وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 179 - علة وجود الإنسان في الدنيا الابتلاء - قال تعالى - ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ..﴾.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الابتلاء علة وجود الإنسان في الدنيا :

 أيها الأخوة الكرام؛ الله عز وجل يقول:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك : 2 ]

 أي ليمتحنكم، وفي آية أخرى قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

 نستنبط من هاتين الآيتين أن الابتلاء علة مجيئنا إلى الدنيا، هناك عالم الأزل وهناك الدار الآخرة وبينهما الحياة الدنيا، الحياة الدنيا علة وجودنا فيها الابتلاء، الامتحان، قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك : 2 ]

 أول شيء يجب أن تعتقد جازماً موقناً أنك في الدنيا في دار امتحان لا في دار جزاء، نحن في دار ابتلاء، وبالآخرة في دار جزاء، إلا أن الله لحكمة بالغة بالغة يكافئ بعض المحسنين في الدنيا تشجيعاً لبقية المحسنين، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً لبقية المسيئين، فهناك بعض المسيئين يعاقبون وبعض المحسنين يكافؤون، أما بالأصل فأنت في دار عمل والآخرة دار جزاء، أنت في دار تكليف، والآخرة دار تشريف، هذا الأصل، لكن حكمة الله تقتضي أن يكافئ بعض المحسنين في الدنيا تشجيعاً للباقين، وأن يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين.
 أحياناً يكون هناك حدث خطير في العالم الإسلامي، لكن ما كل بلد تصاب بهذا الحدث، الآن يوجد ابتلاءات تخضع لها بالعمر مرة، وقت الزواج تختار بين فتاة مؤمنة أقل جمالاً وفتاة جميلة أقل إيماناً، هذا اختيار صعب، هذا ابتلاء، أحياناً أنت في عمل دخله محدود، تنتقل إلى عمل آخر دخله غير محدود، لكن فيه شبهة كبيرة جداً وعلاقات ربوية، ابتلاء، يجب أن تعتقد أنه لا يوجد دقيقة أو ثانية أو ساعة أو يوم أو أسبوع أو عام أو عقد إلا وفيه ابتلاء، البطولة ليس ألا أن تبتلى، لكن البطولة أن تنجح في الابتلاء، ليست البطولة ألا تبتلى قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

 لكن البطولة أن تنجح في الابتلاء.

 

حجم الإنسان عند الله بحجم اختياره :

 لذلك أيها الأخوة؛ الإنسان عندما يعلم يقيناً أنه في دار ابتلاء، و هناك جنة عرضها السموات والأرض، نأتي بمثل للتوضيح، إنسان امتحن بالغنى، وإنسان آخر امتحن بالفقر، الذي امتحن بالغنى المفروض أن يتواضع، المفروض أن يحسن للفقراء، المفروض أن يوظف هذا المال الوفير في العمل الصالح، أو ممكن أن يزهو بماله على من حوله، أن يقتني أجمل أثاث، كلما جاءه ضيف يريه الأثاث، والبيت، والسيارة، ابتلي بالغنى فلم ينجح، لو فرضنا للتصور إنساناً ابتلي بالغنى فلم ينجح، وإنساناً ابتلي بالفقر فنجح، الاثنان عاشوا ستين سنة، عندنا أبد، الذي نجح بامتحان الفقر استحق الجنة إلى أبد الآبدين، والذي لم ينجح بابتلاء الغنى دخل إلى النار، سنوات معدودة بعدها أبد، لذلك البطولة أن يكون موضوع الابتلاء واضحاً عند الإنسان، ابتلي بزوجة لها ميزات كثيرة جداً، و هناك نقطة ليست كما يتمنى، ممكن أن تضحي بكل هذه الميزات، مستقيمة، محجبة، صاحبة دين، إلا أنها أقل من غيرها بما أنت طامح إليه، وهناك إنسانة قد ترضيك بشكلها لكن لا ترضيك بأخلاقها، ولا بدينها، فالإنسان عندما يختار الصح يكبر عند الله، وأنت باختيارك، وأنت حجمك عند الله بحجم اختيارك، هناك إنسان يختار دخلاً محدوداً لكنه حلال مئة بالمئة، وإنسان عنده مطعم لو فرضنا أدخل فيه الخمر يربح كثيراً، ضع له ثلاثة أضعاف يدفع لأنه مخمور، غير أنه يبيع الخمر الزبون لا يفهم ما يدفع، هو واقع بالمعصية، فأنت بين أن تختار الحق أو الباطل، الخير أو الشر، الصح أو الغلط، ما يرضي الله أو ما يبغض الله، أنت بامتحانك، الآن يجب أن تعتقد مهما كنت ذكياً، مهما كنت يقظاً، مهما حاولت أن تخفي الامتحان عمن حولك، الله عز وجل قادر أن يضعك في ظرف تظهر على حقيقتك، أنا لا آخذ قرشاً حراماً، لا يأخذ مئة أو مئتين أو خمسمئة، أعوذ بالله، جاءه عرض موت بتسمم، إذا هو كتب أن الموت طبيعي يعطونه خمسة ملايين، والمقتول تارك مئة مليون، يدفعون خمس ملايين، يكتب الطبيب: الوفاة طبيعية، خمسة ملايين أنا عندي أولاد، اختلف الوضع لم يعد حرام! أنا عندي أولاد و أريد أن أربيهم، يحضر لنفسه المبررات.

 

إيمان الإنسان بأن طاعة الله ربح له :

 أيها الأخوة الكرام؛ يجب أن تعلم علم اليقين أن المؤمن بكل خلية بجسمه، وبكل قطرة بدمه، يؤمن أنه مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، لكن القصة ليست سهلة، طبعاً في البداية لا يوجد شيء أمامك، لكن لو دفعت ألفاً جاءك عشرة آلاف، لو أن العشرة آلاف تأتي بعد الدفع مباشرة ستجد أن المحسنين يقفون بدور طويل، الشيء مربح، ادفع مئة وخذ ألفاً، تدفع مئة ولا شيء، بعد حين تأتيك الألف كمكافأة إلهية، هو يعلم أنك دفعتها مخلصاً، فالإنسان عندما يدفع ويعمل عملاً صالحاً، يجد نتيجة دقيقة جداً، أذكر أحد أقربائي كان بسيارته مسافراً إلى الحسكة، صار معه حادث، القصة بتفاصيلها هذا السائق حمل المريض بالمقعد الخلفي وساقه إلى المشفى، السيارة جديدة ودمه يمشي، طبعاً الفرش كله انتزع، لكنه أنقذه، مضى سنتين أو ثلاث أو أربع، هو مقاول، وجد في الجريدة مقاولة بمنطقة بالشمال، فذهب ليقدم عرضه، شيء غريب الذي يقبل الطلبات قال له: أنا معي تعليمات أنك أنت لا تدفع شيئاً، لا يوجد مبلغ مسبقاً تجمده عندهم حتى ينتهي المشروع، ما فهم ما هو السبب، والمشروع كان مربحاً جداً، والله بارك له بهذا المال، ثم اكتشف أن هذا الذي انقذه وأخذه إلى المشفى هو صاحب المشروع، فلما شاهد هذا الشخص هو الذي قدم المشروع أعفاه من دفع المبلغ، أي مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، أو أن تعصيه وتربح، هذا يقيني.

 

الإنسان مخير و له إله سيحاسبه عن كل شيء :

 لكن دائماً المعصية محببة للنفس، ومغرية، ويوجد منها مكسب قريب وسريع، أنا أشبه هذا بإنسان يركب دراجة، وصل إلى طريقين؛ طريق هابط، وطريق صاعد، راكب الدراجة أفضل طريق له الطريق الهابط، لا يوجد جهد، والطريق الهابط معبد، وفيه أشجار، وفيه أزهار، لكن مكتوب لوحة: هذا ينتهي بحفرة ليس لها من قرار، فيها وحوش كاسرة، والطريق الصاعد ترابي، وفيه غبار وأكمات، وفيه حفر وصخور، لكن ينتهي بحديقة غناء ملك لمن يوصل إليها، يوجد لوحة موضوعة بالبداية، ومنظار تحب أن تقرأ اللوحة، تحب أن ترى معالم الحديقة، تراها بالمنظار، أو ترى معالم الحفرة بالمنظار، فالإنسان مخير، طريق الخير واضح، وطريق الشر واضح، طريق الطاعة واضح، وطريق المعصية واضح، طريق أن تستغل قوتك لسحق الآخرين واضح، فلذلك كلما نما إيمانك ينمو معه ورعك، تعرف أن هناك إلهاً عظيماً، يحاسب ويعاقب.
 أنا أضرب مثلاً من واقع حياتنا؛ أنت راكب سيارتك والإشارة حمراء، وهناك شرطي واقف، الآن يوجد كاميرا حتى نعدلها بالتطورات الحديثة، فإذا ضبطت بالمخالفة، إما من الشرطي أو من الكاميرا، ستدفع مبلغاً كبيراً، لأنك تعلم يقيناً أن واضع قانون السير علمه يطولك، وقدرته تطولك، لا تعصيه، تعلم علم اليقين أن علمه يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك من خلال مبلغ كبير، لا تعصيه، متى تعصيه؟ إذا لم يكن هناك كاميرا، الساعة الثالثة بالليل، أو إذا كنت أقوى من واضع القانون، لا تسأل، أما إذا كنت خاضعاً فعلمه يطولك وقدرته تطولك لا تعصيه، اسمع القرآن الكريم:

﴿ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ وَمِنَ الأَرضِ مِثلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ لِتَعلَموا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا ﴾

[ سورة الطلاق: ١٢]

علم الله و قدرته تطولان كل إنسان :

 ذكر الله من كل أسمائه القدرة والعلم، أي بتعبير آخر علمه يطولك، وقدرته تطولك، ماذا أقول لكم؟ غلطة بالجسم تكلف ملايين، مرة قال لي شخص: إذا رزق الإنسان بولد سليم كأنه يملك مليوني دينار، أعرف شخصاً آخر جاءه ولد مشوه، يحتاج إلى خمس عمليات، كل عملية تساوي ثمن بيته، انتهى، يأتيك ولد سليم، هذه من نعم الله الكبرى، فأنت في قبضة الله، غلطة بالعين، تدفع ملايين، غلطة بأي مكان في الجسم، هذه الكلية تعمل بانتظام رائع، أما الكلية الصناعية و هذه لمن يريد أن ينظف دمه في المستشفى، سألت طبيباً: قال يحتاج إلى ثماني ساعات، كل أسبوع مرتان، وكل مرة من مكان، وكل مرة ثماني ساعات، الكلية الطبيعية تعمل بانتظام، ليس لها صوت، مرة إنسان ركّب دساماً بقلبه، ولهذا الدسام قطعة معدنية، قال لي: لا أنام طوال الليل لأن هذه القطعة لها صوت، في النهار يوجد ضجيج لا ينتبه للصوت، يأتي لينام لا يستطيع، فالقلب ينبض بدون صوت، بنعومة، فأنت عندما تكون صحتك كاملة، والله صدق ولا أبالغ إذا أتيح لك أن تأكل أخشن طعام، خبز مع كأس شاي فقط فأنت ملك، يكون معه ملايين مملينة، مرة قال لي شخص درس في فرنسا، وأحضر دكتوراه بالكومبيوتر، وصار معاون وزير، بيته بأرقى أحياء دمشق، وعنده سيارة، ولقاءات، فقد بصره، قال لصديقه وهو صديقي: والله أتمنى أن أجلس على الرصيف وأن أتسول وليس على ظهري إلا هذا المعطف وأن يرد لي بصري. والله بصرك لا يقدر بثمن، سمعك لا يقدر بثمن، نطقك لا يقدر بثمن، يوجد كل مصيبة بالجسم تدع الحليم حيراناً، والله قادر، غلطة بسيطة بالجسم فشل كلوي، تشمع كبد، قرحة بالمعدة، احتشاء، يصعد الدرج يشعر بألم بصدره وبيده، الاحتشاء صعب جداً، ما الاحتشاء؟ الشريان التاجي الذي يغذي القلب قطره مليمتر وربع، إذا ضاق عن هذا الحد بدأت الآلام، يسمونها: الذبحة الصدرية، آلام باليد اليسرى، آلام بعد بذل الجهد، قال لي مرة طبيب: إذا كنت تمشي ساعة لا تحس بشيء فقلبك سليم.
إذاً هناك في القلب مشكلة، وبالكلية مشكلة، وبالكبد مشكلة، هذه الأعضاء كل عضو قد يقدر بالمليارات، والذي صحته طيبة يشكر الله عز وجل.
 النبي صلى الله عليه وسلم علمنا إذا إنسان استيقظ يقول:

(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

 استيقظ، وقف، مشى إلى الحمام، توضأ، كله تمام، جاء إلى الجامع حضر الدرس، عافاه في بدنه، وأذن لي بذكره، وأمده بيوم آخر في حياته، الإنسان أي يوم يعيشه ممكن أن يتوب فيه إلى الله توبة كاملة.

 

بطولة الإنسان أن يعيش المستقبل :

 أيها الأخوة الكرام؛ الدين خطير، دائماً يقول سيدنا عمر: " كفى بالموت واعظاً يا عمر".
 الإنسان من حين لآخر إذا زار المقبرة له أجر، وهناك موعظة كبيرة يقرأ بالشاهدات، هذا كان طبيباً، هذا كان تاجراً كبيراً و هو الآن تحت الأرض، أين بيته؟ سيارته؟ مكانته؟ يوجد موت، هذا الموت إذا أدخله الإنسان في حساباته اليومية، يعد للمليون قبل أن يعصي الله، وإذا لم يدخله في حساباته تأتيه حالة كل شيء جمعه يفقده بثانية، أي ما دام القلب ينبض فأنت في بحبوحة، توقف القلب البناء ليس لك، إنسان اشترى فندقاً في باريس من ثمانين طابقاً، مات بحادث، هذا المال الوفير انتهى بحادث.
 الإنسان إذا لم يطع الله مقامر ومغامر، إذا كنت تمشي بشكل صحيح مع الله عز وجل ومت فأهلاً وسهلاً، أنا تقريباً شرحت عن سبعين صحابياً بدروسي، كبار الصحابة لفت نظري أن هؤلاء جميعاً يوجد قاسم مشترك بينهم، أنهم كانوا في أسعد لحظات حياتهم عند الموت، قالت ابنة سيدنا بلال: وا كربتاه يا أبتِ، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه.
 بين أن يكون الموت جنة، وبين أن يكون عرساً، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( الموت عرس المؤمن ))

[رواه ابن المبارك في والبيهقي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو ]

(( تحفة المؤمن الموت ))

[الطبراني، وأبو نعيم، والحاكم، والبيهقي، عن ابن عمر]

 بطولتك أن تجعل ساعة اللقاء أجمل ساعات حياتك، مثلاً شاب فقير جداً، لكن عنده قدرات عالية جداً، اشترى بطاقة طائرة وسافر لبلد ودخل الجامعة، أمضى سبع سنوات يشتغل في النهار بمطعم يغسل الصحون، وفي الليل يدرس، فنال الدكتوراه، لو فرضنا أنه موعود بمنصب وزير في بلده بعد الدكتوراه، فبعد أن انتهى من الدراسة، وأخذ الشهادة وصدقها، ذهب إلى المطار، وضع رجله بأول درجة من سلم الطائرة، هذا الموت عند المؤمن، كل هذا العمر أمضاه بطاعة الله، الآن أمامه الآن العطاء، الإكرام، فالدنيا دار ابتلاء أما الآخرة فدار جزاء، قال تعالى:

﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾

[ سورة ق : 35]

 البطولة أن تعيش المستقبل، المستقبل فيه مغادرة، المستقبل فيه جنة، وفيه نار، لذلك قال تعالى:

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي* لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾

[ سورة الفجر: 24 -26]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور