وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 222 - كليات الدين - العقيدة والعبادة والمعاملات والاختيار.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.

كليات الدين :

 أيها الأخوة الكرام؛ هناك مصطلحان في الدين مصطلح الجزئيات، ومصطلح الكليات، الجزئيات بالملايين، الكليات تعد على أصابع اليد، فهذا الدين فيه كلية كبرى هي العقيدة، إن صحت العقيدة صح العمل، بتعبير آخر التصور، الأيديولوجيا، المنطلقات النظرية، كلها أسماء لمسمى واحد، الجانب الفكري، الجانب الأيديولوجي، الجانب التصوري، المنطلقات النظرية، هذه العقيدة، وهناك كلية ثانية كبرى هي العبادة، الصلاة والصوم والحج والزكاة عبادات شعائرية، والصدق والأمانة و الرحمة وما إلى ذلك عبادات تعاملية، صار عندنا كلية كبرى العقيدة، والثانية العبادة، الثالثة المعاملات؛ الصدق والأمانة والاستقامة وإنفاذ الوعد إلى آخره، وهناك كلية رابعة هي حسن الاختيار، أنت مخير، إذاً هناك كليات في الدين وهناك جزئيات، الآن في هذا اللقاء الطيب إن شاء الله إذا تحدثنا عن كليات الدين لا بد من التوازن بينهما، العمل الصالح إحدى الكليات، كما ينبغي أن تكون العقيدة، الاستقامة، العمل الصالح، الاتصال بالله أربع كليات، العقيدة، الجانب العقدي، الأيديولوجيا، المنطلقات النظرية، جانب التصور، هذا جانب، فإن صحت العقيدة صح العمل، إذاً هي أصل كبير في الإسلام، وكل إنسان دون أن يشعر ينطلق من فلسفة، فالذي يؤثر شيئاً عن شيء أو حاجة عن حاجة، ينطلق من تصور معين، فإذا صح التصور صح السلوك، فالبطولة أن تكون التصورات عن الدين صحيحة، إذا إنسان توهم أن يوم القيامة المذنبين يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم ببساطة، بسذاجة، هذا وهم خطير جداً، أما الشفاعة فتحتاج إلى إذن من الله، قال تعالى:

﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾

[سورة الأنبياء: 28]

 الله ماذا يرضيه؟ أن تكون مستقيماً، هناك أوهام و طروحات غير صحيحة، و شطحات، و مبالغات، و تشدد بغير محله، وتساهل بغير محله، البطولة أن تتبين كما أراد الله.

 

الإيمان مرتبة علميّة و أخلاقيّة و جماليّة :

 إذاً في الدين عقيدة، شخص يحمل دكتوراه، أي ماذا درس؟ هناك ثلاث وعشرون سنة دراسة بين ابتدائي وإعدادي وثانوي وجامعي ودبلوم وماجستير ودكتوراه، إذاً من أجل أن تضع إلى جانب اسمك دالاً يوجد عشرون سنة دراسة، لتكون مؤمناً والإيمان مرتبة علمية، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً، والإيمان مرتبة أخلاقية، والإيمان مرتبة جمالية، علمية، أخلاقية، جمالية، هذا الدين العظيم ألا يحتاج إلى أن تبذل له وقتاً كي تعرفه؟

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

 إذاً أول فكرة الدين كموضوعات كجزئيات بالملايين، أما الكليات فتعد على أصابع اليد؛ العقيدة، الاستقامة، العمل الصالح، الصلاة، أن تتصل بالله، العمل الصالح إيجابي، أعطيت من وقتك، من مالك، من علمك، من خبرتك، العمل الصالح إيجابي، الاستقامة سلبية، أنا لم آكل مالاً حراماً، أنا ما كذبت، أنا ما غششت، الاستقامة سلبية والعمل الصالح إيجابي، والعقيدة قضية فكرية، تصور، أيديولوجيا، جانب عقدي.

 

حقيقة الإنسان لا تظهر إلا في بيته :

 الآن الثمرة الاتصال بالله عز وجل، أي هنا للتقريب لماذا نأتي إلى المسجد؟ أقول لكم لتلقي تعليمات الصانع، أنت أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة بالغة التعقيد صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فتأتي إلى المسجد كي تستمع إلى خطاب ديني، إما خطبة جمعة أو درس، أنت بهذا الإتيان إلى المسجد جئت كي تتلقى عن الله التعليمات، ذهبت إلى البيت:

((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))

[الترمذي عن عائشة أم المؤمنين]

 أي بتعبير آخر أنت بالحياة العامة يهمك مظهرك، تتأنق، تختار ثياباً أنيقة، ترجل شعرك، تتعطر، أنت بحاجة إلى أن تكون مقبولاً، هذا السلوك سلوك مدني، أي الهدف منه أنت، لكن أين دينك الحقيقي؟ في البيت:

((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))

[الترمذي عن عائشة أم المؤمنين]

 لأنك بالعمل يهمك مظهرك، تهمك ابتسامتك، تهمك أن يكون وكيل الشركة راضياً عنك، تقيم له حفل، تدعوه إلى طعام، كل هذه الأعمال ناتجة عن مصلحتك، لكن أين تظهر مكانتك؟ عند الله، أين يظهر دينك؟ في البيت، في البيت لا أحد ينتقدك، أنت السيد الأول، في البيت لا أحد يتجرأ عليك، فأنت بالبيت تظهر حقيقتك تماماً، لذلك:

((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))

[الترمذي عن عائشة أم المؤمنين]

من شروط العمل الصالح أن يكون خالصاً و صواباً :

 إذا يوجد لدينا عقيدة، واستقامة، وعمل صالح، واتصال بالله، هذه كليات الدين، جانب عقدي أيدلوجي فكري منطلقات نظرية، جانب سلوكي فردي، ما أكلت مالاً حراماً، ما كذبت، ما غششت، جانب سلوكي إيجابي أعطيته من مالي، من وقتي، من خبرتي، وأعظم جانب هو الصلاة، الاتصال بالله، لا خير في دين لا صلاة فيه، فأنت إذا أحكمت أن تكون العقيدة صحيحة، والاستقامة كاملة، والعمل الصالح خالص لوجه الله، بالمناسبة:

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾

[سورة النمل : 19 ]

 متى يرضى الله عن العمل الصالح؟ أن يكون خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.

 

الأخلاق أكمل شيء بالدين :

 إذاً يوجد اتصال بالله، هناك جانب أيديولوجي عقدي، وجانب سلوكي استقامي سلبي ، ما أكلت مالاً حراماً، ما كذبت، ما غششت، ويوجد جانب سلوكي إيجابي، أنفقت من مالي، من وقتي، من علمي، ثم تأتي الصلاة كهدف خطير جداً، فأي فرض يمكن أن يتوقف، الحج يسقط عن المريض وعن غير المستطيع، والزكاة تسقط عن الفقير، والصوم يسقط عن المريض والمسافر، الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال هو الصلاة، ولا خير في دين لا صلاة فيه، والصلاة لا بد من أن تؤدى ولو برموش عينيك، يوجد لدينا قصر خوف أحياناً، وقصر سفر، الصلاة تقصر عند الخوف برموش العين، طبعاً بحث طويل، هذا يحتاج إلى معالجة بوقت آخر إن شاء الله، الصلاة تقصر أما أن تلغى لا خير في دين لا صلاة فيه، لأنك أنت عبد، الذي يجعلك تسعد أن تتصل بالقوي، والرحيم، والغني، والعليم، والطيف، هذا الاتصال، لذلك قالوا:

(( إن محاسن الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ))

[ الحكيم عن العلاء بن كثير ]

 لذلك النبي صلى الله عليه وسلم أوتي العلم، أوتي الفصاحة، أوتي يمكن أن تتكلم ساعة لكن بماذا مدح؟ قال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم : 4]

 هذا الخلق، أكمل شيء بالدين الأخلاق، لذلك ابن القيم الجوزية قال: الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
 إذاً عندنا كليات للدين وهناك جزئيات، الجزئيات بالملايين، أما الكليات فتعد على أصابع اليد؛ العقيدة، الاستقامة، العمل الصالح، الاتصال بالله عز وجل.

 

التوازن بين العمل الصالح وبين الإقبال على الله :

 الآن يوجد قصتان؛ الأولى لسيدنا داود عليه السلام، قال تعالى:

﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى ﴾

[ سورة ص: 26]

 فكان سيدنا داود يؤثر الخلوة مع الله، الإقبال على الله، التمتع بالقرب من الله على العمل الصالح، سيدنا داود يمثل حالة ينبغي ألا تكون، وسيدنا سليمان قال تعالى:

﴿ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ﴾

[ سورة ص: 32]

 نبي آثر العمل الصالح على الاتصال بالله، ونبي آثر الاتصال بالله على العمل الصالح، كلاهما ترك الأولى، هذا درس لنا جميعاً، فأنت كمؤمن يجب أن توازن بين اتصالك بالله، أنت بالنهاية تشبه هذا الهاتف الذي يحتاج إلى شحن، إن لم يشحن أصبح قطعة بلاستيك، أنت بحاجة إلى شحن، هذا الشحن روحي وعلمي، بحاجة إلى شحن يحملك على أن تبكي في الصلاة، وأن تذرف الدموع، وتحتاج إلى شحن أيديولوجي علمي، فأنت اسع لشحنين شحن علمي وشحن روحي، عندئذ تشعر بالسعادة، وإن لم تقل: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني، عندك مشكلة، فسيدنا سليمان، قال تعالى:

﴿ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ﴾

[ سورة ص: 32]

 سيدنا داود، قال تعالى:

﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ﴾

[ سورة ص: 26]

 عندنا موضوع ثالث غير الكليات والجزئيات وأصول الدين، الموضوع الثالث التوازن بين العمل الصالح وبين الإقبال على الله، لذلك التوازن ضروري جداً ويحتاجه كل مؤمن.
 أيها الأخوة الكرام؛ موضوعات كثيرة ممكن أن يستفيد منها غير المؤمن، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ﴾

[ سورة البقرة : 21]

 لكن هناك ثلاثمئة آية يا أيها الذين آمنوا، الذي آمن بالله خالقاً، مربياً، مسيراً، بحاجة إلى تعليمات تفصيلية، ماذا أفعل؟ أما غير المؤمن فيحتاج إلى كليات الدين، إذاً نحن بقصة سيدنا سليمان، قال تعالى:

﴿ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴾

[ سورة ص: 32]

 توارت بالحجاب الشمس، و سيدنا داود، قال تعالى:

﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ﴾

[ سورة ص: 26]

﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ* قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ ﴾

[ سورة ص: 23-24]

 تسرع ، أخوه عنده تسع وتسعين نعجة، والأخ الثاني عنده نعجة واحدة، قال له: أعطني نعجتك لأرعاها لك مع غنمي، لا ليأكلها، يوجد تسرع بالحكم، لأن له حالة مع الله عالية جداً أراد أن يبقى فيها، أعطاه جواباً وعاد إلى خلوته مع الله، في هذا الوضع ترك الأولى، سيدنا سليمان، قال تعالى:

﴿ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ﴾

[ سورة ص: 32]

 أنا أتمنى على الأخوة الكرام أن يعرفوا أن كليات الدين هي التصور الصحيح، العقيدة، الاستقامة، العمل الصالح، الاتصال بالله، هذه كليات الدين، غير كليات الدين التوازن بينهما، لا تغلبه عبادته على عمله الصالح، ولا يغلبه العمل الصالح على عبادته.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور