وضع داكن
29-03-2024
Logo
برنامج فاسالو أهل الذكر - الندوة : 1 - فاسألوا أهل الذكر ، أهمية الشباب ودورهم في نهضة الأمة .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أيها الأخوة والأخوات؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم معنا إلى هذا اللقاء الجديد.
أيها الأحبة؛ إن فتوة الشباب الواعي الذي يجمع بين الحق والقوة ونضارة الحياة وسمو الروح خير حافز على النهوض بالأمة، وتحقيق أهدافها، وهل يريد الإسلام غير إشاعة روح الفتوة في شبابه ومقاومة الانحراف والتطرف والوهن والانغلاق؟ وإنشاء جيل فتي في كيانه وتفكيره، طاهر في خلقه وسلوكياته ومنهجه في الحياة.
الشباب أيها الأحبة هم أمل المستقبل، وعماد الأمة، وأسباب نهضتها وتقدمها، في حلقة هذا اليوم سنتحدث عن أهمية الشباب، ودور الشباب في نهضة الأمة، وللحديث حول هذا الموضوع يسرنا أن نرحب بعالم جليل من علمائنا الأجلاء، وداعية إسلامي من الدعاة المعروفين فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، فأهلاً ومرحباً بكم سماحة الدكتور.
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع :
وهذه فرصة طيبة تكن ضيفاً لنا في هذا البرنامج.
الدكتور راتب :
أشكر لكم هذه الدعوة.
المذيع :
دكتور نحن نعرف أن شباب الأمة الإسلامية وخاصة في بدايات الدعوة كانوا من الشباب، من دخلوا بالإسلام من الشباب؛ أمثال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عبد الله بن أبي بكر، وأيضاً بلال، وكلهم شباب استطاعوا أن ينهضوا بالأمة، وأن يبنوا كيانها، وأن ينشروا هذا الدين إلى العالم، لكن التكنولوجيا الحديثة وعصر الاتصال وما جرى فيه أثّر على شبابنا، كيف يمكن إصلاح الشباب من خلال العقيدة؟ رغم أن هناك مؤسسات لها دور كمؤسسة الأسرة، ومؤسسة المدرسة، مؤسسة الجامعة، النوادي والأحزاب وما شابه ذلك أيضاً نتعرض لهم إن شاء الله، تفضل سماحتك.

 

العناية بالشباب لأنهم عماد الأمة و مستقبلها :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الحقيقة الدقيقة أن الإسلام توقيفي، لا يضاف عليه ولا يحذف منه، إن أضفنا عليه هذا اتهام ضمني بالنقص، وإن حذفنا منه هذا اتهام ضمني بالزيادة، فالإسلام توقيفي ولكن التجديد يأخذ منحيين؛ المنحى الأول أن تنزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، والتجديد الآخر أن ينجح الخطاب الديني في تحفيز الشباب، الشاب إنسان، والإنسان له عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، فإذا خاطبنا عقله وزودناه بالعلم، وخاطبنا قلبه وزودناه بالحب، الحب الذي يسمو به، ثم فكرنا في إنعاشه بحرفة يحترفها، أو مصدر رزق يعيش به، نكون قد حققنا أهدافه كلها، هؤلاء الشباب إذا توافرت لهم حرفة، أو فرصة عمل، وتوافر لهم مسكن متواضع، وزواج من فتاة على شاكلته، نأخذ بيدهم إلى الله، وإلى الجنة، فهم عماد الأمة عندئذ وسبب نهضتها، لكن هؤلاء الشباب - لا سمح الله ولا قدر- إذا وجدوا في مجتمع لم يوفر لهم لا حرفة، ولا مسكناً، ولا زواجاً، هؤلاء الشباب إحباطهم وخيبة أملهم تنقلهم إلى التطرف، وهناك تطرف تفلتي كالإباحية، وتطرف تشددي كالتكفير والتفجير، فنحن أمام خطرين لأن الشباب عماد الأمة، الشباب مستقبل الأمة.

دور الشباب في نهضة الأمة :

لكن هناك ملمحاً دقيقاً أن سيد الخلق وحبيب الحق يعين شاباً لا تزيد سنه عن سبعة عشر عاماً قائداً لجيش من جنوده أبو بكر وعمر، هذا ملمح للمستقبل، هذا الشاب القائد الذي سيدنا الصديق أحد جنوده، وسيدنا عمر أحد جنوده، وهو في سن أولادهما، هذا الشاب سيدنا أسامة، كان يركب الناقة وسيدنا الصديق يمشي، قال له: يا خليفة رسول الله لتركبن أو أنزلن، قال له : والله لا ركبت ولا نزلت، وما عليّ أن تغبر قدماي ساعة في سبيل الله.
حين نرعى الشباب نساهم في انتصار الأمة
ما هذا الملمح الخطير؟ شاب في السابعة عشرة من عمره يقود جيشاً من جنوده الصديق، وعمر الفاروق، هذا ملمح خطير ودقيق للشباب، الشاب له دور كبير في الأمة، دور كبير في النهضة، دور كبير في التقدم، دور كبير في انتصار الأمة، لكن حينما نرعى الشباب، نوفر لهم فرص عمل، نوفر لهم تعليماً راقياً، نوفر لهم مسكناً يأوون إليه، نكون قد ملكناهم، ومستقبلنا في شبابنا، لكن يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

(( ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب ))

[ أخرجه أبو المظفر السمعاني عن سلمان ]

إن الله عز وجل ليباهي الملائكة بالشاب التائب، يقول :

(( انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي ))

[ ابن السني الديلمي في مسند الفردوس عن طلحة ]

فأنا أرى أن هذه الأمة نهضتها منوطة بشبابها، وهذا النهوض يحتاج إلى تعاون كبير، كأن الشيخ يحمل الحكمة، والشاب يحمل القوة، هذه السيارة لها محرك، الحقيقة الشاب هو المحرك، والمنهج هو الطريق، والذي يقود السيارة هي الأمة، هذا الشاب يأخذ بيد الأمة إلى التقدم على منهج الله ورسوله.
المذيع :
لابد من إعداد هذا الشاب إيمانياً، النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ... شاب نشأ في طاعة الله...))

[ البخاري عن أبي هريرة]

كيف يمكن إصلاح هؤلاء الشباب بالعقيدة؟ تجد الشاب المؤمن، الشاب الذي يلتزم بمنهج الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم يعلم علم اليقين أن الأنبياء عملوا في رعاية الغنم، والنجارة، والحدادة، هؤلاء الشباب يرفضون بعض المهن، وهو بالتالي يبقى عاطلاً عن العمل، ويبني مستقبله على آمال قد لا تتحقق، ويذهب إلى مجتمع الرفاق الذي قد يذهب به إلى جماعات التطرف، وإلى أخذ المال بسرعة، أي يريد أن يكون له مال كثير وبسرعة من خلال شراء هؤلاء الشباب أو توجيههم الوجهة غير الصحيحة، وينمي رغباته المادية والحياتية.

 

خطة الأقوياء السيئة في معاملة المسلمين :

الدكتور راتب :
والله أنا مضطر أن أقول كلاماً سلبياً كي ننتبه، هناك خطة لئيمة غادرة سيئة للأقوياء في معاملة المسلمين، أولاً: أكدوا على أن المرأة التي لا تعمل هذه ليست جيدة مع أن أعلى عمل ترقى إليه امرأة أن تكون سيدة بيتها وأولادها، فالمرأة حينما أقنعناها أن تخرج من البيت، وأن تدع أولادها للخدم، ثم انتبهنا إلى المدرسة فجعلنا دخل المعلم أقل دخل في المجتمع، من استقطبنا إذاً؟ الضعاف، الضعاف علمياً ومن شتى النواحي، ثم هاجمنا المراجع الدينية، ثلاث مؤسسات يعلق عليها الآمال الكبيرة في نهوض الأمة؛ الأسرة أولاً، والمدرسة ثانياً، والمرجعات الدينية ثالثاً، فإذا طعنا في المرجعيات الدينية ثم جعلنا المعلم في أدنى دخل، حتى لا نستطيع أن نستقطب الأذكياء والعباقرة، ثم هاجمنا المرأة التي تعيش لأولادها، نكون قد حققنا خطة من أعداء الأمة هجرة العقول إلى الغرب أضعف الأمة
لأن الحقيقة أحد علماء النفس كورس رسم خطاً بيانياً فيه تقريباً خمسة بالمئة وتسعون بالمئة وخمسة بالمئة، بالذكاء يوجد خمسة بالمئة تفوق، وخمسة بالمئة تخلف، وتسعون بالمئة وسط، دائماً هؤلاء الخمسة العباقرة فلتات الزمان يعول عليهم في بناء الأمة، في توجيه الأمة، في الكشوفات العلمية، في قيادة الأمة، هؤلاء لأننا نحن ما عرفنا قيمتهم في الدول النامية غادروا إلى الغرب، فبقيت الأمة لا بأدمغتها، بل بعامتها وهؤلاء لا يستطيعون أن يحققوا شيئاً، هذه مشكلة اسمها سرقة الأدمغة، الإنسان إذا تفوق في أول سنة بالجامعة يعطونه أملاً أن يعطى جنسية، وبيت فخم، ودخل كبير، فنحن إذا سحبنا هؤلاء الأذكياء والمتفوقين من مجتمعاتهم بقي المجتمع بلا قادة.
وقد لا أبالغ إذا قلت: في في ديترويت وحدها خمسة آلاف طبيب من بلد عربي يحملون البورد، خمسة آلاف طبيب يحمل البورد في ولاية بأمريكا - ديترويت صغيرة- نحن هذا الذي علمناه الابتدائي والإعدادي والتوجيهي والجامعي حتى أخذ الدكتوراه في بلده، وانتقل إلى بلد غربي لينال الاختصاص هذا سرق منا.
أقول لك: هناك مشكلات نعاني منها، فحينما لا نعطي المتفوقين حقوقهم قد ينصرفون إلى بلاد أخرى، فأنا أقول: الشاب هو المعول عليه في تقدم الأمة، لكن يحتاج إلى حدّ أدنى، يحتاج إلى فرصة عمل، يحتاج إلى مسكن، إلى زوجة، أعطه حاجته، أعط الإنسان كرامته بالدخل وحريته وخذ منه كل شيء.
المذيع :
لكن سماحتك مرات الإمكانيات قد لا تخدم، قد لا تساعد أن يكون راتبه في بلده كراتبه في دولة أجنبية، تقوم بإغرائه، أليس من حق هذا البلد الذي عاش فيه وترعرع أن يضحي ويقبل بالمستوى المقبول لدى الجميع؟ خاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه تركوا أموالهم وهاجروا بالدعوة، صهيب الرومي، لما سألوه قال: خلوا بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وخذوا مالي. قالوا له: هو موجود في المكان كذا وكذا، وبالتالي تنازل عن كل المال في سبيل بناء الدولة، وفي سبيل نهضتها، وفي سبيل نشرها للعالمين، نحن نحمل رسالة قبل أن نكون هدفاً مادياً بحتاً.

تكريم المعلم يدفعه إلى البذل و التضحية :

الدكتور راتب :
عندنا كان وزير تربية قال كلمة: إذا أردت أن أدعو على إنسان أن يكون أشقى الناس أدعو عليه أن يكون معلماً، و إذا أردت أن أدعو لإنسان أن يكون أسعد الناس أدعو له أن يكون معلماً.
المعلم حينما يحمل رسالة صار موجهاً، صار قطباً، صار منقذاً صار أحد أركان الأمة، فنحن نريد أن نقنع المعلمين الذين يتولون تربية هذا الجيل أن يتحرك بقيم بمبادئ، فهذه الحقيقة شيء خطير جداً أن أقلل من شأن المعلم، وقد بلغني أن المعلم في ألمانيا حينما يعين في قرية البيت الأول هو له، فكلما اعتنينا بالمعلم كان هو السبب الأول في بناء الأمة، من هنا كانت الأنظمة الحديثة تقتضي أن يكرم المعلم تكريماً يدفعه إلى البذل والتضحية، هذا لا يعني أن هناك إنساناً دخله قليل لكنه صاحب مبدأ، لكن بلغ حداً من الإيمان ركل بقدمه كل المغريات في أن يسافر إلى بلد آخر، وأنا أقول دائماً: الذي يحمل رسالة إنسان آخر، أنا أريد أن نكثر في التعليم من أصحاب الرسالات، إنسان معه رسالة إنسان آخر، والثاني مرتزق، هناك مرتزق وهناك صاحب رسالة، أنا أعرف أناساً عملوا في التعليم ثلاثين عاماً، جاءتهم فرص ليجمعوا الملايين فرفضوا، قال: أنا متاح لي أن أوجه خمسين طالباً بالقيم الإسلامية، بالمبادئ، أن أوجه هؤلاء لعلهم يكونون قادة الأمة، فلذلك التعليم كلما التقيت بأخ معلم أقول له: كرمك الله بهذه الحرفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( وإنما بعثت معلماً ))

[ الحارث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

التعليم مهمة نبيلة لا يجب أن تخضع للمغريات

 

((فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى الله بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ))

 

[متفق عليه عن سهل بن سعد الساعدي ]

فلذلك قضية قيم، فنحن بالمناهج حينما نعتني بالمبادئ والقيم ونؤكد عليها غير لو أننا أهملنا المبادئ والقيم، صار المقياس مادياً، فالحرفة التي تدر عليه دخلاً أكبر يتجه الشاب إليها، نحن نريد شباباً يؤمنون بأمتهم وبدينهم وبقيمهم، وأصحاب رسالة، هذا يحتاج إلى مناهج، إلى معلم قدوة لطلابه.
المذيع :
سماحتك هناك هجمة شرسة على الإسلام والمسلمين، هناك اتهامات كثيرة نتيجة ممارسات لبعض من يسمون بمسلمين أعطوا صورة مشوهة عن الإسلام، كيف لنا أن نغير هذه الصورة في أبنائنا حتى يعطوا الصورة الحقيقية للإسلام؟ ذهبنا إلى الغرب إلى بعض الدول قيل لنا إننا كنا نتصور أن العرب والمسلمين عبارة عن وحوش يعيشون في الصحراء، إذاً هناك صورة غير حقيقية تنقل إلى الغرب، وعندما يرون معاملات المسلمين و خاصة المسلم الذي يفهم الدين الحقيقي ويعطي صورة صحيحة عنه تنقلب هذه الصورة وبالتالي يراجع الغرب نفسه، كيف لنا أن نربي أولادنا أن يحملوا كما حمل المسلمون الأوائل الدين إلى بقاع العالم وانتشر الإسلام إلى الصين بأخلاق المسلمين وبمعاملاتهم وسلوكاتهم؟

 

القدوة أشدّ الأساليب فعالية في بناء شخصية الإنسان :

الدكتور راتب :
و الله أنا أعتقد أن أشدّ الأساليب فعالية في بناء شخصية الإنسان هي القدوة، فأنا أقول: القدوة قبل الدعوة، أنت بالقدوة تعلمه بعينه لا بأذنه، وفرق كبير بين من يتعلم بأذنه أو بعينه، وقيل: الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، فالقدوة قبل الدعوة، أب محترم لم يتكلم كلمة لا تليق في البيت لسنوات عديدة، هذا البيت منضبط، هذا البيت يخرج الأولاد متفوقين تفوقاً رائعاً جداً، القدوة قبل الدعوة، أنا ماذا أقول؟ ثم الإحسان قبل البيان، افتح قلب ابنك بالإحسان ليفتح لك عقله للبيان، العملية التعليمية معقدة تحتاج إلى قدوة، تحتاج إلى علم متين، تحتاج إلى شمول، له حياته الخاصة، له حياته مع أصدقائه.

 

العناية بدين الابن و إيمانه :

أنا أقول لك كلمة علمية: ثبت أن الأب والأم والعم والخال والأخ الأكبر وكل الأشخاص الكبار في البيت مع معلم المدرسة ومع شيخ المسجد ومع الداعية على الشاشة هؤلاء جميعاً تأثيرهم يقدر بأربعين بالمئة، ويأتي التأثير من أصدقائه ستين بالمئة، فأنا أناشد أي أب وأي أم أن يعلم الأب بالضبط من هو صديق ابنه، وأن تعلم الأم بالضبط من هي صديقة ابنتها، والتأثير ستون بالمئة، فنحن حينما نهتم بأولادنا، حينما نربيهم، مثلاً يدخل الأب يقول لزوجته أكلوا؟ كتبوا الوظائف؟ لكن لا يسألها صلوا العشاء؟ فحينما يكون البيت منضبطاً، الأب حريص على دين أولاده، الحقيقة هناك ملمح بالحديث دقيق جداً:

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

[ أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

هو يطعمه ويكسوه لكن ما اهتم بدينه، ما اهتم بإيمانه، فأنا أقول دائماً: عندنا عاطفة أبوية وعاطفة أم، أنت تتصور أن يصدر قانون بأي بلد بإلزام المواطنين بتناول طعام الإفطار؟ مستحيل، ليس له معنى، الله أودع محبة الأبناء في قلوب الآباء لكن هذه المحبة تترجم إلى حرص على الصحة فقط والدراسة، لكن نحن نهملهم دينياً، هذا الابن يصاحب رفقاء السوء، يطلع على مقالات غير ملتزمة ينحرف، فالأب يكتشف فجأة أن ابنه لا ينتمي إليه، فقلت في أمريكا كثيراً منذ عشرين سنة تقريباً أو خمسة عشر، قلت لهم : لو بلغت منصباً ككلينتون، وثروة كأوناسيس، وعلماً كأنشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
أيها الأخوة الكرام أتوجه للأخوة المشاهدين؛ الذي يعتني بأولاده يعتني بنفسه، لأن حالة قرة العين التي جاءت في القرآن الكريم لا يعرفها إلا من ذاقها، يكون عندك ابن صالح، محترم، صادق، أمين، عندك بنت صالحة، مهذبة، محتشمة، هذا الشيء لا يعرفه إلا من فقده، والآية تقول:

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

[سورة الفرقان : 74 ]

لابد أن يكون الأب حريص على دين أولاده
أنا أقول كلمة لعلي أقنع الناس بها: بطولة الأب أنه إذا دخل البيت كان دخوله عيداً لأولاده، وهناك أب آخر إذا خرج يكون العيد، تحتاج إلى مودة، محبة، تأكل مع ابنك، تسأله عن دروسه، عن وظائفه، تجري حواراً معه، حدثني أخ أن البطولة أن يكون هناك وجبة طعام ثابتة في الأسرة يجتمع الجميع حولها، ولتكن طعام العشاء، طعام الصباح، لا بد من حوار، لا بد من سؤال وجواب، تربية الأولاد عملية معقدة جداً تحتاج إلى احتياطات كبيرة جداً، لكن أقسم لك بالله شعور الأب الذي نجح بتربية أولاده لا يوصف، تجد الناس تقول له: ابنك، يغمى عليه، أما حينما يعتني بابنه فسيقطف ثمار هذه العناية.
المذيع :
لا يمكن أن يكون هناك بر بالآباء- الأب والأم- إلا إذا كان هناك رعاية ومعاملة حسنة، معاملة طيبة مع هؤلاء الأولاد، وبالتالي هؤلاء الأولاد يريدون أن يكافئوا، وبالتالي لو تركنا الأولاد في مجتمع الرفاق أو الشلة يكون تأثيرهم ستين بالمئة على هؤلاء الأولاد أكثر من الأب والأم، خاصة إذا كان الأب والأم يعملان، وبالتالي هو لا يسأل عن هذا الولد، وبالتالي هذا الولد قد يزين له الشيطان كثيراً من المغريات، ونجد أن الولد إما أن يكون قد أدمن على المخدرات أو التحق بجماعات إرهابية وما شابه ذلك.

 

على كلّ إنسان أن يقيم أمر الله فيما كلف به :

الدكتور راتب :
والله يا سيدي الأم التي تعبد الله فيما أقامها - هناك ملمح لطيف- امرأة قامت قيام الليل، وصلت وبكت في الصلاة، وخشع قلبها، وسالت دموعها على الأرض، لكنها في الساعة السادسة تعبت فآوت إلى فراشها وعندها خمسة أولاد، فطلبت من أولادها أن يتدبروا شأنهم، أحد أولادها ثيابه غير نظيفة فتلقى عقوبة في المدرسة، والثاني لم يكتب وظيفته، أنا أقول: هذه المرأة لو استيقظت قبل طلوع الشمس بنصف ساعة، واهتمت بأولادها، بثيابهم، بهندامهم، بترجيل شعرهم، بوظائفهم، بكتبهم، هذه المرأة الثانية أقرب إلى الله ألف مرة من التي قامت الليل كله، وأهملت أولادها، الثانية عابدة لله فيما أقامها، فلذلك أنا أقول دائماً: ما جعل الله الغني غنياً إلا ليصل بماله إلى أعلى درجات الجنة، وما جعل الله القوي قوياً إلا ليصل بقوته إلى أعلى درجات الجنة، وما جعل العالم عالماً إلا ليصل بعلمه إلى أعلى درجات الجنة، وما جعل الله المرأة امرأة إلا لتصل بأنوثتها وأمومتها إلى أعلى درجات الجنة، لذلك:

(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا بامرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: من هذه يا جبريل؟ قال: هي امرأة مات زوجها، وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهم))

[ الأدب المفرد للبخاري ]

لذلك حينما ذكر الله امرأة تشتكي إلى رسول الله زوجها، سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، قالت للنبي؟ زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال، فلما كبرت سني، ونثر بطني، وتفرق أهلي، وتبدد مالي، قال: أنت عليّ كظهر أمي، ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، أنا أربيهم وهو ينفق عليهم.
أنا أقول: هذا البيت يجب أن يكون جنة، أنا أتمنى وأنا أعني ما أقول: لا علاقة للدخل ولا للرفاه ولا لنوع الطعام ولا لاتساع البيت في هذا، هذه كلها أشياء لا تقدم و لا تؤخر، هناك بيت فيه حب، بيت فيه ود، هذا البيت الذي فيه حب يجلب الأولاد إليه، يأتي إلى البيت وعنده عيد، وهناك بيت فيه شقاق، فيه صراخ، فيه كلام قاس، هذا البيت أول ظاهرة فيه يهرب الأولاد منه إلى أصدقائهم، إلى الطريق، فأنا أتمنى على الأخوة المشاهدين بجهد لا بأس به أن يجعلوا بيوتهم جنة، ومرة ثانية هذا الشيء لا علاقة له بالدخل، قد يكون الطعام خشناً، قد يكون البيت صغيراً، لكن فيه حباً، أنت تنجذب إلى الحب، فالبيت جنة، والبطولة الأكبر أن يكون دخول الأب إلى البيت عيداً.
المذيع :
السعادة ليست بالمال، بارك الله فيك لحظات ونعود إليكم .
أيها الأخوة والأخوات؛ أيها المشاهدون الأحبة؛ أهلاً ومرحباً بكم معنا من جديد، وأرحب بضيفنا الكريم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أهلاً ومرحباً بكم.
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع :
دكتور دور علماء الدين في تربية هؤلاء الأبناء، وتوجيههم التوجيه الصحيح خاصة وأن هناك قد يجدون ازدواجية، هناك من يفتي بفتوى الجهاد وقتل غير المسلم، وهناك من يفتي بحرمة ذلك، أي كيف يكون للعلماء دور في توجيه هؤلاء الشباب حتى يظهروا الصورة الحقيقية والمشرقة عن الإسلام؟

 

تربية الطفل على قوة الشخصية والجرأة والصراحة والاستقامة :

الدكتور راتب :
أولاً: كما أن الأمة بحاجة إلى من يموت في سبيلها، هي في أمس الحاجة إلى من يعيش في سبيلها، أنت حينما تتفوق في العلم، وتبني حياة تسهم في نهوض الأمة أنت بطل، الأمة بحاجة إلى أمثال هذا الإنسان، أنا حينما أوجه ابني إلى عمل يعود على الأمة بالخير، حينما أشعر ابني أن الحياة قيم، الحياة مبادئ، أذكر مرة أن سيدنا عمراً جاءه ملك الغساسنة مسلماً، يبدو أثناء طوافه حول الكعبة داس بدويٌّ من عامة الناس دون قصد طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فالتفت إلى هذا الأعرابي ضربه ضربة هشمت أنفه، هذا الأعرابي ليس له إلا سيدنا عمر يشتكي إليه، ذهب إليه، واشتكاه، سيدنا عمر جاء بهذا الملك جبلة بن الأيهم، وهناك أعرابي من عامة الناس، من دهمائهم، من سوقتهم، وقف أمامه نداً لند، شاعر في سوريا صاغ الحوار شعراً فسأل سيدنا عمر جبلة: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟ قال جبلة: لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي. فقال عمر: أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك و تنال ما فعلته كفك، صعق جبلة. قال: كيف ذلك يا أمير؟ هو سوقة، وأنا عرش وتاج؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضا؟ قال عمر: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً. فقال جبلة: كان وهماً ما جرى خلدي أنني عندك أقوى و أعز، أنا مرتد إذا أكرهتني. فقال عمر: عنق المرتد بالسيف تحز، عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
لابد من تنمية شخصية الطفل
سيدي عندما تربي أمة على المبادئ ما قولك أن سيدنا عمر عملاق الإسلام القائد الكبير يمشي في أسواق المدينة، مجموعة أولاد لما رأوه هابوه فتفرقوا إلا واحداً بقي واقفاً، قال له عمر: أيها الغلام لمَ لم تهرب مع من هرب؟ قال له: أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك.
هذا موقف حينما تنمي شخصية الطفل، مرة دخل وفد من الحجازيين على عبد الملك بن مروان خليفة الأمويين، فيبدو أنه قد تقدم هذا الوفد طفل صغير في العاشرة من عمره، الخليفة انزعج، قال له: أيها الغلام اجلس وليقم آخر مكانك، فهذا الطفل الصغير تبسم و قال: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس، صعق الخليفة، حينما نربي أولادنا على قوة الشخصية والبطولة والجرأة والصراحة والاستقامة، هذا الابن يسعد أمه، هناك ملمح في الآية:

﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ﴾

[ سورة آل عمران: 36 ]

الله يعلم أن هذه الأنثى سوف تنجب سيدنا عيسى، أنا أخاطب الأمهات جميعاً بهذا اللقاء الطيب، أنت حينما تنجبين طفلاً، وتعتنين بتربيته، حتى يكون علماً في أمتنا، كل أعماله في صحيفتك، والدليل قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾

[ سورة الطور: 21 ]

المذيع :
دكتور نتحدث عن الدعوة والدعاة وإصدار أحكام دون الرجوع إلى المفتين أو أهل العلم، وبالتالي الله عز وجل يقول:

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

[ سورة النحل: 125]

كثير من الآيات التي تبين طريقة الدعوة وأسلوب الدعوة، لكن نجد بعض الدعاة لا يلتزمون بقول الله عز وجل، ويصدرون بعض الأحكام التكفيرية التي تجر الشباب إلى الانحراف وإلى التطرف، هؤلاء كيف نستطيع أن نميزهم ونعرفهم؟ شبابنا خاصة الشباب المتحمس الذي يكون حريصاً على الإسلام ويسمع فتوى ثم ينخرط ويقتل وحكم القتل سواء كان مسلماً أو غير مسلم ما نشاهده في العالم العربي والإسلامي من قتل، ماذا نقول للناس حتى نكون التزمنا منهج الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؟

 

رعاية الأولاد رعاية تامة و تأمين حاجاتهم الأساسية :

الدكتور راتب :
سيدي الحقيقة أن الأمر منوط بالدعاة، كلام قطعي، لأنهم يملكون الخطاب الديني، والخطاب الديني إذا نجح أقنع غير المسلم، وإن لم ينجح رفضه المسلم، لذلك أخي الكريم بارك الله بكم، هذا الشاب حينما ينشأ في مجتمع يؤكد على قيمة الإنسان، الإنسان هو المخلوق الأول عند الله، كلام دقيق ومعه أدلة، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

حينما يقنعه أنه المخلوق الأول والمخلوق المكرم، قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء : 70 ]

حينما يصلح الشباب تصلح الأمة
والإنسان هو المخلوق المكلف، كلفه الله بعبادته، والعبادة هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية. هؤلاء الشباب طاقة كبيرة، هؤلاء الشباب أمل الأمة، هؤلاء الشباب يقودون الأمة، لكن يحتاج الشاب إلى حاجات شبابية يجب أن نرعاها، وما لم نعتن بشبابنا المستقبل مخيف، لأن هناك صوارف وعقبات الآن الصوارف أمام أهل الحق كبيرة جداً، أحياناً مشهد من فيلم يغير طبيعة هذا الشاب، فهناك صوارف وعقبات، فإذا صببنا اهتمامنا على هذه الصوارف وتلك العقبات الصوارف منعناها والعقبات ذللناها كسبنا شبابنا، وصدق ولا أبالغ حينما يصلح الشباب تصلح الأمة، وما في أب أهمل أولاده في بداية زواجه ثم اكتشف أن هذا الابن لا ينتمي إليه عاش حياة لا يمكن أن توصف من الشقاء، لذلك قال تعالى:

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

[سورة الفرقان : 74 ]

والله أنا أتـمنى أن يرعى المسلمون أولادهم رعاية تامة.
المذيع :
لكن سماحتك تتصدى للجهلة من المفتين أو لمن يسمون بالمفتين، أو قد يكون مفتياً للجماعة، تصدر الجهلة لهذه الفتوى ألا يؤثر على رسالة الإسلام؟ وألا يؤثر على صورة الإسلام وشباب الإسلام؟ بحيث أنهم يظهرون العنف والتطرف والانغلاق والقتل، مع أن الله عز وجل يقول:

﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴾

[سورة المائدة: 32]

ما قال: من قتل مسلماً، قال: من قتل نفساً، والنفس لفظ عام.

 

ضرورة تعاون علمائنا و تناصرهم للنهوض بشباب الأمة :

الدكتور راتب :
والله هذا اجتهادي أنني ساهمت بفضل الله بتأسيس رابطة لعلماء الشام، أردت أن تكون الفتوى موحدة حينما نجتمع نقوى جميعاً في موقف واحد مما يجري في العصر، فتاوى موحدة، توجه واحد، فنحن إذا تمنينا على علمائنا أن يتعاونوا لا أن يتنافسوا، أن يتناصروا لا أن يتراشقوا التهم، أنا أقول لك كلمة: هؤلاء العلماء إذا تعاونوا وتناصحوا وتبادلوا الخبرات يرتفعون جميعاً عند الله وعند الناس، فإذا تنافسوا و تراشقوا التهم فيما بينهم حفاظاً على مصالحهم صدق ولا أبالغ سقطوا جميعاً من عين الله، ومن عين الناس، لذلك العالم الآن هو المعول عليه، الحضارة بالخمسينات متألقة ثم اكتشفنا أن الغرب متوحش هو يحقق مصالحه بأي أسلوب، أي إذا أتيح له أن يحققها بأسلوب ناعم ممكن، أما حينما تصطدم مصالحه مع أسلوبه فيختار الأسلوب المتوحش، نحن حينما سقط الغرب هذه نعمة كبيرة، الغرب لفت نظر الأمة، لفت نظر الشباب، حينما ترى الغرب قوة كبيرة لكن ليست ملتزمة، ليست هادفة، ليست إنسانية، نحن حينما سئل توفيق الحكيم ماذا نأخذ وماذا ندع من حضارة الغربيين؟ فقال: نأخذ ما في رؤوسهم، وندع ما في نفوسهم. فما قولك لو أخذنا ما في نفوسهم من تفلت ونسينا ما في رؤسهم من علم؟ وقعنا في شرّ اعمالنا، فنحن ينبغي أن نتخير من الغرب علمه، وأن نعتز بثقافتنا، كنت في أستراليا وحينما غادرتها ودعني رئيس الجالية هناك، وقال لي كلمة كأني صعقت قال لي: بلغ أخواننا في الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، لما سألته لماذا؟ قال: صدق ولا أبالغ وإن شئت فاسأل معظم الشباب إما شواذ أو ملحدون، تصورت أسرة في عمان ترى الشاب مؤمناً، يبر والديه، الفتاة محجبة، نحن عندنا إيجابيات كبيرة جداً، لكن نحن نجلد ذواتنا كل يوم، تعودنا على جلد الذات، لكن والله عندنا إيجابيات لا يعلمها إلا الله.
شاب أحب فتاة في أمريكا فاستأذن والده من الزواج منها، قال له: لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري، فلما أحبّ ثانية أختك وأمك لا تدري، و الثالثة كذلك، ضجر من أبيه، وشكا إلى أمه، قالت له: خذ أياً شئت أنت لست ابنه وهو لا يدري.
هناك تفلت كبير، وإباحية، وتطاول، أتقنوا الدنيا، الله أثبت لهم إتقان الدنيا قال تعالى:

﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة الروم : 7 ]

لكن أمور القيم والمبادئ ابتعدوا عنها، أو اخترعوا مبادئ جديدة متعلقة بالعمل فقط.
المذيع :
سماحتك إلى أي درجة الآن من الاستقرار والطمأنينة والتعاون والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد هذا يحقق للإنسان أن يؤدي عبادته وأن يؤدي حياته بالصورة التي يريدها الله عز وجل؟

 

التعاون بين أبناء الأمة واجب عليهم :

الدكتور راتب :
سيدي التعاون فرض لأن العلماء يقولون: كل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب. الله عز وجل قال:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾

[ سورة المائدة :2]

ينبغي أن نتعاون
نحن حينما نأمر بالتعاون ينبغي أن نتعاون، لأن الحقيقة الدقيقة - سامحني -المسلمون يملكون نصف ثروات الأرض، والمسلمون معهم خطاب ديني واحد، يملكون مقومات الوحدة بما لا تملكها أمة أخرى، ومع ذلك بأسهم بينهم، الغربيون بينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، والمسلمون يتقاتلون وبينهم خمسة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، وهذه وصمة عار في حقنا، المسلمون كما قلت قبل قليل نائمون في ضوء الشمس وأعداؤهم يعملون في الظلام الدامس، و الذي يعمل في الظلام ينتصر على النائم في ضوء الشمس.
أنا أقول: الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، إذا إنسان معه شيك مزور الأفضل أن يعرف أنه مزور أو يقدمه إلى مصرف فيقاد إلى السجن، فأنا أقول: الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
المذيع :
سماحتك أنت عالم من علمائنا.
الدكتور راتب :
طالب علم.
المذيع :
الحقيقة تقال ولك جمهورك، احترامك ومحبينك كثر في هذا العالم.
الدكتور راتب :
جعلني الله أهلاً.
المذيع :
لكن نريد من سماحتك كلمة كيف يجب أن يكون المسلمون في علاقاتهم؟ هل يجوز قتل المسلم للمسلم؟ هل يجوز تدمير بيته؟ كيف نعيد حساباتنا ونراجع أنفسنا؟ لعل الله عز وجل يحقن دماءنا ويحفظ أمننا واستقرارنا في بلادنا.

 

تحقيق استقرار البلاد و أمنها بالتعاون و التناصر :

الدكتور راتب :
أعوذ بالله، والله شيء مؤلم جداً، والله شيء يتفطر القلب له، أنا الذي أشاهده في بعض البلاد، بلاد عديدة سيدي في اليمن في ليبيا شيء مخيف، شيء العقل لا يصدقه، أرجو الله عز وجل أن تكون هذه التجارب التي تعيشها منطلقاً لنا لحياة أخرى، وكنت أقول من باب التفاؤل: إن شاء الله نرى بلادنا في وقت لاحق بلاد أخرى، فيها تعاون، فيها تناصر، فيها تسامح، فيها فرص عمل، فيها نظام ديمقراطي يحقق حرية الإنسان وكرامته، هذا من باب الأمل.
المذيع :
كلمة في نصف دقيقة تقدمها لشباب الأردن في هذا البلد الآمن المستقر المطمئن.

 

استقرار البلاد يكون بالمحافظة على الأبناء و العناية بهم :

الدكتور راتب :
سيدي عقب عيد من الأعياد الإسلامية لو إنسان زار صديقه، ابنه الصغير عمره عشر سنوات قال له: يا عم أنا معي مبلغ عظيم، كم تقدره؟ أنا أقول: مئة دينار، صح؟ فإذا قال مسؤول كبير بالبنتاغون: أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً، أنا قدرته بثلاثمئة مليار دولار، فإذا قال الله عز وجل:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء : 113 ]

أي أعظم شيء على الإطلاق أن تعرف الله:

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

فإذا عرفنا الله، وعرفنا أمره ونهيه تفانينا في طاعته، أما إذا عرفنا الأمر ولم نعرف الآمر تفننا في معصيته، والقضية مصيرية، سيدي الإنسان ينجح من السابع إلى الثامن إلى التاسع إلى العاشر، لكن التوجيهي علامته تحدد مصيره، طب أو طب أسنان أو هندسة أو أي اختصاص ليس له عمل إطلاقاً، أنا أقول: عندنا مراحل مصيرية، نحن حينما نربي أولادنا والأب والأم أقول لك كلمة لا يمكن أن يعفى الأب والأم من المسؤولية، تقول: هناك فساد، أنت أب وأنت تستطيع أن تعمل بيتك إسلامياً، أنت تستطيع أن تقيم الإسلام في بيتك، وفي عملك، والإنسان حينما يقيم الإسلام في نفسه أولاً، وفي بيته ثانياً، وفي عمله ثالثاً أدى الذي عليه بقي من الله الذي له.
المذيع :
إذاً هذه وصية للآباء والأمهات أن يحافظوا على أبنائهم كي نحافظ على بلدنا آمناً مستقراً مطمئناً.
الدكتور راتب :
وأنا أدعو أن يجعل هذا البلد أمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، وهناك شكر عام من الأخوة الذين قدموا لهذا البلد، وجلسوا فيها، حيث رأوا معاملة طيبة جداً، فأنا أدعو لهذا البلد من أعماق أعماقي أن يحفظه من كل شر.

 

خاتمة و توديع :

المذيع :
بارك الله فيك، أيها الأخوة والأخوات؛ أيها المشاهدون الأحبة؛ في نهاية هذا اللقاء أتقدم بجزيل الشكر وخالص الامتنان والتقدير لفضيلة الداعية المعروف سماحة الشيخ الدكتور العلامة الشيخ محمد راتب النابلسي، شكراً لكم، بارك الله فيكم، أنتم أيها الأخوة والأخوات؛ أيها المشاهدون الأحبة؛ لكم منا أجمل تحية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور