك مخلوق لحمل رسالة كبيرة تشعر بقيمتك في الحياة.
 ولكن قد يقول قائل: ماذا نأخذ من الطرف الآخر وماذا ندع؟ أنا أقول لك شاب: خذوا ما في عقولهم، ودعوا ما في نفوسهم، إحساسنا ملكنا، وإحساسهم ملكهم، بينما الثقافة قدر مشترك بين كل الشعوب، وإن ثقافة أي أمة هي بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مرّ الأجيال، وهل إذا لدغتنا جماعة من النحل نقاطع عسلها؟ نأخذ ما رؤوسهم، نقوي بلدنا، نقوي أمتنا، نأخذ علمهم، وندع أخلاقهم، وقيمهم، وإباحيتهم، وثقافتهم، وضياعهم، وانحلال أسرهم، وتفككهم.

إلى المجتمعات الإسلامية كلمة:

 وأما المجتمع فله دور مهم في إعفاف الشباب وتحصينهم وأقول للمجتمع: الشباب باكورة الأمم، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالشباب خيراً، وإن أية أمة تريد أن تتقدم عليها أن تعنى بالشباب، لأنهم عصب الأمة، وقوام الأمة ومستقبل الأمة.
 الحقيقة أن المجتمع شرائح ، فالطفولة شريحة ، والشباب شريحة ، والكهول شريحة ، والشيوخ شريحة ، لكل شريحة خصائصها ، وكأني بشريحة الشباب في هذا السن تتشكل القيم ، تتوضح الأهداف ، فالشاب في أعلى درجة من نشاطه وقوته ، فلذلك ورد في الأثر : "ريح الجنة في الشباب ".
 أية أمة تريد أن تتقدم عليها أن تعنى بالشباب
الشباب عماد الأمة ، وقوام الأمة ، ومستقبل الأمة ، فأي مجتمع يعتني بالشباب يضمن لهذا المجتمع الرقي والتقدم ، وأي مجتمع يهمل الشباب يدفع الثمن غالياً ، لأن الشباب إن لم تحقق أهدافهم المعقولة ، مطالبهم المعقولة يخسرهم المجتمع، فالشاب يحتاج إلى فرصة عمل وأكبر مرض يصيب أي مجتمع هو البطالة ، والشاب يحتاج إلى زوجة ، وإلى مأوى ، فلابد للمجتمع المسلم أن يسعى جاهداً لتأمين حاجات الشباب الأساسية الثلاث كي يضمن ولاءهم لمجتمعهم ، ويضمن قوة مجتمعهم، والنهوض به ، وأي مجتمع يهمل مطالب الشباب يصاب بإحباط شديد ، لأن القوة الفعالة قد تهاجر ، والحقيقة أن الدول النامية تعاني مشكلة كبيرة جداً حيث لا نوفر للشباب حاجاتهم الثلاث فيهاجرون، وإن هاجروا خسرتهم مجتمعاتهم.
 من الخطورة أن نحبط مساعي الشباب حتى لا يفكروا بالهجرة من أوطانهم
هؤلاء الشباب المثقفون ثقافة عالية إذا غادروا بلادهم أصبح المجتمع عاجزاً عن الإبداع وعن التفوق والتقدم ، فلذلك خطر كبير جداً أن نحبط مساعي الشباب حتى يفكروا بهجرة أوطانهم ، هذا الشيء وقع في بعض البلاد الإسلامية .
 من جهة أخرى نجد أن الشباب يتأرجحون بين تطرفين، تطرف تفلتي إباحي وتطرف تشددي منبته ديني.
 هناك طاقات كبيرة جداً و في أوج هيجانها بين الشباب فإن لم يجد الشباب قنوات نظيفة لصرف هذه الطاقات فإن الشاب يتجه إلى الطريق غير المشروع في تصريفها عبر الإباحية.
 أو أن الشباب ونتيجة للاحباط يتجهون إلى تطرفات مشوهة دينية المنشأ تؤدي بهم إلى التكفير ثم التفجير.
 الشباب أمام تطرفين إن لم يهتم بهم المجتمع
فإما أن توظف المجتمعات هذه الطاقات الكبيرة والمتألقة والمتقدة في خدمة الأمة ، وفي خدمة مستقبل الأمة ، وفي خدمة رفع شأن الأمة ، أو ستقع في إشكال كبير.
 على المجتمعات الإسلامية أن تبحث عن المشكلة ، وأن تعالج هذه المشكلة من أسبابها والدول كلما ارتقت تعالج أسباب المشكلة لا نتائجها.
 أيضا لابد أن نلجأ إلى الخطاب الديني الناجع في توجيه الشباب بأن يكون منطلقا من الواقع، فهناك خطاب ديني تقليدي لا يروي ، أما حينما يطرح الداعية شبهة تسربت إلى الشباب ، ويوضح تفاصيلها ، ويأتي بالنص ، يأتي بالدليل الذي يؤيد هذا النص ، يأتي بالتاريخ ، يأتي بالنتائج الرائعة ، يتلقاها الشاب كدواء لجراحه، وهذا الخطاب إذا نجح روى الشباب وجعلهم يتوازنون.
 إصلاح الشباب يأتي بحوارهم لتبني هذا الدين
لا ننسى أخيرا أن نبني جسور الحوار مع الشباب فالحوار أساسي جداً ، إذ أنه لا يوجد تلقين بالدين وإنما بالحوار مع الشاب تبني هذا الدين ، فإذا لقنته إياه من دون أدلة وبعنف نفر منه.
 هذا الكتاب فيه مجموعة من الدروس الموجهة للشباب تتناول موضوعات عدة من ضمنها: الغزو الفكري وخطره، الشباب والإسلام، الشباب والشهوات، الشباب وكيفية الوصول إلى الله، الشباب والأصدقاء، الشباب والرياضة، الوعي الصحي لدى الشباب، كيفية إدارة الوقت من قبل الشباب، الشباب وحقوق الآباء وموضوعات عامة أخرى تتعلق بالشباب.
 نأمل أن يكون هذا الكتاب مرشدا لكل مرب ولكل أسرة ولكل مجتمع كي نحافظ على هذه الثروة ولكي تزهر مجتمعاتنا وتعطي ثمارا يانعة نقطفها في المستقبل إن شاء الله بما فيه نهوض وتقدم أمة الإسلام.

إخفاء الصور