وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 213 - الحكمة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

حكمة الله المطلقة :

 أيها الأخوة الكرام، أحياناً نستخدم كلمة الحكمة، ولها تعريف دقيق، هي التجارب الطويلة مضغوطة بكلمات قليلة، مثلاً:

(( لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه ))

[سعيد بن منصور في سننه عن علي]

 كل تجارب البشرية من آدم إلى يوم القيامة تؤكد هذه الحكمة، قال تعالى:

﴿أَفَمَن كانَ مُؤمِنًا كَمَن كانَ فاسِقًا لا يَستَوونَ﴾

[سورة السجدة: ١٨]

 لا يستوي المحسن مع المسيء، ولا المستقيم مع المنحرف، ولا الذي يخاف الله مع الذي لا يخافه، أن يستوي هذا مع هذا، هذا لا يتناقض مع عدل الله بل مع وجوده، وكلامي دقيق، لا يتناقض مع عدله بل مع وجوده. إله موجود.
 أنا أذكر أني كنت أمشي بأحد أسواق دمشق- القصة قديمة- استوقفني شخص قال لي: أريد أن أفهم منك جواب هذا السؤال؟ قلت له: تفضل، قال لي: يوجد تاجر أقمشة بأحد أسواق دمشق، سمع إطلاق رصاص، مدّ رأسه أتت الرصاصة في عموده الفقري فانشل فوراً، قال لي: ما ذنبه؟ أليس العمل عبادة؟ قلت له: طبعاً، لكنني لا أستطيع أن أصل إلى عدل الله، مستحيل أن يكون لي علم كعلم الله، أما الله فأخبرني أنه عادل، أنا أتيقن من عدله بإخباره لي، أما أن أصل إلى عدله بتحليل وتفسير فهذا مستحيل إلا أن أعلم كعلمه وهذه مستحيلة أيضاً، إذاً يوجد حالة اسمها الاستسلام فقط، هذه القصة وانتهت. بعد عشرين يوماً بالضبط لي أخ كريم مدير معهد شرعي موظف عندي قال لي: أنا ساكن بحي الميدان، ويسكن فوقنا رجل عنده محل أقمشة بالشارع الفلاني، سمع إطلاق رصاص مدّ رأسه أتته رصاصة أصبح مشلولاً فوراً، قال لي: هذا له أخ يملك بيتاً، توفي أخوه وبدأ صاحب القصة يقبض الأجرة من المستأجر، وأولاد أخيه الأيتام طالبوه بالأجرة لم يعطهم، ماطلهم حوالي السنة، شكوه إلى أحد علماء دمشق كان شيخ القراء فاستدعاه، قال له: لن أعطيهم، هذا الحاضر، كان وقحاً، فهذا الشيخ كان حكيماً، قال لهم: يا بني هذا يظل عمكم، أمام الناس عمكم، إياكم أن تشكوه إلى القضاء من أجل مكانتكم، أشكوه إلى الله، في اليوم الثاني كان مشلولاً، القصة في التاسعة مساء في التاسعة صباحاً كان مشلولاً.
 فأنت تسمع قصصاً كثيرة من آخر فصل، ليس لها معنى، لكن أنت بحياتك يوجد خمس قصص من أول فصل ترى عدل الله المطلق، حكمته المطلقة.
 أخواننا الكرام؛ أنا من خلال تجربتي المتواضعة يوجد قصص أتلقاها من إخواني خلال عمر الدعوة، شيء لا يصدق، تظهر عدل الله المطلق، سوف أقولها مرة ثانية: أكثر قصصنا أخذناها من آخر فصل ليس لها معنى، أي هذا انتحر لماذا؟ لا أعرف، أما يوجد عدد من القصص نتابع تفاصيل فصولها فنرى عدل الله المطلق.

 

حرص الإنسان على سلامة و كمال واستمرار وجوده :

 أخواننا الكرام:

(( لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه ))

[سعيد بن منصور في سننه عن علي]

 أنا لي دروس بإذاعة القدس في دمشق- القصة قديمة- لكن يسمع الدرس اثنا عشر مليوناً في دمشق وما حولها وحلب والأردن وفلسطين، هذا الدرس بقي حوالي عشر سنوات تقريباً، أنا كنت قد قلت قصة بدرس بالإذاعة، يقول لي صديق من حلب: أنا عندي قصة مشابهة، شخص أيضاً له أولاد أخ أيتام، ولهم بيت، لم يعطهم الأجرة، فجأة بعد خمس سنوات استدعى المحامي وقال له: أعطهم البيت، قال له المحامي: ما بالك؟ يطالبونك خمس سنوات و لم تعطهم؟ قال له: والله سمعنا قصة تستدعي الخوف بالإذاعة.
 فالإنسان أخواننا كل إنسان يحب ذاته، يحب سلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، وانطلاقاً من حرصك على ذاتك، وعلى سلامة وجودك، وعلى كمال وجودك، وعلى استمرار وجودك، بالتلخيص سلامة وجودك بالاستقامة، الاستقامة عين الكمال، وكمال وجودك بالعمل الصالح، واستمرار وجودك بتربية أولادك.
 أنا عندما أسافر إلى بلاد الغرب أرى أنهم يعيشون حياة رفاه تفوق حدّ الخيال، شيء لا يوصف، تقول له: ابنك، يغمى عليه، لأن ابنه غير مسلم، ملحد، يقال: من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله، إذا أنت عندك عقيدة ثابتة وأنت سافرت بالخمسينات والآن أنت بالسبعينات لن تقوم بمعصية، لكن ابنك نشأ بمجتمع إباحي فخسرته، فكنت أقول هناك: لو بلغت أعلى منصب في الأرض، وجمعت أكبر ثروة فيها، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
 فأنا أقول: أنت حريص على سلامتك بالاستقامة، وعلى سعادتك بالعمل الصالح، وعلى استمرارك بتربية أولادك.

 

الجهد الكبير في تربية الأولاد :

 أخواننا الكرام؛ الذي يربي أولاده يبذل جهداً كبيراً، يمكن العلوم كانت وصفية الآن رياضية، قديماً كنا نقول: صوت الطائرة لا يحتمل، إذا كان بيت الإنسان بجانب المطار يسمع دائماً أصواتاً قوية، هذا اسمه وصف، الآن للضجيج وحدة اسمها الديسيبل، يقول لك: هبوط طائرة أو إقلاعها مئة و خمسة و عشرون ديسيبل، أنت أقصى ضجيج تتحمله يقدر بخمس و سبعين وحدة ديسيبل، إذاً العلوم كانت وصفية أصبحت رياضية، إذا وجد لتربية الأولاد وحدة قياسية إذا أنت قبل خمسين سنة يلزمك مئة وحدة، هناك تحتاج إلى مليون، لماذا؟ لكثرة الصوارف وكثرة العقبات، مليون عقبة أمام استقامة الإنسان، أينما تحرك يوجد معصية، بالبيت، بالتلفزيون مثلاً، بالطريق، بالمجلة، فالآن لم يعد يكفي التقليد، التقليد الآن لا يجدي، تحتاج إلى إيمان قوي، ولا يكفي التعصيب الخارجي، ولا التعصيب الداخلي، ابنك معه لابتوب وتلفون دخل لغرفته وفتح فيلماً إباحياً و أنت لا تدري، يوجد الكثير من الوسائل الآن، لا يوجد تعصيب داخلي، و لا تربية عميقة، ولا اهتمام بالابن، أنا أقول: أكبر مشكلة الآن اسمها: تفلت الأولاد، كل شيء حولهم يدعو إلى المعصية، فأنت إن لم تكن فوق رأسهم فتفلتهم سيكون كبيراً.
 درسنا في الجامعة أن كل عادات الطفل ومبادئه وقيمه ومهاراته تزرع فيه من السنة الأولى إلى السابعة فقط، وقال لنا الدكتور: بعد هذا التاريخ العوض بسلامتكم.
 اليوم ولِدَ بكى فأرضعته أمه، لم يكن نظيفاً بكى فنظفته، الآن بعد أن أطعمته و نظفته إن بكى يجب ألا تحمله، إن حملته علمته على أن يبكي دائماً، ممكن أن تعلمه من أول يوم، كل عاداته ومهاراته وأخلاقه تغرزها فيه من السنة الأولى إلى السابعة.

ثلاث قصص تبين لنا أهمية الدين في حياة الإنسان :

 الإنسان عندما يقصر مع ابنه أول فترة وبعدها يصحو يرى ابنه ليس مسلماً إطلاقاً، أذكر ثلاث قصص؛ الأولى كانت بسوريا، يسمونها حكاية، القصة الطويلة جداً اسمها رواية، إذا كانت القصة حوالي مئة صفحة اسمها قصة، وإذا كانت خمس صفحات تسمى أقصوصة، وإذا كانت صفحة واحدة حكاية.
شخص فقير جداً يسكن جنوب دمشق بغرفة واحدة، وبالأجرة، وعليه دعوى إخلاء، أحد أخواني أراد أن يعمّر مسجداً بحث عن أرض كلف مهندساً، هذا المهندس دله على أرض مناسبة جداً، مربعة، أحد أضلاعها باتجاه القبلة، هذه الأرض قد ورثها شخص فقير معدم يسكن بغرفة لا يوحد عنده غيرها، وعليه ديون، هذه الأرض قد ورثها من أحد أقربائه، فأتى الذي يريد أن يقوم بمشروع المسجد قال له: كم تريد؟ طلب أربعة ملايين فاوضوه قبِل بثلاثة، أخرج دفتر الشيكات كتب له مليونين، قال له: والتتمة؟ قال له: عند التنازل، سأله: أي تنازل؟ قال له: هذه الأرض سوف تصبح مسجداً، تذهب إلى الأوقاف معنا غداً وتقدم تنازلاً عن التملك أعطيك المليون، قال له: سوف تصبح مسجداً؟ قال نعم، قال: أنا أبيع أرضاً سوف تصبح مسجداً؟ قال له: نعم وأين المشلكة؟ قال له: والله أستحي من الله، أنا أولى أن أقدمها لله منك، وإن ذهبت إلى الشام بالبر أطول مئذنة بالقدم، هذا الجامع صاحب الأرض قدمها مجاناً لله عز وجل، وهو أفقر من عليها، ورثها وساكن بغرفة واحدة، وعليه دعوى إخلاء، وعنده خمسة أولاد، ودخله أقل من خمسة آلاف.
 هذه قصة؛ يوجد قصة ثانية وقعت بلندن، عندي طالب يبدو أنه إمام جامع مقيم بمانشستر، جامعه بمانشستر، ويسكن مع رفاقه بلندن، فيضطر أن يخرج كل يوم ويعود، يركب السيارة العامة، صعد مرة وأعطى السائق ورقة نقدية كبيرة، وجلس، فأعطاه السائق التتمة عدها رأها تزيد عشرين بنساً عما يستحق، أي بالخطأ، دخل بصراع مع نفسه أنها شركة عملاقة، ومعها ملايين، وأنا والله أولى بها، لا أنت مؤمن، أنت إمام جامع، معقول أن تأخذها؟ دخل بصراع مع نفسه، وعند النزول أعطى السائق العشرين بنساً، هو مبلغ بسيط جداً، فابتسم السائق وقال له: ألست إمام هذا المسجد؟ قال له: نعم، قال له: والله أنا قبل يومين أردت أن أتعبد الله عندك بالمسجد لكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، قال: فوقع هذا الإنسان مغشياً عليه، فلما صحا من غشيته قال: يا رب كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً، الإسلام كله بعشرين سناً، هذه حالة ثانية.
 الحالة الثالثة، شخص مقيم بأمريكا، يبدو أنه أرسل للدراسة، طلب من والده أن يتزوج، يبدو أنه أحبّ فتاة غير مسلمة، فأخبر والده قال له: إن تزوجتها فلست ابني، و سأحرمك من الإرث، بعدها قال له: وإذا أسلمت؟ قال: لا يوجد مانع، قال لها: إذا أسلمت أتزوجك، سألته: كيف أسلم؟ أعطاها عشرة كتب، وقال لها: اقرئيها، وإذا اقتنعت بالإسلام أتزوجك، طلبت إجازة أربعة أشهر لتقرأهم بعناية، هو الأربعة أشهر مضوا عليه كأربع سنوات، بعد أن انتهت المدة اتصل بها هاتفياً، قالت له: أسلمت لكنني لن أتزوج منك، قال لها: لماذا؟ قالت له: بحسب ما قرأت أنت لست مسلماً، نحن بالهوية إسلام، لكنها رأته غير مسلم بحسب ما قرأت.

ضرورة طلب العلم و تطبيقه :

 نحن أخواننا الكرام عملنا مع الله كبير جداً، أما إذا كان الشخص عادياً فيفعل ما يشاء، يأكل ما يشاء، يلتقي مع من يشاء، يطلق بصره، غيبة، نميمة، سهرات مختلطة، وتريد الجنة؟ لا يجوز، فالذي يريد الله يجب أن يتحمل، أما العطاء فكبير، هناك جنة عرضها السموات والأرض فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كل بطولتك أنت إذا قرأت القرآن...
 قال لي مرة شخص: خطب ابنتي شاب؛ شكل وغنى وعنده معمل باسمه، ووالده مليونير، ثم قال لي: لكن دينه قليل، ما قولك أستاذ؟ قلت له: أنت تقرأ قرآن؟ قال: طبعاً، قلت له الله قال:

﴿ وَلَعَبدٌ مُؤمِنٌ خَيرٌ مِن مُشرِكٍ وَلَو أَعجَبَكُم ﴾

[سورة البقرة: ٢٢١]

 يبدو أنه لم يستجب كثيراً لنصيحتي، زوجه إياها، وبعد فترة أعلمني صديقه أنه بعد سبعة عشر يوماً من الزواج أخذها إلى مصيف بدمشق واختلف معها ففتح الباب وطردها وطلقها.
 أنت عندما تقرأ القرآن ماذا تقول؟ صدق الله العظيم، أنت عندما زوجت ابنتك لهذا الشاب الذي لا يوجد عنده دين أنت لم تصدق الله، قال لك:

﴿ وَلَعَبدٌ مُؤمِنٌ خَيرٌ مِن مُشرِكٍ وَلَو أَعجَبَكُم ﴾

 يقولون: زوج ابنتك لمؤمن إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لن يظلمها، الحد الأدنى لا يظلمها.
 فيا أخوان؛ القضية مصيرية وليست سهلة، يجب أن نطلب العلم، ونطبقه، استقيموا ولن تحصوا، وأنا عن كلامي مسؤول، ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور