وضع داكن
28-03-2024
Logo
مؤسسة تآلف : التفكر في بعض صور الحقائق العلمية .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

كمال الخلق يدل على كمال التصرف :

 أيها الأخوة الكرام؛ قيل: من لم يشكر الناس لم يشكر الله، نشكر القائمين على هذا المسجد لهذه الدعوة الكريمة، والمؤسسة التي تدعم هذا المسجد، والله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
 أيها الأخوة الكرام؛ طلب مني موضوع هو الإعجاز العلمي، وقد ذكر المقدم أنه التفكر يلتقيان، الحقيقة أن هناك مسلمة في العلم، أن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، أنت حينما تشتري فاكهة تأخذها وتدفع للبائع ثمنها، وانتهى الأمر، أما إذا كان هناك طلبية - بمئة ألف - أجهزة كومبيوتر هذه تحتاج إلى أمر شراء، وإيصالات، وضمانات، وكفالات، فكلما ارتقى الشيء ترتقي معه الوسائل، فكمال الخلق يدل على كمال التصرف، أي مجرتنا درب التبابنة على شكل مغزل، والمجموعة الشمسية بأكملها نقطة على هذا المغزل، على درب التبابنة، فكلما ارتقى فكر الإنسان ازداد تعظيمه لله عز وجل.
 لذلك المبدأ الأول: كمال الخلق يدل على كمال التصرف، فمن لوازم كمال الخلق أن الله عز وجل لا يدع عباده من دون توجيه، فلذلك إرسال الرسل، وبعثة الأنبياء، دليل كمال التصرف، ولكن إذا أرسل الله إنساناً رسولاً وقال للناس: أنا رسول الله، هناك من يكذبه، لأن الذي ألِف الشهوات والتفلت لا يعجبه منهج يقيده، فلذلك الآن بدأنا كيف يشهد الله لعباده أن هذا الإنسان رسوله؟ لا بد من أن يؤيده بالمعجزات، المعجزات أشياء يستحيل على بني البشر أن يفعلوها، فإذا جاءت هذه المعجزة على يد هذا النبي، فهي شهادة الله له أنه نبيه، شهادة الله له أنه لرسوله، سيدنا موسى ضرب البحر فأصبح طريقاً يبساً، سيدنا عيسى أحيا الميت، ما من نبي أرسله الله بل ما من رسول بعثه الله إلا ويؤيده بمعجزات هي بالأصل شهادة الله لرسوله أنه رسوله، هذه أول نقطة بهذا اللقاء الطيب.

معجزات الأنبياء برهان على أنهم رسل الله :

 إذاً كمال الخلق يدل على كمال التصرف، ومن كمال التصرف أن الله سبحانه وتعالى يرسل الأنبياء والمرسلين ليدلوا الناس على طريق الحق، لكن هؤلاء الذين أرسلوا هناك من يكذبهم، قال تعالى:

﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾

[ سورة الرعد : 43 ]

 فكيف يشهد الله لهذا الرسول أنه رسوله؟ لا بد من أن يجري على يديه خرقاً لنواميس الكون، هذا الخرق لا يستطيعه إلا خالق السموات والأرض، فهي رسالة، دليل، حجة، برهان على أن هذا الإنسان رسول الله، هذا الشيء في الماضي، كل نبي أيد بمعجزة، هذه المعجزة حسية بمعنى أنها وقعت وانتهت، وأصبحت خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، المعجزات الحسية أن يضرب سيدنا موسى البحر فيصبح طريقاً يبساً، إحياء الموتى معجزة حسية، وجميع معجزات الأنبياء حسية كتألق عود الثقاب تألقت وانطفأت، وأصبحت خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، واضح إلى الآن.
 أما النبي صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعثته خاتمة البعثات، ورسالته خاتمة الرسالات، وكتابه خاتم الكتب، فكيف تكون المعجزة مستمرة؟ الأنبياء السابقون معجزاتهم حسية، كتألق عود الثقاب تألقت وانطفأت، أصبحت خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، أما النبي صلى الله عليه وسلم أرسله الله للعالمين جميعاً، للأمم كافة، فهو رحمة للعالمين، وهذه الرسالة مستمرة إلى يوم الدين.
 كنت مرة في مدينة مالبورن في أستراليا، آخر مدينة في الأرض، تحتها القطب الجنوبي، فيها معهد شرعي، فيها مدرسة إسلامية، فيها إذاعة إسلامية، النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال؟

(( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ))

[ من حديث أبي ثعلبة الخشني مرفوعا أخرجه الحاكم وصححه ورده الذهبي ]

 إذاً هذه بشارة النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا النبي خاتم الأنبياء، وبعثته خاتمة البعثات، دعوته مستمرة إلى يوم القيامة، لا يوجد بعده نبي:

(( ...لَا نَبِيَّ بَعْدِي ... ))

[أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 إذاً ينبغي أن تكون معجزته مستمرة، ولن تكون مستمرة إلا إذا كانت علمية.

ومضات من الإعجاز العلمي :

 أول ومضة، رواد الفضاء الذين ذهبوا في أول رحلة إلى القمر، أبولو 8، منذ عشرين سنة، أحد رواد الفضاء بعد انطلاق المركبة من فلوريدا بساعات صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، ما الذي حصل؟ هناك شيء حصل مهم جداً، يقول: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، ما الذي حصل؟ حصل أنهم تجاوزوا طبقة الهواء التي تبلغ ستة وخمسين ألف كيلو متر، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء انعدم تناثر الضوء، فلما انعدم تناثر الضوء قال رائد الفضاء: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، حادثة بإمكانكم أن تبحثوا في الانترنيت عنها، شيء ثابت صيحة رائد الفضاء بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، وأحد كبار علماء المسلمين فاروق الباز كان بفلوريدا وسمع هذا الكلام بأذنه، ما الذي حصل؟ حصل أن رواد الفضاء تجاوزوا طبقة الهواء فانعدم تناثر الضوء وصار الظلام دامساً، تفتح القرآن الذي أنزل قبل ألف وأربعمئة عام، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 14-15]

 هذا قرآن، آية قرآنية نزلت قبل ألف وأربعمئة عام تؤكد حقيقة اكتشفت قبل عشرين عاماً، حينما أرسلت أول مركبة فضائية أبولو إلى الفضاء، هذه واحدة.
 شيء آخر حينما اكتشفت أشعة الليزر، هذه الأشعة تقيس المسافة بدقة بالغة، وقد قيست المسافة بين الأرض وبين القمر بدقة بالغة جداً بالمليمترات، تذهب أشعة وتعود، يستخدم المهندسون هذا الجهاز، يقف بمكان يرسل أشعة، تذهب وتعود يقول لك: ثلاثة وأربعون متراً وخمسة وثلاثون مليمتراً بالضبط، الإنجازات ترونها الأن بأعينكم، ركبت قطاراً بفرنسا، سرعته تقدر بثلاثمئة وخمسين كيلو متراً، قطار من مركز باريس إلى مركز ليون.
 إذاً العقل البشري عندما وظّف في شؤون الدنيا قدّم إنجازات مذهلة، وهذه الإنجازات هي واحد بالمليار من طاقاته، وقد أودع الله فيك العقل كي تسلم وتسعد في الدنيا والآخرة، فاستخدمه الإنسان من أجل مصالحه فقط.
 أيها الأخوة، الآن أو قديماً، إرسال رسالة من المدينة إلى بغداد يحتاج إلى شهرين، الآن استخدم الفاكس، تكتب الفاكس إلى أقصى مكان في العالم، إلى ألاسكا، بثانية واحدة تكون الرسالة، هناك مهندس معه جهاز صغير يرسله باتجاه الحائط، يقيس المسافة فتقدر مثلاً بثلاثة عشر متراً وثمانين سنتمتراً بكبسة واحدة عن طريق أشعة الليزر، فلما اكتشفت هذه الأشعة، وقيست بها أبعاد الأرض كان غور فلسطين أعمق نقطة في الأرض على الإطلاق، البر ليس البحر، البحر خليج مريانة في المحيط الهادي، اثنا عشر ألف متر إلى الأسفل، أعمق نقطة في الأرض غور فلسطين التي تمت به معركة الفرس والروم، قال تعالى:

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾

[ سورة الروم: 2-4]

 هذه أدلة قطعية، أحياناً يوجد دليل معقول، مقبول، قوي، وهناك شيء اسمه وهم، الوهم ثلاثون بالمئة، الشك خمسون بالمئة، الظن سبعون بالمئة، غلبة الظن خمسة وتسعون بالمئة، القطع مئة بالمئة، الدليل هنا قطعي، يصيح رائد الفضاء: لقد أصبحنا عمياً، يقول الله عز وجل:

﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ﴾

[ سورة الحجر: 14-15]

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ﴾

[ سورة الروم: 2-3]

 طبعاً من هذه اللقطات يوجد ألف وثلاثمئة لقطة، في القرآن ألف وثلاثمئة لقطة، معنى ذلك أن هذه الآيات تؤكد بالدليل القطعي والثابت الذي لا يختلف عليه اثنان أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
 علم الأجنة عمره مئات السنين، اكتشف حديثاً أن الذي يحدد نوع الجنين ذكراً أو أنثى ليست البويضة ولكنه الحوين المنوي، البويضة لا علاقة لها إطلاقاً، المرأة تخرج البويضة ومن الرجل الحوين المنوي، الآية تقول:

﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى*مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾

[ سورة النجم: 45-46]

 لا يوجد بويضة هنا.

العين من آيات الله الدالة على عظمته :

 أيها الأخوة الكرام؛ والله تطابق الآيات ذات المضمون العلمي أنا أسميها إشارات علمية، وقد تزيد عن ألف وثلاثمئة آية، هذه تؤكد باليقين العقلي القطعي أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، فلذلك قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران : 190-191 ]

 أيها الأخوة الكرام؛ يوجد أشياء دقيقة جداً في خلق الإنسان، مثلاً إنسان يمشي في الطريق أو في بستان، رأى أفعى ما الذي يجري في جسمه؟ أولاً: هذه الصورة تنطبع على الشبكية، الشبكية حجمها ميلي وثلث، فيها مليون وثلاثمئة مستقبل ضوئي، كلام موسوعات علمية كبيرة جداً، أي مليون وثلاثمئة مستقبل ضوئي مجموعة بقطر يكاد لا يصدق من أجل أن يفرق الإنسان بين تسعة ملايين لون، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾

[ سورة البلد : 8]

 في العين شيء، والشيء بالشيء يذكر، والله يا أخوان لا أرى في الآيات الكونية ومنها خلق الإنسان أعقد من هذا.
 أخواننا الدارسون عندنا شيء اسمه: العدسة، الجسم البلوري على شكل عدسة، وكل واحد معه عدسة، كيف يأتي إنسان بعدسة يضعها تحت أشعة الشمس، ويضع ورقة في محرقها تحترق الورقة، الآن عدسة مع أشعة شمس وورقة تحترق، الأشعة تلتقي في المحرق تحترق الورقة، هذه العدسة لها محرق، المحرق هو الشبكية، المشكلة الدقيقة أن هذا المحرق يتغير بتغير الجسم، لو أبعدت المحرق هنا، وقربته هنا، فكيف أنا أرى بدقة بالغة بالغة أشياء متحركة في الأرض؟ ملعب كرة قدم أرى الكرة من مكان إلى مكان، تبتعد عني أحياناً مئات الأمتار، وأنا أراها بدقة بالغة، ما الذي يحصل؟ قال: هناك عملية أقسم لكم بالله لو اجتمع علماء الأرض على أن يفعلوا فعل هذه العدسة لا يستطيعون، العدسة هكذا، الشيء المنظور هنا، تحرك، المسافة طالت، كيف أنا أراه على الشبكية دقيقاً جداً؟ قال: هناك عضلات هدبية فوق وتحت العدسة إذا المسافة ابتعدت هذه العضلات تضغط الجسم البلوري ليزداد احتدابه، فيأتي الخيال على الشبكية، هذه العملية أكاد أقول: إنها أعقد عملية بالإنسان، اسمها: المطابقة، تتم لستين متراً، بعد الستين لا يوجد مطابقة، ترى كل شيء، ضمن ستين متراً كل إلقاء نظرة على شيء متحرك يقتضي أن تضغط العضلات الهدبية وتسحب هذه العدسة إما أن يزداد احتدابها أو يقل احتدابها، هذه العملية تتم مع كل نظرة تلقيها على من حولك، هذه اسمها المطابقة، هذا الإله يعصى؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟ ألا يخطب وده؟

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))

[ البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

لقطات علميّة مذهلة :

 من اللقطات العلمية المذهلة أنك تمشي في بستان رأيت أفعى، انطبعت صورتها على شبكية العين، والشبكية مليون وثلاثمئة ألف مستقبل ضوئي بمساحة ميلمتر وثلث، هذه الصورة لا تقرأ في الشبكية، تقرأ في الدماغ، إذاً ترسل هذه الصورة إلى الدماغ، في الدماغ مراكز مراكز، مركز الرؤية، تصل الصورة إلى مركز الرؤية، هذه الصورة مادام هناك أفعى عندنا في الدماغ ملف الأفاعي، من أين جاء؟ جاء من مجموعة قصص سمعتها من جدتك عن أفعى ظهرت في البيت، في كتاب العلوم عن الأفاعي والثعابين، من معرض فيه ثعابين، فيه ثعبان موضوع في زجاجة بحجم كبير، من مشاهداتك، من قراءاتك وقصصك، يتكون منها جميعاً ملف الأفاعي، فصورة الأفعى التي رأيتها وانطبعت على الشبكية وانتقلت إلى الدماغ، ملف الأفاعي قرأها، فلما قرأها أدرك الخطر، يبعث رسالة إلى الغدة النخامية، هذه ملكة الجهاز الهرموني، وزنها نصف غرام، تفرز تسعة هرمونات، لو تعطل واحد منها لكانت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، مثلاً هرمون توازن السوائل لو تعطل يجب أن تمضي أربعاً وعشرين ساعة بين الصنبور والحمام، هرمون الصفات - الذكورة والأنوثة- الشاب بسن معين ينبت الشعر على ذقنه، عضلاته تأخذ شكلاً معيناً، شكل جسمه صار فيه عضلات، تطورات دقيقة جداً من هذا الهرمون، هذا الهرمون يرسل رسالة إلى الكظر، هناك غدة اسمها الكظر مثل وزير الداخلية، الكظر تبلغه الغدة النخامية أن هناك مشكلة تصرف، فوق كل كلية غدة صغيرة اسمها الكظر، يرسل أمراً إلى القلب، يرتفع النبض إلى مئة و ستين نبضة، وليس ثمانين، الكظر يرسل أمراً آخر إلى الرئتين يرتفع وجيبهما، الخائف يلهث، الكظر يصدر أمراً ثالثاً إلى الأوعية الدموية المحيطة بالجلد تضيق لمعتها، الخائف يصفر لونه، أمر رابع إلى الكبد يطلق كمية سكر إضافية، سكر الخائف مئة وستون وليس تسعين، هرمون آخر للتجلط، إن جرح لا يخرج الدم كله ويموت الإنسان، الدم يتجلط فيغلق الجرح، تتم هذه العمليات وأنت لا تدري، قال تعالى:

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

[ سورة لقمان : 11 ]

 الآن أنت نائم نوماً عميقاً جداً يتجمع اللعاب في فمك، تذهب رسالة من الفم إلى الدماغ أن اللعاب ازداد، يأتي أمر من الدماغ، يأمر لسان المزمار بإغلاق مجرى الهواء، وفتح مجرى المعدة، فتبلع ريقك، هذه تتم في اللية سبعين مرة، وأنت لا تدري، طبيب الأسنان ماذا يفعل معك؟ يضع لك شراقة، يشتغل معك نصف ساعة فيضع له ساحباً للعاب.
 أنت نائم، يوجد هيكل عظمي له وزن، وهناك عضلات فوق الهيكل لها وزن، وزن الهيكل العظمي مع العضلات التي فوقه تضغط على العضلات التي تحته، عند ضغط الأوعية الدموية يقل اتساعها، يشعر الإنسان بالتنميل في رجليه، لأنه جالس عليهم، ما الذي حدث؟ ضعف تروية، النائم يقلب، ماذا قال تعالى:

﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾

[ سورة الكهف: 18 ]

 لو ذات اليمين وذات اليمين تقع من على السرير، أنت أيضاً تقلب سبعين مرة في الليلة دون أن تشعر، وإذا إنسان معه سبات، هذا مرض خطير جداً، لا يستطيع أن ينقلب، لو بقي مستلقياً على طريقة واحدة يتسلخ جلده كله، الآن يوجد سرير يقلبه، أما أنت تقلب في الليل هكذا طوال الليل وأنت لا يوجد عندك علم، هذه من آيات الله الدالة على عظمته، أقسم لكم بالله لو أمضيت عمرك في التفكير في جسمك فقط لا تنتهي من عظمة الله عز وجل.
 برأس الإنسان ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة شريان، ووريد، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية، وغدة صبغية، لكل شعرة:

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

[ سورة لقمان : 11 ]

 العين شيء آخر، أيها الأخوة الكرام؛ هناك آيات خطيرة جداً، العين فيها ماء، لو أن إنساناً سافر إلى فنلندا أو موسكو، أنا كنت في السويد الحرارة تقدر بعشرين تحت الصفر، معنى هذا أن الماء في عين الإنسان يجب أن يتجمد، ما الذي يحصل؟ قال: في ماء العين مادة مضادة للتجمد، من الذي خلقها؟ من الذي أودعها فيها؟

ارتباط حياة الإنسان بخاصية الماء :

 والله أيها الأخوة الكرام؛ أتمنى أن نفكر بخلقنا، كأس الماء، الماء له خاصة لولاها لما كانت هذه الجلسة، لولاها لما كان هذا البلد كله، لما كان هناك شرق أوسط، لما كان هناك شيء إطلاقاً، ما هي هذه الخاصة؟ الماء مثل أي عنصر تسخنه يتمدد، تبرده ينكمش، مثل أي عنصر، إلا أن الماء ينفرد بخاصة لا يشبهه فيها أحد، عندك ماء حرارته أربعون، خمس وثلاثون، ثلاثون، خمس وعشرون، خمس عشرة، عشر، خمس، في درجة زائد أربع تنعكس الآية يزداد حجمه، ضع قاروة املأها تماماً وأحكم إغلاقها، ضعها في الثلاجة تنكسر، هذه الظاهرة أن الماء يتمدد بدرجة زائد أربع، ينفرد بها، ولولا هذه الظاهرة لما كانت حياة على وجه الأرض، ما السبب؟ لو كل طبقة من البحر تجمدت، فلما تجمدت قلّ حجمها، فزادت كثافتها، فغاصت، الطبقة الثانية تجمدت، قلّ حجمها، فزادت كثافتها، فغاصت، إلى أن تتجمد جميع البحار، وبعد تجمدها تنعدم الأمطار، وبانعدام الأمطار تموت النباتات، ومع موت النباتات يموت الحيوان، ثم يموت الإنسان، هل تصدقون أن حياة أهل الأرض بالخمس قارات مرتبطة بهذه الخاصة بالماء؟ لولاها لما كان هناك حياة، هذا سبب تفتت الأرض، هذا سبب قلع الصخور الآن، يثقبون ثقباً، متر بمتر بمتر، يملؤونه ماء ويبردونه، قطعة الرخام متر مكعب تتحرك فيسحبونها، هناك شيء بالكون لا يصدق.
 أنا الذي أتمناه على أخوتي الكرام فكر بهذه العين، بهذا الأنف، بالأذن، الأذن لا يوجد عندنا في الأرض جهاز إذا الصوت كان عالياً جداً يخفضه آلياً، منخفض يرفعه، إلا الأذن، هذا عمل غشاء الطبل، هذه فقط موجودة بالإنسان، الأذن آية، العين آية، الأنف آية، الأسنان آية، شيء لا يصدق.

ضرورة طلب العلم :

 أيها الأخوة الكرام؛ اقرأ أي اطلب العلم، الجماد كائن يشغل حيزاً، وله وزن، وله أبعادٌ ثلاثة، هذا الجماد، بينما النبات كائنٌ له وزن، ويشغل حيزاً، وله أبعادٌ ثلاثة، لكنه ينمو، بينما الحيوان كائن يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعادٌ ثلاثة، وله وزن وينمو كالنبات، ويمتاز عن النبات أنه يتحرك، أما الإنسان فكائنٌ يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعادٌ ثلاثة، وله وزن، وينمو، ويتحرك، ويفكر، ميّز الله الإنسان بأنه يفكر، أودع فيه قوةٌ إدراكية، فما لم تُلبَّ هذه الحاجة العليا بطلب العلم، هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، قال تعالى:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[سورة النحل: 21]

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ﴾

[ سورة المدثر : 50]

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة : 5 ]

 شيء مخيف، آيات قرآنية، فالذي يعزف عن طلب العلم عند الله ميت، قد يكون ضغطه اثني عشر على ثماني درجات، نبضه ثمانون مثالي، وهو عند الله ميت، قال تعالى:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[سورة النحل: 21]

 فيا أيها الأخوة الكرام؛ لا خيار لك إلا بطلب العلم، هذا مصيرك، هذا هواء تستنشقه، ما لم تبحث عن الذات الإلهية، ما لم تتعرف إليها، ما لم تخضع لمنهجها، ما لم تحبها فأنت لست من بني البشر، كان عندنا دكتور في علم النفس، يعد من أفضل خمسة علماء في العالم، قال كلمة مرة: الذي لا يجد حاجة في نفسه إلى أن يُحِب أو إلى أن يُحَب فليس من بني البشر.
 الله عز وجل أعطاك عقلاً تدرك به، وقلباً تحب به، وجسماً يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، فإذا غذيت عقلك بالعلم، وقلبك بالحب، وجسمك بالطعام والشراب تفوقت، فإذا اكتفيت بواحدة تطرفت، والفرق كبير بين التفوق والتطرف.

العلم هو الخيار الوحيد للإنسان :

 أيها الأخوة الكرام؛ الصلحة بلمحة، أنا أروي قصة أن أحد كبار المشركين نعيم بن مسعود سابقاً قبل أن يسلم زعيم قبيلة غطفان، جاء ليحارب النبي عليه الصلاة والسلام في موقعة الخندق، هو جالس في الخيمة فكر - حوار ذاتي اسمه مونولوج - قال: ما الذي جاء بك إلى هنا؟ أجئت لتحارب هذا الرجل الصالح؟ ماذا فعل؟ هل سفك دماً؟ هل أخذ مالاً؟ هل انتهك عرضاً؟ أين عقلك يا نعيم؟ وتوجه إلى معسكر النبي عليه الصلاة والسلام ودخل على النبي، قال له: نعيم! قال: نعيم، قال له النبي: ما الذي جاء بك إلينا؟ قال له: جئت مسلماً وأسلم.
 أنا أعتبر أن مناقشته مع نفسه مدة أربعين ثانية نقلته من مشرك في النار إلى صحابي جليل، فكروا يا أخوان، أكلنا، نمنا، شربنا، وبعد ذلك؟ ثم ماذا؟ كل يوم في الصباح وجبة طعام، وعند الظهر وجبة طعام، وفي المساء متابعة مسلسلات، هذه حياتنا، أما أنت فمخلوق لمعرفة الله، يجب أن تتغذى علمياً، تعرف من ربك، لماذا خلقك؟ ماذا بعد الموت؟ ماذا في الموت؟ ما حقيقة الحياة والآخرة؟ فلا بد من طلب العلم، والآن طلب العلم ميسر جداً بفضل الله ممكن بكبسة زر تصل لمئة جواب عن سؤال، عن طريق الاتصال المباشر، لذلك أنا أقول النقطة الدقيقة أن الإنسان يجب أن يعرف الله أولاً، ثم يتعرف إلى منهجه ثانياً، وأن يطيعه ثالثاً.
 الآن الموضوعات الإعجازية الله عز وجل أعطانا موضوعات، مثلاً الكرة إذا كانت تدور وهنا يوجد منبع ضوئي، ما الذي يحصل؟ هنا ضوء وهنا ظلام، لكن يوجد نقطتان هنا وهنا، المغرب إلى العشاء، والفجر إلى شروق الشمس، بينهما دخل الليل في النهار بالمغرب والعشاء، ودخل الضوء بالليل في الصباح، ماذا قال الله عز وجل؟

﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾

[ سورة لقمان : 29]

 مداخلة الليل مع النهار، والنهار مع الليل بحالتين بين المغرب والعشاء، وأذان الفجر وشروق الشمس، داخلة بهذه الآية.
 قال تعالى:

﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾

[ سورة الحج: 27]

 المعنى بعيد، قال تعالى:

﴿ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾

 لمَ لم يقل من كل فجّ بعيد؟ الكرة الخط إذا امتد عليها ينحني، صار عميقاً، معنى هذا أن الأرض كرة.

﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾

[ سورة الحج: 27]

 هذه كلها إشارات قرآنية، إلا أن هذا القرآن من عند خالق الأكوان.
 أيها الأخوة الكرام؛ هذا البحث موجود، لي موقع بالانترنت من فضل الله، زواره في اليوم مليون زائر، هو أول موقع إسلامي على الإطلاق، ترتيبه ثمانية وعشرون ألفاً من ستة مليارات موقع، أول موقع إسلامي تقريباً، كل شيء ألقيته في حياتي بهذا الموقع، تحب أن تأخذ نصاً للدعاة منقحاً كاملاً، تحب أن تأخذه صوتاً تسمعه قبل أن تنام تأخذه صوتاً، تحب فيديو يوجد فيديوهات، كل شيء ألقي في حياتي الدعوية في أربعين سنة بهذا الموقع، وهذا على الحج غوغل، أنا معكم دائماً، وهناك أسئلة وفتاوى وإجابات، أنت الآن أمر العلم متاح بشكل لا يصدق، فالأرض كانت خمس قارات أصبحت قارة ثم بلداً ثم مدينة ثم قرية ثم بيتاً ثم غرفة ثم مكتباً، الأرض الآن سطح مكتب، العالم كله صغير، وأنت ممكن أن تعرف الله بشكل حثيث متابع، أعطاك قوة مدركة، قوة إدراكية متميزة، هذه القوة الإدراكية مرة ثانية ما لم تملأها بطلب العلم تصبح كما قال تعالى:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[سورة النحل: 21]

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ﴾

[ سورة المدثر : 50]

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة : 5 ]

 هذا كله قرآن، لا يوجد مجال، ليس لنا خيار في طلب العلم، الخيار الوحيد طلب العلم.

بطولة الإنسان أن يرى النعم المستمرة بدوامها لا بزوالها :

 أيها الأخوة الكرام؛ بلادكم مباركة، والله يوجد نعم تفتقدها بلدان أخرى، في بلد التدين تهمة تحاسب عليها، هناك ضبط و أنت متلبس بالصلاة، عندكم نعمة كبيرة جداً، وهناك أطياف بالمجتمع ما في بين طيفين أحقاد تاريخية تقتضي القتل، هذه نعمة ثانية، وهناك دولة تحاسب وتعاقب، لا يوجد عندها قتل، هذه نعم، مثل الذي عنده زوجة صالحة سافر إلى أمريكا مدة شهرين، ما خطر في باله ولا لثانية واحدة أن هناك رجلاً أجنبياً دخل بيته، هذه نعمة كبيرة، لكن لأنها ألفت نسيت، فجاء الدعاء النبوي:" اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها"، النعمة إذا زالت تراها صارخةً، أما إذا استمرت فقد تنساها، فالبطولة أن ترى النعم المستمرة بدوامها لا بزوالها، اشكروا الله عز وجل على هذا البلد الطيب، واشكروا الله على الإيمان الذي أكرمنا به، واشكروا الله على متابعة الأمور العلمية، والحمد لله رب العالمين، وكل عام وأنتم بخير .
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان واحقن دماءهم في الشام.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور