وضع داكن
20-04-2024
Logo
الخطبة : 1068 - ذكرى مولد الرسول - دلائل نبوة النبي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخــطــبـة الأولــى :

     الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

توطئة لذكرى المولد النبوي :

     أيها الإخوة الكرام، مرت ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بد من خطبة تتعلق بهذا الموضوع الكريم.

1 ـ عظمة الرسول:

     بادئ ذي بدء كلكم يعلم أنك إذا وقفت أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم تقول له: يا سيدي، يا رسول الله، أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجاهدت في الله حق الجهاد، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد، ونقول أيضاً: يا سيدي، يا رسول الله، يا من جئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، و نهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع، فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
     لكن هناك مَن يشطح ويقول: إن الكون خُلق من أجل محمد عليه الصلاة والسلام، والحقيقة أن البشر خلقوا ليكونوا على شاكلة محمد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يمثل الكمال البشري:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

( سورة القلم )

     هو قدوة لنا، فلذلك يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

( سورة هود الآية: 120 )

2 ـ وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ

     قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في نصف هذه الآية يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه، فلأن يمتلأ قلبنا إيماناً بسماع قصة سيد الأنبياء والمرسلين أولى، وحينما يقول الله عز وجل:

﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ (69) ﴾

( سورة المؤمنون)

     فالله يدعونا إلى معرفة رسول الله، فالحديث عن أخلاقه، وعن شمائله، وعن منهجه، وعن فضائله، وعن رحمته، وعن لطفه، وعن حلمه، وعن شجاعته، وعن توحيده جزء من الدعوة إلى الله، لأن كلمة الإسلام الأولى: " لا إله إلا الله محمد رسول الله "، وشطر الإيمان أن تعرف النبي صلى الله عليه وسلم، أن تعرف الله وحده لا إله إلا هو، وأن تعرف رسول الله صلى اله عليه وسلم، وحينما قال الله عز وجل:

 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾

( سورة سبأ: الآية 46)

     إذاً: حينما نجلس، ونتدارس سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة النبي، وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، هذا مما توجبه الآية الكريمة.

 

3 ـ لابد مِن حملِ همِّ المسلمين:

     هذا النبي العظيم يوم كان طفلاً عزف عن لهو الأطفال، فلما دعاه أترابه إلى اللعب قال: أنا لم أخلق لهذا، ولما جاءته رسالة الهدى، وحمل أمانة التبليغ دعته السيدة خديجة إلى أخذ قسط من الراحة، فقال كلمة:

(( انتهى عهد النوم يا خديجة ))

[ ورد في الأثر ]

     يحمل عبء الدعوة، يحمل همّ البشر، وكلما ارتقى مقامك عند الله تحمل همّ الأمة، وكلما ضاق أفقك تهتم بذاتك، فكان عليه الصلاة والسلام يقول:

(( وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ ))

[ الترمذي ]

     لأنه حمل همّ البشرية، وكلما علا الإنسان اتسعت دائرة رؤيته، وكلما علا الإنسان اتسعت دائرة اهتماماته.
     كنت قادماً من بلد عربي في شمال إفريقيا إلى دمشق، فلما وصلنا إلى الشاطئ السوري رأيت بأم عيني طرابلس وبيروت معاً، لأنه على ارتفاع ثلاثين ألف قدم ترى أكثر من مئة وثلاثين كيلو مترًا، كلما علا مقام الإنسان اتسعت رؤيته، واتسعت اهتماماته، فلذلك الأنبياء والمرسلون حملوا همّ البشرية، و النبي صلى الله عليه وسلم حمل همّ البشرية جمعاء، وحمل همّ أمته أيضاً.

 

4 ـ كان النبي عليه الصلاة والسلام واحدًا مِن المسلمين:

     أيها الإخوة، حينما دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها وقف خطيباً وقال:

(( مَن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليقتد منه، ولا يخشَ الشحناء، فإنها ليست من شأني، ولا من طبيعتي ))

[ ورد في الأثر ]

     حينما كان مع أصحابه في سفر، وأرادوا أن يعالجوا شاةً قال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليها سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( وعليّ جمع الحطب، فقالوا: نكفيك ذلك، فقال: أعلم أنكم تكفونني ذلك، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه ))

[ ورد في الأثر ]

     حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم في موقعة بدر وجد الرواحل قليلةً، وكان أصحابة ثلاثمئة وأربعة عشر رجلا، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:

(( كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، كَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَا: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ، فَقَالَ: مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا ))

     عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ:

(( بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ ؟ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ... ))

[ البخاري ]

     ماذا تفهمون من هذه النص ؟ كان واحداً من أصحابه، لم يتميز عليهم أبداً، هذا مقام النبوة.
     قال عمر بن الخطاب: (( دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، فَجَلَسْتُ فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ، وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ، وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ، قَالَ:، فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، قَالَ:، مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟، قُلْتُ:، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَمَا لِي لَا أَبْكِي، وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى، وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفْوَتُهُ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ، فَقَالَ:، يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ، وَلَهُمْ الدُّنْيَا ؟، قُلْتُ: بَلَى قَالَ ))

[ مسلم ]

     الحديث عن شمائله، وعن كماله، وعن رحمته، وعن تواضعه لا ينتهي.

 

إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا

     ولكن أيها الإخوة، نحن في ذكرى مولده، لا بد من حقيقة خطيرة جداً، أنا أسأل سؤالا: لماذا يصلي أحدكم ؟ الجواب الطبيعي: لأن الصلاة فرض على كل مسلم، أليس كذلك ؟

﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) ﴾

( سورةالنساء)

     هل يعدُّ الوضوء فرضاً ؟ طبعاً، الوضوء ليس صلاة، يجيب أحدكم: لأن الصلاة وهي فرض لا تتم إلا بالوضوء، فما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، هذه قاعدة أصولية، هذا تمهيد، إذا قال الله عز وجل:

 

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾

( سورة الحشر )

     سؤال دقيق: هذا الأمر الإلهي الذي يقتضي الوجوب، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، هذا الأمر ما لوازمه التي تعد فرضاً مثله ؟ أن تعرف ماذا آتاك، وأن تعرف عما عنه نهاك، إذاً: كما أن الصلاة فرض، لأنها أمر في القرآن الكريم:

 

﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) ﴾

( سورةالنساء)

     كذلك أن تأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ونهيه فرض، وهذا الفرض لا يتم إلا أن تعرف ما الذي آتاك رسول الله، وعن أي شيء نهاك.

 

معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية فرض عين:

     إذاً: الحقيقة الأولى في هذه الخطبة المتعلقة بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم أن معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية فرض عين على كل مسلم، لابد لكل بيت مسلم من كتاب حديث، وليكن من كتب الصحاح، وليكن رياض الصالحين، تأليف النووي رحمه الله عز وجل، هذه سنة، صلاته، صيامه، حجه، زكاته، معاملته لأهله، حالته في السلم، حالته في الحرب.

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

     آية ثانية لقد قال الله عز وجل:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) ﴾

( سورة الأحزاب)

     كيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ؟ إن لم نعرف سيرته، فحينما أراد الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لنا أسوة لنا نبراس لنا من لوازم هذا أن نعرف كيف كان في بيته كيف عامل زوجته كيف عامل أولاده كيف عامل جيرانه كيف كان في سلمه كيف كان في حربه كيف كان في السراء كيف كان في الضراء، إذاً بند آخر في هذه الخطبة، معرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم.

 

ماذا يعني الاحتفال بعيد المولد ؟

1 – ليس المديح فقط:

     ماذا يعني الاحتفال بعيد المولد ؟ بعض الناس يفهمون من الاحتفال أن نمدحه، والمديح رائع وجميل، ولكن المديح مع الأسف الشديد لا يقدم ولا يؤخر، أنتَ أنت، وهو هو، هو في عليائه، وأنت في بُعدك، لكن الذي يطلب منا في ذكرى مولده ليس أن نكتفي بمديحه، يجب أن نمدحه، لأنه بذكر الأنبياء والمرسلين تتعطر المجالس، وبذكر اللؤماء والطغاة تتعكر المجالس.

2 – لابد من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم:

     لكن لا ينبغي أن نكتفي بمديحه صلى الله عليه وسلم، بل لا بد من أن نتبعه، لأن الله عز وجل لن يقبل دعوى محبته إلا بالدليل، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾

( سورة آل عمران الآية: 31 )

 

دعوى محبة النبي لا بد لها مِن دليل :

     لم يقبل الله عز وجل دعوى محبته إطلاقاً إلا بالدليل، والدليل اتباع النبي، لذلك يمكن أن نفسر ما يجري في العالم الإسلامي من مآسٍ لا يعلمها إلا الله بسبب عدم اتباع النبي، والدليل:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (33) ﴾

(سورة الأنفال)

     هذه الآية في حياة النبي عليه الصلاة والسلام واضحة، لكن الإشكال بعد حياة النبي، ماذا تعني هذه الآية ؟ قال علماء التفسير: يا محمد، ما دامت سنتك ومنهجك وأمرك ونهيك مطبقاً في حياة المسلمين فهم في مأمن من عذاب:

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

(سورة الأنفال)

     أما إذا لم يطبقوا منهجك لا في بيوتهم، ولا في أعمالهم، ولا في كسب أموالهم، ولا في إنفاق أموالهم، ولا في حلّهم، ولا في ترحالهم، إن لم يطبقوا سنتك حلّ بهم العذاب كما ترون.

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (33) ﴾

(سورة الأنفال)

3 – العكوف على سيرة النبي القولية والعملية:

     أيها الإخوة الكرام، أن نعكف على سنة النبي القولية، وأن نعكف على سيرة النبي العملية، أن نتفهمها، وأن نعمل بها، هذا جزء أساسي من الاحتفال بعيد المولد، لكن المسلمين ألِفوا أن يرفعوا الزينات، وأن يضعوا اللافتات، ويوزعوا الحلويات، وأن يمدحوا خير البرية، شيء رائع، لكن لا يكفي، لأن الطالب لما يرتدي ثيابا أنيقة، ومعه أقلام جيدة، ومحفظة جيدة، ومعه كتب جديدة، هذا جميل جداً، لكن لا يقرأ إطلاقاً، يأخذ الأصفار في المواد كلها، هذا المظهر لا يكفي، لا يقدم ولا يؤخر، هو ضروري وجميل، لكن لا يقدم ولا يؤخر، فلذلك ليكن في خاطر كل واحد منا أنه لا يعد محتفلاً بمولد النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا طبق سنته، هل دخلت إلى البيت ؟ النبي إذا دخل بيته سلّم على أهله، هل سلمت على أهلك ؟ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:

(( أكرموا النساء، فو الله ما أكرمهن إلا كريم ))

     هل تكرم زوجتك ؟
     كان يقول:

(( فإنهن المؤنسات الغاليات ))

[ الحاكم والطبراني عن عقبة بن عامر بسند ضعيف ]

     كان يداعب أولاده، فكانوا يركبون على ظهره في البيت، هل أنت في البيت واحد من أهل البيت ؟ تداعب أولادك، وتضمهم وتشمهم، وتثني على زوجتك، تقول لزوجتك: الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ؟ هل تفعل هذا،
     كيف أنت مع أصحابك ؟ كيف كان النبي مع أصحابه ؟ كان واحداً منهم، قال:

(( وعلي جمع الحطب قالوا: نكفيك ذلك، فقال: أعلم أنكم تكفونني ذلك، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه ))

[ ورد في الأثر ]

     أنت في نزهة، هل سوّيت نفسك مع الإخوة، أم تميزت عليهم، وجلست، وهم صنعوا الطعام، ثم تقدمت لتأكل، هم تعبوا، وجاءوا بالأغراض من السوق، وأنضجوا الطعام، ماذا فعلت أنت ؟
     أيها الإخوة، أتمنى على كل واحد منكم أن يقرأ سيرته على مراحل، وأن يحاول تطبيقها في البيت، وفي العمل.
     أحد أحدث جلبة وضجيجً من أجل أن يلحق ركعة مع رسول الله، فكيف تعامل معه النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من صلاته ؟ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ:

(( أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا ـ أثنى عليه ـ وَلَا تَعُدْ ))

[ البخاري ]

     هل تعامل موظفيك بهذه الطريقة ؟ إذا كان عندك موظف أمين، لكنه تأخر، هل تنسى أنه أمين وتحاسبه على التأخر فقط، وتقسو عليه ؟ لا، قل له: أنا أقدر أمانتك، وأعرف اهتمامك، لكن هذا التأخر لا ينبغي أن يكون، تعلّم هذا من رسول الله.
     القصة طويلة، والسيرة فيها تفاصيل دقيقة جداً، أقسم لكم بالله إنك إذا قرأت سيرته فإن سيرته وحدها منهج كامل، فلذلك ينبغي أن نعد ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم مناسبة لمعرفة سنته القولية، ولمعرفة سيرته العملية، ولتطبيق سنته القولية، والأخذ بسنته العملية.

 

لا تعجبوا من شراسة الكفار اتجاه النبي ، فإن الشيء مِن معدنِه لا يُستَغرَب !!!

     قد يعجب بعض المسلمين أن هناك هجمة شرسة على سيدنا رسول الله صلى اله عليه وسلم:
     أولاً: أطمئنكم أنه لا تستطيع جهة في الأرض أن تنال من النبي صلى الله عليه وسلم، والله أنا شبهتُ هذا الذي تطاول على النبي في الدانمارك بإنسان أحمق حمقاً لا حدود له، وغبي غباء لا حدود له، وساذج سذاجة لا حدود لها، كيف ؟ حينما تطاول على رسول الله أراد أن يطفئ الشمس ببصقه من فمه، والشمس في كبد السماء وقت الظهر، فتوجه نحوها حتى كانت صفحة وجهه توازي قبة السماء، وبعزم متين أطلق بصقته فارتفعت أربعين سنتمترا، ثم ارتدت إلى وجهه، وبينه وبين الشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، هذا الذي حدث والله، أطلق هذه البصقة ليطفئ نور الشمس، فارتدت إلى وجهه، والشمس في عليائها، وقد كنا في الدانمارك، والآن نحن مع هولندا، كل فترة هناك دول تتنافس بعرض هذه الصورة المشينة، نقول لهم جميعاً: ما ضر السحابَ نبحُ الكلاب، وما ضر البحر أن ألقى فيه غلام بحجر، ولو تحول الناس إلى كناسين ليثيروا الغبار على هذا الدين ما أثاروه إلا على أنفسهم، ويبقى الدين في عليائه.

لا أحدَ يستطيع أن يفسد على الله هدايتَه لخلقه :

     أيها الإخوة الكرام، هناك حقائق أنا أحب أن أطمئنكم، أقسم لكم بالله، وقلّما أقسم، إنني مؤمن بها كإيماني بوجودي، أو كإيماني بكل خلية في جسمي، بل بكل قطرة من دمي، إن قوى الأرض مجتمعة لا تستطيع أن تفسد على الله هدايته لخلقه، لأن الله عز وجل، وهو الإله العظيم قال:

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾

( سورة الليل )

     تولى الله بذاته هداية الخلق، هل تستطيع جهة أرضية أن تلغي هذه الهداية ؟ مستحيل، لذلك قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ (36) ﴾

( سورة الأنفال)

     في الجزائر أنشأت فرنسا أربعة آلاف كنيسة لا على مستوى القرية، بل على مستوى المزرعة، وهي الآن كلها مساجد والإسلام يزداد، وأكبر دين ينمو هو الإسلام، وفي فرنسا أصبح الدين الثاني.

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ (36) ﴾

( سورة الأنفال)

الطغيان لا يدوم ، ومآله الزوالُ :

     الشيء الثالث لن يسمح الله لطاغية في الأرض من آدم إلى يوم القيامة وفي القارات الخمس، لن يسمح الله لأيّ طاغية أن يكون طاغية إلا ويوظف ظغيانه لخدمة دينه والمؤمنين، قل لي: ما الدليل ؟ قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ(4)وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ(5)وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6) ﴾

( سورة القصص )

لا دوام لنجاح خطط الأعداء :

     الشيء الرابع: إن جهة قوية مهما طغت وبغت، مهما تغطرست، مهما استعلت، مهما استكبرت، مهما تطاولت، لو أنها خططت لبناء مجدها على أنقاض الشعوب، لبناء رخائها على إفقار الشعوب، وبناء قوتها على إضعاف الشعوب، لبناء غناها على إفقار الشعوب، لبناء ثقافتها على محو ثقافة الشعوب، لبناء عزتها على إذلال الشعوب، أن تنجح هذه الخطط على المدى البعيد، هذا يتناقض مع وجود الله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ))

[ أبو داود ]

     اطمأنوا، ولا تقلقوا على هذا الدين، إنه دين الله، ولكن اقلقوا ما إذا سمح الله لكم أو لم يسمح أن تكونوا جنوداً له، ولا تعجبوا، ولا ترهبوا من انتشار الباطل، الآن الباطل قوي جداً، ومنتشر في شتى بقاع الأرض، والباطل معه الإعلام، ومعه الدولار، ومعه الأموال، ومعه التحالفات، فأيّ عدوان على أي مكان في العالم ثلاثون دولة مع المعتدية على الباطل، لا تقلقوا، الباطل قديم، ولكن ينبغي أن نقلق إذا انفرد الباطل في الساحة، ما دام هناك بقع ضوئية فهذه تتنامى هذه تتسع، فلذلك الإسلام ينمو نمواً عجيباً، لأن كل الأنظمة الوضعية أصبحت في الوحل، ولم تحقق هذه الأنظمة أية سعادة وسلامة للإنسان.

 

لم يَبق في الأرض إلا مبادئ الإسلام :

     أقول لكم بكل وضوح: إن كان هناك سطح عليه المبادئ والقيم في الأرض فهناك ثلاث كتل كبيرة: الإسلام، والشرق، والغرب، الإسلام لا شرقية ولا غربية، كان هناك شرق ثم تداعى من الداخل، وبقي الغرب والإسلام، الغرب قوي جداً، يعد لنا من مئتي عام، ونحن نائمون، فلما تملك زمام القوة فرض ثقافته على كل الشعوب، فرض طغيانه على كل الشعوب، الغرب قوي جداً، وذكي، وغني، وطرح سابقاً قيما رائعة جداً، طرح قيمة الحرية، وقيمة الديمقراطية، وقيمة حقوق الإنسان، وحق التقاضي، وتكافؤ الفرص، لكن هذا اليوم الحاسم، الحادي عشر من أيلول، في هذا اليوم سقط الغرب كحضارة، وبقي قوة غاشمة، ولم يبق على سطح المبادئ والقيم إلا الإسلام، وهذا أكبر كسب قد لا ينتبه إليه معظم المسلمون، لذلك هذا العالِم الذي قال: " أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بللغرب على الأقل في المدى المنظور، ولكنني مؤمن أشد إيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لا لأنهم أقوياء، ولكن لأن خلاص العالم في الإسلام، ولكن بشرط أن يحسنوا فهم دينهم، وأن يحسنوا تطبيقه، وأن يحسنوا عرضه على الطرف الآخر ".
     هذه ورقات العالم أيها الإخوة، أن نحسن فهم هذا الدين، وأن نحسن تطبيقه، وأن نحسن عرضه على الطرف الآخر.

وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

     أيها الإخوة.

﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾

( سورة آل عمران )

     إن صح التعبير نحن في العناية المشددة، نحن أمراضنا قابلة للشفاء، لذلك يشدد الله علينا، أما الطرف الآخر فقد خرج عن نطاق العناية الإلهية الآية أشارت إلى هذا المعنى:

 

﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ﴾

( سورة الأنعام الآية: 44 )

     أتمنى أن نكون ممن أصيب بالتهاب في معدته حاد، وله طبيب كبير وعظيم، فشدد عليه بحمية لا تحتمل، والثاني مصاب بمرض خبيث منتشر في كل أحشائه، فلما سأل هذا الطبيب: ماذا آكل ؟ قال: كل ما شئت.
     نرجو ممن نكون ممن أصيب بالتهاب في المعدة حاد، ونحن خاضعون لحمية شديدة جداً، ومعالجة قاسية، ونتمنى ألا نكون ممن شردوا عن الله عز وجل شرود البعير، فقال الله تعالى في حقهم:

 

﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ﴾

( سورة الأنعام الآية: 44 )

     أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

 

* * *

الخــطــبـة الثانية :

     الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحكمة من عدم قطع رأس الذبيحة :

     من عادتي أيها الإخوة أن أشير من حين إلى آخر إلى شيء في الإعجاز العلمي في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك موضوع ذكرته لكم عدة مرات، لكن هنا مناسبته الدقيقة:

1 – أوامر النبي وحيٌ من الله:

     النبي صلى الله عليه وسلم عاش في الصحراء، وكان أمياً، لكن الله تولى تعليمه، فأمرنا إذا ذبحنا الدابة ألا نقطع رأسها، وليس على وجه الأرض مركز علمي يستطيع تفسير حكمة أن نذبح الدابة من أوداجها، والوريد السباتي أضخم وريد ؛ أن نقطعه فقط دون أن نقطع رأسها، ولا بعد مئة عام تبينت حكمة هذا التوجيه، ولا بعد مئتي عام، ولا بعد خمسمئة عام، ولا بعد ألف عام، ولا بعد ألف وأربعمئة عام، إلا أنه قبل عقدين من الزمن اتضحت الحقيقة، من أجل أن تعرفوا ماذا يعني توجيه النبي صلى الله عليه وسلم، توجيه النبي ليس من ثقافته، ولا من خبرته، ولا من معطيات عصره، ولا من اجتهاده، توجيهات النبي وحي يوحى.

2 – مراكز التوليد الكهربائي في القلب:

     القلب البشري كتمهيد، لأنه العضو النبيل الذي توقف الحياة على ضرباته، لو توقف القلب لانتهت حياة الإنسان، لذلك هناك مركز كهربائي في القلب يعطيه الأمر بالنبض ذاتي كمستشفى تجرى فيها عمليات قلب مفتوح دم المريض يوصل بقلب كهربائي فلو انقطعت الكهرباء العامة على هذه المستشفى مات المريض فلا بد لكل مستشفى يجري فيها عمليات قلب مفتوح من مولدة خاصة بالمستشفى والقلب كذلك، عنده مركز توليد كهرباء ذاتي يمد القلب بثمانين نبضة في الدقيقة فقط، فإذا تعطل هناك مركز آخر يحل محله، وإذا تعطل هناك مركز ثالث يحل محله، أرأيت إلى حكمة الله عز وجل ؟

كيف يتصرف الإنسان في حال الخطر ؟

     لكن الإنسان يحتاج إلى مئة وثمانين نبضة، هذه كيف تكون ؟ لها آلية معقدة، إذا مشى إنسان في بستان، ورأى أفعى ماذا يحدث ؟ تنطبع صورة الأفعى على شبكية العين إحساساً، شبكية العين ليس في إمكانها قراءة الصورة، تنتقل للدماغ إدراكاً، في الدماغ مفهومات الثعبان تلقاها هذا الإنسان من قصة عن الأفعى ساهمت في مفهوم الأفعى، درس في كتاب العلوم درساً عن الأفاعي والثعابين، ساهمت هذه المعلومات في تكوين الأفعى، رأى أفعى في متحف، هذا كله ساهم في تشكيل ما يسمى الأفعى.
     مرة كنت في مدينة، زرت متحف الثعابين، كنتُ أمام ثعبان طوله اثنا عشر مترًا، ثخين بيني وبينه أربعة سنتمترات، كيف ؟ هناك بلور بيننا، فالإنسان مشاهداته، قصص، معلومات تشكل مفهوم الثعبان، وهذه المفهومات مركَّزة في الدماغ، حينما تنقل الصورة إلى الدماغ تقرأ الصورة في ملفات الثعبان، والدماغ ملك الجهاز العصبي يدرك أن هذا الشيء لدغته مميتة، فالدماغ أوامره كهربائية، يلتمس من ملكة إلى جواره اسمها الغدة النخامية هي ملكة الجهاز الهرموني، وأوامرها هرمونية، باعتبار هو ملِك، وهي ملكة، ليس بينهما أمر، لكن بينهما التماس ورجاء.
     ملك الجهاز العصبي يلتمس من ملكة الجهاز الهرموني عن طريق ضابط اتصال تحت السرير البصري، يلتمس منها أن تواجه الخطر، هذه الملكة عندها وزير داخلية اسمه الكظر، هو فوق الكلية، ترسل أمرا إلى هذا الوزير، أن هناك مشكلة فواجِه هذا الخطر، الكظر يرسل خمسة أوامر:
     أول أمر: إلى القلب برفع النبض إلى مائة وثمانين نبضة، الخائف لو قست نبضه لوجدته مئة وستين إلى مئة وسبعين ومئة وثمانين.
     الأمر الثاني: إلى الرئتين، فيزداد وجيب الرئتين.
     الأمر الثالث: إلى الأوعية المحيطية بالجلد، فتضيق لمعتها، فإذا ضاقت لمعتها ذهب الدم الذي وفرته إلى العضلات، فالخائف يصفر لونه.
الأمر الرابع: للكبد، بإطلاق كمية سكر إضافية، سكر الخائف مئتان وخمسون، في الوضع الطبيعي ثمانون، وفي الوضع الاستثنائي مئتان وخمسون.
     في الدم سكر إضافي، و هرمون التجلط، ولون أصفر، ونبض عال، و وجيب رئتين متسرع.

3 – الأمر الاستثنائي لإخراج دم الذبيحة:

     هذه مقدمة، الدواب نفس الشيء في تشابه في الأجهزة، لو أننا قطعنا رأس الدابة لبقي النبض على الأمر الذاتي بثمانين نبضة، وثمانون نبضة لا تخرج جميع الدم، تخرج خمسة وعشرين بالمئة من الدم، ويبقى الدم في الدابة، والدم مكان الجراثيم والأمراض والأوبئة والسموم، إذا بقي الرأس موصولاً عمل الأمر الاستثنائي الذي عن طريق الغدة النخامية للكظر، ارتفع النبض مئة وثمانين، والوجيب ازداد، فإذا بقي رأس الدابة موصولاً يخرج الدم كله من الدابة، فلا يبقى فيها دم إطلاقاً، والدم نجس كما تعلمون.
     هذه الحقيقة أكدها معظم الأطباء إلا أن صديقاً لي ذهب إلى بلد في شرق آسيا ليشتري اللحم كموظف رسمي، فلما طالبهم بالذبح بهذه الطريقة رفضوا، قالوا: بهذه الطريقة نخسر كثيراً، لأنه يبقى ثمانية كيلو دم في الدابة، هذه نخسر قيمتها، وإن أردت هذه الطريقة فينبغي أن نرفع السعر.
     العالم كله يعلق الدابة من رجليها، ويقطع رأسها، والحقيقة دقيقة جداً، آلية معقدة جداً اكتشفت قبل عقدين من الزمن.

وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى

     إذا قرأت قوله تعالى:

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

( سورة النجم )

     يجب أن تعلم مَن هو هذا النبي الكريم.

 

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾

( سورة الحشر )

 

الدعاء :

     اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك في أعدائك يا أكرم الأكرمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور