الإسلام عقيدة وعبادة وعمل ومكارم أخلاق :

 سأشرح في هذا اللقاء الطيب مقولة أعلق عليها أهمية كبيرة، هذه المقولة أن الخطأ في الميزان لا يصحح بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، كيف؟ أنا أتصور أن الإسلام مثلث، هذا المثلث مقسم إلى أربعة أقسام؛ أعلى قسم العقيدة، إن صحت صح العمل، وإن فسدت فسد العمل، أهم قسم وأخطر قسم القسم الأول، الثاني العبادات؛ صلاة، صوم، حج، زكاة، ونطق بالشهادة، الثالث المعاملات في البيع والشراء، والزواج والطلاق، والغنى والفقر، وما إلى ذلك، الرابع في الأخلاق. فالإسلام عقيدة وعبادة وعمل ومكارم أخلاق، لذلك أقول: أفضل ألف مرة أن تخطئ في الوزن من أن تخطئ في الميزان، لأن الخطأ في الميزان لا يصحح، في الميزان الكفة أثقل من الثانية بمئتي غرام، لو استخدمته مليار مرة كله خطأ، المليار مرة خطأ، أما إذا أنت وزنت مئة كيلو وتوهمت خطأ مرة واحدة في حياتك فالخطأ في الوزن لا يتكرر، بينما الخطأ في الميزان لا يصحح.
 أب في الشام وضع ابنته في مدرسة لا تدرس مذهب أهل السنة والجماعة، تدرس المذهب الآخر، الآن البنت تعتقد بكفر أبويها، والله جاءني الأب يبكي كالصغار، الخطأ خطؤك، رسخت عندها عقدية خطأ أن الصحابة الكرام كفار، الصديق وعمر وهذا شيء مخيف.
 فهذا ابنك فلذة كبدك، أنا أقول:- في أمريكا وقتها كان كلينتون رئيساً- لو بلغت منصباً ككلينتون، وثروة كأونسيس، وعلماً كأنشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، الإنسان أحياناً يكون مشغولاً في حياته، يكبر ابنه يتفاجأ أن هذا الابن لا ينتمي إليه.
 أنا زرت أستراليا أربع مرات أو خمس، آخر مرة ودعني رئيس الجالية وهو إنسان محترم جداً، وثقافته عالية جداً، أنا بالمطار قال لي: بلغ أخواننا في الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، أستراليا قارة من أجمل قارات العالم، يقدر عدد سكانها بثمانية عشر مليوناً، سورية ثلاثة و عشرون مليوناً، سهول، جبال، سواحل جميلة، قلت له: اشرح؟ تقول: مزابل الشام خير من جنات أستراليا؟ قال لي: يكون ابنك خمسين بالمئة ملحداً والخمسين الأخرى شاذاً، وإن لم تصدقني فاسأل.
 فنحن أخواننا الكرام نتمتع في هذه البلاد الطيبة، والله لا أقولها مجاملة لكم إطلاقاً، لأن في هذا البلد ليس التدين خطأ تحاسب عليه، إذا شخص صلى لا يوجد شخص ضبط متلبساً بالصلاة، التدين هنا ليس تهمة تحاسب عليه، الشيء الثاني يوجد أطياف مثل أي بلد آخر لكن لا يوجد بين طيفين أحقاد تاريخية تقتضي التقاتل، هذه لا تعرفونها إطلاقاً، والثالثة: يوجد دولة، والدولة قوية تحاسب وتعاقب، لكن لا يدخل ببرنامجها القتل داخل السجن، هذه نعم ثلاث لأنكم ألفتموها لا تنتبهون إليها إطلاقاً، لذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزولها" لابد من أن ترى النعمة في طريقين؛ الطريق الصعب أن تزول النعمة، أي الإنسان يمكن أن يمشي بالشارع فتأتيه رصاصة من قناص تنهي حياته، لا يوجد قاض يأخذ له حقه، وهناك إنسان يمشي مطمئناً، لا أقول: لا يوجد خطأ في أي مكان يوجد خطأ، لكن خطأ عن آخر يفرق.

الابتعاد عن الخطأ في العقيدة :

 لذلك أفضل ألف مرة أن تخطئ في السلوك لا سمح الله- ويجب ألا تخطئ أيضاً لكن نقول افتراضاً- من أن تخطئ في العقيدة، أي إذا الله عز وجل قال:

﴿لَقَد رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤمِنينَ إِذ يُبايِعونَكَ تَحتَ الشَّجَرَةِ ﴾

[ سورة الفتح: ١٨]

 وفيهم أبو بكر وعمر، فإذا اعتقدت أن هذين الصحابيين كافران أين بقي دينك؟ انتهى كلياً، فأنا أحذر من أن تخطئ في العقيدة، الخطأ في الميزان لا يصحح، العقيدة ميزان، والخطأ في الوزن لا يتكرر.
 مرة جاءني أب، والله في الشام أنا ما رأيت أباً يبكي كالأطفال كهذا الأب، وضع ابنته في مدرسة لا تدرس منهج أهل السنة والجماعة، فاعتقدت كفر أبويها، لم يترك طريقة بلا جدوى، فقد أقنعوها إن لم تكن على هذا المذهب فأنت كافر، فرأت أن أباها وأمها ليسا على هذا المذهب، يقول لك: مدرسة راقية، لكن أنت خسرت ابنك بهذه المدرسة الراقية، فعلاً يوجد تدريس قوي جداً، وبكل بلد إسلامي يوجد مدارس راقية جداً من حيث المناهج.
 عفواً، هل تصدق أن الفتاة العذراء في العالم الغربي محتقرة، لي أخوان، لي أقرباء في أمريكا، الفتاة العذراء محتقرة، ما أقنعت شاباً أن يحبها، أين نحن؟
 مرة كنت بأمريكا سألت شخصاً عن شارع طويل جداً، قلت له: هذا الشارع على اليمين واليسار كم خيانة زوجية تعتقد؟ قال لي: فوق السبعين بالمئة، أتي ببالي في بلادنا والله لا يوجد واحد بالمئة، أي عندنا قيم ثابتة.

الموضوعية قيمة علميّة و أخلاقيّة :

 أنا أتمنى أخواننا الكرام الموضوعية قيمة أخلاقية، قيمة علمية، تعرف إيجابيات بلدك، شخص في الشام أحبّ أن ينشئ مسجداً، فاختار منطقة اسمها القدم قبل دمشق وأنت داخل، هذا المحسن الكبير بحث عن أرض وجد أرضاً مربعة وباتجاه القبلة، هي أرض مثالية لمسجد، بحثوا عن صاحبها، فوجدوه يعمل مستخدماً في مدرسة، ورث هذه الأرض من شهر، له عم توفي بحادث، وليس له أولا،د ورث هذه الأرض، شخص فقير جداً عنده ثمانية أولاد، بيته بالأجرة، عليه دعوى إخلاء، فجأة ورث أرضاً سعرها خمسة ملايين، وجدوها مناسبة جداً لبناء مسجد، أحد الذين فاوضوه أحد أخواني الكبار، أي أخ عندي له أعمال جليلة جداً هو مهندس فاوضه على خمسة ملايين، لم يقبلوا إلا أربعة، وافق، أخرج دفتر الشيكات سطر له شيكاً بمليونين، قال له: أين الباقي؟ قال له: الباقي عند التنازل، ما التنازل؟ قال: تذهب إلى وزارة الأوقاف و تقدم تنازلاً عن هذه الأرض، نعطيك المليونين، قال له: هذه جامع؟ قال: نعم، قال: أنا أبيع أرضاً سوف تصبح مسجداً؟ قال: نعم، قال: والله أستحي من الله، أنا أولى أن أقدمها لله منكم. إذا دخلت إلى الشام لليسار يوجد أطول مئذنة في الشام، هذا الجامع صاحب هذه الأرض لا يملك من الدنيا شيئاً إلا هذه الأرض، استحى أن يبيع الأرض وتصبح مسجداً فقدمها لله، يقول هذا المحسن الكبير: والله في حياتي ما صغرت أمام إنسان كما صغرت أمام هذا الفقير المعدم الذي قدم الأرض، فهذه قصة في الشام.
 يوجد قصة في لندن، شخص له عمل ديني في مانشستر أي مشرف على جامع وساكن مع رفاقه ببيت في لندن، يخرج كل يوم صباحاً ويرجع، هو خارج قدم للسائق ورقة نقدية كبيرة، رد له السائق التتمة، جلس في المقعد عدها فإذا هي تزيد عشرين بنساً عما يستحق، هذا كونه إمام مسجد دخل في صراع أي يجب أن أردها إليه، لكن هذه شركة معها مليارات أنا بحاجة لها، لكن أنت إمام مسجد هل يعقل أن تأخذها؟ معقول؟ غير معقول؟ دخل في صراع، عندما أراد أن يغادر المركبة دون أن يشعر مدّ يده وأعطى السائق عشرين بنساً، ابتسم السائق قال له: ألست إمام هذا المسجد؟ قال: بلى، قال له: أنا قبل يومين أردت أن أتعبد الله عندك ولكن أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، هذا الإمام وقع مغشياً عليه، قال: يا رب كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً، وكم مسلم يبيع دينه بيمين كاذبة؟ والله بالألوف، يبيع دينه ويحلف باليمين المغلظة أنها برأس مالها هو رابح فيها مئة بالمئة، فلذلك عندما باع الناس دينهم بعرض من الدنيا قليل سقطوا من عين الله، ولأن تسقط من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعك أهون من أن تسقط من عين الله، فقال هذا الشخص الذي ركب بهذه العربة: كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً، هذه بلندن.
 الآن بأمريكا، شخص أعجب بفتاة فاستأذن والده من الزواج منها، قال له: لا يا ولدي، لا تفعل إن تزوجتها لست ابني إطلاقاً، لكن ما الحل؟ أحبّ فتاة ليست مسلمة، واستأذن والده من الزواج منها، فلما استأذن والده قال له: إن تزوجتها فلست ابني، و سأحرمك من الإرث كلياً، هذا بعد شهر فكر قال لها: إن أسلمت أتزوجك، قالت له: أعطني كتاباً أفهم ما هو الإسلام، انتقى لها عشرة كتب باللغة الإنكليزية وطلبت مهلة أربعة أشهر إجازة من العلاقة معه، فتقرأ هذه الكتب، إن قنعت بالإسلام تصبح مسلمة، وإن أسلمت قبل والده أن يزوجه إياها، قرأت الكتب ومضى عليه أربعة أشهر كأربع سنوات، وعندما انتهت المدة اتصل بها قالت له: أسلمت، اختل توازنه من الفرح، قالت له: لكنني لن أتزوجك لأنني بحسب ما قرأت أنت لست مسلماً.
 فنحن نتوهم أنفسنا مسلمين، أحياناً إذا كان هناك سهرات مختلطة، وتعامل ربوي بالبنوك، وبضائع لا ترضي الله، شخص قال لي: أنا أبيع طاولات زهر، قلت له النبي الكريم قال:

((من لعب النرد فكأنما غمس يده في لحم خنزير))

[مسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه]

 قال لي: عليها طلب كبير أستاذ لا أقدر ألا أبيعها، والله يا أخوان عندنا أمراض نفسية تفهم لماذا الله تخلى عن المسلمين؟ يبيع دينه كله بعرض من الدنيا قليل.

العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إن لم تصح العبادة التعاملية :

 إذاً الإسلام مثلث أول قسم: العقيدة، إن صحت صح العمل، وإن فسدت فسد العمل، والقسم الثاني: العبادة، صلاة صوم حج زكاة ونطق بالشهادتين، لكن بالمناسبة هذه العبادات اسمها عبادة شعائرية، وعندنا عبادة تعاملية، العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها كلياً إن لم تصح العبادة التعاملية.
 الآن بالصلاة:

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثورة، قيل يا رسول الله جلهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلو من محارم الله انتهكوها))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

 هذه الصلاة انتهت معناها، الآن الصيام:

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))

[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

 يكون القماش وطنياً، يوجد شريط ذهبي على طرف القماش تكويه يكون مصنوعاً في إنكلترا، هو يصلي يبيع قماشاً وطنياً على أنه إنكليزي والسعر خمسة أضعاف، أين صلاته؟ الناس لا يدخلون السلوك في الدين، يفكر أن الدين فقط في الجامع لا الدين في المعمل.
 أنت تضيف مادة مسرطنة إلى مادة غذائية حتى يصبح لونها أبيض يرتفع سعرها عشر ليرات، أين دينك؟ تبيع مادة مسرطنة؟ يضعون سبيداج في الطحينة يصبح لونها أبيض يرتفع سعرها عشر ليرات، السبيداج مادة مسرطنة توضع في الدهانات، فهذا الذي لم يفهم الدين سبب احتمال الإصابة بالسرطان للناس وهو لا يدري.
 الدين داخل في بيتك، داخل في دكانك، في مكتبك التجاري، في شركتك، في سفرك، في إقامتك، الدين يدخل في كل شؤون حياتك. أنت عندما تفهمه في الجامع غلطت غلطة كبيرة، الدين ليس بالجامع، ما دور الجامع؟ بالجامع تأخذ تعليمات الصانع، و تتلقى التعليمات من درس الدين، وعندما تصلي تبكي في الصلاة، فأنت تلقيت التعليمات في الجامع، وقطفت الثمرة في الجامع، أما أين دينك؟ في بيتك، لذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال:

((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ))

 كل شخص منا هكذا الحياة تقتضي أن يكون أنيقاً مثلاً، ثيابه نظيفة مرتبة، ألوانها متناسبة، ويتعطر، ويحلق، ويرجل شعره، هذا كله عمل، لكن أين دينك؟ في وسط بيتك، قال صلى الله عليه وسلم:

(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))

[الترمذي ]

 لا تقس دينك بعلاقاتك العامة، كل الناس عندهم ذكاء يقتضي أن يكون أنيقاً وثيابه فيها تناسب بالألوان، ومتعطراً، وحالقاً، وشعره مرجلاً، ويبتسم، وينحني نصفين لمندوب الشركة الأجنبية، هذا كله عمل، لكن أين دينك الحقيقي؟ في وسط البيت، يوجد شخص في البيت دبور وخارج البيت لا يوجد أنعم منه، مع رفاقه لطيف ناعم متواضع، يدخل للبيت وحش، امرأته ضعيفة ليس لها أحد أبوها متوفى، وليس لها أحد، يتفنن في إذلالها، يعتقد أنه قوي، الله كبير.

شقاء الابن شقاء للأسرة بأكملها :

 أخواننا الكرام؛ مرة ثانية أفضل ألف مرة أن تخطئ في السلوك من أن تخطئ في العقيدة لأن الخطأ في العقيدة لا يصحح، والخطأ في الوزن لا يتكرر، لذلك سيدنا ابن عمر قال:" دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا".
 كلام النبي صلى الله عليه وسلم:

(( أفضل كسب الرجل ولده))

[الطبراني في المعجم الكبير]

 إذا ابنك خرج عن منهج الله يسبب شقاء للأسرة بأكملها، شخص يرى ابنه غير متدين، مشكلة كبيرة، قال لي: أقسم لك بالله الابن بأستراليا خمسون بالمئة ملحد والأخرى شاذ.
 كنت بأمريكا، يوجد بيت إسلامي، الأب عقيدته سليمة، البنت لا تتزوج شاباً إلا إذا كان قد ولد بأمريكا، المعنى أن الآخر همجي هكذا عندهم، إذا شخص ربى أولاده بهذه البلاد بمدارس يدرسون أن بعض الصحابه كفار، الله يقول لك:

﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤمِنينَ ﴾

[سورة الفتح : 18]

 الله رضي، قال تعالى:

﴿ عَنِ المُؤمِنينَ إِذ يُبايِعونَكَ تَحتَ الشَّجَرَةِ ﴾

[سورة الفتح : 18]

 وفيهم أبو بكر وعمر، وعندك من يعتقد أن هذين الصحابيين كافران، شيء خطير.
 يا أخوان؛ مد مخيف جداً، والله أنا أهنئكم على هذا البلد، أقسم بالله من أعماقي هنا ليس لهم مكان أبداً، واشكروا الله عز وجل.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.