وضع داكن
25-04-2024
Logo
مختلفة قطر - محاضرة في مدينة الدوحة : 5 - مهرجان ملهم الرمضاني - ويزكيهم، النجاح والفلاح.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله وحده ذو الفضل والنعم، ذو الجود والكرم، والصلاة والسلام الأتمان والأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، نبي الرحمة النبي الخاتم، النبي الملهم صلى الله عليه وسلم، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيع عنها إلا هالك أو خاسر، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أخواننا الكرام؛ أخواتي الكريمات؛ نرحب بكم في اللية الرابعة من ليالي فعاليات الملهم، والليلة سنكون في ندوة إيمانية بامتياز، نتكلم بها عن تزكية النبي صلى الله عليه وسلم لنفوس من هم حوله من صحابة وبنات وزوجات، وكذلك نتكلم عن تزكية نفس النبي صلى الله عليه وسلم، عن تزكيته لنفسه، وسيكون معنا إن شاء الله فضيلة الدكتور محمد بن راتب النابلسي، الداعية الإسلامية المعروف، وهو المشرف على موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية، ومن أراد أن يطلع عليها فليدون موقعه ( www.nabulsi.com)، وقبل أن أدعو فضيلة الدكتور للصعود إلى المسرح أود أن أنوه إلى أن معرض السلام عليك أيها النبي مفتوح الليلة للجميع إلى الساعة الثانية عشرة ونصف بعد منتصف الليل، والمعرض مفتوح يومياً على الفترتين الفترة الصباحية من الحادية عشرة صباحا إلى الرابعة عصراً، والفترة المسائية من الساعة التاسعة مساء إلى الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، وحرص الأخوة المنظمون للمعرض أن يحددوا يومين للعائلات وهما يومي السبت والثلاثاء، والآن دعوني أدعو فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي للصعود إلى المسرح نبدأ معه الندوة فليتفضل مشكوراً.
 مرحبا دكتور محمد حللت أهلاً ونزلت سهلاً.
الدكتور راتب:
 بارك الله بك.
المذيع:
 نورتنا في بلدك الثاني قطر، دكتور محمد للأمانة استوقفني العنوان كثيراً:"يزكيهم" فأخذت أبحث عنه في كتاب الله عز وجل، فوجدت الله عز وجل ذكر هذه الكلمة العظيمة ثلاث مرات في سورة البقرة وآل عمران، وهناك كلمات أخرى تحمل نفس المعنى وهو معنى التزكية كقوله تعالى:

﴿قَد أَفلَحَ مَن زَكّاها*وَقَد خابَ مَن دَسّاها﴾

[سورة الشمس: ٩-١٠]

 دكتور ما معنى قد أفلح؟ ما معنى الفلاح وما الفرق بينه وبين النجاح؟

 

الفرق بين الفلاح و النجاح :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 أما الفلاح والنجاح كطالب في جامعة وفق في مصاحبة صديق يحبه كثيراً، وفق في اختيار مكان في القاعة مريح، وفق في اقتناء مجلات تتعلق باختصاصه، لكن لم يدرس، نقول: هذا الطالب في الجامعة علة وجوده الوحيدة والأولى الدراسة، فقد يحقق نجاحات جزئية كثيرة، لذلك نسمي هذه النجاحات التي لم تنته إلى نيل الشهادة هذه ليست نجاحات أو نجاحات ليست فلاحاً، الفلاح أن تحقق الهدف الذي خلقت من أجله، الفرق كبير جداً بين النجاح والفلاح.
 الإنسان قد ينجح في جمع المال، في بداياته يرى المال كل شيء، في الوسط يراه شيئاً وليس كل شيء، قبيل مغادرة الدنيا يراه ليس بشيء، فهذا نجاح وينتهي بالموت.
 بالمناسبة الموت ينهي قوة القوي وضعف الضعيف، وغنى الغني وفقر الفقير، ينهي وسامة والوسيم ودمامة الدميم، ينهي ذكاء الذكي ومحدودية المحدود، الموت ينهي كل شيء، لذلك ما البطولة؟ البطولة أن أستعد لليوم الآخر.

 

توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء :

 هذه الحظوظ؛ الوسامة حظ، الذكاء حظ، المال حظ، النسب حظ، العقل حظ، هذه الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، فالغني ممتحن بالغنى، إما أن ينجح أو يرسب، الغنى حظ، والفقير ممتحن بالفقر، إما أن ينجح بصبره وتعففه، أو أن يرسب بتمرده على الخالق، الوسامة حظ، الذكاء حظ، النسب حظ، هذه الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، أما في الآخرة فسوف توزع توزيع جزاء، كلام دقيق؛ الحظ في الدنيا ينتهي بالموت، الموت ينهي كل الحظوظ، لو نجح في الحظ في الابتلاء لاستحق الجنة، لذلك الحظوظ سوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، بعض الأدلة:

﴿انظُر كَيفَ فَضَّلنا بَعضَهُم عَلى بَعضٍ ﴾

[سورة الإسراء: ٢١]

 انظر مثلاً معلم في قرية بمستوى أستاذ جامعي؟ لا، جندي بخدمة إلزامية بمستوى رئيس أركان؟ بائع متجول بمستوى أكبر تاجر؟

﴿انظُر كَيفَ فَضَّلنا بَعضَهُم عَلى بَعضٍ﴾

 بالوسامة، بالذكاء، بالمال، بكل شيء، فيوجد تفاوت بين الناس، الآية تقول:

﴿انظُر كَيفَ فَضَّلنا بَعضَهُم عَلى بَعضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكبَرُ تَفضيلًا﴾

 إذاً الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء.

 

العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :

 من هنا قال بعضهم: الغنى والفقر بعد العرض على الله، لا يسمى الغني غنياً في الدنيا ولا الفقير فقيراً، الآية تقول عن سيدنا موسى:

﴿فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنّي لِما أَنزَلتَ إِلَيَّ مِن خَيرٍ فَقيرٌ﴾

[سورة القصص: ٢٤]

 الآية فيها ملمح دقيق جداً؛ الغنى غنى العمل الصالح، والفقر فقر العمل الصالح، بل إن العمل الصالح علة وجودك في الدنيا، قال تعالى:

﴿ رَبِّ ارجِعونِ*لَعَلّي أَعمَلُ صالِحًا ﴾

[سورة المؤمنون: ٩٩-١٠٠]

 مرتبتك عند الله بحجم عملك الصالح، قال تعالى:

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلوا ﴾

[سورة الأنعام: ١٣٢]

 إذا حينما يفقه الإنسان سر وجوده، وغاية وجوده، وحقيقة الموت، حقيقة ما بعد الموت، حقيقة الآخرة، يجب أن تنعكس مقاييسه، أي الإنسان عندما يعرف سرّ وجوده وغاية وجوده يتحرك حركة صحيحة.

 

الإنسان كائن متحرك تحركه حاجات ثلاث :

 بالمناسبة الإنسان كائن متحرك، هذه الطاولة كائن ثابت دعها مئة عام تبقى هكذا، فالإنسان كائن متحرك ما الذي يحركه؟ حاجته إلى الطعام والشراب، لماذا؟ حفاظاً على بقاء الفرد، الإنسان يبقى بالطعام والشراب، بعد حين يتوق إلى الزواج يتحرك ليتزوج، والفتاة تتمنى أن يخطبها إنسان ملء سمعها وبصرها، حسناً الحركة نحو الزواج دون أن نشعر حفاظاً على بقاء النوع، لولا الحاجة إلى الزواج لاندثر النوع البشري، في الطعام والشراب تحافظ على وجودك كفرد، وبالزواج تحافظ على بقاء النوع البشري، يوجد حاجة ثالثة أهم؛ أكلت وشربت وحافظت على بقاء وجودك المادي، تزوجت وأنجبت أولاداً حافظت على بقاء النوع، دون أن تشعر يوجد حاجة ثالثة اسمها الحاجة إلى تأكيد الذات عند علماء النفس أو بقاء الذكر، تتمنى أن تكون المهندس الأول، الطبيب الأول، الداعية الأول، تتمنى أن يشار إليك بالبنان، الحاجة الثالثة يمكن أن تصنف تحت بقاء الذكر، لذلك ملايين مملينة أتوا إلى الدنيا وغادروها ولم يدر بهم أحد، أعلام البشرية تركوا بصمة، هذا ترك كتاباً، مثلاً القرطبي تفسيره من ألف عام عند معظم الدعاة إلى الله، ألّف هذا التفسير وغادر الدنيا، استمر بتفسيره الإمام الغزالي فيما يروى كان يحضر درسه أربعمئة عمامة، لولا الإحياء ما تم الغزالي غزالياً، إذاً ينبغي أن تترك بصمة، والكتاب بصمة كبيرة جداً، من هنا أقول: إما أن تؤلف الكتب، وإما أن تؤلف القلوب، تأليف القلوب أعمق أثراً وأقصر أمداً، تأثير الكتب أقل أثراً وأطول أمداً، بالكتب تنقل المعرفة من جيل إلى جيل، وبالترجمة من أمة إلى أمة، فلذلك البطولة أتيت إلى الدنيا من أنا؟

 

أي شيء خلقه الله في الدنيا له وظيفة نفعية ووظيفة إرشادية :

 أيها الإنسان أنت المخلوق الأول عند الله، لأن الله عز وجل حينما عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال أبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، فلما قبل حمل الأمانة سخر الله له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه تسخير تعريف وتسخير تكريم. إذا شخص قدم لك جهاز حاسوب فيه خصائص فريدة، وقدمه لك هدية، أنت أمام شعورين شعور إكبار لهذا الاختراع، وشعور امتنان لمن قدمه لك هدية، فهذا الكون مسخر تسخير تعريف من أين أخذنا هذا المعنى؟ نظر النبي الكريم إلى الهلال فقال:

(( هلالُ خَيْرٍ ورُشْدٍ))

[أخرجه أبو داود]

 ننتفع به ويرشدنا إلى الله، إذاً أي شيء خلقه الله في الدنيا له وظيفتان؛ وظيفة نفعية ووظيفة إرشادية، فلعل الغرب استفاد من الوظيفة الأولى أعلى استفادة، أما البطولة فأن تنتفع بالمهمة الثانية الإرشادية، أن تعرف الله من خلال آياته الكونية، أي الله عز وجل لا تدركه الأبصار ولكن العقول تصل إليه، كيف؟ من مسلمات علم الفلك أن الشمس أكبر من الأرض بمليون و ثلاثمئة ألف مرة أي أن مليون وثلاثمئة ألف أرض تدخل في جوف الشمس، وبينهما مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر، إذاً الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة وبين الشمس والأرض مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر، فإذا قرأت قوله تعالى:

﴿وَالسَّماءِ ذاتِ البُروجِ﴾

[سورة البروج: ١]

 الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، أحد هذه الأبراج برج العقرب، هذا البرج برج العقرب فيه نجم صغير أحمر اللون، متألق، اسمه قلب العقرب.
 أيها الأخوة الجالسون والمشاهدون؛ هذا قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، قلب العقرب نجم من نجوم برج العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما.

 

أصل الدين معرفة الله :

 إذاً ينبغي أن نعرف الله، معرفة الله أصل هذا الدين، إن عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعته، إذاً جانب من جوانب العقيدة الصحيحة معرفة الله من خلال الآية، فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون، إذاً الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية هي القنوات الثلاث السالكة لمعرفة الله عز وجل، الكونية تفكر، التكوينية نظر، القرآنية تدبر، فإذا عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر.
 إذا يوجد ثلاث قنوات سالكة لمعرفة الله، والمعرفة إن صحت لابد من أن تطيع هذا الإله العظيم، لذلك يقول ابن القيم: من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه.
المذيع:
 دكتور كأنك تريد أن تشير إذا أردنا أن نزكي أنفسنا فأقصر طريق إلى ذلك هو معرفة الله عز وجل، في سورة آل عمران يقول الله عز وجل:

﴿لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤمِنينَ إِذ بَعَثَ فيهِم رَسولًا مِن أَنفُسِهِم يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ ﴾

[سورة آل عمران: ١٦٤]

 في الحقيقة وأنا أحضر لهذه الندوة استوقفتني هذه الآية كثيراً ألهذه الدرجة موضوع تزكية النفس مهم جداً لدرجة أن يجعله الله عز وجل أحد مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؟ إن كان الجواب نعم فدلنا على الطريق دكتور، كيف زكى الرسول نفوس من حوله؟

 

العمل الصالح في الدنيا ثمن الجنة :

الدكتور راتب:
 الإنسان خلق للجنة، قال الله تعالى:

﴿إِلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُم ﴾

[سورة هود: ١١٩]

 خلقنا ليسعدنا سعادة لا متناهية في الجنة، هذه السعادة اللامتناهية لها ثمن، ثمنها العمل الصالح في الدنيا، قال الله تعالى:

﴿ ادخُلُوا الجَنَّةَ بِما كُنتُم تَعمَلونَ﴾

[سورة النحل: ٣٢]

 ولكن الحديث الدقيق أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( اعلموا أنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُم عَمَلُهُ الجَنَّةَ ، قالوا : ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يَتَغَمَّدَني اللهُ بِمَغْفِرَةٍ ورَحْمَةٍ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم]

 كيف نوفق بين القرآن والسنة؟ التوفيق سهل جداً، أنت حينما يعدك أيها الطالب المتفوق أبوك بشراء سيارة لك إذا نلت الدرجة الأولى في شهادة معينة، هذا الطالب نال الدرجة الأولى فأخذ الوثيقة، وقال: إلى بائع السيارات أعطني هذه، أين سعرها؟ التفوق بالدراسة سبب ولكن ليس الثمن، الفرق كبير، عملك الصالح استقامتك، تفكرك، أعمالك المالية، إنفاق المال، غض البصر، ضبط اللسان، بيت إسلامي، عمل إسلامي، كل هذه الجهود الكبيرة هي سبب دخول الجنة وليست ثمن دخول الجنة.
 أنت ممكن أن تدخل إلى قصر ثمنه مئة مليون بمفتاح سعره دينار واحد، فعملك الصالح هو ثمن المفتاح فقط، هذا الفرق الدقيق جداً، أما ادخلوا الجنة برحمتي، واقتسموها بأعمالكم فمراتب الجنة بحسب العمل، أما الدخول بالرحمة فكل عملك الصالح يساوي مفتاح القصر.
المذيع:
 حسناً دكتور نريد أن نعيش قليلاً مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيت النبوة، أفضل طريقة ممكن الأب أن يربي بها أبناءه، أي نقتبس بعض المواقف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى تكون لنا منهج في حياتنا، ممكن أن نحصل على بعض هذه المواقف دكتور.

 

الإيمان هو الخلق :

الدكتور راتب:
 الآن يحضرني كلمة قالها ابن القيم: " الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان" والله عز وجل وهب النبي فصاحة، وهبه شكلاً جميلاً، وهبه أشياء لا تعد ولا تحصى، ولكن حينما مدحه قال:

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ﴾

[سورة القلم: ٤]

 لذلك الشيء الذي يرتقي به الإنسان عند الله خلقه العظيم، فالإيمان هو الخلق فمن زاد عليك بالخلق زاد عليك بالإيمان، إذاً أنا حينما أفهم الدين التخلق بأخلاق الله، يوجد بالأثر:" تخلقوا بأخلاق الله"، كيف أستطيع أن أقبل على الله؟

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

[ سورة الأعراف: 180 ]

 هذه باء السبب أي أيها الإنسان استقم على أمره وأقبل عليه حينئذ تشتق منه رحمة ترحم بها من دونك، هذه الرحمة لمن دونك سبب الاتصال بالله، فادعوه بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً))

[مسلم عن أبي هريرة]

 فكلما اتصلت به واشتققت من كمالاته كمالاً هذه الكمال من خلاله تستطيع أن تقبل عليه، والآية دقيقة جداً، قال الله تعالى:

﴿فَبِما رَحمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ ﴾

[سورة آل عمران: ١٥٩]

 يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك كنت ليناً لهم، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك، ولو كنت منقطعا عنا لامتلأ القلب قسوة، ولانعكست القسوة غلظة وفظاظة.
المذيع:
 إذاً دكتور من خلال الرحمة يستطيع الإنسان أن يربي من استرعاه الله برعيتهم، ممكن أن نحصل على موقف من مواقف النبي التي رحم بها فيها من استرعاه الله رعيتهم.

 

حقائق الإيمان أقوى من أي شيء :

الدكتور راتب:
 النبي الكريم سيد الخلق وحبيب الحق هاجر من مكة إلى المدينة، في طريق الهجرة تبعه سراقة، سراقة تبعه طمعاً بالمئة ناقة، هذه المئة ناقة وضعت لمن يأتي بالنبي حياً أو ميتاً، طمع بهذه الجائزة الكبيرة قال له النبي الكريم: كيف بك يا سراقة إذا لبست سوار كسرى؟ إنسان مهدور دمه مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، ويقول لسراقة: كيف بك إذا لبست سوار كسرى؟ ما هذا الكلام؟ أي أنا سأصل إلى المدينة، وسوف أنشئ دولة، وسوف أؤسس جيشاً، وسوف أحارب أكبر دولة بالعالم دولة فارس، وسوف أنتصر عليها، وتأتيني غنائم كسرى ولك يا سراقة سوار كسرى. فأي مسلم يقول لك: نحن انتهينا وقع بخطأ كبير جداً، أنا أقول: لا تقلق على هذا الدين إنه دين الله، ولكن اقلق ما إذا سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له، دين الله هل يسمح الله لمخلوق أن يلغي دينه؟ مستحيل، أنا أقول دائما: حقائق الإيمان أقوى من أي شيء.
المذيع:
 حسنا دكتور أعود للسؤال نفسه نريد موقفاً من بيت النبوة حتى نقتدي من الرسول صلى الله عليه وسلم ونعرف كيف نربي أبناءنا، النبي أكيد كانت لديه مواقف مع فاطمة رضي الله عنها تدل على رحمته، تدل على مهارته في تربية فاطمة رضي الله عنها، نريد موقفاً من هذه المواقف.

العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :

الدكتور راتب:
 مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً، مكارم الأخلاق الحلم من مكارم الأخلاق، الصدق من مكارم الأخلاق، ندقق قليلاً سيدنا جعفر عندما سأله النجاشي عن الإسلام قال: " أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف صدقه وأمانته وعفافه ونسبه، فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء".
 أنا الآن مضطر بحسب سؤالك اللطيف أن أبين الفرق الكبير بين العبادة الشعائرية والعبادة التعاملية، العبادة الشعائرية الصلاة والصوم والحج والزكاة والنطق بالشهادة، هذه عبادة شعائرية، أما العبادة التعاملية فالصدق والأمانة والتعفف، وأريد أن ألفت نظر الأخوة الحاضرين والمشاهدين إلى حقيقة في الدين خطيرة أن العبادات الشعائرية لا وزن لها ولا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية، هذا دين، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، آتي بالدليل، الصلاة، عن ثوبان بن بجدد رضي الله عنه: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال:

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))

[ابن ماجه عن ثوبان بن بجدد رضي الله عنه]

 الصيام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))

[البخاري ، وأبو داود ، والترمذي]

 الحج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( من أم هذا البيت من الكسب الحرام شخص في غير طاعة الله، فإذا أهل ووضع رجله في الغرز أو الركاب وانبعثت به راحلته قال: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، كسبك حرام، وزادك حرام، وراحلتك حرام، فارجع مأزوراً غير مأجور، وأبشر بما يسوءك))

[أخرجه البزار في مسنده]

 الزكاة، قال الله تعالى:

﴿قُل أَنفِقوا طَوعًا أَو كَرهًا لَن يُتَقَبَّلَ مِنكُم إِنَّكُم كُنتُم قَومًا فاسِقينَ﴾

[سورة التوبة: ٥٣]

 الشهادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( من قال : لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة قيل: وما إخلاصها؟ قال : أن تحجزه عن محارم الله ))

[رواه الطبراني في الأوسط والكبير ]

 إذاً العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها ولا تقبل إلا إذا صحت العبادة التعاملية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ))

[ الجامع الصغير عن أنس ]

 ورد في الأثر: " ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام".
 أريد أن أوضح للأخوة الحاضرين والمشاهدين أن العلاقة بين العبادة التعاملية والشعائرية علاقة خطيرة جداً، العبادة الشعائرية من دون عبادة تعاملية صدق أمانة ورع تعفف لا قيمة لها.
المذيع:
 حسناً دكتور الكلام الجميل عن العبادة التعاملية والشعائرية جرني إلى سؤال: الطفل الصغير الآن ذو السنوات السبع أفضل طريقة لتربيته أن ابتدئ بالعبادة التعاملية قبل الشعائرية أم أجعلهما متوازيين على خط واحد؟

 

القدوة قبل الدعوة :

الدكتور راتب:
 الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، لو أن فتاة صغيرة ذهبت مع أمها إلى بيت الجيران قبيل الظهر، وتأخرت أمها في هذه الزيارة، وعاد الزوج لم يجد الطعام جاهزاً، يغضب يقول لها: أين كنت؟ تقول: ما خرجنا من البيت، ابنتها الصغيرة خرجت معها، لم تنتبه الأم أن هذا الكذب على الزوج رسخ الكذب عند البنت. فأنا أقول: القدوة قبل الدعوة، بإمكانك أن تكون أعظم مرشد وأكبر داعية وأنت صامت، القدوة قبل الدعوة لأن الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، فإذا رأى الابن أن الأب مستقيم، كلامه منضبط، لا يوجد مزح فاحش، مؤدب، لا يغير ملابسه أمام أولاده، مثلاً رأى الأب منضبطاً، فالابن ينشأ كذلك، فالقدوة قبل الدعوة.
المذيع:
 حسناً دكتور جل من لا يخطئ ولا شك أن الآباء هنا يسألون قد يخطئ الأب في موقف ما أمام ابنه ثم لا يدري ماذا يفعل هل يصحح الخطأ قولاً أم فعلاً يثبت أن ما قام به سالفاً كان خطأ فما توجيهكم دكتور؟

ليس العار أن تخطئ لكن العار أن تبقى مخطئاً :

الدكتور راتب:
 والله الإنسان حينما يرى ابنه متعلقاً به والأب أخطأ يبين له أنه كان على خطأ، هذا درس لا ينسى، يوجد خطأ والصواب كذا.
 الحقيقة الثابتة يوجد بحياتنا كمسلمين إنسان معصوم من أن يخطئ بأقواله وأفعاله وإقراراه وصفاته، هو رسول الله، غير هذا الإنسان يخطئ ويصيب، فإذا اجتهدت وأصبت لك أجران، إن اجتهدت وأخطأت لك أجر واحد، فأنت حينما تعتقد من مسلمات الدين أن في حياة المسلمين إنساناً واحداً معصوماً في أقواله وأفعاله وإقراره وصفاته هو رسول الله فأنت يجب أن تبلغ ابنك، والأم تبلغ ابنتها أن المعصوم هو النبي، لكن ليس العار أن تخطئ، لكن العار أن تبقى مخطئاً، المشكلة أن تبقى مخطئاً.
المذيع:
 حسنا دكتور جزاكم الله خيراً، فاقد الشيء لا يعطيه، أي قد آتي وأحاول أن أربي أبنائي وأنا في الحقيقة لم أربِّ نفسي وأحتاج إلى تربية، ما هو المنهج النبوي لتربية النفس وتزكيتها؟
الدكتور راتب:
 الأب يعني؟
المذيع:
 نعم نحن الكبار كيف نربي أنفسنا؟

كيفية تربية الكبار أنفسهم :

الدكتور راتب:
 والله انظر الكلام دقيق؛ مكارم الأخلاق الصدق الأمانة الورع العفة الاستقامة الجرأة مخزونة عند الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً" فأنت حينما تقبل على الله تشتق منه الكمال، هذا الكمال يدفعك إلى إقبال جديد، إلى مزيد من الإقبال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الحلم بالتحلم، إنما الكرم بالتكرم"، بالبداية يوجد تصنع، بالنهاية يوجد تطبع، إذاً الإنسان حينما يتصل بالله يشتق منه كمالاً هذا الكمال يعينه على متابعة الكمال، إذا أصل هذا الدين معرفة الله عز وجل والاتصال به.
المذيع:
 حسنا دكتور أختم بهذا السؤال؛ لا شك أنك عشت مع السيرة النبوية سنوات وسنوات مرت عليك الكثير من مواقف النبي عليه الصلاة والسلام، موقف أفرحك، وموقف أحزنك، وربما موقف أبكاك، دكتور محمد أخبرنا عن أكثر موقف أثر فيك من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؟

موقف من سيرة النبي أثرت في الدكتور راتب :

الدكتور راتب:
 والله أكثر شيء أثر بي أن إنساناً يذهب إلى الطائف مشياً على قدميه مسافة تقدر بثمانين كيلو متراً، وصل إليهم، دعاهم إلى الله، دعاهم إلى سعادة الدنيا والآخرة، دعاهم إلى الجنة، فكذبوه وسخروا منه وأغروا صبيانهم أن يضربوه، وسال الدم من قدميه الشريف، الآن مكن الله النبي أن ينتقم، جاءه ملك الجبال:

(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))

[ متفق عليه عن عائشة]

الإنسان بنيان الله وهو المخلوق الأول :

 أنا مرة كنت بالمغرب بدعوة دعوية بمؤتمر، عدت إلى الشام بالطائرة، قائد الطائرة كان تلميذ عندي، فدعاني إلى غرفة القيادة، فلما دخلنا إلى سوريا من طرف طرابلس، رأيت بعيني طرطوس وصيدا بنظرة واحدة، بينهما أربعمئة و خمسون كيلو متراً، قلت: كلما ارتفعت مكانة الإنسان اتسعت رؤيته، وكلما ارتفعت هذه المكانة اتسعت عاطفته، يوجد إنسان يكون انتماؤه إلى أسرته فقط، وأقل من ذلك إلى نفسه، كل ما لذ وطاب هذا انتماء إلى ذاته، أو إلى أسرته، أو إلى عائلته، أو إلى أهل بلده، أو إلى مدينته، أو إلى وطنه، أو إلى أمته، أو إلى الإنسانية جمعاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه ))

[البخاري عن أنس ]

 شراح الحديث قالوا: المطلق في الكتاب والسنة على إطلاقه، أخيه في الإنسانية، أحياناً يعامل المواطن في أوروبا وأمريكا معاملة تفوق حدّ الخيال، ويقصفون قلعة في أفغانستان يقتلون خمسة آلاف في يوم واحد. ما لم تكن إنسانياً لا وزن لك عند الله.

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر  وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر
***

 هذا التناقض بين ما نفعله مع شعوبنا وما نفعله مع شعوب الآخرين، هذه الحضارة سقطت، تركل بالأقدام، لأن الإنسان هو المخلوق الأول، والإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 جزاكم الله خيراً دكتور، وبارك فيكم، ونفع بعلمكم، بهذا نكون أيها الأخوة والأخوات وصلنا إلى نهاية هذه الندوة، ونذكركم بندوة الغد، وهي مع الدكتور زغلول النجار، سبحانك اللهم وبحمدك وأستغفرك وأتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور